إلهاءٌ فإفلاس وتوطين أم خيار آخر؟ 

بقلم/ العماد ميشال عون

6 أيلول 2009

http://www.tayyar.org/Tayyar/News/PoliticalNews/ar-LB/128967241516913340.htm

 

 لقد صبرنا طويلاً على الإفتراءات التي طاولتنا قبل أن نرد، وألزمنا أنفسنا بالصمت، عملاً برغبة المحافظة على الهدوء، وإفساح المجال للتحاور حول تأليف الحكومة، وحول برنامج مشترك نتفق من خلاله على تدابير إصلاحية. ونكون بذلك قد انتقلنا من مرحلة الصراع الانتخابي إلى الهدوء، ومن ثمّ إلى مرحلة تفاهم وبناء؛ كان هناك أملٌ، ولو ضئيلاً جداً، بأن نحقّق شيئاً إيجابياً. ومع الأسف، لم يكن هذا التصور أكثر من وهم عابر، إذ فاجأتنا حملات إعلامية مفتعلة لا تستند إلى واقع، وليس لها أي أساس، سوى المشاعر العدائية الدفينة ضدنا. وتعاظمت هذه الحملات، حتى أصبحت الشغل الشاغل لجميع وسائل الإعلام، التي شارك قسم كبير منها في توزيع الأخبار المختلقة، وتعميم الشائعات.

 

ولمّا حاولنا الردّ على الإفتراءات المتعدّدة المصادر والمستويات، فوجئنا بدعوة مدّعي الأخلاق السياسية، وأساتذة الإرشاد، يطالبون بوقف السجال، وليتهم فعلوا وطالبوا بوقف الإعتداءات التي امتدت خمسين يوماً، قبل أن نضطر إلى الردّ عليها وتبيان الحقائق. وكأن هؤلاء الداعين يريدون المساواة بين المعتدي والمعتدى عليه.

 

وأحياناً، تأتينا ردود على ما نقوله، ولكن لا علاقة لها بما نقول، بل تحوير مطلق لمعاني الكلمات والقصد؛ فإذا قلنا بفصل سلطة المراقبة عن سلطة التنفيذ نُتّهم بأننا نهاجم الطائفة السنية، وننتقص من صلاحيات رموزها. وإذا قلنا، ووفق النصوص الدستورية، إن هناك رئيساً واحداً للدولة هو رئيس الجمهورية، بينما الرئيسان الآخران هما رئيسا مؤسسات، اتُهمنا أيضاً بأننا نتعرّض لموقع رئيس الحكومة وهيبته، وبالتالي للطائفة التي ينتمي إليها. وإذا طالبنا بمعايير ومعالم موحّدة لتأليف الحكومة، أُجبنا بأن "الرئيس" المكلّف، مع رئيس الجمهورية، لهما الحق في تأليف الوزارة، كما لو كنا ننكر عليهما هذا الحق، بينما ما نقوله، وبتعبير مهذب، أن لا أحد يستطيع تأليف الحكومة بشكل مزاجي، وعليه أن يحترم المعايير والمقاييس الضرورية ليأتي تشكيلها منسجماً مع هذه الشروط، وإلا أصبحت قرارات السطة تجاوزاً لحدودها وتعسفاً.

 

إن الأجواء الهجائية في سوق عكاظ السياسة اللبنانية، بتعابيرها ومواضيعها المبتذلة، والبعيدة عن النقاش البنّاء لحل المشاكل التي تعترض مسيرة الوطن، أسقطت مستوى السياسة والاعلام الى درجة الإسفاف. فلا أحد يناقش برنامجاً إصلاحياً، ولا أحد يريد أن يرفع التحدي باقتراح بدائل مما يُطرح من اقتراحات نعتبر تطبيقها يرفع من شأن المجتمع ويدفع به نحو الازدهار والترقي.

 

من الطبيعي أن تكون هذه الأفكار مكلفة على من ضربه الله بالكسل الفكري الطبيعي، فهو لا يستطيع الجدل لأنه يفتقد الى المعطيات الأساسية المرتبطة بمصالح من يمثلهم. وجل ما يستطيع أن يفكر به ويجيده هو التكرار الببغائي لبعض إملاءات هجائية.

 

كنا نتمنى أن يثار الجدل والنقاش حول مخطط مواجهة الدين العام المتزايد الى ما لا نهاية، لنتمكن من مواجهة عملية التوطين الفلسطيني في لبنان بدل أن نرضخ لها. فما قاله بالأمس رئيس الحكومة المستقيل حول التوطين، أن "مواجهة مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان صعبة وقاسية وهناك من يتصرف على أنه واقع لا محالة"، يذكّرنا بما قاله رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في معرض تقييمه لبعض الأوضاع العامة في دارته، وبتاريخ 17/12/2000 ، أن "ليس هناك إمكانية للهروب من التوطين، ومصلحة البلاد هي في مزيد من الاستدانة لأن كافة الديون ستمحى عندما يفرض واقع التوطين الفلسطيني على لبنان".

 

هذان القولان، وعلى مسافة زمنية تمتد لتسع سنوات، مع الإمعان في الاستدانة ورفع مستوى الدين، ثم الإكتفاء بإدارة خدمته دون معالجته، أكثر من صدفة تلاق مع الخطة الدولية لوضع لبنان أمام خيارين لا ثالث لهما: الإفلاس أو القبول بالتوطين.

 

ولكن، هل نحن فعلاً أمام خيارين لا ثالث لهما، أم أننا نستطيع تغيير المخطط بخيار ثالث يتجنّد فيه اللبنانيون كافة لإيقاف هذا المخطط الرهيب، وإعادة المركبة الى مسارها الصحيح، فيُنقَذ الوطن شعباً وأرضاً واستقلالاً واستقراراً؟

 

إننا لا نرى في ما يحدث من هجومات مبرمجة سوى محاولات للقضاء على هذا الخيار الثالث، وتأمين استمرار مخطط التوطين، بتشريد الحوار عن المواضيع الاساسية منعاً لمعالجتها.

العماد ميشال عون

دقت ساعة الحقيقة وانكشفت دولة المافيا والتوطين
بقلم العماد ميشال عون
25 آب/09


آن للبنانيين أن يتصارحوا إذا شاؤوا أن يكون لهم وطن مستقر ينعمون فيه بحريتهم وسيادتهم واستقلالهم، وهذا الوطن الذي نحلم به، لا يمكن أن يبنى إلا على علاقات تحترم سلّماً من القيم المشتركة بين مكوناته، مجموعات وأفراد، وتعتمد معالم ومعايير للتعاطي في ما بينها.

وسواء كانت هذه المكوّنات دينية أو عرقية أو طبقية إجتماعية من نفس الدين والعرق أو أفراد عائلة واحدة فإن التعايش بينها والعيش المشترك والعيش الواحد أو أي طريقة عيش مختلطة أخرى تصبح مستيحلة إذا انعدم احترام الآخر في جميع أشكال حياته وتقاليده وخصوصياته. ولكن، ما يعيشه اللبنانيون اليوم يختلف كلياً عن هذه القواعد الثوابت، وصار الإنحطاط الأخلاقي والكلام السفيه هو القاعدة في التخاطب لدى المسؤولين الفاسدين بغية تغطية فضائحهم وإلهاء الرأي العام عن المشاكل الحقيقية التي يتعرض لها المواطن يومياً في مختلف أوجه الحياة.

إن الأكثرية المتآكلة ما زالت تتابع معركتها معنا، ولم تكن الإنتخابات النيابية سوى مشهد من مشاهد مسرحية التآمر الكبرى على التيار الوطني بما تخلّلها من وسائل غير مشروعة وأموال سياسية مسروقة من خزينة الدولة أو هبة من دولة شقيقة أنعم الله عليها ببترودولار وفير. وبالرغم من تخطينا لأكبر عملية مزيفة في تاريخ الإنتخابات بتدبير وإشراف دولي، ما زلنا نتعرض لإعتداءات معنوية كبيرة من خلال حملات إعلامية وخلق سجالات حول ممارسة حقوقنا السياسية الطبيعية.

قد لا يستطيع المواطن أن يفهم جوهر الأزمة وعمقها، وهي تأتينا معلبة وملونة بألف لونٍ ولون، فتبدو للملأ كأنها صراع على النفوذ وتسابق على مواقع السلطة. وقد تكون الأزمة بالنسبة للبعض، الذي لا يعرف السياسية، بشقيها الداخلي والخارجي، هي هذه الأحداث الآنية، وتقتصر على عدد الوزراء ونوعية الوزارات وتوزير الراسبين في الإنتخابات، في بلد  يفتقد إلى المعايير الثابتة، حتى القانونية والدستورية منها، وقد وزَّر فيه من لا يجرؤ على ضعفه الشعبي أن يفكر يوماً بخوض معركة بلدية.

ليس سراً أن امريكا تعمل للتوطين مع البلدان الأوروبية وبعض الدول العربية وتدعم إسرائيل في رفضها لحق العودة كما أنه ليس سراً دعمها اللامحدود لسياسة الأكثرية المتآكلة في لبنان وتسعى من ورائها لإضعاف المعارضة التي تقاوم التوطين وليست هذه المرة هي الأولى التى تتدخل فيها أمريكا مباشرة في الشؤون الداخلية اللبنانية وتعلن إملاءاتها على الدولة اللبنانية.  

إن مشكلة التوطين هي البعد الخارجي لأزمة تأليف الحكومة، وليست "فزيعة" كما ادّعى البعض. وهذه المشكلة لم تغب يوماً عن ذهننا ولكنها اليوم إنتقلت من موضوع مؤجل وأصبحت في محور محادثات القوى الدولية ودخلت حيز التنفيذ النهائي، وستحاول هذه القوى فرضها بأقنعة مختلفة.

أما البعد الداخلي للأزمة فهو التكوين المافياوي للدولة ولإدارتها، وكل من يحاول إصلاحاً سيجد نفسه مطوقاً بهذا التنظيم الذي يشمل غالبية الإدارات. هذه الإدارات التي تستخرج المال السياسي من خزينة الدولة، وتجد من يحميها من تطبيق القانون ومن أحكام الرأي العام، بتحوير الحدث الجرمي المافياوي الى موضوع آخر مختلق يعتمد الكذب في الوقائع ونقل الكلام وتحويره واجتزائه، وحرب نوايا وكل ما لا صلة له بالحدث الأساس. وهكذا، كلما كشفنا فضيحة، يتأكد لنا أكثر فأكثر أن الآذان لا تسمع والعيون لا ترى واللسان لا ينطق، ولكن كل هذه الأعضاء الأساسية في تواصل البشر تستطيع أن تعمل في طواحين الكذب ليل نهار.إن هذه الحرب الضروس على المقاومة ، بشقيها السياسي والعسكري، والمنسقة بين الداخل والخارج،  ما هي إلا لتهديم حصن المواجهة مع السياسة الدولية والمافيا اللبنانية المتحالفتين، لفتح معبر التوطين، واستمرار دولة المافيا وهذا شأن طبيعي ومنطقي في السياسة الدولية لأنه يتعذر عليها ممارسة نفوذها في دولة عادلة قوية ومتماسكة.

أضف إلى ما تقدم، الإستهتار المتمادي بالوضع السياسي المسيحي، وتنحية المسيحيين عن المشاركة في القرار، مما جعل بعض المستهترين يعتبر أن تهميش الدور المسيحي يمكن أن يستمر بوضع اليد على حقوقهم المادية والمعنوية.

إن المطالبة بإستعادة حقوقٍ سياسية مهدورة، أو بإصلاحٍ ما، تواجه بالإستهجان والعنف الإعلامي وكأنها إعتداء على مذهب أو موقع سلطة. أن هذا السلوك  يُظهر مدى السعي إلى التسلط على الآخرين، وتثبيت هذا التسلط وترسيخه بالممارسة من خلال خلق عرف مذهبة وشخصنة الوزارات ووظائف الفئة الأولى. إن المبدأ الأساس المقبول هو التوزيع العادل بين الطوائف والتناوب على الوظائف والمواقع الأساسية، وما خلا ذلك يزيد في تحجّر السلطة وجعلها محميات خاصة.    

ويبقى للمواطن أن يتبيّن من يعمل للوطن ومن يعمل لنقيضه. وفي مطلق الأحوال، على هذا المواطن تقع مسؤولية الاختيار.

العماد ميشال عون