تلخيص سياسّي حولَ التطوّرات السياسيّة والأمنيّة الأخيرة

2008-01-15

طغى اليوم الحدث الأمنيّ المتمثل بالتفجير الإرهابيّ في منطقة الكرنتينا:

لا شكّ أنّ السفارة الأميركيّة مستهدفة بالتفجير، و"الاختيار" مقصود أي أنّه سياسيّ بإمتياز. بل أكثر من ذلك أنّه تصعيد نوعيّ في الأهداف إذ يطال التمثيل الدبلوماسيّ في لبنان والبعثات.

ولا شكّ أيضاً أنّ التفجير الأمنيّ هو رسالة سياسيّة عشيّة عودة الأمين العام للجامعة العربيّة عمرو موسى الى بيروت.

وكانت زيارة موسى السابقة أستُبقت باستهداف دوريّة لليونيفل في الرميلة، وخلال وجوده "السابق" حدثت "الأزمة" على الحدود.

وإذا كانت جريمة إغتيال اللواء فرنسوا الحاج قد استبقت بإغلاق الضاحية الجنوبيّة تحت عنوان الاعتراض على انقطاع الكهرباء، فانّ التفجير اليوم تلى عصياناً على طريق المطار أمس بعنوان الإحتجاج على رفع سعر الخبز (وهو أمر كاذب) وتزامن مع عصيان اليوم على طريق المطار أيضاً بذريعة سعر الكهرباء والأسعار (الضاحية لا تدفع الفواتير!).

إذاً يأتي عمرو موسى مسبوقاً برسالة أمنيّة – سياسيّة لكنّه مسبوق بتصعيد من جانب "المعارضة" ينسف المبادرة العربيّة نسفاً:

على قاعدة "خذوا أسرارهم من صغارهم"، لفتَ اليوم ما أعلنه سليمان فرنجيّة من أنّ المبادرة لمصلحة 14 آذار ولا تقبل الا بالثلث المعطل. وإعتباره كلام وزير الخارجيّة السعوديّ سعود الفيصل أمس نسفاً للمبادرة بالتوازي مع هجومه على البطريرك "الموظف عند أميركا وفرنسا والأكثريّة" كما ادعى!.

بين مغادرة موسى الأسبوع الماضي وعودته غداً تعدّدت مواقف "المعارضة" من خارج المبادرة: الثلث المعطل تارةً، المساواة في الحكومة تارة أخرى، إنتخاب الرئيس من الشعب تارة ثالثة، والحوار الثنائي تارة رابعة والموسّع تارة خامسة والانتخابات المبكرة تارة سادسة الخ..

إذاً تصعيد سياسيّ وآخر أمنيّ يسابقان المبادرة العربيّة.

غير أنّ زيارة موسى غداً تحصل في مناخ سياسيّ ضاغط عربيّاً ودولياً:

بعد كلام الفيصل أمس ودعوته سوريّا إلى استخدام علاقاتها بحلفائها لتسهيل الحلّ العربيّ وكلام الوزير الفرنسيّ كوشنير عن التوّجه إلى الأمم المتحدة، موقف اليوم للوزير المصري أحمد أبو الغيط وفيه رفض للمثالثة في الحكومة المقبلة، ودعم لحق الأكثريّة في أن تكون لها أكثريّة الوزراء كما فيه تهديد بأنّ الأشياء ستسمّى بأسمائها في إجتماع 27 الجاري.

تزامن ذلك مع موقف تركي عبّر عنه الرئيس التركي عبدالله غول من القاهرة اليوم بوجود الرئيس حسني مبارك، يدعو إلى انتخاب الرئيس اللبنانيّ أولاً و"بعد ذلك تعالج القضايا الأخرى على التوالي".

لا شكّ أنّ الموقف العربيّ والدوليّ يزداد حماوة: الضغط المركز على النظام السوريّ وعلى مسؤوليّته عن التعطيل، التهديد بفضحه، والتهديد بعدم عقد القمّة في سوريّا.

صحيح أنّ ما سبق ذكرُه يمثل أقصى الضغط "السياسي" العربيّ، لكنّه مهمّ من زاويتين: الأول أنّ الموقف العربيّ يهدّد النظام السوريّ بعزلة عربيّة ذروتها إلغاء القمّة في دمشق، والثانية أنّ هذا الموقف ضروري ل14 آذار أي ضروري ل"التوازن" العام بينها وبين النظام السوريّ و"معارضته".

وغنيّ عن القول إنّ تزايد حماوة الموقف العربيّ "تفتح" على حماوة إضافيّة في الموقف الدوليّ، في إطار التناوب بين "التعريب" و"التدويل". وهنا أيضاً صحيح أنّ للموقف الدوليّ سقفاً، أي أنّه ليس مفتوحاً على "عمل حاسم" لا سيّما في المدى المنظور لكن مهمّ جداً أن يعود النظام السوريّ إلى عزلة دوليّة – وعربيّة – وهو لا يتحملهما وإن كان يتظاهر بانّه "مش فارقة معه".

الكلام السابق يتناول الحالة "الواقعيّة"، أي لا نتحدّث عن "أوهام" أو "تخيّلات"، وجميعنا كان يتمنّى لو يُردع نظام الأسد بأيّ وسيلة (فعلاً بأيّ وسيلة)، لكن "الموجود" إذا كان أقلّ من تمنياتنا فهو مع ذلك يدخل في التوازن العام.

حدّدت 14 آذار صيغة تعاطيها مع المبادرة العربيّة:

لا تفاوض على "المبادرة" وأصحابها – العرب – يقولون أنّها للتنفيذ.

لا حوار حول العناوين التي تثيرها "المعارضة" من خارج المبادرة.

الصمود الصمود.

تشديد التنسيق عربياً ودولياً.. كي "لا تفتر" همّة أحد.

تشديد الخطاب الفاضح لمواقف "المعارضة".

في السياق نفسه، مواقف مهمّة اليوم للبطريرك المارونيّ:

إعلانه أنّ ثمّة تواطؤاً بين "المعارضة" والنظام السوريّ (ولو من دون أن يسميّهما مباشرة)، وقوله أنّ "الوجود السوريّ كان عسكرياً وأصبح سياسياً". وقوله أيضاً أنّ التعطيلين الداخليّ والخارجي هما من "المصدر عينه".

تأكيده أنّ كلّ شيء وارد: نحن مع الحلّ اللبناني أوّلاً والحلّ العربيّ ثانياً والحلّ الدوليّ ثالثاً متوقعاً الوصول الأخير الذي وصفه بأنّه "أبغض الحلال".

قوله أنّه ليس مع الصوت الوازن أو الصوت الضامن أو المعطل: "هناك أكثريّة وأقليّة والأكثريّة هي التي تتولى الحكم".

رفضه طرح عون: "الشعب الذي لا يتمكن من أن يختار نوابه لا أدري ما اذا كان باستطاعته أن يختار دفعة واحدة رئيس الجمهوريّة".