جنرال الرابية العماد ميشال عون كما يراه من عارضه ورفض السير معه إلى الضاحية الجنوبية وقصر المهاجرين وطهران

*سياسيون أعادوا رسم صورة التحالف بين جنرال الرابية ودمشق

*ميشال عون: حرب غزة لن تنتهي عند حدود القطاع وإذا ربح المعسكر السوري - الإيراني سأحكم لبنان

*إيلي محفوض: عون أرسل رسالة استعطف فيها حافظ الأسد

*فايز القزي: كل أسرار العلاقة بين المخابرات السورية وميشال عون بدأت بواسطتي

*إلياس الزغبي: العلاقة بين  الطرفين كانت دائماً وثيقة

 

بيروت - كارلا خطار: السياسة

علاقته بالسياسيين اللبنانيين كانت سيئة, كذلك كانت علاقته بالأحزاب في المناطق المسيحية, ومن بينها "القوات اللبنانية" و"الكتائب"... هكذا يصف حزبي عتيق علاقة النائب ميشال عون مع المحيطين به في لبنان وكذلك علاقته مع باقي الدول, فالكل يعرف الحادثة التي حصلت بينه وبين السفير الأميركي جون ماكارثي حين كان عون في بعبدا عندما رحل ماكارثي من لبنان بعد مشكلة عاصفة بينهما, وقد بدا عليه الغضب والاستياء, ويتابع الحزبي العتيق "شخصية عون تحمل جدلية كبيرة, بنظر البعض قد تكون لغزا, إنما بالنسبة لشخص متقلب يعاني من مشكلات عصبية ونفسية لن تكون لغزاً بعد اليوم, ما يفسر علاقته المتقلبة بالنظام السوري".

وقد سلكت علاقة عون بسورية طرقاً ملتوية ومتعرجة فكان يتحداها حيناً يتوعدها مراراً, لكن هذا لم يقفل باب الود مع الجارة اللدودة, وكان كلامه عنها قاسياً جداً في خطاباته اليومية في القصر الجمهوري, الذي فتحت أبوابه لمؤيديه وسمي آنذاك "قصر الشعب" - تسمية مشابهة للتسمية السورية للقصر الجمهوري كما يلاحظ أحد السياسيين اللبنانيين. ويستشهد البعض أيضاً بكلام قاس كثيراً ما أطلقه عون ضد السوريين, كسر في بعضه "المحرمات" كتهديده ذات مرة ب¯"تكسير رأس حافظ الأسد", بينما يستشهد آخرون بكلام نسب إلى عون -نفاه تكراراً- عن رسالة ود إلى الأسد يصف نفسه فيها ب¯"الضابط الصغير" في جيشه.

 

وفي التفاصيل أن رئيس حركة "التغيير" اللبنانية المحامي أيلي محفوض الذي كان من المقربين من عون قبل أن ينقلب عليه, يقول إن عون بعث رسالة إلى الأسد يقول فيها: "إنني عسكري, وبهذه الصفة فإنني أتمنى أن يعتبرني القائد الكبير حافظ الأسد ضابطاً صغيراً في جيشه. وأقدر كل التقدير ما قدمته دمشق للبنان عموماً وللمسيحيين خصوصاً, وواجبي إذا ما حظيت بتأييدها أن أرد لها الجميل. إنني أتفهم مصالح سورية في لبنان, وأسلم بأن أمن لبنان من أمن سورية. ومن حق سورية علينا أن نوفر لها أسباب الطمأنينة, وأن نشرع وجودها العسكري في لبنان لمواجهة أي اعتداء محتمل عليها, كذلك أنا مستعد لعقد أي اتفاقات أمنية, إضافة إلى تمتين العلاقات المميزة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية كلها".

 

ويتحدث محفوض عن "شبكة الموفدين المتعددة الأسماء والتي تبدأ سلسلتها بالوزيرين السابقين ألبير منصور ومحسن دلول ولا تنتهي بصديق عون الشخصي المحامي فايز القزي الذي تولى شخصيا معظم ترتيبات عودة ميشال عون الأخيرة من منفاه في باريس الى بيروت, كما تولى شخصيا وفي مرات عدة نقل رغبات وطلبات وتمنيات ميشال عون الرئاسية".

 

 وعلاقة عون بسورية بدأت أواخر ولاية الرئيس أمين الجميل في الثمانينات من القرن الماضي, عندما بدأ الكلام يتصاعد عن هوية "الرئيس القادم", وكان طموح عون ظاهراً لتولي هذا المنصب. وتتحدث تقارير عدة عن مساع بذلها عون ل¯"التوافق" مع سورية على ترشيحه للرئاسة. ولما فشلت المساعي تلقى عون "كرة الجمر" التي رفضها كثير من السياسيين اللبنانيين, فقبل بتولي رئاسة الحكومة العسكرية رغم استقالة نصف أعضائها فور تأليفها, ثم أطلق "حرب التحرير" ضد الوجود السوري في لبنان بعد فشل جولة محادثات بين الطرفين.

 

علاقة وثيقة

لكن بعدما ترأس عون الحكومة العسكرية في لبنان بين عامي 1988 و1990 أعلن "حرب تحرير" لبنان من السوريين العام 1989 "ولم يستند لا الى اتفاق داخلي ولا الى معطيات خارجية", وفق قول الحزبي نفسه, ويتساءل "لم لا ينسى النظام السوري إساءة السياسيين اللبنانيين الآخرين له? فكل من أساء إلى النظام السوري أعلن الأخير العداء المطلق عليه حتى الموت, إلا عون فهو يمثل أقصى حالة العداء وأقصى حالة التحالف والتناغم والتنسيق". ومن العداء إلى الصداقة احتضن النظام السوري ميشال عون في زيارته الأخيرة لدمشق وتم تكريسه ممثلا للمسيحيين في المنطقة, إلا أن هذا التطور في مسار العلاقة "المتعرجة" بينه وبين دمشق أعاد إلى الأذهان مراحل المد والجزر بينهما. ماذا يقول عضو "14 آذار" المحلل السياسي الياس الزغبي عن علاقة الجنرال بسورية, والزغبي هو احد مؤسسي "التيار الوطني الحر" ومن المسؤولين السابقين فيه, وكيف يتذكر أحد الذين كانوا مقربين من عون إعلان حرب التحرير?  

 

"علاقة العماد ميشال عون بالنظام السوري كانت دائما علاقة وثيقة وخصوصا عند تعيينه قائدا للجيش العام 1984 بطلب سوري مباشر استطاعت دمشق تمريره عبر بعض المواقع المسؤولة آنذاك". يقول الياس الزغبي ويتابع "فورا بدأ عون مهمات موقعه بزيارة دمشق مرتين, ثم توطدت العلاقة خلال ما عرف بحرب إسقاط الاتفاق الثلاثي (بين القوات اللبنانية برئاسة أيلي حبيقة وحركة أمل والحزب الاشتراكي) واستمرت هذه العلاقة متصاعدة. وحين اكتشف إخلال حافظ الأسد بوعده لتعيينه رئيسا للجمهورية, انقلب عون على الجيش السوري واعلن حرب التحرير عام 1989 ولكن هذه الحرب تندرج بحد ذاتها في إطار خطة سورية لاستخدام العماد عون سلبياً وإيجابياً وهذا ما حصل بالفعل إذ كانت "حرب التحرير" بمثابة الرافعة والمبرر لاجتياح الجيش السوري ما كان قد تبقى من مناطق حرة في لبنان".

 ويخبر المصدر الحزبي "في الأيام الأولى لحرب التحرير تبين أن قرار الحرب اتخذ عشوائيا حتى أن اقرب مساعدي عون كانوا يجهلون اندلاعها", ويقول مصدر عسكري كان مقرباً من عون "وزراؤه أنفسهم لم يكونوا مطلعين على قراره بإعلان الحرب, فالمعركة كانت خالية من التجهيزات ولم يسبقها تفاوض أو تنسيق مع دول قد تؤمن غطاء سريعا "لحرب كهذه". ويؤكد المصدر العسكري أن أحد وزراء الحكومة الانتقالية التي كان يرأسها عون أرسل أولاده إلى المدرسة في صباح اليوم نفسه الذي أعلن فيه عون الحرب, وتلقى هذا الوزير اتصالا في الصباح من عون طلب منه الأخير إحضار أولاده من المدرسة على الفور لأنه سيعلن حرب التحرير"!

 

ويخبر المسؤول الحزبي العتيق عن أول باخرة كانت تحمل النفط خلال الحرب العام 1989 وقد تم توجيهها بشكل مؤكد من جهاز اتصال كانت تنسق معه على أساس أن المنطقة التي تتوجه إليها على الشاطئ آمنة, وكل الأطراف, حتى الخصوم متفقون على حمايتها, فهذه الحالات في الحروب تمرر من اجل الوضع المعيشي للشعب, فأصيبت بتوجيه من العماد عون وكانت الساعة بين الرابعة والخامسة عصراً حين أصيبت, وكان معروفاً أن أي باخرة أو زورق بحري ضمن هذه المسافة سيصاب إصابة مباشرة ومؤكدة".

 

هنا يقول أحد الذين كانوا إلى جانب عون "إن سورية يجب أن تقيم تمثالاً من الألماس لعون في ساحة المرجة لأنها لم تكن لتحلم باحتلال لبنان, وخصوصا المناطق المسيحية, منها لولا مساعدة عون نفسه".

 

كما نجح عون في جعل فئة من الجيش اللبناني ضد "القوات اللبنانية" في المناطق المسيحية, حيث كانت غالبية ضباط الجيش مع القوات, وإذا ما حصلت تجاوزات من القوات تثير غضب ضباط الجيش وتستفز الناس التي كانت تكره الميليشيات وتريد الدولة, فإن هذا لا يستدعي قيام حرب بين الاثنين لولا تكليف الاستخبارات السورية ميشال عون بهذه المهمة التي قضت على الحضور المسيحي الفاعل لمصلحة القوات السورية ومن بعدها لمصلحة "حزب الله". وبعدما انتهت "حرب التحرير" مع بداية "حرب الإلغاء" التي نشبت بين عون و"القوات اللبنانية" في العام 1989, نقل عن نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام أن قلب سورية هو مع عون "لأنها تعتبره خصما مرحليا, بينما تعتبر قائد "القوات" سمير جعجع خصما مبدئيا". ويقول الإعلامي فارس خشان الذي واكب تلك المرحلة وما تلاها حتى اليوم: "إن عون لم يكن في عمقه عدوا لسورية, فهو خاض حرب الإلغاء بمعونات من السوري, وما انفتاحه العسكري على القوميين السوريين, وايلي حبيقة و"حزب الله" الذي بدأ منذ حرب الإلغاء سوى دليل إضافي على هذا".

 

دليل آخر على هذه العلاقة يورده النائب السابق فارس بويز الذي يتحدث في إحدى مقابلاته عن الإلحاح الذي مارسه الرئيس السابق الياس الهراوي لإطاحة عون عسكرياً وعدم التجاوب السوري السريع معه, لكن هذا الأمر حصل لاحقاً وأطيح بعون عسكريا بغطاء دولي-إقليمي فانتهى به المطاف في فرنسا لاجئا سياسيا لمدة خمس سنوات مددت لاحقاً حتى 15 عاماً. ومن باريس لم تهدأ الاتصالات ولا المؤشرات. في العام 1994 سألت صحيفة لبنانية عون هل "يحب دمشق", فكان الجواب: "ولوو...! لطالما غنيت مع سعيد عقل وفيروز "سائليني يا شام", بغض النظر عن السياسة والديبلوماسية". وأضاف: "أنا عسكري, وطبيعة ثقافتي أن من تحاربه اليوم يجب أن تتفاوض معه غدا, فإذا لا يوجد شيء ثابت, ولا كراهية عندي, ثمة خصومة سياسية صنعتها الظروف. كل ما أستطيع قوله هو أن يدنا ممدودة للخير, وفي اتجاهه".

 

عون برر في حديث أخر "تفاوت" خطابه حيال سورية بين "العداء المطلق والإشارات الطيبة", فقال: "خطابي واحد موحد, كل ما في الأمر أنني أتحدث مرة عن الثوابت وأخرى عن الممارسات, ولأن حديثنا اليوم هو عن الثوابت والمبادئ فإننا نتحدث لغة مختلفة". وكتب عون سلسلة من 12 مقالة العام 2000 حملت عنوان "المآثر السورية في لبنان", قال في إحداها: "لقد اختبرنا النظام السوري في حالة الاسترخاء, ولم يرد أن يعترف بأن في لبنان مشكلة, لذلك لم يرد أن يحاور, واستمر لاطما بيديه ورافسا برجليه... إن سورية تعمل على تذويب الكيان اللبناني وضمه إلى سورية, ولا تزيح قيد أنملة عن هذا الهدف".

 

قانون محاسبة سورية

صعد عون لهجة العداء لسورية وصولا إلى العام 2003 حين ادى دورا رئيسا في إقرار قانون "محاسبة سورية" في الكونغرس. وتتناقل وسائل الإعلام المؤيدة لقوى "14 آذار" نص الشهادة التي أدلى بها أمام الكونغرس الأميركي التي أبدى فيها الامتنان لرفع الكونغرس قانون "محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنان", وللحض على تمرير فوري لهذا المشروع ليصبح قانوناً. ورأى أن "هذا التشريع المنتظر هو حاسم, إذ أنه يقيم, وللمرة الأولى, سياسة واضحة للولايات المتحدة في ما يتعلق بالاحتلال السوري للبنان", مشيرا إلى ان "طوال سبعة وعشرين عاما, ادى النظام السوري دور ملهب النار ومطفئها فلطالما أشعلت سورية النيران لإعطاء نفسها الحجة لإطفائها في ما بعد, وهكذا تبرر استمرار احتلالها للبنان. وأي لبناني يتجرأ على التعرض, أو مقاومة الهيمنة السورية, تجري تصفيته". وفي شهادته رأى أن "لا يمكن للمرء منطقياً أن يفصل النظام السوري عن الإرهاب, فسورية توفر ملاذا آمنا لعدد كبير من المنظمات الإرهابية, توجه عملياتها, وتستخدم لبنان المحتل كحقل رئيس لها للتدريب والعمليات".

 

وبعد صدور القرار الدولي 1559, في ديسمبر عام 2004   أرسل عون غابي عيسى موفدا منه إلى وزارة الخارجية السورية حيث استقبله نائب وزير الخارجية آنذاك وليد المعلم, ليتسلم منه دعوة خطية من عون للبحث في خروج مشرف للجيش السوري من لبنان. وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري, أرسل مسؤول الاستخبارات السورية في لبنان العميد رستم غزالي سلاماً إلى عون مع فايز القزي, لكن الأمر توقف عند هذا الحد, قبل أن تثمر جهود كريم بقرادوني عودة عون إلى لبنان بعد تحديد مجلس الأمن الدولي تاريخ 30 ابريل 2005 موعداً نهائياً لخروج الجيش السوري, وتحديد عون تاريخ 7 مايو موعدا لعودته إلى لبنان وموافقة رئيس الجمهورية إميل لحود وتشجيعه عون عليها عبر موفدين مشتركين. وليبلغ بعدها ابنه اميل اميل لحود موفدي عون ترحيب سورية بعودته إلى لبنان.

ويتحدث الياس الزغبي عن خطة سورية جديدة بدأ النظام تنفيذها بعد العام :2000 "بعد رحيله إلى المنفى عمد النظام السوري إلى توفير المناخات السياسية الملائمة لتقوية العماد عون شعبيا وبدأ تنفيذ الخطة السورية الجديدة بعد العام 2000 حين تبين للنظام السوري أن القيادات المسيحية التي صنعتها وصولا إلى الرئيس اميل لحود لم تستطع تكوين حالة مسيحية واسعة, فكان لابد من توضيح حالة العماد عون في هذا المشروع السوري وكانت سلسلة خطوات سياسية وأمنية لتقوية ظاهرة العماد عون, وأبرزها الانتخابات الفرعية في بعبدا عاليه عام 2003 وأحداث 7 و9 اغسطس عام 2001, وتبين مع مرور الزمن أن العماد عون نسق كل هذه الأحداث مع الجانب السوري من خلال اللواء جميل السيد ووصولاً إلى عودته العام 2005".

 

اعترافات فايز القزي

في ذلك العام أبرمت صفقة قضت بعودة عون إلى لبنان مقابل "إجهاض الحركة الاستقلالية" التي انطلقت قبيل اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري وتعاظمت من بعده. أما عون فيعتبر أنه عادى سورية في لبنان وسيصادقها في سورية, معتبراً أن مشكلته انتهت مع السوريين فور خروجهم من لبنان. ويسرد صديق عون القديم المحامي فايز القزي في سلسة أحاديث تلفزيونية وصحافية علاقة عون بالنظام السوري: "كل أسرار العلاقة بين المخابرات السورية وبين العماد ميشال عون بدأت بواسطتي". وقال: إن "زيارة عون لسورية اكتملت من حيث المعنى المجازي, وكنت شاهدا على الأمر, في تاريخ 27 سبتمبر عام 2004 حين تم الاتفاق بين عون والسوريين على عودته إلى لبنان, وعلى مظاهر العودة وما إلى ذلك, وعلى أثرها زار المسؤول في "التيار الوطني الحر" غابي عيسى دمشق والتقى عبدالحليم خدام". ويروي: عون ينكر الأمر في كتابه لكن عودته إلى لبنان بدأت ب¯"احتكاك" أول أقمته أنا بالذات في يوليو عام 2004 ربما عن طريق الصدفة أو عن سابق تصور وتصميم من السوريين. كنت جالساً في المسبح الذي أملكه وأذكر جيداً أنه كان يوم خميس, فاتصل بي أحد الأصدقاء ليعلمني أنه ينوي زيارتي مع عدد من الأشخاص بمن فيهم رستم غزالي يوم الثلاثاء اللاحق. وكما كان مخططا, وصل الجميع يوم الثلاثاء إلى مسبحي, وبينهم رستم غزالي ووئام وهاب ورياض رعد وناصر قنديل, وكنت في تلك المرحلة أعلم أن هناك مشكلة بين أحد الإعلاميين البارزين ومدعي عام التمييز عدنان عضوم, وكان الإعلامي حينها موجودا في كندا, فدعوت شقيقه وهو إعلامي أيضا للحضور لحل المشكلة مع غزالي باعتبار أنه موجود, وهذا ما حصل فعلاً".

 

 كانت جلسة عادية طبيعية, وكنت ارتدي لباس السباحة, وبدأ غزالي الحديث بالقول: "كيف حال الجنرال ميشال عون?", فبادرته إلى القول: "مضى نحو سبعة أشهر منذ أن رأيته لكن سؤالك لفت انتباهي. فعندما كنت أزور الشام, حين كانت العلاقات قائمة بينكم وبين عون, كنت استشف الجو العام من خلال الطريقة التي يطرح فيها عبدالحليم خدام هذا السؤال. فإذا قال كيف حال "ميشو", كنت أعرف أن العلاقات سيئة جداً, أما إذا سماه "ميشال" فهذا يعني أن العلاقات لا بأس بها, وإذا سماه "الجنرال" فهذا يعني أن العلاقة جيدة, أما إذا سماه "الجنرال ميشال عون" فهذا يعني أن العلاقة ممتازة وعلى ما يبدو فإنك قلت الجنرال ميشال عون. وسكت هو (غزالي) وسكت أنا بدوري". واضاف: "اختلجني شعور بأن شيئا ما يجري, خصوصا على مستوى الزيارة, وعندما هم الجميع بالمغادرة, سألني غزالي عن موعد زيارتي المقبلة لباريس, وأخبرته أنني أنوي السفر بعد نحو شهر, فأوصاني أن أوصل سلامه الحار للجنرال عون. قلت له إن الجنرال يفكر في العودة إلى لبنان فقال: "أهلا وسهلا به".

 

لم أذهب إلى باريس بعد شهر وذلك بسبب ارتباطاتي في لبنان, وتحديداً مسألة تأجير المسبح بحيث استغرقت المفاوضات نحو شهرين. وفي 14 ديسمبر عام 2004 ذهبت إلى باريس, وبتاريخ 16 من الشهر نفسه زرت الجنرال عون وأخبرته بما جرى معي, فأبدى حماسه. سألني عن رأيي فقلت له: "قبل تحديد موعد العودة, يجب الحصول على تعهد بعدم الملاحقة القانونية أو التوقيف, والعودة تتم وفق الخطاب السياسي المعروف: حرية سيادة استقلال, أما التحالفات الانتخابية فتكون في الظاهر بعيدة من السوريين لكن بالتفاهم معهم, فهم في إمكانهم إبعاد مرشح ما تسهيلاً لك وضمان التحالف مع مرشح ما قد تكون بحاجة إليه". وأكدت لعون أن التنازلات التي سنقدمها تتمثل بخفض مستوى الخطاب السياسي من حال العداء مع سورية إلى حال الخصومة معها, أما بالنسبة للقرار الدولي 1559 فهو وُجد وتكرس ويجري تطبيقه وعلينا أن نتناسى أمره من دون السير ضده, إضافة إلى عدم خوض الانتخابات النيابية إلى جانب وليد جنبلاط ولا حتى إلى جانب رفيق الحريري, فالطرفان كانا غير مهتمين بالتعاون مع عون.

 

ويردف القزي: "وافق عون على كل هذه البنود, إلا أنني أعلمته بضرورة سفري إلى أسبانيا على أن أعود بعد أسبوع إلى باريس, وهو الوقت الكافي للتفكير بعمق في الأمر. وفي 23 ديسمبر عام 2004 عدت إلى باريس للقاء عون الذي أبدى ترحيبه بمسألة العودة, طالبا إضافة بند وحيد وهو إرسال دعوة إلى السوريين, بواسطة أحد أعضاء "التيار الوطني الحر" في الولايات المتحدة, للمشاركة في مؤتمر المصالحة الذي كان ينوي عقده في باريس.

 

وفي 24 ديسمبر, عدت إلى لبنان للاحتفال بعيد الميلاد المجيد مع عائلتي, وفي 26 من الشهر نفسه توجهت إلى سورية حيث كان الجميع بانتظاري واستعرضنا سويا كل الشروط والمسائل العالقة, واستمرت الجلسة فترة طويلة فعرض علي المجتمعون أن أبيت في دمشق لكنني فضلت العودة إلى بيروت. في اليوم التالي, عدت إلى الشام وتناقشنا طويلاً وتمت الموافقة على كل البنود التي تقدمت بها حتى إنهم وافقوا على حضور ممثل عن "التيار الوطني الحر" إلى سورية لتسليم الدعوة إلى مؤتمر المصالحة, ولكن من دون المشاركة فيه لأن في ذلك حرجاً كبيراً, وفقاً »للسوريين«.

 

 اتصلت, إذا, بالعماد عون ونقلت إليه البشرى السارة وبعد نحو أربعة أيام زار غابي عيسى دمشق وسلم الدعوة". ويضيف: "بعد شهر وأكثر انقضت الأيام واغتيل رفيق الحريري في فبراير عام 2005 واهتز الاتفاق الذي أسست له بين عون والسوريين, وأضحى عون "مقيما" في منزل نازك الحريري (زوجة رفيق الحريري) في باريس وانفتح أطراف قوى "14 آذار" عليه وزاره كل من الياس عطا الله وجورج حاوي ومروان حمادة وغطاس خوري ووليد جنبلاط وغيرهم, إلى أن عرفت أن هناك فريقا آخر دخل على خط عودة عون إلى لبنان, وهو يضم كريم بقرادوني وأميل أميل لحود وأنطوان خوري حرب".

 

...على خطى لحود

في هذه المرحلة يقول الياس الزغبي, عند عودة العماد ميشال عون إلى لبنان, كانت خطة النظام السوري قد بلغت مرحلتها المكتملة في الانتخابات النيابية ذاك العام إذ أن موقف العماد عون في التصدي لما عرف آنذاك ب¯"الاتفاق الرباعي" كان موقفا مبرمجا ومدروسا بصورة جيدة مع المخابرات السورية ومع "حلفاء" دمشق في لبنان. ومنذ ثلاثة أعوام ونصف العام انكشفت كليا حقيقة العلاقة العميقة بين العماد عون والنظام السوري وبلغت مرحلتها القصوى في الزيارة التي قام بها في  ديسمبر الماضي إلى سورية. وباختصار, يشير الزغبي إلى أن العلاقة الجيدة هي القاعدة بين العماد عون والنظام السوري والاستثناء كان نوعا من التنافر والتنابذ, ولكن هذا الاستثناء كان يثبت القاعدة ويؤكد صحتها. وخلافا لكل التصورات والخدع السياسية فإن على الأقل ربع قرن من العلاقة بينهما بات واضحا ومحسوما, وكل من يراجع مراحل التاريخ اللبناني الحديث يكتشف هذه الحقيقة الصاعقة, ولا مجال بعد اليوم للكلام فقط عن انقلاب في موقف العماد عون إنما الحقيقة انه موقف متواصل ومستمر منذ ربع قرن.

 

وفعلاً يؤكد هذه الحقيقة أكثر الناس ضلوعاً في ترتيب وتنسيق العلاقة بين العماد عون والنظام السوري, وهم كثر أبرزهم ألبير منصور, محسن دلول, فايز القزي, ميشال سماحة ورياض رعد وكثيرون آخرون. وفي قراءة سياسية موضوعية يرى الزغبي أن "المستفيد من حالة العماد عون هذه هو النظام السوري وحده وليس العماد عون, وذلك على المدى المتوسط والسبب واضح وهو أن جميع الذين تعاملوا مع النظام السوري وارتبطوا به من الوجوه والقيادات المسيحية كان مصيرها معروفا ومكشوفا, نتذكر مثلا  حبيقة, والياس الهراوي, وأميل لحود, وسليمان فرنجية وكثيرون من الصف الثاني الذين يكاد العشب ينبت على أدراج منازلهم, وفق تعبير الزغبي, أي أنهم دخلوا في النسيان السياسي العملي والواقعي وهكذا يؤكد المنطق السياسي والمنطق التاريخي أن مصير العماد عون هو نفسه مصير أميل لحود مثلا على المستوى الشعبي والسياسي, ويكون العماد عون قد ضرب الرقم القياسي في اختصار ظاهرته الشعبية الكبيرة بمدة زمنية قصيرة. ففي اربع سنوات صعد إلى القمة الشعبية والقمة السياسية ثم هو ينحدر بسرعة قياسية, وسيتضح ذلك حكما خلال الانتخابات النيابية في يونيو المقبل.

 

 ويقول المسؤول الحزبي: أن أهم الشخصيات التي كان يعتمد عليها عون للتواصل مع النظام السوري هي اليوم في الموقع المقابل له ومنهم فايز القزي, كما تركه أيضا احد أهم أركان "التيار" واحد مؤسسيه الياس الزغبي وأيلي محفوض. كل هذا يدل على أن عون كان يدعي انه في مسار عدائي مع سورية ضمن اتفاق مرتب بين الجانبين يمكنه من أخذ أصوات المسيحيين, ووفقاً لتحليل المصدر فإن السوريين اعتبروا أن هذه الخطة ستمكن عون من حيازة أصوات ناخبي الاتفاق الرباعي بعد عودته من فرنسا, وتقصد عون التهجم على السوريين وكل حلفاء النظام السوري في حينه في المناطق المشتركة, وفي الوقت نفسه حاز على أصوات "حزب الله" و"حركة أمل", ومكنه موقفه مع حزب الله ومع "8 آذار" من تأمين غطاء مسيحي للحلف ولهذا السبب خاضوا حرب يوليو عام 2006 وبقوا في حالة ممانعة معتقدين انه يمكنهم أن يمنعوا "14 آذار" من تحقيق الحرية والسيادة والاستقلال. 

    

عون يحكي وعاقل يفهم  

في إحدى الصفحات الالكترونية على "الانترنت" ورد حوار بين النائب ميشال عون وإحدى الشخصيات الحليفة لم يذكر اسمها, واللقاء الذي جمع الرجلين ليس بالبعيد وجرى تحديدا بعدما حددت وزارة الداخلية موعد الانتخابات النيابية في 7 يوليو المقبل, وهنا النص كما ورد عنواناً وحواراً:

 

عندما حددت وزارة الداخلية تاريخ 7/6/2009 موعداً لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة, ضحك ميشال عون طويلا وقال لمجالسه إن موعد الانتخابات المحدد هو موعد وهمي, وبأنه يعتبر نفسه قد ربح الانتخابات المقبلة سلفا وبأنه سينتخب رئيسا للجمهورية قبل هذا التاريخ.

 

وعندما لاحظ عون ملامح الدهشة والذهول على وجه سامعه ابتسم وقال له: "هل تريد أن تفهم ماذا أعني"?

 

حسناً سأخبرك, إن الحرب الإسرائيلية على غزة هي حرب طويلة الأمد لن تنتهي بشهر, أو بشهرين, بل ستمتد حتى تطال نيرانها الأنظمة العربية المجاورة, وهذه الأنظمة لن تقف ساكتة, بل ستدافع عن نفسها ضد محرضي "حماس" وهم إيران وسورية و"حزب الله", وبالتالي من المستحيل أن لا تطال هذه الحرب الساحة اللبنانية وحتى السورية, وبالتالي فإن "حزب الله" وحلفاءه السوريين سيضطرون لخوض حرب وجود, أي حياة أو موت, وهذا سيعني إما تدمير لبنان بالكامل أو انتصار الحلف السوري-الإيراني, والذي أنا جزء أساسي منه, وبالتالي فإننا سنكون بصدد تعديل الدستور ووضع قانون انتخاب جديد, ما يعني بأن حلفي سيقيل ميشال سليمان وسأنتخب مكانه رئيسا للجمهورية! وهذا كله طبيعي ومنطقي كون المنتصر هو من يحدد شروط الحكم, ويجني الثمار بدليل النهج الذي اتبعته قوى "14 آذار" بعيد الانسحاب السوري وحتى تاريخه.

 

مُجالس عون لم يستطع إخفاء دهشته من الكلام الذي سمعه وقال لعون: هل تسمح لي أن أسألك سؤالاً? أفرض جدلاً بأن الحرب التي تكلمت عنها وقعت فعلاً وتم بنتيجتها انتصار "حزب الله" وحلفائه, إنما كان الثمن تدمير لبنان? بل أفرض جدلاً بأن لبنان قد تدمر وخسر "حزب الله" فماذا يحصل عندها?

 

عون ابتسم وقال لمحدثه: إذا ربح الحلف السوري-الإيراني وتدمر لبنان فلا مشكلة لأننا سنكون في الحكم وسنبني لبنان مجددا وسنكون المنتصرين, وإذا خسر "حزب الله" الحرب وتدمر لبنان فلا مشكلة أيضاً لأنني لا ارغب بالبقاء في لبنان إذا لم أكن حاكما عليه, وعندها لا أريد لبنان أو أي شخص يتكلم اللغة العربية".

السامع لتخيلات عون خرج مصعوقا وقال لأحد مقربيه يبدو أن عون قد جن بالكامل وأصبح هوس الحكم مسيطراً عليه, وإذا ما سمح له سيدمر لبنان ليحكمه كونه يعرف بأن عمره لا يسمح له بانتظار انتهاء ولاية الرئيس سليمان على قاعدة المثل الشعبي "ما بقي من العمر أكثر ما مضى".