الأسباب الحقيقية وراء تأجيل إنتخابات التيار الوطني الحر

إمبراطورية على شفير الهاوية

حنين غدّار

لبنان الآن/، الاربعاء 9 نيسان 2008

 

أسئلة عديدة طُرحت إثر إعادة تأجيل إنتخابات "التيار الوطني" الحر رغم ما تقدّم من أعذار رسمية. من هذا المنطلق، تطرّق موقع "لينان الآن" مع مصادر مقرّبة من التيار عن الخلافات الداخلية والصراع على السلطة ومقاربة رئيسه ميشال عون في السياسة الداخلية. كما تطرّق إلى هذه المشاكل التي ستؤدي إلى هلاك التيار الوطني الحر ونهاية مستقبل عون السياسي في حال لم يتم معالجتها في القريب العاجل.

 

فقد تمّ تأجيل إنتخابات اللّجنة المركزية التابعة للتيار الوطني الحر من جديد وهذه المرة من 4 أيار إلى 26 تشرين الأول وسط وابلٍ من التقارير والمعلومات التي وردت في وسائل الإعلام المحلية مفادها أن النزاعات الداخلية هي سبب التأخير. ورغم أسباب التأخير اللوجستية والإدارية التي ذُكرت في البيانات الرسمية الصادرة عن التيار الوطني الحر، أكّد بعض الأشخاص المطّلعين الذين فضّلوا بطبيعة الحال عدم الكشف عن هويتهم، إلى أن التأجيل متعلّق مباشرة بالنزاع المتزايد بين مجموعتين متبادعتين ضمن التيار وهما جماعة العماد ميشال عون والآخرين الذين يعتبرون أنفسهم أنهم "الاتجاه المعارض" داخل التيار الوطني الحر.

رغم ازدياد احتمال وجود خلاف خطير بين هذين الطرفين، ما زال قائد التيار الوطني الحر، العماد ميشال عون ينكر الواقع، رافضاً الإقرار بأن هذه المناوشات قد تكون سبباً في سقوط التيار أو سقوطه شخصياً.

 

الإنقسام

حسبما يُقال، إن أساس المشاكل التي يواجهها "التيار" تكمن في عدم وجود هيكل تنظيمي متماسك؛ وليس الجميع راضياً بأسلوب العماد عون في معالجة الأمر. وفي هذا السياق، ذكرت مصادر مقّربة من الفريق داخل "التيار الوطني الحر"، أنّ النزاع الحالي يتمحور حول خطّة عون الهادفة إلى إنشاء هيكلية تسمح بتعيين صهره جبران باسيل نائباً له. وعلى ما يبدو، يخشى الكثيرون من أن يتم منح هذا المنصب المرغوب به إلى هذا الأخير بهدف إبقاء ما ينطوي عليه من نفوذ سياسي ومالي ضمن عائلة عون.

 

كما أعرب أشخاص معارضون آخرون في التيار مثل آلان عون عن اعتراضهم على ما يعتبرونه محسوبية شديدة الوضوح للأقارب.

بحسب ناشط سابق في "التيار الوطني الحر" قد أصبح الآن معارضاً له، لم يعد "التيار" اليوم يمثل كتلة متّحدة لأن أعضاءه يتّبعون برامج مختلفة، وقال المصدر في هذا الإطار:"يسعى البعض إلى الحصول على مراكز أعلى (في التراتبية داخل التيار) والبعض الآخر موجود للاعتراض على سياسته وهناك آخرون قد انضمّوا للتعبير عن رفضهم لاستراتيجية عون الهادفة إلى منح أفراد عائلته أفضل المراكز وتزويدهم بأقصى الصلاحيات."

 

وفي تصريح إلى Now Lebanon، قال اللواء المتقاعد والمسؤول في التيار الوطني الحر، عصام أبو جمرة الذي كان يقوم بوساطات بين عون والفريق المعارض داخل التيار:"لم يكن اسم جبران باسيل أو اسمي مطروحاً لمنصب نائب رئيس للتيار... لا شيء يمنعني من ترشيح نفسي لهذا المنصب."

 

ونكر أبو جمرة أن يكون لعون أي نيّة بتسمية صهره نائباً لرئيس التيار. لكن كشفت مصادر Now Lebanon أن دور أبو جمرة كوسيط كان في الواقع مسلّطاً على إقناع عون بإعطاء باسيل صلاحيات أقل لتهدئة المعارضين.

 

لكن رغم الجدل الذي أثارته هيكلة "التيار" السياسي الهشة والقائم على أساس المحسوبية، اقترح المصدر أن ارتفاع حدة التوتر في الآونة الأخيرة يعود إلى توزيع المنافع المالية داخل "التيار"، موضحاً أن "السبب الفعلي وراء هذا الاحتدام يتعلّق بالناحية المالية؛ علماً أنه قد تم تكليف "التيار" بمشاريع تساوي ملايين الدولارات في الضواحي الجنوبية لكنها أُعطيت إلى جبران باسيل وحكمت ديب لأنهما مقرّبان من حزب الله."

 

وهناك ادّعاءات أخرى تقول بأن أفراد عائلة عون يعملون بصفة "مَصرفيي التيار". وفي هذا الإطار، قال المصدر أيضاً "إن كافة أموال التيار الخاصة بالإضافة إلى التبرّعات الأخيرة التي جمعها خلال الإنتخابات والدعم المالي الذي يتلقّاه من المغتربين اللبنانيين، يتم إيداعها كافة في حسابات عون الشخصية وفي حسابات أفراد عائلته ومؤسسات مثل محطة ال أو.تي.في. التي يديرها أيضاً صهره الآخر روي الهاشم؛ وهذا أمر أثار أسئلة عديدة داخل التيار."

 

ونظراً لهذه الشكاوى الداخلية العديدة، يعتقد العديد من المحلّلين أن المعارضة داخل التيار تملك فرصة كبيرة للفوز في الإنتخابات الحزبية ولهذا السبب تم إرجاؤها لغاية تشرين الأول. "لا أظن أن الإنتخابات ستُجرى في ذلك الوقت، لأن عون سيستغلّ اقتراب موعد الإنتخابات النيابية للعام 2009 كعذر"، حسبما رجّح المصدر.

 

التفّرد في القيادة

في حين أن عون يدعو إلى مكافحة الفساد وتعزيز الديموقراطية، فسّر أحد المصادر أنه لم يعمل أبداً على بناء حزب له مؤسسات، مركّزاً عوضاً عن ذلك على تعزيز ممتلكاته وصلاحياته الشخصية.

 

"كما أنه يتبّع تلك الاستراتيجية الهادفة إلى إضعاف أعضاء التيار الذين يصبحون نافذين من خلال تقوية خصومهم داخل هذا التيار، فمثلاً، عندما بدأ النائب ابراهيم كنعان يتألق على الساحة السياسية، عمل عون على إعطاء خصمه نبيل نقولا المزيد من الصلاحيات لكي يتمكّن من إبقاء حزبه تحت سيطرته الشخصية"، على حدّ تعبير أحد المنتمين إلى التيار.

 

في الوقت الحاضر، قد يكون هذا الامتعاض المنتشر دليلاً على اضمحلال سيطرة عون على حزبه. وأكّد أحد المصادر أنه خلال اجتماعاته، أصبحت الأصوات المعارضة تعبّر بصراحة أكبر عن وجهات نظرها، خلافاً للأيام الخوالي عندما لم يكن أحد يجرؤ على تحدّي العماد. وفي شباط 2008، أجرت سوفريز ليبان Sofres Liban وهي فرع من شركة تايلور نيلسون سوفريز للأبحاث، استفتاءًا ضمّ 2000 شخص من الطائفة المسيحية اللبنانية، عمرهم 18 سنة وما فوق، بيّنت فيه أن 60% من المسيحيين يقولون إنهم لم يؤيدوا عون أبداً و57% منهم يعتقدون أن كتلة "التغيير والإصلاح" ليست موحّدة.

 

فضلاً عن ذلك، لا يمكن لعون أن يتجاهل تقوّض العلاقات بين "التيار الوطني الحر" وسائر أعضاء كتلة "التغيير والإصلاح"، بالأخصّ وأن إنتصاراته في الإنتخابات النيابية في العام 2005 كانت مبنيّة في الأغلب على هذه التحالفات. والجدير بالذكر أن فوزه في المتن وزحلة لم يكن ممكناً إلا بفضل دعم حليفيه النائبين ميشال المر وإلياس سكاف اللذين أصبحا مستبعدين اليوم. أما في كسروان وجبيل، فقد فاز لأن لائحته كانت مدعومة من قبل جورج افرام الذي جعل دعمه له مشروطاً بإضافة اسم صهره وليد خوري إلى تلك اللائحة.

 

الإمبراطور العاري

أما محطة ال OTV وهي الساعد الإعلامي للتيار بإدارة عائلة عون، فلم تكن في مأمن من هذا النزاع الداخلي. "إن ال OTV خير دليل على عدم إحترام عون للمؤسسات،" حسبما فسّر مصدر من "التيار الوطني الحر". فأضاف قائلاً "أولاً ، هذه المحطة هي ملك أفراد العائلة والحلفاء وليس التيار بحدّ ذاته وصهر العماد عون يديرها بحسب خطّته السياسية. وكمثال على ذلك، لا تبث المحطة أي لقاء مباشر مع آلان عون لأن العماد عون رافض لذلك."

 

إن النزاعات الأخيرة داخل التيار الوطني الحر التي أصبحت أكثر جلاء من خلال التأجيل المتكرر للإنتخابات الحزبية قد بيّنت نيات عون غير الصريحة عن الديموقراطية وبناء المؤسسات. فعوضاً عن ذلك، يبدو أكثر اهتماماً بصون صلاحياته وممتلكاته وبتدارك أي انقلاب داخل "التيار".

 

فهذا "التيار" الذي حظي لمدة طويلة بدعم مؤيّديه لكونه أحد الأحزاب السياسية الحقيقية في لبنان، قد أصبح اليوم التكتّل الأكثر هشاشة في البلاد. فبدون هيكل تنظيمي متين، إن قدرة الحزب على تأدية وظائفه تتوقّف كلياً على عون وعائلته وبعض الحلفاء. ويعتقد الكثيرون أنه بدونه، قد يتشرذم "التيار" أو ينهار حتى، قبل الإنتخابات النيابية للعام 2009. ولا شكّ أن عدم الاطمئنان هذا يثير قلق العديد من مؤيدي عون.