نص محاضرة الوزير السابق اللواء عصام أبو جمرة في بتغرين بتاريخ 26 تشرين الثاني 2005 تحت عنوان التغيير والاصلاح

حضرات السيدات والسادة  حضرة...

الإخوة والأخوات في التيار الوطني الحر في بتغرين  والأصدقاء،

 

موضوع ندوتنا اليوم التغيير والإصلاح، فهل لبنان بحاجة للتغيير والإصلاح؟ تغيير ماذا وإصلاح من، ولماذا؟، وكيف يمكن أن يتم التغيير للإصلاح؟ وهل يستطيع العطار أن يصلح ما أفسده الدهر؟؟؟؟

 

 منذ أربعة أيام كانت ذكرى الاستقلال، وأسبوع الاستقلال هذا كان مليئا بالاحتفالات الرسمية والندوات الشعبية تقديرا لمفهوم الاستقلال ومعناه. انه حدث هام في تاريخ الدول والشعوب، يؤخذ ولا يعطى، مكلف تحقيقه على الدولة والشعب، كما هو مكلف الحفاظ عليه .

 

ونعود هنا للتاريخ لنذكر انه عام 1942 دفعنا شهداء بعد نضال ضد الانتداب دام سنين. ومنذ عام 1969 دفعنا آلاف الشهداء بمقاومة من أرادوا استباحة الاستقلال من الفلسطينيين وانتهاك حرمة الأرض من الإسرائيليين والجثم على صدرنا من السوريين طيلة ثلاثين عاما.

وكان مع هؤلاء الطامعين بلبنان وأرضا وخيرات، لبنانيون تعاملوا مع المحتل  بحكم الواقع، أو في سبيل المصلحة الخاصة للاستفادة ،فأصبحت العمالة وسيلة للوصول إلى كل شيء، واستشرى الفساد في كل مكان حتى الاستباحة. وعم الإجرام أرجاء الوطن حتى طال كبار مسؤولية من الرؤساء والشخصيات الدينية والمدنية. أضف ما رافق ذلك من هجرة للشباب وتدمير للبنية التحتية وانهيار للاقتصاد الخ....

نذكر بما ذكرناه حتى لا يعتبر البعض أننا نسينا الماضي. ونذكر أيضا وبفخر :

 انه كان لبنانيون على ارض لبنان يقفون ضد المحتلين،  يقاومون دخولهم وانتشارهم وإعادة انتشارهم وبقاءهم وكل ما يقومون به.  فتعرضوا لكل إشكال العنف والتعسف والاستقواء والملاحقة والتوقيف والسجن حتى الاستشهاد. فاستعملوا جهدهم ونفوذهم وناضلوا بكل قواهم لاستعادة هذا الاستقلال، وهنا اخص بالذكر طلابنا الأبطال الذين وقفوا صامدين وصانوا الحرية وفرضوا احترامها متحدين التعسف والغطرسة بأجسادهم دون تراجع طيلة الاحتلال.

 

ونذكر أيضا أننا كنا خلال هذه الحقبة المظلمة: دولة الرئيس العماد عون ونحن في المنفى نعمل واللبنانيون المخلصون في فرنسا وأميركا وباقي عواصم دول القرار نناضل كما ناضلتم في لبنان، وبالتواصل الدائم معكم، لإبقاء القضية اللبنانية حية في المحافل الدولية حتى يحين الوقت وتتغير سياسات هذه الدول الكبرى ونظرتها إلى لبنان، وتقتنع بوجوب إنقاذه وتحريره مما كانوا يسمونه وصاية، تحريره من التسلط وسلطة الاحتلال  .

ولما تكاملت المعطيات المحلية والدولية وتقاطعت المصالح صدر قانون سيادة لبنان ومحاسبة سوريا الأميركي وصدر بعده قرار الأمم المتحدة 1559 القاضي بتحرير لبنان من الوصاية السورية بخروجها وجيشها وأجهزته من لبنان وفورا . ....

 

ونذكر من يحاولون التناسي انه كان  لجهد ونضال التيار الوطني الحرفي لبنان والخارج  بقيادة العماد عون الفضل الأول في تحرير لبنان  واستعادة  السيادة بخروج الجيش السوري منه نهائيا في 26 نيسان 2005 بعد ثلاثين سنة من الاستباحة والاحتلال و 15 سنة من الكذب والتلفيق والمماطلة والتحايل على ما سموه اتفاق الطائف السيئ الذكر. واعتبارهم الاحتلال "وجودا ضروريا وشرعيا ومؤقتا".

وعدنا من المنفى وخرج من كانوا في السجون وما زلنا في صدد كشف مصير من بقي في عداد المفقودين.

 

ونحن اليوم في المرحلة الانتقالية من الاحتلال إلى الاستقلال وهي مرحلة عسيرة ابتدأت صعوباتها :

* بالتمديد لرئيس الجمهورية ثلاث سنوات خلافا للدستور والإرادتين الوطنية والدولية.

* باغتيال دولة الرئيس الحريري ورفاقه

* بإجراء انتخابات بقانون كنعان الإلفين بقصد تزوير الأكثرية للتحكم بمقادير البلد وقراره.

* بالتحقيق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس الحريري .

* بإلقاء القبض على رؤساء الأجهزة الأمنية وصعوبة تعيين بديلين لهم. بعد توجيه الاتهامات لرئيس الجمهورية، والتجاذب بين الأطراف والقيادات بين أن يستقيل الرئيس قبل انتهاء التحقيق وتحديد المسؤولين أو بعده.

* بتأليف حكومة عاجزة سلفا عن أن تحكم مع الرئيس لحود بحيث عاد إليها من استقال بسبب التمديد له واشترك فيها من يطالب باستقالته.

* بتجاذبات المعركة الرئاسية التي ابتدأت حكما مع اعتبار الرئيس معنيا بجريمة الحريري اقله معنويا وضرورة استقالته. والتجاذب الحاصل بين سوريا والأمم المتحدة حول التحقيق ومن يطالهم من القياديين السوريين المعنيين. والطريقة التي خاطب بها الرئيس الأسد اللبنانيين ورئيس حكومة لبنان وما تبعه من دعوة للإضراب لإسقاط الحكومة .

*بالتجاذب الحاصل حول تنفيذ ما تبقى من القرار 1559 بتسليم سلاح حزب الله من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى وفذلكة منع الفلسطينيين من حمل السلاح خارج المخيمات فقط وترسيم الحدود مع الجيران

*وأخيرا لا آخرا التجاذبات حول حضور احتفالات عيد الاستقلال الرسمية ومقاطعتها من قبل البعض؟

   إضافة إلى المناوشات على الحدود مع إسرائيل وما يدور حولها وتفاعلاتها.

 

وبعده ونظرا لما كان لهذه الحقبة الطويلة السوداء من تراسبات في الدولة والمجتمع وما يتخلل المرحلة الانتقالية وما ينتج خلالها من صعوبات، وليصبح الحكم ممكنا نعتبر أن  :

التغيير ضروري :

*تغيير من كانوا في السلطة اقله كبار المسؤولين ممن رافقوا وتعاملوا مع المحتل والفاعلين في المراكز الحساسة الأمنية والإدارية  لأنه من حيث المبدأ من حكم مع المحتل لا يستطيع ممارسة الحكم بعده، خاصة إذا لم يشارك قولا وفعلا في عملية إخراج المحتل فهو حتما في وضع انعدام الوزن بفقدان الثقة. وسيحول دون أي تغيير يمس به وبمصالحه وكيانه  .

*تغيير النهج بالانتقال من الحكم البوليسي إلى النهج الديمقراطي،

 من النهج التسلطي الإجرامي إلى العدالة إلى حكم القانون

 من رسوبيات نهج: أنت معنا لك منا ما تريد، أنت ضدنا إلى القبر أو السجن أو المنفى ...

وأصبح الإصلاح ضروريا :

في ذهنية الأشخاص العاملين في الدولة وخارجها بصورة عامة لتغيير ما اعتاد عليه المواطن  بطريقة إجراء المعاملات وتخليصها على حساب الدولة ولمصلحته الخاصة بالرشوة والمحسوبية فلا تبق الدولة البقرة الحلوب وغب الطلب .

أصبح الإصلاح ضروريا :

*للقضاء على التدني في المستوى في الإدارة باعتماد الكفاءة معيارا للاختيار. والمساءلة معيارا للتقدم .

*للقضاء على الجريمة والمجرمين بتحفيز قوى الأمن وتفعيلها وتشديد العقوبات بحق مرتكبي الجرائم

* لإنهاء العداء بين السياسة والأخلاق وهل يجوز الاعتبار إنها عداوة لا تنقطع؟

* لأنها العداء بين المواطن والدولة بتحقيق المواطنية الصالحة بان يؤمن اللبنانيون جميعهم أن مصلحة لبنان هي فوق كل المصالح وان هذه الدولة هي دولتهم .

 

والإصلاح يقتضي أول ما يقتضي :

ـ إقرار قانون جديد للانتخابات يؤمن صحة التمثيل بالدائرة الفردية وإشراك المغتربين حاملي الجنسية في الاقتراع فلا تتكرر التجربة الأخيرة التي جرت وفق قانون غازي كنعان الذي زوّر الإرادة الشعبية وأنتج أكثرية برلمانية دفترية زائفة.

ـ حصر حمل السلاح واقتنائه في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وإعادة بنائها على قواعد سليمة من المهنية والاحتراف والمسلك على مبدأ عدم تدخل السياسة في الأمن أو ألأمن في السياسة.

ـ إصلاح القضاء وتنظيفه من القضاة الذين تمرسوا في استخدام القانون وتكييفه للقمع وللانتقام السياسي وحماية النظام الأمني.وجعل القاضي المحقق مرجعية الضابطة العدلية لا العكس.

ـ مكافحة الفساد والكسل في كل المؤسسات وإصلاح الإدارات وإعادة هيكلتها على أسس النزاهة والخبرة والفعالية بعد تشحيل الفائض منها .

 

أيها الإخوة والأخوات:

 

كل هذا ليس سهلا والجهد في سبيل تحقيقه كالجهد في سبيل استعادة السيادة لا بل أكثر تشعبا وصعوبة.

فكان علينا في التيار الوطني الحر بعد انجاز التحرير، ومع العودة من المنفى أن نقوم بقيادة العماد عون بمسيرة التغيير والإصلاح،

 بخوض الانتخابات النيابية الأخيرة وكان النصر الباهر مفاجئا للأخصام، حققه التيار الوطني الحر فيها بفضل وعي الشعب ،رغم القانون السيئ الذي نفذت بموجبه .

وكان علينا  إطلاق الحزب، حزب التيار الوطني الحر، ليصبح حزبا منظما فاعلا في كل لبنان.  من أهم مبادئه سيادة لبنان في نظام ديمقراطي علماني يبعد الدين عن السياسة ويحول دون استعماله وسيلة للوصول.  والتربية على المواطنية من اجل تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين كل اللبنانيين.

والاعتراف بالأخر والتعامل مع الأخر واحترام الأخر انطلاقا من التعددية في تكوين المجتمع اللبناني .

 

واحدث تكتل نواب التيار وحلفاؤه، ديناميكية ناشطة في الحياة البرلمانية والسياسية على مختلف الصعد سعيا إلى استقرار النظام البرلماني الديمقراطي الحر. فاعتمدوا برئاسة العماد عون نهج المعارضة لمواجهة سياسة التفرد والاستئثار وإلغاء الأخر التي اعتمدوها في تحالفات الانتخابات النيابية وتأليف الحكومة ويحاولون فرضها في انتخاب رئيس الجمهورية، النهج الموروث عن الدولة الأمنية وحكم الوصاية، الذي لم ينجح الآخرون بعد من التحرر منه والفهم أن أغلبية متحكمة متفردة، ليست إلا شكلا من أشكال الدولة المتسلطة والوصاية التي عانينا منها ودفعنا الغالي والرخيص لإنهائها.

 

وبعده، لا بد من دخول التيار وقريبا إن شاء الله إلى السلطة التنفيذية لتحقيق ما نصبو إليه من أهداف في سبيل الوصول إلى لبنان أفضل، بإنهاء القطيعة المزمنة بين الشعب والدولة، التي لن تزول الا باصلاح السلطة. وخلق الثقة بالدولة التي لن تتحقق إلا بصلاح الإدارة.

 الدخول إلى السلطة التنفيذية برئيس قادر على قيادة لبنان بالطريق المستقيم. رئيس قوي ينفذ برنامجه الإصلاحي رئيس منقذ يحمل مشعل الحرية والديمقراطية بحزم ويتحلى بالشفافية والصراحة عن إيمان.

رئيس يكون عونا للبنان يحول دون ابتلاعه من حيتان الإقطاع: يعيد الاعتبار إلى المؤسسات المدنية ويضع الحد لمؤسساته الأمنية ويرفع معنويات مؤسساته العسكرية.

فيستقر الوطن امنيا  ويقوى سياسيا ويزدهر اقتصاديا .

 

أليس بهذا التغيير والإصلاح يكون التيار الوطني الحر بصدد إقامة الجمهورية الثالثة ؟؟؟

 

أيها الأحباء

إن العمل في سبيل الوطن الحر السيد المستقل ليس وليد الساعة. ولن ينتهي بساعة ؟

قبل 1988 كنا في المؤسسة العسكرية التي تشرفنا بالانتساب إليها وبتعلم مبادئها وإتقانها...

"شرف تضحية ووفاء"

وكان لنا مواقف صامتة ونضال مستتر بحكم الوظيفة. تفجرت عندما انتقلنا إلى السلطة السياسية بالحكومة الانتقالية عام 1988 وأثبتنا أن حكم لبنان بإخلاص واستقامة ممكن.

ورفضنا برئاسة العماد عون التسليم للمحتل ليس حبا بالتمرد لكن حتى لا يعتبر توقيعنا اعترافا بالاحتلال ويبقى لكم الأمل باستعادة السيادة. وهذا ما حدث ولحسن الحظ إننا كنا معكم في تحقيق ما فكرنا به وتحول الحلم إلى حقيقة فانتهى الاحتلال وعاد  لبنان سيدا حرا مستقلا، بوجودكم ولكم .وعلينا وإياكم منذ الآن انجاز ورشة التغيير والإصلاح، وسيصلح العماد ما أفسده الدهر .

                                                                   

عشتم وعاش التيار الوطني الحر وعاش لبنان

 اللواء عصام أبو جمرة