زائرُ الشام

بقلم/عبدالله قيصر الخوري

 

يلبي دولة العماد ميشال عون دعوةً لزيارة دمشق للتعرَف على قادتها بحسب ما ورد على لسانه مؤخراً ، مجاهراً أن ما عداه من الطامحين قام بواجب الحج السياسي والتبارك الأمني، وهو بدوره لن يهدر شرف " أن أصدقاء الشام فيه قد يُختَمون".

 

إني وإن كنت لا أُظهِِر عجباً في ذلك، كون أن مسيرة الرجل تُلتَمَس الآن بخواتيمها، فتبديل المواقع الكيانية يُوافَق عليه بانحناء الرأس إستحساناً دونما نقاش، وبعبارة مختصرة من المحيطين به أن سوريا وقد أضحت خارج الحدود، " حلّوا عن ظهرها ".

 

أما بما أنني انتسبتُ وما أزال الى الذاكرة الجماعية التي دَوََّنت كنقش الحجر دقائق وتفاصيل الإحتلال السوري وفتوحاته لوطني لبنان طيلة السنوات الثلاثين،

ولأنني حذتُ قبل الثالث عشر من تشرين الاول من العام 1990 وبعده على شرف تأسيس " التيار الوطني الحر " والإنتماء اليه بمعيّة كوكبة من الشرفاء والشجعان،

وكي لا يُؤخَذ علينا صمتنا إن طال، أننا بمنزلة الشيطان الأخرس الذي تلقّف الباطل وترنّح امام الحقائق المُدوّية، وتكملةً للسياق، أتوجّه للسبعين بالمئة التي خالفتُها الرأي آنذاك في العام 2005 والتي يعتمدها " التيار العوني " وكأنها فعل الإيمان لا يتبدَل في نصّه حرف. هذه الأكثرية التي أودعت الى الوكيل ما ترفضه وما تتبناه من قيَم سياسية ووجودية، أغدقت عليه فيضاَ من اصواتها رداً على من وجّه الشكرَ لسوريا، وانتصاراً  لكرامة المسيحيين اللبنانيين، غير أن الوكيل حنج بوكالته قاصداً ابواب دمشق.

وانطلاقاً من آلام مبرحة ، رغمَها لم نُروَّض، ومن ثوابت تاريخية عن مداركها لم نَحِد، وحوافز حضارية وبنيوية راسخة في انساننا، ولأجل مقاربة الماضي والحاضر، نطرح على دولة العماد عون جملةً من الاسئلة:

 

1-ألم يلتقِ الرئيس الراحل حافظ الأسد العماد عون قائد الجيش في لقاء تعارفٍ صرّح عقبه الأخير بأنه يتشرّف خدمة الجندية في جيش الأسد؟

 

2-  ألم يربط الرجلين بين العامين 1988 و 1990 موفدون حبكوا المسائل بنجاح وفشل أبرزها رئاسة العماد عون للجمهورية اللبنانية، ألا يندرج ذلك في إطار معرفة الآخر والتفاعل معه؟

 

3-  ألم يفقه العماد عون حتى اللحظة أنه في ذروة خلافه مع النظام السوري في العام 1990 ، استكمال هذا النظام بسط هيمنته العسكرية على آخر بقعة للحرية في لبنان مستبيحاً القصر الجمهوري ووزارة الدفاع الوطني، مقراتٍ ترمز الى الإباء والكرامة الوطنية، وهل تلزمه زيارة حكام دمشق للتعرَف والتعارف؟ وهل كنا وقتها نحارب الطواحين ونصدّ الأشباح؟ ألم يكتفِ إنساننا معرفةً بهم؟ وأرضنا كفراً بممارساتهم طوال ثلاثين سنة؟

4- ألم يهدّد العماد عون بهزهزة مسامير ذلك النظام، والإدعاء عليه امام المحاكم الدولية تعويضاً للخسائر المذهلة بالأرواح والممتلكات حتى وإن خرج من لبنان؟

 

ويزيّن الآن لعقول الناس أنه يقصد التعرّف والتعارف، هل وصل به تقدير الأمور بتجهيل من استباح وتبرئة من قتل؟

بالعودة الى إشارته أن السوريين يعرفون الجميع مستثنياً نفسه، أوضح هنا، والتاريخ حافل بالشواهد بأنه لم يقم أحدٌ من كبار وضروس المسيحيين ممن أمّنهم هؤلاء على المصير بزيارة لسوريا باللهفة والإستعداد المشابهَين، وإن كان بينهم من لم يفعل أبداً.

وفّق الله العماد عون في حجته العتيدة الى دمشق بعد طهران، ولتتوسّع امامه سُبُل التعارف جميعها، وليضمّنها لو تكرّم معرفة مصير المخطوفين والمفقودين في السجون السورية، فيكون لمرةٍ صنيعه عظيماً...

 

عبدالله قيصر الخوري