ولي الفقيه الماروني

عبدالله قيصر الخوري

أن يتبوأ السيد حسن نصرالله المنابر، ويعبّر عن مكنونات ما يخططون له كوكلاء للثورة الايرانية في لبنان والجوار، يبدو ذلك منسجماَ مع الباع الطولى التي تخوّلهم السطوة على البيئة الشيعية، والبطش والاغتيال عندما تدعو الحاجة، وليس آخراً أن يبدو “حزب الله” قوة اقليمية، ترصد الأهداف، وتسوّق التبريرات و تتجاوز الحدود كلها بسطاً للانفلاش الايراني في الأقليم الشرق أوسطي قاطبة.

أمّا أن ينبري من يحجز لمصالحه تحالفاً مع الحزب الالهي ويسدّد للطائفة التي تحتويه الضربة الغادرة تلو الاخرى، ويقدم ذاته مشروع الرئيس القوي من دون سواه والذي لا يلتئم مجلس النواب لغيره من المرشحين، فهذا لم يعد مبلوعاً عند الموارنة والمسيحيين عموماً وليس مهضوماً أيضاً لديهم وقد ضاقوا ذرعاً بمسيرة الجنرال “حصان طروادة” جاسمة على صدورهم منذ أن استحال وتكتله معبراً لمشروع الوليّ الفقيه الفارسي وبتوقيع ماروني مزعوم ومستهجن.

أما ما هو أدهى واعتى أن يتمدد الجنرال ببنات أفكاره فيوّليها على مرجعية المسيحيين المشرقيين وينقضّ في الأمس القريب مع بعض الملافنة من تكتله على البطريرك الماروني رافضين زيارته الرعوية الي فلسطين والقدس، مشكلين بذاتهم بوقاً ينفخ فيه “حزب الله” ما يبيته من أفكار زجرية تجاه الحضور المسيحي الحرّ والفاعل، ويصدحون بحناجر مستأجرة ومسّخرة لتغطية مسيرته التوسعية، مقرونة بنهج استيطاني يقضم العقارات تارة بالترغيب عبر سلطان المال والحاجة الى الامان الاوفر و طوراً عبر قرقعة السلاح كما هو حاصل في لاسا من اعتداء سافر طال أمده على أرزاق الناس والبطريركية المارونية حيث سقطت الحقوق واستبيحت الحرمات.

أمّا أن يتناغم “الجنرال” مع ما يضمره “حزب الله” للرئاسة الأولى من تذويب وتصفية الارادة المارونية واعاقة سبلها الديمقراطية تبعاً للأصول الدستورية، تلك الارادة أطلّت من كنف الجسم المسيحي بمرشح تتضافر فيه الصفات التمثيلية والصلابة التاريخية والترسخ في الدفاع عن كرامة المسيحيين في مواجهة مريرة مع الجنرال وذريّته السياسية التي تحمل في تلاوينها ما هو مشترك بين قيّم ولاية الفقيه الايرانية، وحداثة البراميل المتفجرة للنظام الاسدي في سوريا، وما يروج له ويجهد في استجداء تأييد الحلفاء لترشحه للرئاسة، هذا التأييد القابع حصراً في مخيلة الجنرال وصحبه ولم يبصر النور حتى اللحظة، فيممّ شطر الأخصام ينشد فيهم النخوة والمروؤة، بعد أن كان هجاهم هجواً مقظعاً لم يفقه اليهم الفرزدق والجاحظ في زمان تألقهم.

أما أن يقتحم الجنرال بالبساطة ايّاها مؤسسة نوبل السويدية العريقة، ليزيّن صدر بشار الأسد بجائزتها للسلام فهو حكماً لم ولن يكون يوماً سليل “المارونية التاريخية” التي صارعت طوال ستة عشر قرناً طواغيت من فئة الأسد، لأجل البقاء المتجذر والحضور الحرّ الكريم، وهي اليوم لا تجاريه نزقه بتأليه الذات وازدراء الآخر، و بسياسة النكد والاستبداد والادبار السريع عندما تدور الدوائر، كما تصرف في الثالث عشر من تشرين الأول 1990 مهرولاً الى السفارة الفرنسية، و عزمه أيضاً باللجوء الى منطقة جزين في الثالث من شباط من العام نفسه عقب جموحه باتجاه تصفية “القوات اللبنانية”.

 أما أن يتجاهل الجنرال ما يتعاقب على اعلانه جهاراً قادة ايران في خضم النهم التوسعي  الأقليمي، والذي يتجاهل السيادة والكيان والأعراف، كمثل التصريح الاستراتيجي الذي جذب حدود ايران الى جنوب لبنان ولم يستوجب ذلك رفة جفن من تكتله الفضفاض، بيد أنهم تصدّوا بعوارض جهادية للدكتور فارس سعيد في معرض انتصارهم لـ”حزب الله” في لاسا وضربهم عرض الحائط بمصالح الطائفة المارونية وبكركي.

أما أن يحشر “الجنرال” المسيحيين في شرنقة الثلاثة أضلع الى جانب السيّد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري، مدعيّاً تمامية تمثيلهم وبنهج متعرّج ومتناقض لم يتجانس يوماً الا ومصالحه، ويتنافى كلياً مع السّير المشّرفة والثابتة للقادة المسيحيين التاريخيين، عدا أن السيّد حسن نفى أي علاقة لحزبه بطرح المثالثة وادعى بأنها استنباط فرنسي جرى تسويقه لدى ايران التي بدورها لم تأخذ به، بذلك تتراكم التباينات ضمن فريق “8 أذار” و يغدو الجنرال وحيداً حاملاً ترشيحه الذي ألبسه صفة التوافق غبّ الطلب و الضرورة، معرقلاً دور المسيحيين مزهواً بـ “أنا أو لا أحد”.