13 نيسان 1975

بقلم/ اللواء عصام أبو جمرة

نائب رئيس حكومة سابق

*ألقيت في جامعة الطب والصيدلة اليسوعية .بيروت في 25/4/2006

 

من أراد أن يفهم 13 نيسان، عليه أن يعرف ما حصل قبلها وبعدها، ولماذا؟

فهل الحرب اللبنانية ابتدأت يوم 13/نيسان؟ أكيد كلا.

عام 73؟ أو 67 ؟ أو 58 ؟  ربما. 47 ؟ ربما .

أيها الأحباء:

قدر لبنان أن موقعه الجغرافي  في منطقة نشوء الأديان وانبعاثها.

وقدر لبنان انه بوابة الدخول إلى مناطق ينابيع البترول وتصديرها.

وقدره الأهم انه ينتمي قومياً إلى هذه المناطق وشعبه يؤمن بمختلف أديانها السماوية التي جميعها تدعو للسلام ولكن بسببها تخاض الحروب.

في الخمسينات كان العالم مختلفا في إيديولوجياته وتوازناته من خلال تحالفات دوله، فكانت القوى العظمى بعد الحرب العالمية الثانية :

أميركا وحلفاؤها من جهة وأمامها ال سي أي أي، والاتحاد السوفياتي وحلفاؤه من جهة أخرى وأمامها ال كا جي بي.

وطبيعي أن يدور صراعها على الأغراض الاقتصادية في بلاد البترول وحولها وان تظهر المحاور المؤيدة لهذه، والمعادية لتلك؟

1952مع انتفاضة  عبد الناصر عام 1952/70 بدعم سوفياتي ابتدأت القومية العربية تنمو، والثورة  تتحرك في البلاد العربية بصورة عامة وفي مخيمات الفلسطينيين بصورة خاصة لأنها ارتكزت أساساً على استعادة فلسطين، الحق العربي المغتصب باسم الصهيونية عام 1947،   واستعادة حق مصر في السيادة والسيطرة على قناة السويس العائدة لها.

1958 قامت بوادر الثورة العربية في لبنان بثورة شعبية ضد ما سمي بحلف بغداد، جاءت من سوريا، سهامها توجهت ضد الرئيس كميل شمعون ومحاولته التجديد، انتهت بدخول الجيش الأميركي لبنان وانتخاب الجنرال فؤاد شهاب رئيساً.

 وأثمرت فيما بعد وحدة سورية مصرية/الجمهورية العربية المتحدة. لكن هذه الوحدة بين

القطرين لم تدم طويلاً حيث تم الانفصال خلال شهور لسبب بسيط هو عدم احتمال السوريين الوصاية المصرية عليهم.  .      وأثمرت اعترافً بسيادة لبنان باجتماع الرئيس عبد الناصر والجنرال شهاب في خيمة على حدود    لبنان لان عبد الناصر أدرك أن لبنان لن يحكم لا من مصر ولا من سوريا.

  لكنها زرعت شقاقاً في النفوس بين المسيحيين والمسلمين، رغم ما قام به عهد فؤاد شهاب من  إصلاحات تنظيمية في الدولة. وتكرست باعتماد مبدأ 6/6 مكرر في توزيع المراكز في السلطة.

الزعيم العربي عبد الناصر لم يصل إلى أهدافه ولم يرض طموحاته بعد:

ما بين 64 و67 تم شحن النفوس في الدول العربية ضد إسرائيل، والتحضير العسكري

 للانقضاض عليها حتى كان الهجوم في 6/حزيران 1967 وخسر ناصر الحرب ضد إسرائيل

 خلال أيام ستة ومعه الأردن وسوريا من أصحاب الجبهات المباشرة معها ومن ساندهم من الدول العربية كالعراق وليبيا واليمن. وسميت النكسة التي يقام ذكراها كل عام.

لبنان لم يشارك في حرب الأيام الستة انطلاقاً من أن بينه وبين إسرائيل اتفاق هدنة ولا داعي لكسرها ومن مبدأ أن قوة لبنان في ضعفه كحجة لعدم الانخراط في حرب نتائجها العسكرية معروفة سلفاً. لكن ما أن انتهت هذه الحرب حتى ابتدأ لبنان بدفع الثمن، حيث اتخذت الجامعة  العربية في اجتماع في فاس قراراً بمتابعة مقاومة إسرائيل بعمليات استنزافية من الأردن ولبنان، تمنى كثيرون بعدها لو أن لبنان شارك بحرب لم تدم ستة أيام على حرب استنزاف لم تتوقف حتى اليوم؟

 1969ابتدأ الفدائيون الفلسطينيون دخولهم إلى لبنان من سوريا وبدعم مباشر لها لمتابعة التحرش بلبنان  أولاً وإسرائيل ثانياً محيط راشيا الوادي، ت عام 1969. تصدى لهم الجيش وردهم . 

 مجدل سلم: 20 تشرين الأول 1969. تصدى لهم الجيش وردهم.       

 بنت جبيل: 1 تشرين الثاني 1969 تصدى لهم الجيش وردهم        .

 اتفاق القاهرة: 3 تشرين الثاني 1969 أعلن اتفاق القاهرة فكان بداية تراجع الجيش أمام الفدائيين الفلسطينيين والأحزاب اليسارية وبعده: وبداية تحضير جيش مقاوم لزعزعة السلطة:

وكان أمامهم عقبتان: الجيش اللبناني، ومن يعتمد على الجيش من اللبنانيين طبعاً كان المسيحيون يعتمدون على الجيش. ومن هنا كانت مقولة أبو أياد: "طريق فلسطين تمر بلبنان وجونية حصراً" .

1970

 أما في الأردن فقد قطع الملك حسين دابر حرب المقاومة من أرضه في ما سمي بأيلول الأسود، حيث هشل المقاومين الفلسطينيين ودفعهم خارج أرضة وتم توجيههم إلى لبنان عبر سوريا .

 بينما. في لبنان وابتدأ الفرز:

أكثرية الإسلام يدعمون المقاومة الفلسطينية والأحزاب اليسارية وهي جيشهم .

 أكثرية الدروز يدعمون الفدائيين للعمل خارج مناطقهم؟

 أكثرية المسيحيين شعروا بخطر الوجود الفلسطيني والانتهاء بتوطينهم في مناطقهم؟

أما إسرائيل: فكانت تصب الزيت على النار بتغذية الخلاف الداخلي والرد بعمليات على بعض القرى  الشيعية في الجنوب انتقاماً من جهة ولتأليب الناس ضد العمل الفدائي من جهة أخرى .

   وعمليات انتقامية في الداخل منها ضرب المطار وغيرها .

ومع هذه المرحلة عام 1970 كان انتهاء عهد شارل حلو وبداية عهد الرئيس سليمان فرنجية المقرب من سوريا وكانت النية أن ينام الناس وأبوابهم مفتوحة. ولكن مقولته لم تتحقق

توفي العماد نجيم في حادثة هليكوبتر   وعين العماد غانم قائداً.

 كان المخطط الفلسطيني والأحزاب أن يعملوا على زيادة التغلغل والتسلح والتدريب  والتحرش بالجيش لفرض النفوذ عليه؟ وزيادة العمليات في الخارج (ميونخ)

1972 فعادت مطلع 1972 التحرشات العسكرية في منطقة راشيا الوادي ثم في صيدا حيث نفذ قائد المنطقة في حينه عملية ضد المقاومين كانت ناجحة جدا. لكنه نقل على إثرها من ا لمنطقة مراعاة لاتفاق القاهرة ولأسباب أمنية بعدها: تم منع العسكريين من التجول باللباس العسكري منعا لاصطيادهم منفردين .

1973 أما بيروت كانت كما يعرف البعض منكم مزنرة بالمخيمات التي لم تهدأ، خاصة بعد أن نفذت إسرائيل عملية (فردان) وانتفاض صائب سلام الذي هاجم قائد الجيش وطلب إقالته.

وكان على الجيش أن يفعل شيئا: لإسكاتهم وتهدئة الوضع.

 فتم مسح مخيم ضبييه وتنظيفه .

  وتمت السيطرة على مخيم برج البراجنة بعد قصف دقيق لمراكز لهاون فيه بالطيران ؟

 تبعه هجوم على مخيم صبرا وشاتيلا وكاد أن يسقط، حيث وصلت لقوى العسكرية إليه، وهرب من فيه إلى المنطقة المجاورة، بين المخيم وكورنيش المزرعة، لكن قبل استسلامه: حضر السفراء العرب إلى القصر واقنعوا فرنجية بوقف الهجوم حتى لا يحمل وزر الدم .

توقف الهجوم وسحبت القوى .وتم وضع اتفاق ملكارت؟

لقد كاد أن يربح الجيش وينهي حال الفوضى الفلسطينية المسلحة حول بيروت.

لكن بوقفها في أوجها:

زاد الحقد الفلسطيني وزادت الأحزاب اليسارية التحريض، وراحوا يتحضرون للحفلة القادمة؟

وكان هذا خطأً تاريخياً هبط عزيمة ومعنويات الشعب اللبناني.

حرب تشرين  1973 :

خلال هذه الفترة كانت سوريا الأسد تعد وتحضر حرب الغفران مع مصر لاستعادة ما احتله إسرائيل منها في حرب الأيام الستة؟

 فهاجمت إسرائيل في تشرين 1973: وخسرت الحرب وانهزمت مرة ثانية وتقدمت إسرائيل في  الأراضي السورية إلى ما هي عليه الآن ووصلت إلى قناة السويس وقطعتها إلى تخوم القاهرة فتم من اجلها وقف تصدير البترول إلى الغرب .

ومضاعفة ياسر عرفت عمل المقاومة من لبنان، ضد أميركا وسياستها والتوجه بالمقاومة لشل الجيش العقبة الكبرى في وجهه للسيطرة على لبنان ؟

 فضاعف التسلح والتدريب وتم إدخال مصفحاته من سوريا إلى المخيمات المحيطة ببيروت،  وزاد العطف على المقاومة من المواطنين الموالين ومساندتها وزاد وضع لبنان تأزيماً بعدما ساند رئيسه فرنجية المقاومة في الأمم المتحدة وأزعج أميركا التي تركته بعد ذلك بين أيادي ياسر عرفات والأسد.

 وعادت الفوضى إلى لبنان في 13/نيسان 1975؟

كان الفلسطينيون يتظاهرون في بيروت كالعادة لاستعادة فلسطين ويطلبون الموت لإسرائيل وعملائها  .وإثناء عودتهم منها قتلوا جوزيف أبي عاصي أمام كنيسة في عين الرمانة. وبمرور الاوتوبوس بعدها أتاح القدر لأهل عين الرمانة فرصة الانتقام لشهيدهم فوراً .

وبدأ التمركز على خطوط للدفاع عن مناطق السكن ضد من يحاولون الدخول للانتقام ؟

وبدأ مع ذلك الفرز السكاني بالنزوح الافرادي والعائلي من منطقة إلى أخرى ليبدأ مع نهاية العام التهجير الجماعي بمهاجمة القرى المسيحية، كان أولها تل عباس في عكار، وثانيها تهجير الدامور وحرق منازلها .

وابتدأ النزوح بين المناطق والتحاق كثيرين بالأحزاب للقيام بواجب الدفاع عن النفس والأهالي الخ.

هذا أدى إلى نشوء المقاومة المسلحة في المنطق المسيحية بالالتفاف حول الأحزاب ودعمها. 

الجيش:

 أما على صعيد الجيش، مطلع 976:

ابتدأ التفسخ الفعلي عندما قام احمد الخطيب الملازم في الجيش اللبناني بدفع ومساندة عرفات بالانشقاق وبإنشاء جيش لبنان العربي وابتدأ التحرك من الحدود الجنوبية في منطقة مرجعيون بنداء للعسكريين للالتفاف حوله والانتقال من مركز حدودي لأخر ثم إلى ثكنات الداخل .ثم تبعه إعلان الأحدب انقلاباً انتهى مع إعلانه 11/آذار 1976  وابتدأ سقوط ثكنات الجيش: صيدا بيد الجيش العربي من الداخل .

  تبعها سقوط الثكنات والاستيلاء على أسلحتها في كل لبنان من قبل الأحزاب؟

أما ضباط وعناصر الجيش فمنهم من بقي في ثكنته ومنهم من التحق بالأحزاب لمتابعة أداء الواجب ومنهم من بقي في منزله صامتاً. وبقيت قيادة الجيش في اليرزة في عهدة ضباطها .

أيها الأحباء ،

واضح أن التنازع الأميركي السوفياتي، والتنازع العربي الإسرائيلي وبقرار وموافقة عربية أصبح لبنان ارض خصبة لمعركة تديرها سوريا بواسطة عناصر مخابراتها وألوية فلسطينية تأتمر بأمرها كالصاعقة وتناور بها لتحقيق مصالحها والدخول إلى المحافل الدولية والتأثير عليها عبرها .

وواضح أن الفلسطينيين خربوا لبنان ليصبح لهم شبه دولة على قسم من فلسطينهم ونجحوا أخيراً.

أما اللبنانيون فقد استقبلوا الفلسطينيين على أرضهم وانقسموا في ما بينهم بين لبناني عروبي متحمس يدافع عن فلسطيناً أولاً، ولبناني لبناني متحمس، يدافع عن لبنان أولاً.

أدى هذا الانقسام في حينه إلى شل الجيش واعتماد الميليشيات الحزبية للدفاع عن العائلة والمسكن.

أما ما دار بين 13/نيسان 1975 و26/نيسان 2005 تاريخ استعادة سيادة لبنان فاترك الكلام عنه وتوضيحه لمناسبة أخرى. وشكراً

في 25/4/2006

***ألقيت في جامعة الطب والصيدلة اليسوعية .بيروت