المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

الجنرال عون الإسخريوتي نجم اليوم

رزمة مقالات وأراء واخبار تسلط الأضواء على من ماضيه يخجل من حاضره

16/12/2008

 

ذخائر مارعون

بقلم: الياس الزغبي

الحاج العائد من سوريا بدأ يطوف على أبواب المرجعيات السياسية والروحية ، من بعبدا الى مار نقولا ... الى بكركي ، لالتماس غطاء تعرّى منه قبل حجّه ، ولاستجداء براءة ذمة سفحها على قدمي " قاتل الأنبياء وراجم المرسلين اليه " . واذا كان الأصيل استنكف عن استقباله في باب توما فان السعي نحو الوكيل الجليل في بيروت ، تحت جنح الظلام ، لن يستر عريه ويقيه صقيع غربته . واذا كان مار مارون قد غرق في صمته الدهري وحزنه البليغ حين عرف حقيقة دوافع الوافدين اليه ، فان خليفة مار يوحنا مارون على كرسي أنطاكية وسائر المشرق أطلق كلمة الحق وصرخة الغضب المقدّس كي يعيد الخراف الضالة ( الخراف ؟ ) الى بيت الجماعة وحظيرة الامة .

ولكن المسيحيين مصدومون أمام خمسة نماذج مخجلة طارئة عليهم اقتحمت ماضيهم وحاضرهم وثقافتهم ، وتندى لها جباههم ، ويخشون منها على مستقبلهم :

زعيم سياسي يحشر اسمه في لائحة القدّيسين من بولس الى مارون الى يوحنا بولس الثاني ، وربما لاحقا ، وبعد التواضع من مستوى الكون والعالم والشرق الى مستوى لبنان ، مع شربل ورفقا والحرديني والكبوشي ...

وزير سابق يضرب بسيف سيده أعناق المسيحيين ، ويجلد بني قومه بسوط " المسيحية المشرقية " لمنحهم " شرف " توظيف الكنيسة في خدمة السلطان ، واكتسابهم " نعمة " الحماية والأمان على أرواحهم وأموالهم .

نائب " متمورن " حديثا جاءته الدعوة الطوباوية متأخرة ، تولّى توزيع الهدايا الحمصية مباشرة على الهواء بتقوى وخشوع ، مغلّفات تحتوي على " ذخائر مارعون " كاد موزّعها يرشح زيتا .

صحافي سخّر " عقيدته " المسيحية في خدمة الطوطم ، بوجهه اللبناني وقفاه السوري ، وارتقى الى " رتبة " مروّج تقارير مخابرات ، في حالة اسخريوطية " مودرن " تهزأ من تواضع الثلاثين من الفضة .

استاذ جامعي – ابتدائي يتخبّط في خطاب وعظي انشائي ، سار وراء معلّمه في شوارع دمشق على خطى مار بولس" مع الجموع بخشوع وذرف الدموع " ... وكم أنتم مساكين يا طلاّب الكلية – الخلية !

انها نماذج من يومياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية المتهالكة التي تصفع العقل والوجدان ، ولا نصدّق أن المسيحية باتت قاحلة ماحلة فلم تعد تلد الكبار ، بل هي عوارض عابرة تصيب الأجسام السليمة ، وسرعان ما يزول العرض ويبقى الجوهر .

وفي ما يعبّر بصدق عن التعاظم والعملقة المزيّفة في النموذج الاول طرفة بليغة من تاريخنا الحديث : في أواخر الأربعينات من القرن الفائت دعي رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري الى تدشين دير الصليب ، وقرّرت الرهبنة استقباله استقبالا حاشدا ووضعت بعض مرضى الدير في عداد المستقبلين . ولما وصل موكبه تقدّم أحد المرضى بسرعة وسأل الرئيس : من أنت ؟! فأجابه الشيخ بشارة : انا رئيس الجمهورية . فضحك المريض وصاح متفاخرا : أدخل ، أدخل...أنا دخلت قبلك الى هنا ، نابليون !!

وسلام على من عرف حدّه فوقف عنده .

 

كبّة حلبية

ريمون جبارة

يوم الاحد الماضي كانت الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد البطل فرنسوا الحاج. حارب هذا البطل بعقيدته وبجسده فما اختبأ تحت الارض كما فعل غيره ولا يزال يفعل. في وطننا الشقيق وحدهم الابطال يموتون. مات كل ابطال الاستقلال الثاني لأنهم ليسوا وطاويط ليل. ذاك الاحد تفرجت على ذكرى البطل على شاشة التلفزيون وبكيت لا على الشهيد فالشهداء تبدأ حياتهم لحظة مماتهم، بل بكيت على لبنان الذي فرّغوه من ابطاله لتبقى "الساحة" للزعبرجية يسرحون ويمرحون. أصحاب العقول الصغيرة منهم يظنون انفسهم ابطالاً، مكتفين بتصديق انفسهم.

في ذاك الاحد نفسه، كانت مأدبة اخوية في حلب اجتمعت حولها عائلتان تمثّلان الاخوّة الصادقة غير القابلة للزغل، وكان افراد العائلتين يتبادلون انخاب تلك الاخوّة بين كدشة وأخرى من أقراص الكبّة المشهورة بها حلب، ويتبادلون من حين الى آخر ابتسامات الأخوّة (واحد منهم كان يضحك على الآخرين)، وقد جمعت المناسبة الاولاد والزوجات والصهورات (من تبقّى منهم). ويقول المثل: "طعمي الفم تستحي العين"، لذلك استحى مَن من عاداته الاّ يستحي. وقد استحى بالسؤال عن المفقودين لدى ربّ المائدة (بسيطة، المشوار الجايي). من غرائب الامور، ان مرويات ذاك الاحد حملت خبراً من العدو يقول ان سلطاته ستفرج عن 250 اسيراً فلسطينياً، وليس غريباً ان يكذب العدو علينا. ولأن الاطفال لا يكذبون فقد عرض التلفزيون (احدى المحطات العربية) صوراً لأطفال جائعين وخائفين يروون كيف أحرق أهلهم كتبهم المدرسية لحاجتهم الى التدفئة بعدما ضيقت السلطات العدوة الخناق عليهم. فالشعب المحتل فلسطين، كل نفر فيه جندي مدرّب على الاختباء من صاروخ ينفجر فيؤذي الحجر أكثر مما يؤذي البشر، والعدو مبسوط جداً (شو بدّو افضل من هيك حجة لقتل الاطفال والابرياء الفلسطينيين؟).

زمن الابطال في فلسطين ولّى، فلقد استشهد عرفات وابطال زمانه تاركين الساحة للبهورجية الذين يشبهون "تبعولنا" ويبقى شعار الأمة الأبية (الحكومات البهورجية): موتوا ولا تخافوا فنحن معكم ومع قضيتكم. كأن القضايا هي أهم من لقمة الخبز وحبة الدواء للجائعين والمرضى. وكما عندنا كذلك عندهم، فالمخلصون من السياسيين الفلسطينيين متهمون بأنهم عملاء للغرب. كثر ينسون ان ابا عمار لم يكن عميلاً ولا جورج حبش وكل الذي استشهدوا فداء فلسطين. الذين يتهمونهم يختبئون كالذين هم عندنا. فلا يطال غدر العدو الاسرائيلي سوى الاطفال والناس العزل الابرياء.

في الختام أشفق عليكم أنتم الاتقياء في هذه الأمة والذين تعيشون جحيماً لا تحتمل بعدما اجتاحت كوليرا النفاق شعوب المنطقة من الخليج الى المحيط... وأبعد شويّ.

والله وليّ التوفيق.

 

تكتل "التغيير والاصلاح" عقد اجتماعه الدوري برئاسة النائب العماد عون

النائب كنعان : للتعاطي مع حقوق الناس بعيدا عن الغموض في النصوص

الكفاءة والتجرد هما المعيار في التعيينات ولا أحد يريد تسجيل مواقف

وطنية - 12/15/2008 (سياسة) عقد تكتل "التغيير والإصلاح" اجتماعه الأسبوعي برئاسة النائب العماد ميشال عون، عرض خلاله امورا مدرجة على جدول الأعمال.

بعد الاجتماع تحدث النائب ابراهيم كنعان فقال: "وضعنا دولة الرئيس في أجواء اجتماعه مع الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر وكان هناك نقاش حول كل الأمور التي طرحت في الإجتماع. وكان تأكيد من العماد عون على أن اللبنانيين وخصوصا تكتلنا حريص على الحوار ومؤمن به، فهو السبيل لمعالجة كل المشاكل والخلافات. وأن كل الكلام الذي يحكى حول الانتخابات النيابية المقبلة وحول إذا ربح هذا الفريق أو ذاك الفريق، ماذا تكون النتيجة. النتيجة واحدة، القضايا اللبنانية ليست للمساومة. المصلحة الوطنية اللبنانية هي فوق كل اعتبار والحوار ضروري، ويجب الاعتراف بالنتيجة بديموقراطية النظام السياسي كما كل الأنظمة السياسية الأخرى المعترف فيها في العالم. وكان هناك تركيز على هذه المسلمات التي نعتبرها أساس تمايز لبنان وتعاطيه أكان في الداخل أو في الخارج".

اضاف: "بحثنا أيضا في موضوع السياسات المالية العالمية وانعكاساتها على المنطقة ولبنان. طبعا كان هناك اليوم "مثل صارخ" وهو نفض الغبار عن حقوق موظفي الملاك العام الإدارة العامة من عسكريين وقضاة وأساتذة جامعات الى كل موظفي الإدارة العامة.

جميعكم يعرف أنه صار هناك اقرار بالقانون الذي كان مقترحا من العماد ميشال عون وتكتل "التغيير والإصلاح"، وبالتالي أصبح اليوم منجزا وهو مشمول بالقانون 541 واللذين دمجا، أي الحد الأدنى للأجور والزيادات الملحوظة نسبة لغلاء المعيشة. كما في المادة 16، الإقتراح الذي تقدم به العماد ميشال عون والذي قضى بتقسيط وعلى مدى 3 سنوات فروقات سلسلة الرتب والرواتب. انما كان أيضا هناك مفاجأة ايجابية وسعيدة للعسكريين بحيث أنه كان هناك قانون رقم 309، هذا القانون الصادر في 3 نيسان 2001 لم يكن مشمولا بالأساس في المداولات التي كانت تحصل بين وزارة المالية ومجلس النواب. اليوم طرحناه في مجلس النواب وهذا يعيد المفعول الرجعي للعسكريين الى 1995 يعني 1/1/1995 بدل 1/1/1996".

وتابع: "إذا هذا أيضا أقر اليوم، وبالتالي ان شاء الله ستكون صفحة جديدة كما قلنا في مجلس النواب، بالتعاطي مع حقوق الناس والمواطنين بعيدا عن الغموض في النصوص والتسويات التي تقوم على حساب طبقة متوسطة وفقيرة بحكم السياسات المالية المتعاقبة، وهي بحاجة الى كل دعمنا اليوم، وإذا كان لا بد من وجود تقشف محمود، فليكن هذا التقشف لوقف الهدر والانفاق الكبير الذي يحصل على مشاريع مختلفة ومتنوعة. بينما حقوق المواطن يجب أن تكون مقدسة ولا يجوز بعد اليوم أن ينتظر مواطن 10 سنوات حتى يأخذ حقه بموجب قانون صدر منذ 10 سنوات، ومن المفترض أن يكون نافذا. ان شاء الله يكون هذا الأمر اليوم بداية وليس استثناء وأعتقد أن الجميع اليوم في لبنان يتطلعون الى هذا النوع من الممارسة البرلمانية لاستشراف المستقبل".

واردف: "بحثنا أيضا في مواضيع متنوعة تتعلق بجلسة الغد وبعد غد، غدا الثلاثاء والأربعاء والخميس سيكون هناك جلسة مساءلة. المساءلة ستكون حول سياسات الحكومة المالية وغير المالية، انما خصوصا الإنمائية في العديد من المناطق. يتم تحضير هذه المناقشة من قبل تكتل "التغيير والإصلاح" حتى تكون هادفة وبناءة في الوقت نفسه. لا أحد يريد أن ينتقد لمجرد الانتقاد. لا أحد يريد تسجيل مواقف ويزايد انتخابيا، انما يجب أن يكون هناك توضيح ومحاسبة بين النواب والحكومة حتى يبقى هناك ضوابط في هذا النظام السياسي، ولا تبقى السياسات المالية في لبنان رهن بمزاجية سياسية معينة، أكانت هذه المزاجية سلطوية أي كما كانت في الماضي ولا تزال حتى اليوم. وسنرى غدا في الجلسات كيف يتم الاستئثار بهذه القرارات. والا تكون أيضا عملية محاصصة بخلفيتها بين السياسيين على حساب الكفاءة ومصلحة القضاء في لبنان".

وختم: "جميعنا نعرف أن هناك مجلسا دستوريا يجب أن يعين وهناك تشكيلات قضائية منتظرة منذ فترة طويلة، هذه لا يجب أن تنتظر أكثر مما انتظرنا. وعلينا تغليب، وكما رأينا اليوم وهذا توجيه العماد عون وتكتل "التغيير والإصلاح"، بأن يكون الخيار والمعيار هو خيار وطني أولا والمعيار هو معيار كفاءة وتجرد، وهذا أمر أساسي لتحقيق الإصلاح في لبنان".

 

النائب العماد عون في عشاء ل"اللقاء الوطني المسيحي" في الأشرفية:

يجب هز مسمارالطائف لانه وضع صلاحيات رئاسة الجمهورية في مجلس الوزراء

التصدي للمال السياسي يكمن في تحصين الناس ضد الرشوة الإنتخابية

وطنية - 15/12/2008 (سياسة) اقام "اللقاء الوطني المسيحي" عشاء في مطعم "لو مايون" في الأشرفية، في حضور رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون وحشد من الفاعليات البيروتية تقدمها ميشال ساسين، كريم بقرادوني، النقيب أنطوان إقليموس، حبيب أفرام، مسعود الأشقر، نقولا صحناوي، زياد عبس، ميشال تويني، إصطفان حاجي توما، جورج حداد، ميشال دو شادارفيان، باسكال عزام وجورج فريديس والإعلامي كريستيان أوسي الذي قدم للعماد عون بكلمة ترحيبية وأدار الحوار.

وفي حوار دار بينه وبين الحضور اعتبر العماد عون "ان زيارة سوريا كانت ضرورية لتنقية الوجدانين اللبناني والسوري، إضافة إلى بعدها الإقتصادي الذي سينتج تحسنا لأن سوريا هي شريان حيوي للبنان ومن المفيد أن ينفتح اللبنانيين على 20 مليون سوري"، مؤكدا أن "على اللبنانيين أن ينزعوا عن أنفسهم ثياب الحداد وأن يتذكروا أمواتهم لا أن يعيشوا في الماضي".

وقال: "التاريخ يعلمنا أن الحرب تنتهي وعلى الإنسان أن يأخذ منها العبر".

وأكد أن "الإعتراض على الزيارة ما هو إلا إعتراض على إستعادة القرار المسيحي لأنهم لا يريدون دورا قياديا أو رياديا لأي مسيحي قوي في الشرق الأوسط بل يريدونه ضعيفا".

وسأل: "ماذا لو ذهب الرئيس السنيورة الى دمشق ليحسن العلاقات؟ فهل كنا سنسمع كل هذه الاعتراضات؟".

اضاف: "ان مسمار الطائف يجب أن يهز لأن الطائف وضع صلاحيات رئاسة الجمهورية في مجلس الوزراء، بينما نجد أن رئيس الحكومة هو من يمارس فعلا هذه الصلاحيات"، معتبرا أنه "لا يوجد إتفاق أو دستور ثابت يكون بمثابة كتاب مقدس لا يمس، فالقوانين والدساتير تعدل وفقا لحاجات وتطوره، فالطائف أفقد المؤسسات التوازن والبرهان على ذلك الأزمة التي مر بها لبنان في السنتين الماضيتين".

وتابع: "الحكومة فقدت ميثاقيتها مرتين من حيث التأليف ومن حيث التوازن الطائفي الذي ينص عليه الدستور".

وتحدث العماد عون عن جوانب من لقائه مع الرئيس الأميركي الأسبق "جيمي كارتر" حيث أكد له أن الإختلاف هو مع الإدارة الأميركية وليس مع الشعب الأميركي معتبراً أنه على الأميركيين أن يجروا مقاربة حديثة للعمل السياسي وأن يتأكدوا أن الموقف الأميركي المعادي لا ينفع معنا، وقال إن أميركا ضعفت في المنطقة والقرار المالي والإقتصادي إنتقل إلى الشرق.

وتحدث عن جوانب من لقائه مع الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر حيث أكد له "أن الإختلاف هو مع الإدارة الأميركية وليس مع الشعب الأميركي"، معتبرا "أن على الأميركيين أن يجروا مقاربة حديثة للعمل السياسي وأن يتأكدوا أن الموقف الأميركي المعادي لا ينفع معنا"، وقال: "ان أميركا ضعفت في المنطقة والقرار المالي والإقتصادي إنتقل إلى الشرق".

ورأى "أن سوريا اليوم ليست في موقع تفرض فيه علينا شيئا ولسنا في موقع يفرض عليها شيئا"، وقال: "إن هناك تكافؤا حاليا، ويمكننا أن نبني على مصالح مشتركة وأن نتخطى الماضي لبناء المستقبل".

وعن ملف المفقودين قال: "لم اهمل هذا الملف يوما، فمنذ أن غادرت لبنان ونحن نتابع هذه القضية عبر سوليدا في فرنسا وسوليد في لبنان، وكنا نتابع الموضوع في الأمم المتحدة لكني أسأل نفسي اليوم: أين كانت الدولة قبل 18 سنة وهي التي تملك حيثيات الموضوع؟ أين البيانات العددية للمفقودين والعائدين التي تجري عادة بعد أي معركة؟ يتحدثون عن لوائح مفقودين وعدوا بإنجازها لأنها أضحت عبئا عليهم، علما أن في لبنان 17000 مفقود لم يتم تحديد وضعهم بعد".

ورأى "أن على المسيحيين في لبنان الإنفتاح على محيطهم فالدور المسيحي لا يربحه المسيحيون وهم مختبئون في الملجأ. نحن كمسيحيين في حاجة إلى مساحة حيوية وفي حرب تموز وعندما اقفلت الطرق على اللبنانيين بحرا وجوا بقيت سوريا المتنفس الوحيد للتواصل في حين هرب الكثيرون إلى قبرص وفرنسا وأميركا".

وسأل: "لماذا نترك 250 كيلومترا شريطا شائكا ولا نستعملهم وسادة حريرية تريحنا؟".

وسأل أيضا "الذين يتحدثون اليوم عن السيادة والإستقلال: من شارك في قصفي عام 1990 في بعبدا؟".

وقال: "إن موقفي من السوريين موثق في وسائل الإعلام المكتوبة والتلفزيون حين كنت أرتدي البزة العسكرية الرسمية لقائد الجيش في رسالة الإستقلال الشهيرة عام 1989 حين قلت: ألا يحق لنا بعلاقات ندية مع سوريا خارج إطار المدفع عندما ينسحب أخر جندي سوري من لبنان؟".

اضاف: "من المفترض أن تنتهي المرحلة الصعبة مع السوريين، فبعد الشتاء والعاصفة يأتي الصحو وهذا الصحو نحتاج إليه كما السوريون أيضا يحتاجون اليه".

وعن العلاقة مع بكركي، قال: "نحن نختلف مع البطريرك في رؤيتنا للموضوع السياسي، فإذا كنا نتطلع إلى دور مسيحي فاعل علينا أن نخرج أنفسنا من العلبة التي نعيش فيها، وهذه ليست المرة الأولى التي يحصل فيها خلاف بين مسؤول سياسي وبكركي حول النظرة السياسية للامور"، كاشفا عن جانب من لقائه متروبوليت بيروت للروم الارثوذوكس المطران الياس عوده الذي أكد له أنه "لا يفرق بين واحد وأخر من أبناء الأشرفية ولا يستعمل موقعه الديني ضد أحد على الإطلاق".

وعن الهواجس المتعلقة بولاية الفقيه أكد أن "هناك إجتهادات كافية في نظام ولاية الفقيه تؤكد إستحالة قيامها في لبنان"، مضيفا "نحن لسنا مشاهدين في الحياة السياسية بل فاعلين فيها".

وعن المال السياسي إعتبر أن "التصدي للمال يكمن في تحصين الناس ضد الرشوة الإنتخابية"، كاشفا أن "أحد النافذين في تيار المستقبل قال في الدوحة: "لنترك ميشال عون يقسم بيروت إداريا كما يريد وغدا نشتري الأشرفية بمالنا". وهذا ما يحاولون فعله في كل المناطق اللبنانية بواسطة المال السياسي والإنتخابي".

وأكد أنه "يجب تقسيم بيروت دوائر عدة في المجلس البلدي كما المجلس النيابي".

وأضاف: "نحن اليوم نمثل أربعة أقضية (المتن - كسروان - جبيل - زحلة) بنسبة 100 في المئة ولا يحق لنا بكميون واحد من الزفت لأن هناك إحتكارا في مشاريع مجلس الإنماء والإعمار الذي لا نوافق عليه، وهناك خلل ومحسوبيات في التوظيفات في معظم الإدارات اللبنانية، والخسائر التي لحقت بنا في السنوات ال18 التي مضت سنعوضها عندما نأخذ أكثرية الأصوات في الإنتخابات المقبلة والتي ستعطينا الأرجحية لتعيين رئيس الحكومة".

 

 

المسيحيون بين عون وشيحا

2008-12-15 الكاتب: أيمن جزيني المصدر: ملحق النهار »

لم يسبق للبنان ان احتاج الى مسيحييه كما هو الآن. الباعث على هذه الحاجة يكمن في المفترق الخطر الذي وُضع لبنان عنده. ذلك ان الخيارات المطروحة على المسيحيين صارت بين ميشال شيحا وميشال عون، بعدما اختار الاخير ارتداء العباءة الشامية، وحسم في نوازعه السياسية.

لا يمكن في أي حال من الاحوال تحميل المسيحيين مسؤولية ما انتهت إليه حال البلد. فكما ان الطوائف الاخرى تصلبت في خياراتها السياسية وصدّرت من تشاء في مقاماتها السياسية، فإن للمسيحيين ان يختاروا ويسمّوا في ادارة شؤونهم الأهلية بإزاء الجماعات الاخرى.

إلا ان السجال وضرورة حثهم على البحث في الخيارات، يندرجان في سياق المدخل لجلاء عناصر الانقسام الداخلي حول موقع لبنان من مختلف القضايا المطروحة علينا، حيناً من ضمن اجندة محلية وأحياناً قسراً بطموحات تريد البلد "ساحة" خلفية لها ومسرحاً وسبيلاً لتحقيقها، وهو ما لم يرتضه المسيحيون يوماً، بل قدّموا انفسهم ذوداً عن لبنان الموحد المنسجم مع محيطه.

لا تخلو زيارة النائب ميشال عون لسوريا من أخطار، ليس أقلها انها تخدم فكرة خلق تناقض بين مسيحيي المشرق والبنية الاسلامية فيه. فطرح مقولة التصدي لمهمة حماية المسيحيين كأحد أبرز عناوين الزيارة، يعني ان المسيحية في الشرق في خطر، وهي اذا كانت كذلك، فإن النقيض منها لا يتم في السياق الذي حصل. المسار الذي وُضعت الزيارة على سكّته يشي بأن السنّة هم العدو، وبأن التصدي له يتم بتحالف شيعي - علوي - ماروني يحمي أقليات المشرق.

أكثر من ذلك، فقد أعطيت "مسيرة" القديس عون بعداً تاريخياً، وكأن سوريا هي الأهم تاريخياً للمسيحيين أكثر من فلسطين، وعلى قاعدة إنه إذا كانت الأخيرة مهد ولادة المسيح، فان الاولى (سوريا) هي الأرض التي انتشرت منها المسيحية.

الذين سعوا في مسالك هذا السياق، اغفلوا التساؤل عن المستفيد من وضع المسيحيين عموماً، والموارنة خصوصاً، في وجه الاسلام السني، وهم شركاؤه في تجربة الاستقلال عام 1943، حتى ليبدو الامر كأنه استعادة لخيارات سياسية في معاداة المنطقة وتوجهاتها السياسية. للمراقب ان يتبرع بالاجابة والمسارعة الى اتهام اسرائيل بوصفها الرابح الابرز عبر التبرؤ من إدانتها بتهمة تصفية الوجود المسيحي في الاراضي الفلسطينية ، كما يحدث في بيت لحم وعكا.

يسع أياً كان التنبه الى ان في ذلك إبعاداً وإقصاءً لفكر ميشال شيحا الذي رأى في لبنان التعايش بين مسيحييه ومسلميه أهمّ "مقاومة" حضارية لفكرة بناء الدولة الصهيونية في فلسطين. وفي الامر أيضاً تهميش لكل ما قام به الوزير السابق ميشال اده لجهة إرساء وعي سياسي جمعي عن ان لبنان فكرة نقيضة لإسرائيل.

في كل الاحوال، يمكن فهم هذا الخطاب على انه ربح صافٍ للنظام السوري في سياق بحثه عن دور في مساومة دولية. فشعار "حماية مسيحيي المشرق" يُرفع لتغطية التلعثم الذي تقع تحت وطأته سوريا، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ذلك ان النظام هناك يسعى الى تكريس شعار "حماية المسيحيين" كمقدمة لدور جديد في المنطقة.

يمكن المسيحيين ان يقفزوا فوق تاريخهم في قيادة مشروع التنوير العربي في القرن السابق، ويتجاوزوا الارهاصات الاولى التي شخّصت الخطر الاسرائيلي، لكن لا يمكنهم إغفال ان المسألة الآن تدور حول المسار الذي سيسلكه لبنان. بمعنى موقع البلد الفعلي ضمن مشهد يتركب حثيثاً في لحظة تقاطعات دولية عصية على الفهم والعقل.

الحال هذه، ينبغي إلقاء نظرة أهدأ، وتالياً أصوب، الى حدث تحرير لبنان من الهيمنة السورية، ليس من أجل استعادة السيرة لذاتها، بما سبقها وبما رافقها، انما من أجل الوصول الى جواب عن السؤال الأهم الذي يواجه اللبنانيين جميعاً: لماذا لم يفض الانسحاب السوري الى استقلال توحيدي.

اللبنانيون جميعاً يذكرون الكليشيهات التي أطلقت في اعقاب اغتيال الحريري. فمن جانب جماعة "شكراً سوريا"، انطلقت شعارات نزعت الى القول ان الاعتصامات والشارات لن تؤمّن السلم لنا. تالياً، يصبح مفهوماً لماذا نشهد عودة الى سجال ومناكفات تظهر اللبنانيين، وكأنهم عادوا الى سيرتهم الاولى عشايا انفجار الحرب الاهلية.

تشير الوقائع الى ان رؤية المسيحيين الى هذا الكيان كانت مختلفة الى حد التناقض الانفجاري في بعض الحقب مع تطلعات المسلمين. وهو تناقض جرّ عند محطات معينة الى اضطرابات تلتها كل مرة عودة الى تعايش ووئام، وإن من دون اتفاق على النظرة الى الوطن والدور. لكن التاريخ عينه ظل يدفع ابناء لبنان، بضغط متساوٍ على كل فئة منهم، وعلى مدى طويل من الزمن، وبعد مسيرة شاقة دامية سار بها كل فريق وكل حزب حتى التقوا في "ساحة 14 اذار".

لكن ما حصل بعد ذلك، كان يبعث على القلق. فقد خرج عن الاجماع الاهلي والشعبي فريق ادعى زعيمه انه يمثل غالبية لدى المسيحيين والتحق بجماعة "شكراً سوريا" ثم بالجمهورية الاسلامية في ايران ثم منها الى سوريا.

الحال هذه، فإن المسيحيين في حاجة الى تجدد سياسي يعيد البلد الى جادة الصواب السياسي. فعون لا يحب إلا التطرف، ولم يسبق له ان بحث عن تسوية يوم كان يزعم ادارة إعادة الدولة، فكانت "حرب الالغاء". كان الوجود السوري - وعن حق - احتلالاً، وتالياً كان لا بد من "حرب التحرير". عمل ليل نهار لاستخراج قانون "محاسبة سوريا"، وكان كل ما يمت الى هذه الدولة بصلة منكراً وباطلاً.

فهو يفاخر بما فعله ماضياً وحاضراً. كان يريد ان يكسر رأس حافظ الاسد، والآن يرى تغييراً في عهد وارثه ويريد ان يطوي صفحة الايام الخوالي مع النظام السوري.

ليس من غير دلالة ان يطلق عون في مداخلته العصماء في جامعة دمشق سهامه على اتفاق الطائف، اي ما استهدفه النظام السوري باغتياله رمز الطائف الاول الرئيس رينه معوض. في هذا المعنى فإن اللبنانيين سيواجهون شهوراً من الاستخدام السوري للجنرال الذي طلب منا الاعتذار. هو لم يفصح عما يريدنا ان نعتذر عنه: اغتيال رؤساء الجمهورية، الحكومة، النواب، ام المفتي، ودوس الطلاب في 7 آب، ام قتل جبران تويني وسمير قصير وجورج حاوي وبيار الجميل.

بين ميشال عون وميشال شيحا سيكون على المسيحيين الاختيار، وعلى المسلمين طمأنتهم لمساعدتهم.

 

جنرال النسيان

2008-12-15 الكاتب: رامي الأمين المصدر: ملحق النهار

ماذا فعل ميشال عون ليستحق كل هذه الإنتقادات على زيارته إلى سوريا؟ ذهب الرجل ليسوّي العلاقات بين البلدين الشقيقين. نسي الماضي، ويتطلع إلى مستقبل واعد. نسي ثلاثين عاماً من الظلم والإستبداد والإحتلال، لأنه رجل عمليّ، يعرف كيف يستطلع المصالح اللبنانية العليا. وهذه المصالح تكمن في عدم العداء لسوريا، بل أكثر، في الإلتحاق بالركب السوري حتى العظم، والذهاب إلى فم الأسد، ليقدّم نفسه فريسة سهلة الهضم.

عون لم يخطئ، ولا يخطئ. هو يعرف تماماً ماذا يفعل. هذا ما يقوله. الجميع تبدّلوا وهو بقي ثابتاً على مواقفه. الجميع نقلوا البندقية من كتف إلى أخرى، وهو حمامة سلام لم يحمل يوماً إلا بندقية الشرعية، ولا يريد غيرها على الأراضي اللبنانية: فقط سلاح "حزب الله" و"أمل" و"القومي" و"المردة"، وهذه كلها أحزاب وطنية لا تبتغي الربح، كما نقول في الشركات والمؤسسات الخيرية. هذه الأحزاب لا تريد إلا مصلحة البلاد، لهذا تقوم بغزوات تطهير في الداخل، وتتحالف مع الشياطين من أجل حماية الحق الذي لا يعلو عليه شيء. وهذه الأحزاب حرّة إلى درجة أن كل شيء مباح بالنسبة إليها، حتى انتهاك حريات الآخرين واستتباع البلاد والعباد، وهذه الأحزاب وطنية إلى درجة أنها تضرب الوطن بعرض الحائط، وهذه الأحزاب قومية حدّ إلغاء كل تمايز محتمل.

ميشال عون يعرف ذلك. يعرف أنه في المكان الصحّ، في قلب العروبة النابض، وفي ركب الممانعين الاشاوس الذين يبقون كل الجبهات مفتوحة، ما عدا جبهتهم، والذين يحاضرون في الوطنية لكنهم من تحت الطاولة يصافحون العدو ويتفاوضون معه. يعرف أن تفاهمه مع "حزب الله" عين الصواب، وأن هذا التفاهم منع عن البلد حرباً أهلية أكيدة، وكأن ما حدث في السابع من أيار ليس اقتتالاً أهلياً ذهب ضحيته أخوة في الوطن الواحد. عون لا يخطئ. هو الجنرال الذي يقبض على التاريخ في يده، ويطوّعه كيفما يريد. يتحول من عميل إلى وطني، من متأمرك إلى عروبي، من عدوّ لسوريا إلى أعزّ صديق وحليف.

لا تنتقدوه. لم يفعل إلا قناعاته واقتناعاته. حظه سيئ. دائماً يقول عكس ما يفعل. دائماً يعاكسه القدر، فيسبح في عكس تياره الإصلاحيّ. نسي الجنرال أن سوريا الأسد أيضاً تحتاج إلى اصلاح. نسي أن المسيحيين هناك لا يستطيعون إلا أن يحتفلوا بالذبيحة الإلهية ويمارسوا طقوسهم الدينية فقط، لكنْ ممنوع عليهم التفكير في السلطة. هي مشكلة ذاكرة. الجنرال ينسى ليس إلا. مشكلته في النسيان. للعمر حقّه على البشر. لكن لماذا يصيب النسيان جماعات بأمها وأبيها؟ لماذا ينسى شباب "التيار الوطني الحرّ" ما كانوا عليه ولا يتنبّهون إلى ما سوف يكونون عليه في المستقبل. لماذا هذا الفقدان المفاجئ للذاكرة؟

استقبلوه هناك استقبال الزعماء والرؤساء والقديسين. طافوا به في كل زاوية من زوايا الشام، وهتف له الشعب السوري كما يهتف "للسيد الرئيس". اختبر الجنرال شعور الديكتاتور حين يمشي بين الجماهير الملزمة أن تطلق له الهتاف، وسمع الكثير من الخطب المكتوبة والمحضّرة مسبقاً، والتي تتباهى بحضرته ومجده وسلطانه. لم يسأل نفسه لماذا هو ليس محبوباً إلى هذه الدرجة في وطنه؟ لماذا لا يهتف الناس كلهم على اختلاف انتماءاتهم ومواقفهم له؟ ألأن سوريا ديموقراطية ولبنان ديكتاتوري؟ لم يسأل الجنرال نفسه اسئلة كثيرة ضرورية حتى ينتبه إلى الخطأ الذي ارتكبه، حينما قبل أن يطوّب في "سوريا الأسد" جنرالاً لإنطاكيا وسائر المشرق، وهو الجنرال العلماني الذي بدأ مسيرته في مؤسسة عسكرية لا تؤمن بالطوائف والأديان. عرفنا الآن لماذا كان يشن الحملات على بكركي وبطريركها. إنها الغيرة. يريد الجنرال أن يكون بطريركاً لموارنة لبنان، ليهتف له جمهوره: "انت البطرك يا جنرال". لكن المسيحية قائمة على الإعتراف، والجنرال لم يعترف بذنوبه ليتخلص منها، بل تجاوز كل الذنوب ليرتكب ما هو أشدّ منها مضاضة.

في سوريا جال الجنرال على المسيحيين. طوّبوه واطمأن إلى شؤونهم وأوضاعهم. عددهم كبير وهم بخير. يأكلون ويشربون ويحتفلون بالقدّاس ويستمعون إلى العظات. لكن الجنرال نسي أن يسأل عن شخص من رعيته المسيحية، عن شخص مسجون منذ سنوات في أقبية البعث المظلمة. نسي الجنرال أن يسأل "نظيره" بشار الأسد عن مناضل مسيحي كبير اسمه ميشال كيلو!

 

الجنرال الشاطر

2008-12-15 الكاتب: سناء الجاك المصدر: ملحق النهار

ساهمت زيارة جنرال الرابية وانطاكيا وسائر المشرق باكتمال قمر التدخل السوري في الشؤون اللبنانية. سطع هذا التدخل بدراً في سمائنا. لم يعد يجدي اي جدل حول المشاهدة. ثبتت الروية. شهود العيان كثر، وجلّهم من حلفاء الشقيقة، طرابين الحبق إياهم، الذين التزموا سياسة المنشار في عهد الوصاية، فكانوا يتوددون صبحاً وعشية الى الرئيس الشهيد رفيق الحريري فيستفيدون منه ويتجسسون عليه لمصلحة أرباب عملهم. وها هم اليوم يغدقون عواطفهم الجياشة على حامي حمى المسيحيين في الشرق. وبالطبع يتجسسون عليه لمصلحة ارباب عملهم. المعادلة بسيطة، فـ"أكل العيش يحب الخفة والفهلوة" و"الشغل مش عيب".

زعيم... ولكن

بمعزل عن القراءات والقراءات المضادة لـ"الزيارة التاريخية"، يبقى ان التحالف بين قوي وضعيف لا يكون تحالفا. ولا يكون عون زعيما فوق العادة لأن هناك من قال له "كن" فكان. لا تُسلَق الزعامات على نار حامية او تُفبرَك بكبسة زر. فهذه الزعامة الهابطة بالمظلة على رؤوسنا لا تقنع حتى حلفاءه المستجدّين والمتكاثرين كالفطر. كلنا نعرف ان النظام السوري الحالي الذي نصّب عون زعيما مسيحيا ليس أكثر من امتداد للنظام السوري السابق الذي رفض رسائله الودية وانبطاحه ليصبح جندياً في جيش الأب وطرده من قصر الاحلام بعد هدمه على رؤوس الذين صدّقوه وصمدوا لأجله. وتالياً لا شيء يمنعهم من ان يتخلوا عنه بعد ذلك. الامثلة كثيرة في تاريخ العلاقات السورية - اللبنانية. آخرها مصير "زعيم" آخر توِّج أميرا لتنظيم "فتح الاسلام". فقد صدر بيان مجهول المصدر جاء فيه ان أمير "فتح الاسلام" شاكر العبسي "اسر او استشهد" على ايدي الاستخبارات السورية، وأعلن تعيين خلف له هو ابو محمد عوض الذي لا يزال يلعب "الغميضة" في مخيم "عين الحلوة على أمل تحويله الى مخيم "نهر البارد" بنسخة جديدة. شاكر العبسي حليف آخر لدمشق اصبح مجهول المصير سواء قُتل او استشهد او انتحر. لا فرق. كذلك الوزير السابق الراحل ايلي حبيقة، تم اغتياله في زمن الوصاية بعدما انتهى دوره الذي بدأ بـ"اتفاق ثلاثي" أعيد بعثه اليوم مع تحالف "حزب الله" وعون والنظام السوري...

محكمة

حليف سوري أشوس اعتبر ان الشقيقة عادت الى لبنان اقوى مما كانت. وقال: "انتهى الامر. النظام السوري يمسك بالورقة الشيعية والورقة المسيحية. ما يعني ان حلفاءه سيحصلون على 72 مقعداً من اصل 128 في الانتخابات النيابية المقبلة. ولا سبب يؤدي الى انزعاج سليمان من الزيارة او التحالفات التي افرزتها. فهو موظف لا أكثر ولا أقل. والمحكمة الدولية ليست ذات شأن. اقصى ما ستتوصل اليه سيكون تحميل مسؤولية الاغتيالات الى متطرفين تكفيريين ممولين من جهة سعودية. الوضع الدولي يتطلب ذلك. وهذا ما سيحصل".

تسخيف دور المحكمة الدولية في تصريحات طرابين الحبق لا يُقرأ الا في سياق التسويق لهدف خطير، وهو ان من يقوله يحاول ان يستبق اي اتهام يوجَّه اليه عندما تحصل اغتيالات في الفترة المقبلة. وذلك لصرف النظر عن الاغتيالات التي ستحصل. هناك معلومات اكيدة ان عدداً من قادة "14 آذار"، الذين عُلم انهم ضمن الاهداف الرئيسية لعملية اغتيالات، اتخذ اقصى درجات الحذر. ذلك ان الاغتيالات هي جزء اساسي من خطة ضرب فريق "14 آذار" لإحداث بلبلة ونقل تركيب اللوائح الى الصف الثاني عوض ان يكون على مستوى الصف الاول. هذا اذا حصلت الانتخابات.

هناك محطتان اساسيتان تبينان ان الاغتيالات هي الوسيلة الناجعة لتحقيق أهداف سورية في لبنان. المحطة الاولى هي المحكمة الدولية والمحطة الثانية هي الانتخابات النيابية.

من هنا يبدو ان ذهاب عون الى سوريا لم يكن أكثر من فرض واجب لتسديد فواتير للنظام الذي يجهّز نفسه للمحكمة الدولية. لذا حتى تحصل الانتخابات يجب ان تؤدي الى فوز حلفاء سوريا في لبنان بالأكثرية النيابية على اعتبار ان التوازن لا يكفيهم لتعطيل المحكمة الدولية نهائيا. من هنا فإن المعركة حقيقية للحصول على الأكثرية. واذا تبين ان الامر غير ممكن، حينها ستتكثف المحاولات لتفجير الامان والسيناريوهات تم تحبيرها.

ربما انطلاقا من المعلومات وليس التكهنات، نقلت صحيفة "الرأي العام" الكويتية أن رئيس قلم المحكمة الدولية الناظرة في اغتيال الحريري، البريطاني روبرت فنسنت، زار بيروت للإعداد للمرحلة الثالثة من قيام المحكمة بعدما باتت المرحلتان الاولى والثانية شبه مكتملتين، أي التمهيد والتأسيس، ليبدأ الإعداد لمرحلة التشغيل التي اعلنت الامم المتحدة انها ستنطلق في الاول من آذار المقبل. واوردت التقارير أنه من الجانب اللبناني، تبقى قضية الضباط الاربعة الموقوفين بتهمة أو شبهة تورطهم في عملية الاغتيال معرفةًً أو اطلاعاً أو تغطية أو أكثر من ذلك، لتشير الى ان موعد نقل "الجنرالات الاربعة" الى مقر المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي بات متوقعاً في أي لحظة، وان العملية لن تستغرق اكثر من ثلاث ساعات، تماماً كما الوقت الذي استغرقته عملية توقيفهم نهاية آب 2005.

 أهل الذمّة

بوابة المحكمة المحكوم إغلاقها الى الابد بنتائج الانتخابات النيابية المقبلة تشير الى مساهمة الزيارة العونية في تسهيل امور النظام السوري. فهذا النظام يسعى الى القول للغرب ان سوريا علمانية، وانه يواجه التطرف التكفيري، علما بأنه استعمل هذا التطرف ليصدّره الى العراق في المرحلة السابقة تحت شعار محاربة الاميركيين. وسهّل انتقال المتطرفين الى العراق ولبنان وربما الاردن. وعندما انتهت ورقة استخدامهم وصل اليوم الى مرحلة رفع شعار محاربة الارهاب الاسلامي.

النظام يريد ان يلعب ايضا دورا مركزيا من خلال الظهور وكأنه يحمي المسيحيين السوريين وعبرهم المسيحيين في الشرق. ويسعى تالياً الى سرقة الصيغة التعددية التي طالما اعتبرها العالم مصدر غنى للبنان وخصوصية تستحق التنويه. خطف المرجعية المسيحية الموجودة تاريخيا في لبنان كان هدفا سافرا في الجولات التي قام بها عون في سوريا لتصبح هي مهد المسيحية وليس لبنان، والدليل استقبال النظام السوري لزعيم مسيحي كبير هو ميشال عون. وتالياً تكببير حجم عون على "الساحة" المسيحية لبث الرسائل الى الفاتيكان والدول الاوروبية.

فقد استخدم النظام السوري الزيارة العونية ليحصل على صك الانفتاح في ظل اوضاع دولية واقليمية تنبئ بتموضع جديد لها على الخريطة الاقليمية والدولية، ويمسح من صفحات التاريخ ما اقترفه في لبنان. وهكذا، بعد القمع والقتل والسجن والتخوين نشهد مسرحية الانفتاح للحماية. مع الإشارة الى ان هذه الحماية الخارجية تأمنت من سوريا في حين عجزت عن تأمينها الولايات المتحدة والدول الاوروبية.

بمعنى آخر، اعاد النظام السوري المسيحيين المشرقيين أهل ذمّة. وقال للمجتمع الدولي انه الوحيد القادر على حمايتهم من السنّة التكفيريين الذين سينقضّون عليهم بعد ان ينجزوا ملفات القضاء على المناوئين للسياسة السورية تجاه لبنان.

وبمعنى أبعد، يريد النظام السوري تطمين الغرب الى حمايته المسيحيين من خلال تحالف الاقليات في مواجهة الغالبية السنّية.

"عونك راجع" من... سوريا

عون "الراجع" من سوريا هذه المرة وضع على الطاولة عدة الشغل. اعلن انه ضد المصالحة المسيحية لأن لا مصلحة له فيها. فهو لا يملك لتجييش الشارع المسيحي الا تعميق الخلافات ونبش القبور التي ساهم في حفر نسبة كبيرة منها. وهو أيضا يكرّس لدى هذا الشارع مفهوم العداء للمسلمين السنّة الذين سرقوا من المسيحيين النفوذ السياسي والاقتصادي من خلال علاقات الرئيس الشهيد رفيق الحريري مع الغرب. مع ان الرابح الاكبر من هذه العلاقات كان لبنان والخاسر الاكبر كانت سوريا. كما يسعى الى تكريس وجه التطرف السعودي المرجع لدى السنّة، مع ان علاقات سوريا وايران و"حزب الله" مع هذا التطرف لا يستهان بها. وليس خفيا على أحد ان ارتباط عون بالمحور الايراني - السوري والزج بالمسيحيين فيه، لا يلغي ان هذا المحور لديه علاقات وثيقة مع التطرف الاسلامي ابتداء من العراق مرورا بحركة "حماس" وامتداداتها وصولا الى فتحي يكن و"فتح الاسلام" و"انصار الله" و"جند الشام"، ليحصر الخطر الوحيد المحدق بلبنان في اصولية تكفيرية مدعومة من السعودية وتالياً من تيار "المستقبل". وعبر هذا الاسلوب يصيب عون مسيحيّي "14 آذار" التابعين لممولي هذه الاصولية التكفيرية.

من هنا  يتوضح هدف الزيارة التي قام بها عون الى سوريا. فقد زارها غاضبا من الفريق اللبناني الذي حال بينه وبين رئاسة الجمهورية، الا انه زارها ايضا حالماً بأن يحقق امله بالرئاسة من خلال المراهنة على تغيير ما للمعطيات والظروف. ليقول حينها: "انا الموجود وانا الاقوى". والاكيد ان النظام السوري بعث له برسالة يعتذر فيها ضمنا عن عدم توافر الظروف الصالحة لترئيسه. الا ان هذه الظروف يمكن ان تستجد اذا حصل ما يؤدي الى فراغ في مقام الرئاسة، او لدى حصول فريق المعارضة على اكثرية الثلثين.

الا ان الرسالة الواضحة التي ضمّنها النظام السوري لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لإخضاعه، واجهها الرئيس بتحفظه المعهود. واكتفى بيان قصر بعبدا بالتوضيح انه "ناقش" مع عون الوضع الداخلي من جوانبه كافة، ولا سيما استكمال المصالحات وضرورة تهدئة الخطاب السياسي ليس على مستوى افرقاء الداخل فحسب، وانما ايضا في اتجاه الدول الصديقة والشقيقة والمسؤولين فيها وعدم التعرض اليهم بما يسيء إلى المصلحة الوطنية الداخلية والى علاقات لبنان بهذه الدول.

طبعا، لن يلتزم الجنرال الشاطر توصيات الرئيس المتحفظ. عليه ان يسدد الفواتير. ومرحلة ما بعد الزيارة ستكون الاخطر على مصير لبنان. ذلك ان شطارة الجنرال كانت دائما تدميرية. والله يسترنا من عون "الراجع" ليشنّ على طريقته "حرب الرئاسة" بعدما حرم اللبنانين النوم والحياة في "حرب الإلغاء" ومن بعدها في "حرب التحرير" ¶

 

خطة سورية جاهزة لتعطيل الانتخابات اللبنانية 

بيروت - القناة : 15/12/2008 

كشفت مصادر سياسية مطلعة لـ  أن خطة سورية وضعت فعلاً لتعطيل الانتخابات النيابية فى لبنان، بسبب التقديرات والإحصاءات التى باتت تقول إن حلفاء سورية لن يحققوا الأغلبية النيابية، وبالتالى فإن 14 -آذار- ستأخذ هذه الغالبية مرة جديدة .

وأضافت المصادر أن كل التقديرات باتت تتحدث عن فوز قوى 14 -آذار- فى الانتخابات النيابية أيًا كانت العوامل التى سوف ترافق إجراء هذه الانتخابات، ولهذا فإن السلطات السورية لن تترك الأمور تذهب إلى حد مشاهدة الخسارة أمام شاشات التلفزيون بل ستتحرك قبل ذلك لإعاقة إجراء الانتخابات النيابية .

وتوجز المصادر المعطيات التى أملت التوجه السورى الجديد بالآتى :

1- أفادت استطلاعات الرأى المحايدة أن قوة العماد ميشال عون فى الشارع المسيحى قد تدنت إلى درجة كبيرة، بحيث بات صعبًا أن يكرر عون إنجاز العام ،2005 أى أن يكتسح الانتخابات فى الأقضية المسيحية، وهذه الصعوبة تأتى من المواقف الأخيرة للعماد عون ومن كل المسار الذى انتهجه بعد عودته من باريس، حيث عمد يومها إلى بناء معركته على محاربة التحالف الرباعى وعلى المطالبة بنزع سلاح -حزب الله-، فيما هو اليوم بات فى المقلب الآخر، أى بات أسيرًا للمحور السورى - الإيرانى، وهذا ما أضعفه مسيحيًا من نسبة الـ70% إلى نسبة الـ30%، وهذا ما لن يؤهله لخوض معارك ناجحة فى الأقضية المسيحية التى باتت قوى 14 -آذار- قادرة فيها على كسر احتكار عون، وعلى اقتسام المقاعد النيابية وإياه أو الفوز بها جميعًا .

خلافات 8 -آذار-

2- أفادت المعطيات عن خلافات كبرى فى أوساط 8 -آذار- خصوصًا بين المردة والتيار العونى والقومى السورى والبعث وحركة أمل وهذه الخلافات تأخذ طابعًا حادًا وصامتًا فى آن وتحاول القيادة السورية جمع الحلفاء تحت شعار لا صوت يعلو على صوت المعركة أى لكسب المعركة وعدم التفريط بها. وأبرز الخلافات هى خلاف عون وفرنجية فى زغرتا، حيث قام الثانى بإعلان لائحته بشكل منفرد ما أدى إلى احتجاج شديد فى القاعدة العونية فى قضاء زغرتا، بسبب قيام فرنجية باستبعاد المرشح العونى فايز كرم.

وعلمت  أن تواطؤا بين فرنجية وصهر عون جبران باسيل حصل على هذا الموضوع لاستبعاد فايز كرم الذى يعد القيادى الأكثر شعبية فى الشمال والذى يهدد وضع جبران باسيل.

ومن الخلافات أيضًا بين أجنحة 8 -آذار- الخلاف بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه برى على مقاعد جزين حيث يريدها عون جميعًا، فيما يريد برى الاحتفاظ بمقعد النائب سمير عازار والمقعد الكاثوليكى. ويمتد الخلاف أيضًا إلى قضاء الزهرانى؛ حيث يريد عون ترشيح أحد قيادييه للمقعد الكاثوليكى فى هذا القضاء فى حين يشترط برى أن يتم ترشيح شيعى موالٍ له فى قضاء زحلة وآخر موالٍ له فى بعبدا كى يقبل بهذه المقايضة، أما عن الحزب القومى والتيار الوطنى فهناك خلافات كبيرة، أهمها على أحد المقاعد المارونية فى المتن الشمالى التى يريد القوميون ترشيح أحد أصدقائهم هناك، وتم التداول باسم هؤلاء، وهو مقرب من الرئيس السورى بشار الأسد الذى تعرف عليه خلال أحد المعارض العلمية فى الخليج العربى منذ فترة طويلة واستدعاه إلى دمشق وسلمه أحد المواقع المهمة المعنية بالمعلوماتية، هذا المرشح يريده القوميون فى المتن فيما يرفض عون معللا السبب بأنه يضعفه أمام خصميه الكتائب والقوات اللبنانية .

.. وخلافات فى المناطق السنية

والخلافات بين قوى 8 -آذار- تمتد إلى معظم المناطق، خصوصا السنية من حيث بدا التنافس فى طرابلس والبقاع الغربى وبيروت على أشده، وبفعل هذه الخلافات التى تسعى القيادة السورية لحلها عبر التدخل المباشر وتشكيل اللجان التى سيشرف عليها الأسد شخصيا لايبدو فريق الثامن من -آذار- فى أفضل أيامه انتخابيا ولذلك فإن المعطيات تشير إلى نية تعطيل هذه الانتخابات تفاديا للخسارة .

3- فى تفاصيل الإحصاءات التى أجرتها أكثر من هيئة مستقلة أن الأقضية المسيحية ستتوزع ولاءاتها كالآتى :

قضاء بشرى: أرجحية للقوات اللبنانية سوف تمكنها من الفوز بالمقعدين المخصصين لهذا القضاء.

قضاء الكورة: قوة كبيرة لتحالف القوات اللبنانية، الكتائب اللبنانية وتيار المستقبل، وهذه القوة قادرة على الفوز بالمقاعد الثلاثة لهذا القضاء علما بأن جعجع يقدر قوة القوات اللبنانية بأنها توازى قوة المردة والقوميين والعونيين مجتمعين فى هذا القضاء.

قضاء البترون: يعترف العونيون فى هذا القضاء بأن ليس لديهم مرشح قوى فى جرد البترون إلى جانب صهر عون جبران باسيل، وتقول الإحصاءات إن القوة الناخبة لبطرس حرب والقوات اللبنانية والكتائب ستكون قادرة على الفوز بمقعدى هذا القضاء.

قضاء جبيل: القوة الانتخابية لعون تتفوق على خصومه فى هذا القضاء بسبب مناصرة الكتلة الشعبية المرجحة له وسبب وجود قواعد عونية وكتلوية سابقة تؤيده، ولذلك تقول الإحصاءات إن عون قادر على الفوز بالمقاعد الثلاثة فى هذا القضاء.

قضاء كسروان: يتفوق عون على الكتائب والقوات اللبنانية فى هذا القضاء ومن المرجح أن يفوز بنسبة مائة بالمائة بحيث ينال المقاعد المارونية الخمسة فى كسروان.

قضاء المتن الشمالى: سوف تدور معركة طاحنة فى هذا القضاء بين عون وحليفه حزب الطاشناق من جهة وتحالف الكتائب القوات نسيب لحود وميشال المر من جهة ثانية، وتعطى الإحصاءات ترجيحا طفيفا لـ14 -آذار- مع احتمال أن يتعزز هذا الترجيح بعد زيارة عون لسورية .

قضاء بعبدا: يتفوق العماد ميشال عون فى هذا القضاء لأن قواعده قوية جدا وتناصرها الكتلة الشيعية المرجحة، ولهذا تقول الإحصاءات إن عون سيفوز بالمقاعد الستة لهذا القضاء .

دائرة بيروت المسيحية: يتفوق حزبا الكتائب والقوات على عون فى هذه الدائرة حيث سيترشح ابن بشير الجميل نديم وابنة جبران ثوينى نايلة، ومن المتوقع أن تفوز 14 -آذار- بالمقاعد الخمسة فى هذه الدائرة .

قضاء زحلة: تقول الإحصاءات إن قضاء زحلة سيحقق مفاجأة كبرى لصالح فريق 14 -آذار-، بحيث سيخسر عون وحليفه سكاف المقاعد السبعة فى هذا الفضاء، نظراً لتحول الرأى العام المسيحى عن سياسة عون وسكاف، ولوجود كتلة سنية كبيرة يمكنها أن تحسم المعركة فى هذا القضاء، بحيث يخسر تحالف سكاف وعون وقد لا يخوض هذه المعركة الاسكاف نفسه، لكن دون أن تستطيع الاتيان بأى نائب معه .

قضاء حزين: محسوم مبدئياً وفق كل الاستطلاعات لتحالف عون مع أمل و-حزب الله- .

وبناء على هذه القراءة الأولية القريبة من الواقع، فإن فريق 14 -آذار- سيحصد ما بين 64 و70 نائباً فى البرلمان، ما يعنى أنه سيستعيد أكثريته، وبالتالى فإن إيران وسورية وحلفاءهما سيعمدون إلى تعطيل الانتخابات، والأساليب ويمكن أن تكون كثيرة .

عودة الاغتيالات

وتوقف المراقبون كثيراً أمام تصريح النائب السابق سليمان فرنجية حول توقعه حصول اغتيال لشخصية كبيرة لتعطيل الانتخابات النيابية، وقرأ رموز 14 -آذار-، فى هذا التصريح نذيراً لسورية بالاستعداد لفعل كل شىء لمنع 14 -آذار- من الفوز فى الانتخابات، حتى ولو كان الثمن تفجير لبنان مرة ثانية عبر الاغتيالات والتفجيرات المتنقلة .

ويقول قطب كبير فى 14 -آذار- لـ  : إن السوريين يمكن أن يلجأوا مرة جديدة إلى هذا الأسلوب لمعرفتهم بأن الاتكال على حليفهم عون فى المناطق المسيحية لن يكون ذا جدوى، لأن عون بدأ يخسر فعلاً القدرة على إمساك الأرض .

ويتساءل القطب: هل سيقوم السوريون بهذا العمل مرة جديدة وبسهولة ؟

وأضاف: لا أعتقد أن الهامش مازال واسعاً أمام السوريين كما كان فى السابق، فالحوار السورى الفرنسى مشروط بتحقيق الاستقرار فى لبنان، وأى انتكاسة جديدة سوف يتم تحميل مسؤوليتها للسوريين أوروبياً ودولياً، لأن سورية موضوعة تحت المجهر، ولن تستطيع التصرف بحرية كما فى السابق .

وقال القطب فى 14 -آذار-: كلما اقتربنا من موعد بدء المحاكمة فى قضية اغتيال الرئيس الحريرى فى الأول من مارس -آذار-، كلما بدأ الخطر يعود من إمكان تفجير الساحة اللبنانية، فالمعطيات المتوافرة عن التحقيق الدولى تصل كلها إلى خلافات مفادها أن الأمن السورى يقف وراء الذين نفذوا عملية الاغتيال، وبالتالى فإن بدء المحاكمة سوف يغير جذرياً فى المشهد اللبنانى، خصوصاً أن نتائج هذه المحاكمة وكشف الأسماء والجهات الضالعة فى اغتيال الحريرى سوف يكون لها انعكاسات كبيرة على مجرى الانتخابات.. والجميع فى لبنان -كما أضاف القطب- يعرف أن جهات لبنانية ضالعة فى عملية الاغتيال بنسبة أو أخرى .

وبموازاة هذا الكلام يمكن ترقب تطورات سريعة على خط الانتخابات النيابية، لكن ما يصل من تقارير إلى الكثير من المسؤولين فى لبنان، يقول إن معركة الانتخابات ستكون فاصلة، وإن كل الأسلحة ستستعمل لإفشالها إذا لم تكن نتائجها كما يشتهى المحور السورى- الإيرانى.

 

 

يكن: الدعوة الى تعديل الطائف لعب بالنار

نهارنت/استغرب رئيس "جبهة العمل الاسلامي" فتحي يكن أن ينبري فريق من اللبنانيين وبعض الزعامات السياسية للدعوة الى تعديل ميثاق الوفاق الوطني، الذي جرى توقيعه في الطائف، والذي أسهم في إخراج لبنان من حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس، معتبراً ان الدعوة الى التعديل لعب بالنار ودخول في المجهول.

وتساءل يكن في تصريح اليوم: "لماذا يطرح تعديل الطائف اليوم في وقت دخل فيه البلد مرحلة التحضير للانتخابات النيابية، فضلا عن أن آثار المرحلة السالفة لما تنتهي فصولا وتداعيات حتى اللحظة". وأضاف: "صحيح أن الاتفاق ليس نصا مقدسا من كتاب سماوي، وأنه قابل للمراجعة والتعديل، ولكن الصحيح كذلك أن المناخ الطائفي والمذهبي لا يسمح بالمغامرات والدخول في المجهول، وخصوصا وأن في الاتفاق بنودا مهمة وأساسية لم يجر تنفيذها الى الآن".

وامل يكن "أن يقفل باب الإجتهاد اليوم حول تعديل الطائف، ويفتح الباب أمام كل ما من شأنه نزع فتائل التفجير ورص الصفوف واشاعة أجواء المصالحات". 

 

كرامي: انا مع تعديل الطائف لكن ليس لأخذ صلاحيات رئيس الحكومة

نهارنت/أكد رئيس مجلس الوزراء السابق عمر كرامي انه مع تعديل اتفاق الطائف من اجل التخلص من الطائفية وليس لأخذ صلاحيات رئيس مجلس الوزراء وإعطائها الى رئيس الجمهورية، معتبراً ان "طالما أي دستور يحمي هذه الطائفية ويزكيها فان لبنان لن يفلت من هذه الفوضى التي هو مربك فيها". واعتبر كرامة بعد عودته من السعودية، أنه لم يحن الوقت بعد لتعديل إتفاق الطائف، مشيراً الى انه "ليس قرآنا ولا إنجيلا" وفيه ثغرات. واعتبر ان هناك سوء فهم لصلاحيات رئيس مجلس الوزراء في إتفاق الطائف، "فالبعض يعتقد عن جهل أو عن سوء نية بان إتفاق الطائف أخذ صلاحيات رئيس الجمهورية وأعطاها الى رئيس الحكومة وهذا غير صحيح"، مضيفاً ان "كل وزير بحسب الطائف في وزارته أقوى من رئيس الحكومة". وعن الدور الذي يمكن ان تلعبه السعودية في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الطرابلسيين في الانتخابات النيابية المقبلة، قال انه إذا "لم تتوحد الدول العربية وتضع إمكانياتها في خدمة الوطن العربي والامة الاسلامية ككل، فان لبنان لن يرتاح، لانه الساحة المهيأة لكل هذه المعارك الجانبية". واضاف: "نحن عندما ذهبنا الى مصر وعندما ذهبنا الى إيران كان هذا حديثنا مع الجميع ولا نزال على رأينا، والكل يقول بأنه إذا لم يكن هناك تفاهم سعودي سوري لن يكون هناك راحة او إستقرار في لبنان". وعما إذا كان ذلك واردا في القريب العاجل، قال الرئيس كرامي: "إن شاء الله، وعلى كل المخلصين أن يسعوا في هذا الطريق". 

 

المحامي الياس الزغبي: الذاكرة العونية الإنتقائية هي بحاجة إلى علاج فعلاً

المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 10 كانون الأول 2008

ذكرت وكالات الأنباء أن مفتى سوريا الشيخ أحمد حسونة كان القى كلمة يوم السبت الماضي (7 كانون الأول) خلال استقباله للعماد مبشال عون في دمشق قال فيها: "إن دماء السوريين الذين سقطوا في لبنان لن تضيع، ونحن نبحث عن هذه الدماء وأبواب سوريا مفتوحة لكل من يقول لبنان السيد المستقبل". وذكرت الوكالات في تقاريرها أن العماد عون لم يعلق على كلام المفتي والتزم الصمت.

في اتصال أجرته إخبارية تلفزيون المستقبل مع المحامي والإعلامي الياس الزغبي، وتعليقاً على كلام المفتي حسونة، أدلى الزغبي بما يلي:

مذيع الإخبارية: "أستاذ الياس الزغبي، ماذا يعني هذا الكلام وهل لاحظت في زيارة عون إلى سوريا كلاماً عن الشهداء اللبنانيين؟"

الياس الزغبي: "هذا كلام خطير يقوله مفتي سوريا أمام العماد عون، والعماد عون يلتزم الصمت، وكما يقول المثل، "الساكت عن الحق شيطان أخرس".

فهناك معادلة خطيرة أرساها كلام المفتي حسونة، حين عادل وساوى بين دماء شهداء الجيش اللبناني ودماء القتلة السوريين، على الأقل في 13 تشرين الأول سنة 1990.

هذه معادلة خطيرة وقعها العماد عون في اليوم الأخير من زيارته إلى سوريا، وهي أن دماء شهداء اللبنانيين، تساوي دماء القتلة السوريين، وذلك بعد أن كان وقع معادلة خطيرة أخرى في أول يوم الزيارة، حين أعلن في تصريح له، "إن لا حقوق ولا مطالب له من النظام السوري، وأنه على اللبنانيين أن يعتذروا أولاً من سوريا".

 المعادلة هذه هي برسم الزيارة السورية للعماد عون التي جاءت مجرد زيارة استعراضية.

والحقيقة المؤلمة هي أن ذاكرة العماد عون التي استطاعت أن تعود 1600 سنة إلى الوراء بما يتعلق بالقديس مارون، جاءت مقصرة في العودة إلى 20 سنة فقط إلى الوراء ليتذكر العماد دماء شهداء الجيش اللبناني والمدنيين اللبنانيين اللذين سقطوا على يد الآلة العسكرية السورية ومخابراتها، وهم  شهداء من كل الطوائف اللبنانية، سنة وشيعة ودروزا ومسيحيين خصوصاً. لذلك فإن هذه الذاكرة العونية الإنتقائية هي بحاجة إلى علاج فعلاً."
اضغط هنا للاستماع لتصريح المحامي الياس الزغبي/Windows Media Player File

 

شاوول... شاوول

ريمون جبارة

ينتعش الكذب في مواسم الانتخابات كما انتعاش رائحة المجارير في أول يوم ممطر. أما الكذب فلا يشبعهم وإن كان يشبع شعباً نسّا (بمعنى النسيان)، لأن الشعوب الخاملة تكره التغيير (يمكن من يرغب استبدال حرف الغين بالقاف في كلمة التغيير) لإعطاء المعنى زخماً أقوى. ولا يهمّها (أي الشعوب) نوع الذي يضحك عليها ولو كان يضحك على نفسه. اقتنع الزعيم الملهم بعد منحة ربّانية بأنه أحد مرسلي السماء أُسقط من فوق لخلاص الصنف المسيحي المهدّد بالابادة في شرق يدّعي التسامح ومحبة الغير، ولا مانع لدى الملهم أن يخلّص في طريقه كل أبناء الديانات السموية الاخرى وغير السموية اذا لزم الامر.

منذ أيام عرضت إحدى المحطات الاجنبية وثائقياً عن ذاك المرسل الآخر هتلر الذي كان يخطب في جماهير ألمانيا بعصبية تشبه عصبية المرسل الذي عندنا. أفضل اصناف الجماهير كان عندما يخطب في تلامذة المدارس من الروضة حتى الثانوية فيدغدغهم بعالم جديد وجنس بشري جديد سيعرفه العالم عندما تسيطر النازية على العالم كله.

تقول الخبرية ان الله عزّ وجل خلقنا على صورته، لكن من صورة هؤلاء على التلفزيون يشك الإنسان في المسألة. فإن كان الله خلقنا حقاً على صورته فوجب الامر الآتي: ان يغيّر هو صورته لأن من الصعب على المعاتير (جمع معتّر) ان يغيّروا هم صورهم. فبعض العقول التي منحهم إياها عاجزة عن تغيير أي شيء.

فمن وحي زيارة دولة الرئيس (سابقاً) الى سيادة الرئيس (سرمدياً) هذا المشهد المسرحي القصير.

الشخصيات: دولة الرئيس، وسيادة الرئيس، ومار بولس يظهر بشكل نور قوي وصوت غير متردد.

لقطة اولى: على طريق دمشق

دولة الرئيس يمشي على الطريق متنكراً بثياب بدوي لدواع أمنية. انما التنكّر لا يمرق على ذقن القديس بولس. فجأةً يشع نور في السماء، وإذ بصوت يشبه الرعد يقول: ميشو، ميشو لماذا تضطهدني؟ فيركع المتنكر خافياً وجهه من شدة النور ويقول باكياً: مشيت دربك لخلاص أتباعك، وتتهمني كأنك واحد من 14 آذار. إسأل مار ميخائيل يخبرك من أكون وبكل ما أبذله لأهل عشيرتك وعشيرتي.

لقطة ثانية: في صالون قصر سيادة الرئيس، واضعاً رجلاً فوق رجل وهو يتأمل بصمت وجه ضيفه (حنكة سياسية تعلّمها من المرحوم الوالد).

دولة الرئيس (متلبكاً): ما بعرف، إذا المرحوم سيادة الرئيس خبّرك عني.

سيادته يبتسم ربع ابتسامة ويصمت.

دولة الرئيس (مكملاً): أنا من المعجبين بالقائد العظيم الراحل، وما ردود الفعل التي صدرت عني في العلن سوى نوع من الاستراتيجيا الضرورية لأضحك على بني قومي الذين قسم كبير منهم كان يقف ضد المرحوم الوالد.

سيادة الرئيس (مصححاً): غير الوطنيين منهم، أما الوطنيون الذين أنت منهم فكانوا مع تياره الصمودي العربي الوحيد، الذي دعم لبنان ويدعم كل الدول العربية المحتاجة الى دعم.

دولة الرئيس: انا هلّق محتاج لدعمك عا ابواب الانتخابات. معي لحدّ هلّق دعم الحلفاء تبعولك وتبعولي بلبنان، بس نكزة منّك بتقوّيني اكثر. عا فوقا سيادة الرئيس، بدّي اشكرك لهالحفاوة العفوية يللي استُقبلت فيها بدمشق. والله لو إجا البطرك ما كان صرلو هالاستقبال.

سيادة الرئيس (مازحاً، وقليلاً ما يمزح لانشغاله بقضايا الأمة): لو قبل البطرك يجي ما كنّا شفناك هون.

دولة الرئيس: عنا ذات الموقف، حضرتك انا وبعض الحلفا في الطائفة، من البطرك يللي منعتبرو بطرك نص الموارنة. بيني وبينك، انا تشكيت عا البطرك لمار مارون.

سيادة الرئيس: وشو قلّك مار مارون؟

دولة الرئيس:  عمل حالو مش سامع. خَتْيَر، ما بينلام.

سيادة الرئيس: مين، البطرك يمّا مار مارون؟

دولة الرئيس: تنيناتن، بس ما تعتل هم سيادتك، انا بالنسبة للموارنة بحلّ مطرح التنين (يقفز قفزات صغيرة عن كرسيه ويضحك، وبعد ان يعمل حرفة انه يفكر ناظراً الى زوايا الصالون) عندي مطلب شخصي من سيادتك. في محبوسين من جيشي عندك، بتسمحلي آخدهن معي لمّن بعود عالبنان؟ (سيادته يبتسم ربع ابتسامة ويفكر عن صحيح) مكلّف اسألك من حلفائي بالحزب، انشالله عرفتو مين اغتال الشهيد مغنية؟

سيادة الرئيس (بشيء من المزاح الذي يخيف): الهيئة رح بقّيك عنّا.

 ملحق النهار

8/12/2008

 

قداس بعثي وقومي سوري لإحياء أحلام الجنرال المغدورة وتقويض استقلال المسيحيين

تعقيباً على زيارة العماد عون الى سوريا الأسد

نجيب سليم زوين

النهار 14/12/2008     

لم يشهد التاريخ رجلاً يستطيع أن يتراجع عن مواقفه واقواله وافعاله الى حد التناقض الصارخ من دون أن يرف له جفن، على ما فعل الجنرال ميشال عون... انه ظاهرة فريدة تستحق الدراسة.

يوم 22 تشرين الثاني الفائت كنت أمام شاشة التلفزيون اشاهد الرئيس ميشال سليمان يرأس احتفالات ذكرى الاستقلال، فدخلت عليَّ جارتنا ابنة الستة عشر ربيعا، والغضب يعلو وجهها قائلة: " عيب والف عيب.. هالمركز ما بيلبق الا للجنرال عون... هوي لازم يكون الرئيس.. ميش هيك كنت تقول عمو؟".

اجبتها بمرارة والم: " معك حق ... بس بعد خروج الجيش النظامي السوري المحتل من لبنان ما كان ممكن يكون الرئيس الا من طينة السياديين ومن فريق ثورة الأرز.. مع الأسف الجنرال فقد هالصفة بعد رجعتو عا لبنان لمن التحق بتحالف " شكرا سوريا"..."

فاستشاطت غضبا وخرجت بعد ان " طبشت" الباب خلفها بقوة. وفي الامس القريب بينما كنت اشاهد الفضائية السورية تنقل من "مهد المسيحيين" وعاصمة الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان، "الاحتفالات الرئاسية" التي استقبل بها العماد عون، كان مشهد العماد معبراً في وقفته مظللاً بصورة الرفيق المناضل القائد المفدى حافظ الاسد. واكتملت الصورة في مشهد مؤثر آخر ظهر فيه الجنرال وخلفه العلم السوري تتوسطه نجمتان وارزة، وفي مقدمة الحضور الضابط المرافق الذي كان ممن كان لهم "شرف" زيارة سجن المزة اثر احداث 13 تشرين، حينما اجبر على كتابة استقالته من الجيش.

في تلك اللحظة دخلت علي ثانية جارتنا ابنة الستة عشر ربيعا وقالت: معك حق عمو هلق عرفت ليش الجنرال عون ما كان ممكن يكون رئيس جمهورية... اليوم عرفت".

القداس القومي!

من حق العماد عون وبعد انضمامه إلى جماعة "شكرا سوريا" أن يحج إلى طهران ودمشق من دون ان يجادله احد. لكن هذه الزيارات، وللنظام السوري خصوصا، تشكل خيانة لمبادىء المقاومة اللبنانية التاريخية التي تبناها عون سابقا، وتزويرا فاضحا لموقف ملايين اللبنانيين الذين نزلوا الى ساحة الحرية في 14 آذار 2005 هاتفين " سوريا اطلعي برا"، وتأتي منسجمة مع خياره التخاذلي والاستسلامي منذ ابرم وثيقة العودة مع مندوبي النظام السوري، لحود وبقرادوني اواخر العام 2004.

وعلى رغم احترامنا الشديد لحرية العماد عون، فكرا وقولا وتصرفا، إلا ان زياراته هذه هي بمثابة طعنة في ظهر من ايده يوم كان في الخط السيادي. وهي تشكل استغلالا فاضحا وتزويرا للاهداف والطروحات التي اختاره اللبنانيون على اساسها، وهي بمستوى الخيانة العظمى وتحوّر خيار الناخب الحر الى ما يناقضه تماماً.

وفي مطلق الاحوال تشكل زيارة الحج للنظام السوري تنكرا لارواح الشهداء الذين سقطوا في الدامور، والقاع، وعين الرمانة، والاشرفية، وسن الفيل، وطرابلس على يد هذا النظام. وماذا تبقى من صدقية ومصداقية العماد عون بعد ظهوره مصافحا اليد التي اتهمها هو شخصيا بعملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه مساء يوم 14 شباط 2005 على التلفزيون الفرنسي؟

مثلما ستكون لهذه الزيارة ترددات مضرة على الصعيد الوطني اللبناني، فان تردداتها على الصعيد المسيحي عموما والماروني خصوصا ستكون عنيفة جدا وستاتي عكس تمنيات وآمال الجنرال وحليفه السوري. فقد أمعن النظام السوري في استغلال هذه الزيارة لاظهار المرجعية الرئيسية والاساسية والوحيدة للمسيحيين المشرقيين بمظهر الضعيف والمهان. نجح النظام السوري في دغدغة احلام العماد عون المستحيلة، والبسه دور "زعيم المسيحيين المشرقيين"، لتوجيه الاهانة لراس الكنيسة المارونية ولغبطة البطريرك صفير، الممثل الشرعي والوحيد لمسيحيي المشرق. وقد بلغ الانحطاط الاخلاقي، لدى النظام السوري والعماد عون، اعلى درجاته عندما اعطي حضور القداس بعدا دينيا وانجازاً وطنياً وقومياً.

لن ينسى اللبنانيون الشرفاء ما جادت به " ايادي النظام السوري البيضاء" طوال السنوات الثلاثين الماضية: من عين الرمانة... الى سن الفيل... الى الاشرفية.... الى زحلة... الى كل بقعة من لبنان. فاذا نسي الجنرال او تناسى "انجازات البوريفاج" او عنجر فهل يستطيع تناسي النتائج المدمرة لـ 13 تشرين 1990، وليس اقله احتلال "بيت الشعب" ووزارة الدفاع وخطف الضباط وسوقهم الى سجون المزة. هل يستطيع الجنرال ان ينسى كيف اعدم السوريون - حلفاؤه الجدد - المئات من ضباطه وعسكرييه الذين كبلوا وأطلقت على رؤوسهم، بدم بارد، رصاصات الاعدام، بعدما كانوا استسلموا تنفيذا لأوامره؟

لن ينفع الجنرال ابدا استمراره في اللعب على الالفاظ وادعاؤه ان النظام السوري اليوم هو غير النظام السوري في الامس: فالمدرسة واحدة، والاستاذ واحد، والهيئة التعليمية نفسها، والعقل المدبر هو نفسه وصاحب الامرة هو هو. 

الوعد... والانتقام

تعود بي الذاكرة الى لقائي الاول مع الضابط عون، الى العام 1976، يوم اتخذنا في قيادة "التنظيم" قرار تحرير منطقتنا من معسكر تل الزعتر، فخضنا معاً احدى اشرف واقوى معارك التحرير. هو من موقعه ضابطا في الجيش الشرعي، وانا من موقعي المقاوم ممثلا قيادة "التنظيم”. ويتوالى شريط الذكريات الى حين عايشت الجنرال عون في بعبدا، وشاركته مسيرة التحرير واطلقت مع رفاقي في "المكتب المركزي للتنسيق الوطني" عملية بناء لبنان الجديد، السيد والحر، والكرامة والعنفوان والديمقراطية، وكلي ايمان ان الدوافع والآمال والاحلام والتطلعات هي نفسها. لكن الايام اظهرت انها كانت مرحلة تقاطع الاهداف لا وحدتها: انا اواجه النظام السوري المحتل لتحرير وطني وشعبي من موقعي المقاوم للاحتلال بكل اشكاله، والجنرال ينتقم لوعد اخل به النظام السوري تجاهه، فلم يؤيده لموقع رئاسة الجمهورية.   

انا المؤمن ايمانا مطلقا وراسخا بقيام الدولة الواحدة الشرعية وبحصرية السلاح بقوى الجيش والامن الداخلي، وهو الساعي لضرب القوى المسيحية لاهداف وغايات شخصية وحقد دفين لم يزل يتفاعل في نفسه حتى الساعة.

قيل لي يوما: احذر الجنرال فهو ذو ميول تلتقي وتتعاطف مع اهداف الحزب القومي السوري، فلم اصدق. وقيل أيضاً ان ضابطا لصيقا بالعماد عون وبتوجيهات منه ساهم في وضع "الاتفاق الثلاثي" السعيد الذكر، فلم اتقبل هذا القول، حتى تأكد كل ذلك فيما بعد. واليوم لم تعد للامر اهمية فقد ذاب الثلج وبان المرج. وظهرت الحقيقة المرة جلية وواضحة وضوح الشمس وانقشع الستار الذي كان يختبىء خلفه الجنرال.

ترى هل كنا بحاجة الى ثلاثين عاما لينكشف الدور الذي انيط بالجنرال عون القيام به؟! وهل كتب على هذا الشعب ان يتلقى الطعنة تلو الاخرى، وهل قدر للمقاومة اللبنانية ومسيرة السيادة وثورة الارز ان تضرب على يد بروتس القرن العشرين؟!

اسئلة

1990: "يستطيع العالم ان يسحقني لكنه لن يأخذ توقيعي"، كلمات قليلة قالها الجنرال عون في  "موسم العز" والكرامة ومسيرة التحرير، فايدناه ووقفنا الى جانبه وقاومنا ولم نستسلم... وكان للبعض شرف الاستشهاد " سحقا" على يد جيش النظام السوري.

 2008: وقع العماد عون صك الاستسلام واعطى شهادة البراءة للنظام السوري من دون عناء ولا ممانعة، انما بفرح وهرج ومرج، وبناء على استدعاء من سيد دمشق.

لم يشهد التاريخ، لا القديم ولا المعاصر، رجلا يستطيع ان يتراجع عن مواقفه واقواله وافعاله الى حد التناقض من دون ان يرف له جفن مثلما يفعل الجنرال ميشال عون. ولم يعرف العالم " قائدا " يغير موقعه 380 درجة، وينقل البندقية من كتف الى آخر، مثل العماد عون وتبلغ به الوقاحة حد الصاق هذه التهمة بغيره. فعلا انه ظاهرة فريدة تستحق الدراسة والتمعن. لكن المستغرب والمستهجن هو من بقي الى جانبه ممن يفترض بهم ان يكونوا على قدر من الوعي والادراك والحس الوطني، بعيدا عن نزوات الحقد والكراهية والمواقف المسبقة و" عنزة لو طارت". هؤلاء الذين لا يزالون " يتبعون"، ولا اقول يؤيدون، الجنرال اينما ذهب، كما يسير القطيع الى المسلخ. اذا كان العماد عون يتنكر لماضيه وتاريخه خدمة لاهوائه ومطامعه الشخصية، وتلبية لتعليمات سيد دمشق، فما هو عذر من كان في الصف السيادي وطليعة المقاومين للاحتلال السوري؟! ما عذر من واجه وقاوم ولم يزل يحمل في جسده وروحه آثار التعذيب ومرارة الذل من البوريفاج وعنجر والمزة، ليتبع العماد اينما ياخذه من دون محاسبة ولا سؤال؟! ام ترى ما زال الحقد يتحكم بهم ويعمي بصيرتهم عن رؤية الواقع والحقيقة، فيسامحون ويغفرون لنظام مجرم، يرفض الاعتراف بجرائمه، ولا يقوون على مصافحة أخيهم اللبناني المسيحي والمسلم؟!

اسئلة لا بد منها تطرحها زيارة العماد عون الى سوريا: هل تمت هذه الزيارة بمبادرة من الجنرال نفسه، ام  بناء على تدخل الوسطاء وسعاة الخير، ام جاءت تكملة لمبادرة لحود – بقرادوني؟ هل هي حاجة انتخابية لتجمع الثامن من آذار، ام اتت تكملة للزيارة التي قام بها الجنرال الى ولي الفقيه في ايران،  ام جاءت بناء على طلب واستدعاء من النظام السوري؟

المؤكد ان الزيارة اتت في تطور طبيعي للمنحى الذي سار عليه الجنرال وللخيارات التي اتخذها. اما التوقيت فجاء " في التاريخ الذي حدده هو، اي الرئيس السوري، ولم يستطع عون رفضها أو طلب تأجيلها" (ادمون صعب – النهار 5-12-2008)

لقد اطلق العماد عون دعوة الى "تنقية الوجدان" اثر اجتماعه مع رئيس النظام السوري، وهنا لا بد من التساؤل:

هل انتزع الجنرال من الابن اعترافا بنهائية الكيان اللبناني، طالما انه يعتبر ان تغييرا في الحكم قد حصل، ودحضا لما قاله الوالد من ان: "سوريا ولبنان عبر التاريخ بلد واحد، وشعب واحد وهذا الامر يجب ان يدركه الجميع"؟ هل حصل الجنرال على اعتذار وتأكيد لا يقبلان الجدل بعدم عودة الخلف للتصرف على طريقة السلف الذي قال: " قررنا ان ندخل تحت عنوان جيش التحرير الفلسطيني، وبدأ هذا الجيش بالدخول الى لبنان ولا احد يعرف هذا ابدا، ولم نأخذ رأي الاحزاب الوطنية ولا غيرها ولم نأخذ أذنا من أحد..."؟ (خطاب الرئيس الراحل السابق حافظ الاسد على مدرج جامعة دمشق في 20 تموز 1976 مبررا اجتياح قواته لبنان).

 هل حمل الجنرال معه من دمشق وثيقة تؤكد عودة هذا النظام عما كان اعلنه نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام في تصريح الى صحيفة "الرأي العام" الكويتية ان "لبنان جزء من سوريا وسوف نعيده وينبغي ان يكون ذلك واضحا؟".

لم تعد سرا ولا مستورة الاتصالات التي كانت تتم بين الجنرال والنظام السوري منذ ايام الرئيس حافظ الأسد. فخطوط التواصل لم تنقطع يوما وان أخذت في بعض الاحيان طابعا صداميا لا عدائيا على ما قال الجنرال. فقد تغير الأسلوب بتغيير الأشخاص، فللوالد أسلوبه الخاص، وللابن اسلوبه، تغيير في التكتيك فقط وليس في الاستراتيجية. فالابن استمرار للوالد. وما يميز الابن هو قلة الخبرة وحدة الطباع ومحاولة استنساخ طريقة السلف. اضف الى ذلك كما يقول المثل " خلق ومعلقة الذهب بتمو"، فهو ورث السلطة والحكم والشعب، مثلما ورث العملاء والتوابع والازلام.

إخفاء الشرع

لقد شاء النائب ميشال عون السير على خطى القديس بولس وحنانيا فنقلته طائرة رئاسية فزار النظام السوري متنقلا من مدينة الى اخرى. والحمد لله انه حصر ايمانه الالهي، وقد تأثر على ما يبدو بهذا الصدد بحلفائه الالهيين. الحمد لله انه حصر ايمانه الالهي بمار بولس وحنانيا ولم يرغب السير على خطى المسيح، والا لكانت نقلته طائرة رئاسية اسرائيلية. ولا نعرف من اين كانت ستقلع الى اسرائيل حيث كان سيقابل رئيسها مطالبا اللبنانيين بالاعتذار من اسرائيل ايضا كما فعل بالنسبة الى النظام السوري. والسلام على رئيس اسرائيل ليس بغريب عن مضيف النائب عون، الرئيس الاسد، الذي سارع الى القاء التحية على موشيه كاتساف في روما ابان مراسم جنازة قداسة الحبر الاعظم المغفور له البابا يوحنا بولس الثاني. يضاف الى ما تقدم قيام النائب عون في باريس بالاجتماع مع مسؤولي الموساد الاسرائيلي على رغم نصائح الفرنسيين المعاكسة، الامر الذي اكدته "الفيغارو" والذي لم يتجرأ النائب العماد على نفيه.

إن زيارة النائب عون للنظام السوري تشكل طعنة نجلاء للوحدة الوطنية وتحديا لضحايا النظام السوري، والمسيحيين في طليعتهم. وتشكل استفزازا للبنانيين كافة، الذين يحتفلون يوما بعد يوم بذكرى شهداء ثورة الارز من الرئيس الحريري الى جبران تويني الى بيار الجميل وغيرهم. واذا كان العماد عون يرفض ادانة النظام السوري من دون دليل، فكيف يبرئه من دون دليل. علما بان القرار الاتهامي للجنة التحقيق الدولية بات على قاب قوسين  من الصدور حيث ستبيض وجوه وتسود وجوه. اضف الى ذلك ان منح العماد براءة ذمة للنظام السوري عن جرائمه في لبنان على مدى ثلاثين عاما يشكل استخفافا بدماء الشهداء اللبنانيين العسكريين منهم والمدنيين واهانة لذكراهم وتنكرا لتضحياتهم وازدراء بروح الصمود لديهم. وسيحاسب التاريخ يوما هذا الرجل على فعلته النكراء بحق شهداء لبنان. وللمناسبة اتوجه الى الجيش اللبناني وعائلة اللواء الشهيد فرنسوا الحاج، وعائلة النقيب الشهيد سامر حنا – الذي كان ذنبه قيادة طائرة لسلاح الجو اللبناني فوق الاراضي الايرانية في لبنان من دون اذن مسبق من دولة ولي الفقيه- بتحية التقدير والاكبار.

اما مطالبة العماد عون، ومن دمشق تحديدا، بتعديل اتفاق الطائف بذريعة اعادة الحقوق للمسيحيين، فلا يمكن ان تخفي نيته الحقيقية والحاقدة باقامة نظام المثالثة، ما سيشكل في حال التوصل اليه، لا سمح الله، الضربة القاضية للوجود المسيحي في لبنان والشرق على السواء، تنفيذا لتعليمات ممثل ولي الفقيه في لبنان، وعلى يد من يزعم زورا تمثيل المسيحيين. ويذكر اللبنانيون جيدا ان العماد عون ما انفك يردد ان لا اعتراض له على الشق الداخلي من الطائف بل الاعتراض هو حصرا على الشق المتعلق بالاحتلال السوري وتغيير موقف العماد عون ليس الوحيد ولا الاول ولا الاخير.

لقد وصل مستوى الحقد والكراهية لدى العماد عون الى حد مطالبة اللبنانيين بالاعتذار وكان من الاجدى للعماد عون ان يطالب رئيس النظام السوري بالزام وزير خارجيته السابق فاروق الشرع بالاعتذار منه. فالشرع هو الذي وصف الجنرال بـ"الصغير" غامزا من قصر قامته ومتهكما عليه وملمحا الى محدودية حجمه الوطني والسياسي آنذاك. وقد مسّ فاروق الشرع في قوله هذا وفي الصميم ليس فقط بشخص الجنرال بل ايضا بكرامة المؤسسة العسكرية التي كان عون قائدا لها. وفي مطلق الاحوال كان لافتا اخفاء فاروق الشرع خلال زيارة العماد اذ ان النظام السوري استكثر على ضيفه حتى مجرد اعتذار من احد اركانه ما يدل على مدى "الاحترام والتقدير" الذي يكنه لضيفه. وهل الطائرة الرئاسية والسجاد الاحمر والعباءة وغيرها من مظاهر التكريم الشكلي من شأنها ازالة جرح الكرامة! والادهى ان العماد المهان على يد النظام السوري تغاضى عن الاساءة الجسيمة اللاحقة بكرامته الشخصية وبكرامة الجيش اللبناني وتجاهل الاهانة السورية له ارضاء لاحلامه السياسية، ثم اخذ يطالب اللبنانيين بالاعتذار في محاولة منه لحرف الانظار عن واقعه الاليم.

وما يلفت النظر عدم زيارة العماد عون لمدينة حماه، ليته طالب بزيارتها وسأل اهاليها كيف قصفهم جيش النظام بالطائرات والدبابات والمدفعية، وكيف دمر المدينة تدميرا كاملا على رؤوس ابنائها مخلفا عشرين الف قتيل عدا الجرحى والمعاقين في اطار حملة قمعية قل مثيلها وخجلت منها جيوش النازية وجحافل السوفييت.

ان النظام السوري في حالة افلاس على الصعد كافة ولن يجديه الاستنجاد بزيارة مبنية على الحقد والكيد والاستفزاز، وفي انتظار قرار لجنة التحقيق الدولية.

التصفيق للقائد لا يبني وطناً

يحتاج لبنان الى وثيقة رسمية صادرة عن الدولة السورية تعترف فيها بلبنانية مزارع شبعا، والى ترسيم الحدود بدءا من المزارع ليصار الى اخضاع المنطقة لاحكام القرار 425 واخراجها عن احكام القرار 242 تمهيدا لانسحاب اسرائيل منها ووضعها بعهدة القوات الدولية توصلا لاعادتها الى السيادة اللبنانية. وفي هذا الوقت تحديدا ياتي العماد عون ليعتبر، ومن سوريا، ان الترسيم قضية توقيت ليس إلا متبنيا موقف النظام السوري على حساب المصلحة اللبنانية معرقلا بموقفه هذا وبصورة مقصودة جهد الدولة اللبنانية ومسيرة السيادة وجهود اصدقاء لبنان الذين ما انفكوا يطالبون النظام السوري باصدار هذه الوثيقة المطلوبة وترسيم الحدود.

إن هدف العماد عون هو منع اي انسحاب سلمي لاسرائيل من مزارع شبعا توصلا الى الاستمرار في اعطاء المبررات للسلاح الايراني غير الشرعي في لبنان. وهي مبررات لم تعد تقنع احدا لان هذا السلاح الفئوي بات دوره بناء دويلة ولي الفقيه وحمايتها وتقويض مسيرة بناء الدولة اللبنانية المستقلة.

ومن اهداف العماد عون ايضا تحويل الانظار الى ملفات وقضايا مختلفة هي كلها مجتمعة دون القضية الاهم، الا وهي سلاح "حزب الله" وهذا يستدعي اعلان حالة طوارىء سياسية وحصر البحث بازالة هذا السلاح وتسليمه بصورة فورية الى القوى الشرعية فيزول كابوسه عن صدور اللبنانيين. واذا كان النظام الايراني يرغب في محاربة اسرائيل فليقم بذلك بحرا او جوا او برا من اراضي حليفه النظام السوري، وليس من لبنان وعلى حساب دماء اللبنانيين وسلامتهم. فكفى ما تحمل لبنان من مآس وويلات من جراء  السلاح غير الشرعي واستمراره.

اخيراً اتوجه الى اخوتي ابناء "التيار الوطني الحر"، ورفاقي السابقين، محييا تضحياتهم ومناشدا اياهم الا يجعلوا الاحقاد والضغائن والصغائر تعمي بصرهم وبصيرتهم. فيصبحون كما يتباهى عمادهم، اداة طيعة في يده ينتقل بهم ساعة يشاء الى حيث يشاء. واذا ما كانوا متعلقين بهذا الشخص لصفات يجدونها فيه ولا يزالون، فهذا لا يعني ولا يمكن ان يعني استقالتهم من الوطن وتحويل انفسهم الى مجموعة من المصفقين لان " الترت تا تا ..." لا تبني وطنا. المطلوب هو المشاركة الحقيقية والفعالة في القرار السياسي للتيار حماية له، لا من اعدائه وخصومه، بل من العماد عون تحديدا صاحب المواقف المتقلبة والمبنية على الانفعال والتوتر والحقد والكراهية والتهجم على بعض العائلات الروحية في الوطن لا لشيء الا لأنها لم تؤيده، فانتقل الى المقلب الآخر مقلب "شكرا سوريا”.

هل يقبل ابناء "التيار الوطني الحر" ان يتحولوا من اسياد في وطنهم الى اذناب للنظامين الايراني والسوري ولحزب ولي الفقيه؟ هل يقبل ابناء "التيار الوطني الحر" ان يصار الى استعمالهم واستغلالهم كغطاء للمشاريع الآيلة الى تدمير لبنان الرسالة وتفجير الوحدة الوطنية؟ هل يرضون بتحويل الوطن الى ساحة لا بل الى مربض مدفعية تابع للنظام الايراني ولو على حساب سلامة اللبنانيين، ولو ادى الامر الى زوال لبنان الرسالة وتحوله الى " قطر" تابع لا ارادة له ولا استقلال ولا سيادة ولا دولة؟

كيف يمكن للبناني شريف سيادي وحر ان يتقبل وجدانيا ووطنيا حثه على الاعتذار من النظام السوري، في حين انه يؤيد كل التاييد رفض الشعب الارمني اي مهادنة مع الدولة التركية قبل ان تعتذر عن مجازرها بحق الشعب الارمني وتعويضه عن هذا الجرح الاليم؟

اذا كان هذا ما يريده ابناء "التيار الوطني الحر" ومن يؤيدهم، فابواب حزب البعث العربي الاشتراكي مفتوحة لهم. كذلك ابواب الحزب السوري القومي الاجتماعي وابواب "امل" و"حزب الله"، وباستطاعتهم اذا شاؤوا الانتساب الى "الصاعقة" او "فتح الانتفاضة" او الى "فتح الاسلام" او الى الجبهة الشعبية القيادة العامة او الى تيار التوحيد. وامامهم كذلك التنظيم الناصري او جند الشام او جمعية المشاريع او رابطة الشغيلة او حماس او عصبة الانصار... فالقاسم المشترك لكل هذه المجموعات ارتباطها بالنظامين السوري والايراني وخدمة اهدافهما على حساب سلامة لبنان وسيادته وكرامته...اختاروا.

نجيب سليم زوين     

((*) رئيس الهيئة العليا لـ"المكتب المركزي للتنسيق الوطني" الذي واكب مسيرة العماد ميشال عون التحريرية منذ 1988.Nzwein@gmail.com)      

 

اعتذارات من النظام السوري والقائد الإله

شكلت عملية اغتيال الرئيس الحريري الصاعق الذي فجر ثورة تعتمر في قلوب اللبنانيين منذ ثلاثة عقود، فتوحدوا لمواجهة النظام الامني اللبناني-السوري. وكان تجمع الثامن من آذار 2005 بقيادة "حزب الله" دعما للنظام السوري تحت شعار "شكرا سوريا”. واتى سريعا الرد المحكم والهادر في 14 آذار بنزول ملايين اللبنانيين الاحرار الى ساحة الحرية هاتفين بصوت واحد " سوريا طلعي برا ". وقد دلت الوقائع ان مشاركة "التيار الوطني الحر" في هذا اليوم الجلل كانت خجولة. فقد صرح اكثر من مسؤول في "التيار" عند مراجعتهم القيادة بان لهم الحرية في المشاركة وعدمها. ترى لو كان العماد فعلا يؤيد هذا التحرك اما كان اعطى تعليماته وتوجيهاته للمشاركة الفعالة والقوية ضد النظام السوري؟ وهذا ما اثار التساؤلات وعلامات الاستفهام، وجاء التفسير ان الجنرال يرفض اعطاء صك البراءة " لبقايا " قرنة شهوان  وجنبلاط والحريري لكن كيف يعطيه للنظام السوري؟!

وبدأت الامور تتضح شيئا فشيئا: عدم الرغبة في ازعاج النظام السوري الحليف الجديد-القديم. وتوالت الاحداث، وما من خفي الا ويظهر. وبدأ تنفيذ الخطة تدريجيا لاستيعاب ردات الفعل عند القاعدة غير الجاهزة لقبول التعامل مع النظام السوري. وكانت سياسة الارض المحروقة لازالة العوائق التي تحول دون تنفيذ المخطط الجهنمي. وكان دور الجنرال فيها ضرب المرجعيات الروحية والكنيسة أولا، وخلخلة الثقة بالقوى الشرعية من جيش وامن داخلي ثانياً، وصولا الى خلخلة رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة.

وكان هجوم مركز على بكركي وسيدها لانها هي من اطلق شرارة الاستقلال الثاني بندائها التاريخي عام 2000 بعد الانسحاب الاسرائيلي "المبرمج" مع حزب الله. وقد وصل مستوى التهجم على بكركي حدا لم تألفه مجتمعاتنا المسيحية ولا اللبنانية.

واخيراً من دمشق يطلب الجنرال من اللبنانيين الاعتذار. انه على حق... وهو لا يمكن ان يخطىء ابدا وقد اكد ذلك لاتباعه: "اذا قلت انني دوما على حق، سيظهر ذلك نوعاً من العجرفة". عفوا سيدي الجنرال، نحن المسيحيين نؤمن ان الله وحده لا يخطىء، ويقول مثلنا العامي: "حتى الخوري بيغلط بالانجيل"،.. الا اذا وصل بك الضلال الى هذا الحد، ام ان الحزب الالهي والنصر الالهي لا يكتملان الا بـ " الزعيم الإلهي"، أو القائد الإله... عفوك ربي.

نعم على اللبنانيين ان يعتذروا عما اقترفوا من ذنوب طوال ثلاثة عقود، لأن أياديهم تلطخت بدماء اخوانهم السوريين نتيجة احتلالهم لسوريا ثلاثة عقود.

 نعم اننا نعتذر من النظام السوري:

* لان "الصاعقة اللبنانية" هاجمت قرية دير عشاش وهجرت اهاليها وذبحت ثلاثة رهبان.

* لأن "الصاعقة اللبنانية" هاجمت وبمساعدة قوات "بعث ثورة الارز" بلدة بيت ملات وقتلت سبعة من ابنائها وخطفت عشرة...

* لأن قوات "الصاعقة اللبنانية" هاجمت بلدة تل عباس في عكار وقتلت 15 من ابنائها واحرقت الكنيسة.

* لان لواء اليرموك التابع للجبهة اللبنانية وقوات الصاعقة اللبنانية اجتاحت بلدة الدامور وهجرت اهاليها بالكامل وقتلت العشرات منهم ودمرت البلدة تماما.

* لأن قوات "الصاعقة اللبنانية" قصفت مدينتي القبيات وعندقت في عكار بالمدفعية الثقيلة والهاون.

* لأن "الصاعقة اللبنانية" حاولت اغتيال عميد حزب الكتلة الوطنية اللبنانية النائب ريمون اده.

* لان  قوات الجبهة اللبنانية واستخباراتها دهمت مكاتب صحف "المحرر" و "بيروت" و"الدستور" و"السفير" واحتلت مكاتب صحيفتي "النهار" و "الاوريون لوجور".

* لأن قوات "الصاعقة اللبنانية" هاجمت بلدة العيشية في الجنوب وقتلت 41 من اهاليها وهجرت البلدة.

* لأن جيش الجبهة اللبنانية النظامي حاول دخول ثكنة الفياضية التابعة للجيش اللبناني مما ادى الى استشهاد النقيب اللبناني عبدالله الحدشيتي.

* لأن "استخبارات ثورة الارز" اغتالت الزعيم اللبناني كمال جنبلاط، والطفلة مايا بشير الجميل، والصحافي اللبناني سليم اللوزي، ونقيب الصحافة اللبنانية رياض طه، والسفير الفرنسي في بيروت لوي دو لامار، والشيخ احمد عساف، والاب فيليب ابو سليمان، ورئيس الجمهورية اللبناني المنتخب بشير الجميل، والشيخ صبحي الصالح، والدكتور محمد شقير، ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد، ورئيس الجمهورية اللبنانية رينيه معوض، وداني شمعون وعائلته، ورئيس الحكومة رفيق الحريري، والنائب باسل فليحان، والوزير بيار الجميل، والنائب انطوان غانم، والنائب جبران تويني، والصحافي سمير قصير، وجورج حاوي، والنائب وليد عيدو...

* لان "القوات الخاصة" التابعة لـ"ثورة الارز" خطفت المئات من مدينة طرابلس، وتركت جثثهم في احيائها الداخلية، وعمدت الى تصفية 34 مواطنا من طرابلس.

* لان جيش الجبهة اللبنانية وقواتها الخاصة شنت هجوما على مدينة زحلة وحاصرتها ودكتها بالمدفعية الثقيلة وبكل اسلحة الدمار.

* لان مدفعية الجبهة اللبنانية قصفت قلب العاصمة والاشرفية لمدة مئة يوم.

 اخيرا وليس آخرا عذرا والف عذر لاجتياحنا المنطقة الشرقية في 13 تشرين 1990، وتحت غطاء من القصف الجوي والمدفعي والصاروخي، ولاحتلالنا القصر الجمهوري ووزارة الدفاع. وعفواً للمجازر الرهيبة التي نفذها جيشنا النظامي في مناطق ضهر الوحش، سوق الغرب، بسوس، الحدث، وبيت مري...  ولاعتقال العشرات من ضباط وجنود الجيش اللبناني والمدنيين ونقلهم الى سجن المزة وغيره.

* عذرا لاننا لم نتورع عن تدمير لبنان وقتل اكثر من مئتي الف من مواطنيه وتهجير مليون ونصف من اللبنانيين من اجل تنفيذ حلم " لبنان الكبير" .

* عذرا من الاهالي المعتمصين منذ 3 سنوات لمعرفة مصير ازواجهم وأبنائهم وآبائهم المغيبين والمخطوفين على يد مخابرات "ثورة الارز"، والقابعين في غياهب السجون السورية.

 

ماكينة عونية انتخابية متهالكة

جهاد عون

التاريخ: 14 كانون الاول 2008 المصدر: خاص

 يدرك جنرال الرابية جيداً احوال تياره المتهالك بين المسيحيين، ويعلم جيداً ان الاحصاءات واستطلاعات الرأي التي يقدمها له مستشاره عبده سعد عن نسب التأييد الذي لا يزال يحظى به بين المسيحيين انما هي تقارير مفصلة على مزاج الجنرال ورغباته وامنياته في ادعاء تمثيل المسيحيين، لذلك فان عون لا يقيم وزناً كبيراً لأحوال تياره وينصرف بكليته الى تعزيز تحالفاته في اطار "قوى 8 آذار" والنظام السوري عله يستعيد ملكاً مفقوداً ورئاسة ذهبت ولن تعود اليه.

آخر الخضات التي ضربت التيار كان إقدام الثنائي الحاكم بأمره لدى العونيين: الوزير جبران باسيل والمنسق العام بيار رفول على تعيين لجنة عليا للاشراف على الانتخابات النيابية برئاسة كمال فغالي ومجموعة من الاسماء الذين يصفهم العونيون بأنهم مجرد هواة لا فضل لهم الا ولاءهم الاعمى لباسيل الذي يقرب مشايعيه وانصاره في التيار ويقصي من يخالفونه الرأي عن كل مواقع القرار والحركة. وفي تفاصيل ما جرى ان الخلاف انفجر بين امين سر التيار طوني مخيبر (جناح باسيل) وآلان لحود المسؤول في اللجنة الانتخابية للتيار العوني (جناح عصام ابو جمرة) ولم تنجح الوساطات ولا تدخلات المحبين في الحد من الخلاف، خصوصاً بعدما توسع ودخلت عليه كل الاطراف العونية المتنازعة التي تريد الحصول على حصتها من الماكينة الانتخابية للتيار أملاً في الفوز بحصة من كعكة الانتخابات الموعودة. وانتهى الامر بالاحتكام الى جنرال الرابية الذي حسم الامر وحل لجنة لحود ليعين مكانها اللجنة الجديدة برئاسة فغالي الذي لم يعرف عنه انه كان عونياً بل من أنصار السوريين والوزير الراحل ايلي حبيقة.

اوساط التيار العوني تتندر هذه الايام بأخبار اللجنة الجديدة التي يأمل عون وباسيل و8 آذار ان تمكنهم من الفوز، لكن لسان حال الجميع ان التيار غير قادر لا تنظيمياً ولا مؤسساتياً على استعادة نسبة الـ 70% التي حازها في انتخابات 2005 ، ولا كاريزما الجنرال عادت مؤثرة في حشد المؤيدين ودفعهم الى صناديق الاقتراع. وتذكر هذه الاوساط بأن عون الذي يريد السيطرة على المقاعد المسيحية في دائرة جزين مدعياً تمثيلها لم يجد في استقباله عندما زارها الا قلة قليلة من العونيين اجتمعوا من كل انحاء المنطقة لـ "الهوبرة" له، في حين امتنعت غالبية ابناء جزين عن استقبال زعيم المسيحيين المشرقيين الذي اختار الوقوف وراء زجاج مضاد للرصاص اثباتاً للاحتضان الشعبي له !.

لكن الأنكى من كل ذلك ما تردده اوساط القيادات العونية عن رغبة الجنرال الحاسمة في عدم بناء اي تنظيم حزبي جدي، وهو أبلغ الى كل من يعنيه الامر ان تنظيم التيار مسألة غير ضرورية بل من الافضل له التركيز على الحالة العونية واثارة الرأي العام المسيحي بشعارات طائفية وتعبوية وعنصرية ضد المسلمين السنة وخصومه من المسيحيين الآخرين، وان الماكينة الانتخابية وما الى ذلك من امور ليست ضرورية له للفوز.

 

عون يبحث في سوريا عن "هويته الضائعة"

المستقبل - الاثنين 1 كانون الأول 2008 - أيمن شروف

الزغبي: عون منشق  ويغمم الفتن بين المسيحيين

عن الحقيقة اللبنانية

يقدم المحلل السياسي الياس الزغبي قراءة شاملة للزيارة واهدافها و"خطورتها" على الصعيد الوطني وعلى الصعيد المسيحي، فيشير الى ان "العماد عون يصور نفسه ضحية لكسب العطف والمسألة ابعد من ذلك، فهي ليست مسألة تتعلق بشخص ميشال عون وانه مستهدف بحد ذاته وان هناك قراراً مسبقاً بتوجيه النقد الى شخص العماد عون"، فبحسب ما يقول الزغبي فإن العماد عون منذ ثلاث سنوات على الاقل، يجسد حالة منحرفة جداً عن السياق اللبناني والسياسي والوطني الصحيح ويجسد الخطر الحقيقي لفكرة كيانية لبنان ومشروع بناء الدولة الحقيقية في لبنان.

خطورة العماد عون في هذا المشروع اي الخطر على الكيان اللبناني، كما يقول الزغبي تكمن في انه يطرح نفسه دائماً كمتحدث باسم المسيحيين اللبنانيين، وتطور به الامر اخيراً كي يدعي لنفسه التحدث باسم المسيحيين العرب والمشرقيين، لذلك فان اي تحرك يقوم به العماد عون محور جدل او مجال لتسليط الضوء واظهار خطورة ما يقوم به ليس على المسيحيين كجماعة او طائفة او أمة، بل على لبنان كدولة ووطن نهض اساساً على استقلالية المسيحيين عن الشرق والغرب بالمفهوم الجيو سياسي.

وهذه الاستقلالية كما يراها الزغبي، تجسدها بكركي واي خروج عن ثوابتها يشكل خروجاً عن سيادية واستقلال لبنان، وهذا الخروج وجد ضالته في هذه المرحلة في سياسة العماد عون الذي بات يشكل نموذجاً صارخاً لمسيرة المنشقين عن الحقيقة اللبنانية منذ القرون المسيحية الاولى حين ظهرت بدع وحالات غريبة عن الحالة المسيحية.

المعادلة التي يطرحها العماد عون والتي تقضي بانتظار نتائج اي قرار سياسي يأخذه وعدم اعطاء الحكم المسبق عليه، يرى الزغبي انها كانت مطروحة على مدى السنوات الـ20 الاخيرة من سياسة العماد ميشال عون وهو الآن يدعي انه كان على حق في كل ما قام به، وهو (اي عون) يرمي في وجه خصومه، اسبقيته في ادراك السياسة الفضلى ولكن هذه المعادلة وهذا الادعاء ليست في مكانها لأن مراجعة بسيطة لسياسة عون على الاقل منذ العام 1988 تثبت ان كل المحطات التي كان فيها هو البارز وصاحب الخيار كانت وبالاً وكارثة على لبنان وعلى المسيحيين تحديداً.

يهرب من الواقع الى التاريخ

وفي هذا الاطار يذكر الزغبي ما حصل في حرب التحرير ضد الجيش السوري، ويقول: "اتضح مع مرور الزمن انها كانت منسقة ومبرمجة مع النظام السوري نفسه بمجرد ان نقرأ نتائجها التي تتلخص بحقيقة ساطعة وهي تمكين هذا النظام من المناطق اللبنانية الحرة واجتياحها والقضاء على آخر نواة استقلالية لبنانية، فبهذا يكون العماد عون قدم بشكل واضح مفاتيح حرية لبنان واستقلاله ودولته الى نظام حافظ الاسد انذاك وهو اليوم يذهب الى دمشق ليعلن استمراره في هذا النهج، وفي اعتقاد الزغبي ان العماد عون لو يستطيع ان يستعيد تلك التجربة الخطيرة لأقدم عليها، فهو بالتالي لا يذهب لاستعادة مفاتيح بيروت بل في محاولة لاستعادة الذين استولوا على مفاتيح لبنان.

الواضح بالنسبة للزغبي ان العماد عون يهرب من الواقع الى التاريخ ومن السياسة الى الدين محاولاً تمويه خطورة ما يفعل، ويشرح نظريته هذه بالقول: "الواقع هو رغبة سوريا بالهيمنة على لبنان والعماد عون يحاول ان يشبه نفسه بقداسة البابا التاريخي الاستثنائي يوحنا بولس الثاني، ويدعي انه يطبق الارشاد الرسولي من خلال الانفتاح على العالم العربي، انه الادعاء الاخرق والاخطر، لأن البابا بولس الثاني حض مسيحيي لبنان على التفاعل مع بيئتهم العربية اي مع هذا الامتداد الانساني والحضاري من شاطئ المتوسط الى عمق الخليج العربي والجزيرة العربية وما يعرف بالشرق الادنى من مصر الى العراق، فأي تفاعل يقوم به العماد عون حين يعزل نفسه عن مصر والسعودية والخليج والاردن والعراق ويغرق في رمال النظام السوري الخارج من بيئته العربية، ولا يرى من نصيحة الارشاد الرسولي الا رأسي نظامين ديكتاتوريين هما بشار الاسد واحمدي نجاد".

ويضيف: "في جانب آخر يحاول اتباع عون تصوير حجه الى دمشق وكأنه يسير على خطى مار بولس وكذلك مؤسس المذهب الماروني القديس مارون، فبعيداً عن الشبه بين الزاني السياسي والمبشر الديني، يريد عون ان يخدع بعض المسيحيين نظرياً وسياسياً ويقدم نفسه كقديس ثالث فيصدقه بعض السذج لبعض الوقت ويكشفه معظم المسيحيين كل الوقت".

يقسّم الطوائف والمذاهب

الواقع كما يراه الزغبي هو ان "العماد عون هو الذي يظهر بمظهر المعتذر من النظام السوري فلا نسمع لا سابقاً ولا حاضراً وربما لاحقاً اي كلمة علنية من مسؤول في ذلك النظام تعبر عن الاسف او الاعتذار او على الاقل النقد لما ارتكبه هذا النظام في حق لبنان وخصوصا في حق الجيش والمسيحيين اللبنانيين"، ويسأل "كيف ننتظر مثل هذا الاعتذار وهم ما زالوا الى اليوم يقتلون شهداء الاستقلال الثاني في ضرائحهم من الرئيس رفيق الحريري الى آخر شهيد، الى مشاريع الشهداء اللاحقين"، ومن يروج لهذا الاسف الكاذب "لا يكشف هوية واحدة ولا اسماً واحداً من الذين يعتذرون على سفكهم الدم اللبناني".

وبحسب الزغبي فإن الحقيقة تقول ان السوري والعماد عون استطاعوا اخفاء علاقتهم لسنوات ولكنها بلغت اليوم مرحلتها المكتملة ولم يعد هناك من ستر ولا من غطاء يستطيع اخفاء هذه الحقيقة، فباختصار العماد عون يذهب علناً الى مرجعيته التي لطالما كانت مرجعيته الأكيدة في حضوره وفي منفاه وفي عودته وفي سياسته الراهنة.

وأخطر ما يقوم به العماد عون من خلال زيارته الى سوريا يراه الزغبي على مستويين، الاول اعطاء براءة ذمة للنظام السوري على كل ما اقترفه بما في ذلك قضية المفقودين والمعتقلين، والثاني بتعميم الفتن بين المسيحيين ونقل ما اقترفه بين مسيحيي لبنان الى مسيحيي المشرق وسوريا تحديداً وهذا اسوأ ما يكون انتجه النظام السوري برعاية النظام الايراني، كما ان خطورة العماد عون بحسب الزغبي تكمن بانه يعمل على ضرب اساسات الوحدة ليس فقط بين الطوائف بل داخل كل طائفة، بل داخل كل مذهب.

 

شعبية بالاعارة

بقلم/عبدالله قيصر الخوري

أحد مؤسسي "التيار الوطني الحر"

تنتاب العماد ميشال عون عوارض الزعامة والمرجعية وقد عَقدت له لواءها قاطبةً في الزمان والسياسة والدين، فيَمّمَ بها شطر الشام على خطى بولس الرسول وان لم يكن هو نفسه، بفارقٍ بائنٍ في التكريم والتبجيل للزائر المبشّر، وعلى سجاد أحمر إكتسب صباغُه من دم اللبنانيين وحُبِكت عُقَدُه من عذاباتهم إبّان الاحتلال السوري للبنان.

الى أن حطّت به رحاله على السُدّة الاسمى للمسيحيين المشرقيين متنقلاً بحبريّتها خارج حدود انطاكيا وصولاً الى المدينة النظيفة طهران، وها هو اليوم يعوّض رعيته المنتشرة في الديار السورية، ما كان قصّر به تجاهها أسلافُه من بطاركة روحيين.

امتطى العماد ميشال عون وفريقه الألمعي نسر الرئاسة السورية، حاملاً صداقته المتوهّجة والمستجدة للنظام السوري مواكباً المسالك والطرقات التي أقلّت في السابق ألوف اللبنانيين الذين هُدرت انسانيتُهم واستُبيحت دورة حياتهم في غياهبِ معتقلاته التي ما تزال حتى اللحظة تُطبِق على أرواح الكثيرين منهم وسط التعتيم والنكران.

دُهشَتْ أوساط "التيار العوني" وأترابها من رابطة " شكراً سوريا " بالحفاوة البالغة التي أحاطت بالوافد النادر بين أبناء جنسه من "موارنة لبنان"، حاملاً الى سيادة الرئيس الابن، وقد أعفاه العماد عون من تبعات الرئيس الاب، حاملاً اليه اعتذار اللبنانيين للشقيقة سوريا، أعتذاراً لا يعدو كونه نتاج ما يحتدم في مخيّلته من تناقضات أخرجت المسيحيين في الماضي من معادلة الحضور سياسياً وإجرائياً، ويُكمل اليوم فصولَ إدخالهم في تفاهمات ركيكة لا تتناسب مع سلّمهم القيميّ المبنيّ على حريتهم ، التي لم توفر سوريا الاسد وسيلةً للحّد منها والقضاء على مفاعيلها.

تتطلع الاوساط نفسها بعين الرضى والإعجاب لتجيير الرئيس الاسد كرسي الرئاسة للعماد عون ولو لِبرهة، إلتفاتةٌ عطوفةٌ من سيادته في "مهد المسيحيين"، تصحيحاً زمنياً لتقصير في امكانية إشغاله إياه في قصر بعبدا.

ينقلنا العماد عون من الموضوعية التاريخية التي تحمل في طياتها ضراوة ما اقترفه النظام السوري تجاه لبنان، وما ألحقه بالمسيحيين تحديداً وبالموارنة على الاخصّ من قتلٍ واغتيالٍ لرؤسائهم وسجنٍ لقياداتهم ونفي، كان للعماد عون نفسه التجربة العلقمية الاولى، فيطرح علينا "فلسفة تنقية الوجدان"، وينتقل بنا من حرارة " قِيَم أثينا" الى برودة "إسبارطه" في اعتماد القِيَم عينها علّه لامس منفرداً الذرات الوجدانية التي تغلّف مسلكية النظام السوري أولاً تجاه شعبه، وبالأخص الإفراط بالعدائية تجاه الشعب اللبناني، حيث لم تدرأ طائفةٌ واحدةٌ من مكوناته شرَّ الاغتيال والتصفية والإخفاء القصري.

أمّا أن ينقض العماد عون معتلياً منبر جامعة دمشق، على الحكومة اللبنانية ويصفها بـ"الوهمية" إكراماً لسامعيه ليس إلا، وبتناقضٍ صارخ لا يوازيه سوى مشاركته بهذه الحكومة عبر ثلاثةٍ من أقحاح أقاربه ومحازبيه أصبغ عليهم صفة الوهم ايضاً.

إضافةً الى التهكّم بكبار اخصامه ضارباً عرض الحائط بأحجامهم ومرجعياتهم ضمن طوائفهم واحزابهم، فهو تفلّتٌ من ضوابط الاحترام المتبادل الذي تفرضه اللياقات السياسية والمجتمعية، لا يجاريه في ذلك سوى نشوة الموئل الجديد للمستكبر على ابناء قومه، والمستقوي بضيافة اصطناعية يُرمى منها سياسة "فرِّقْ تَسُدْ " ، لم تكن يوماً وسيلةً مُستفخَرة او مضلِلة لأحدٍ من كبار قادتنا التاريخيين.

بالرغم من استتباب الوضع برُمّته في العام 1990 للنظام السوري في لبنان وتحديداً بعد اتفاق الطائف والإتيان برؤساءٍ للجمهورية تميّزوا بالمطواعية القُصوى لهذا النظام من حيث الولاء المطلق، والإفراط بتوجيهه حيث يُخفق نحو مصالح إضافية له على الارض اللبنانية، لم يلجأ وقتها الى تنظيم استقبالاتٍ تاريخية لهم كما يحصل الآن، ولم يبادر الى ملاقاتهم بجمهورهم وإخوتهم بالمسيح في مهد المسيحية وعلى خطى بولس.

ألم يكن ذلك لسببٍ واحدٍ وهو وضع اليد كاملةً على لبنان وقيامه بقمع المسيحيين فيه الذين لم يستكينوا آنذاك رغم ما ألحِق بهم من قمع.

أما اليوم، وخلافاً لما سبق، وبعد أن بدأت تتهاوى تدريجياً شعبية العماد عون قياساً بالعام 2005 ، من انتخابات المتن الفرعية عام 2007 والتي تراجع خلالها معدّل الربح من 27000 صوتاً الى 400 صوتاً، كان قد سبقها أفول نجمه لدى شرائح واسعة من المسيحيين بعد توقيعه وثيقة التفاهم مع حزب الله، مروراً بغروب شمسه التي كانت ساطعة عن سماء النقابات الأساسية، وصولاً الى الجامعات وحراجة وضع تياره بين طلابها، لا نغفل ايضاً الإهتراء التنظيمي الحاصل داخل صفوف التيار والذي هو نافرٌ لدرجة استحالة علاجه.

قارب النظام السوري تلك الحقائق الدامغة فتدخّل مباشرةً عبر الإستعراض الذي دار في دمشق وحمص وحلب ومعلولة وصيدنايا، مستنهضاً إخوتنا بالمسيح في سوريا الذين نكنّ لهم كل محبة واحترام، جاعلاً منهم ومن ايمانهم ساحةً يستقوي منها العماد عون على القادة المسيحيين داخل لبنان، تماماً كما نُظّمت سايقاً حلقاتٌ كبيرة من السادة دروز سوريا إحتفاءاً بالسيد وئام وهاب وتسليفه أدوار الزعامة.

نورد ايضاً ثقافة " خلع العباءات" وكان آخرها من نصيب العماد عون إزدان بها واكتنز، فالتبست علينا رمزيتها أهي " لبولس" كما يحلو للعماد عون الإستعارة لنفسه؟

أم كانت " لشاوول" صفةً إتخذها بولس قبل اهتدائه بخطى المسيح؟

بين العباءة وبين الجودة التي تحمل فلن تقيهِ برودة ما يتنكّر له من تاريخنا وحرارة ما يستسهله من عذاباتنا، فالمسيحيون الذين تصدّوا في الماضي للاتفاق الثلاثي المعقود في دمشق وعطّلوا إمكانية فرضه عليهم عنوةً، فهم يتوجهون في ربيع العم 2009 الى صناديق الاقتراع ليصوّبوا مساراً صنعوه بأنفسهم في العام 2005 نتيجةً لخداعٍ في المواقف سرعان ما انكشف لاحقاً .

لن نهدر الوقت من الآن وصاعداً بالمقاربات والمقارنات بين مواقف العماد عون السابقة والحالية كالقول مثلاً إذا كانت العلاقة مع النظام السوري وصفة علاجٍ لطبيب مقتدر، فلماذا لم يجترع ذلك الدواء في العام 1989 متجنباً ما ألحقته حرب التحرير من دمارٍ في البشر والحجر، مع ايماننا المطلق أن سوريا كانت معتدية آنذاك وقبل وما زالت.

لنضرب مثلاً آخر عن موقفه التاريخي سابقاً من حزب الله وسلاحه، ومسارعته لاحقاً للتواثق معه أبعد الحدود متجاوزاً المزاج المسيحي.

فهل تغيّرت تصرفات النظام السوري؟ هل تغيّرت عقيدة حزب الله؟ بالطبع لا، والعماد عون ايضاً لم يتغيّر لكنه يبدّل في المواقف والتصريحات وهو ثابتٌ في شخصه، في ذاته، في الأنا التي لا تثق بالآخر ولا تقدّر صنيعاً لأحد، ولا تستحسن موقفاً لمسؤول، هذا ما أوصلنا في السابق الى اتفاق الطائف الذي ابدى رغبةً في تعديله من على منبر جامعة دمشق.

اما بالنسبة لما تهمس به مصادر في " التيار العوني" أنه حان الوقت للتفاهم بين الموارنة والعلويين وبالرغم من اعتناق هذا التيار للعلمانية يجاهر بها تارةً ويمزجها طوراً مع تمثيله الحصري للمسيحيين.

تندرج الحقائق التالية:

اولاً : للموارنة مرجعية روحية تتمثل بصرح بكركي ومعها ومن خلالها يُطرَح ما هو وجداني وكياني راسخٌ للموارنة وسائر المسيحيين، فلا داعي للقوطبة السياسية والإدعاءات الخاوية المضامين.

ثانياً : للموارنة والمسيحيين قادةٌ زمنيين وسياسيين لم ينحنوا امام العاتي من الرياح السورية ولم تعتريهم دهشةٌ من ظهور انياب الليث وهو يبتسم إغراءاً منه لقلةٍ او تقديراً لبخسٍ.

ثالثاً : للموارنة والمسيحيين كما لسائر اللبنانيين ذاكرة وهاجة، تُسلسل بدقةٍ ما خلّفته ممارسات النظام السوري إبان احتلاله لبنان، وهو بالتالي لا يحملون إزاءه صفحاً رخيصاً ومجانياً قائماً على العشائرية، فالمجتمع اللبناني لم يوكل ذلك إلا لجهاته الرسمية مسلّطاً عليها سيف المحاسبة والحذر.

الى أن تنجلي الحقائق وتفرغ اللجان من إماطة اللثام عن مصير المفقودين والمخطوفين في السجون السورية، ويجري تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان، وتنطق المحكمة الدولية بأسماء المسؤولين عن الجرائم السياسية، وتنقشع غيوم الماضي بتلبّدها وسوادها، عن وضوحٍ في الرؤية السياسية الداخلية، وعن تبلورٍ لشعبية عارمة للعماد عون عابرةً للحدود والدول، تكون عندها قد صحّت النبؤات وأثمرت المرجعية المشرقية المسيحية...

9/12/2008

 

قراءة سياسية لحزب الله - من حسن نصر الله إلى ميشال عون

فايز قزي

 التاريخ: 27 تشرين الثاني 2008: 

هذه القراءة السياسية لـ«حزب الله»، كانت قراءة دقيقة وصعبة، نظراً إلى التصاق الحزب بالشريعة الإسلامية، مما قد يدفع المشككين إلى اعتبار نقد الحزب بمنزلة نقد للشريعة. ولذا يهمني جدا التوضيح بأنني لست بصدد انتقاد الشريعة، بل سوف أتعمَّد خلال القراءة الابتعاد عن النقد الواجب أحياناً حتى لا أترك أي ظلالٍ للشك، كما سألجأ إلى الاستعانة بمطالعات كثيرة لمراجع بعض الفقهاء والكتَّاب والشخصيات الشيعية، وغيرهم من الكتّاب والصحافيين.

أخيراً أعترف بأن بعض القراء قد يتذمرون من تناقض بين ما قد يرد في هذا الكتاب من نصوص، يجدها مختلفة عن خطابات أو مقابلات إعلامية أو تصاريح لقادة «حزب الله»، فأنا لا أرغب أن أدخل في متاهات الخطابات والتصاريح والمقابلات فهي كثيرة ومتنوعة وأحياناً متناقضة، لذلك فضّلت اعتماد كتاب نائب الأمين العام ونص الرسالة المفتوحة لسنة 1985. وأرجو أن أكون في ذلك أقرب إلى الدقة والثبات والتعاطي مع نواة الحزب الأساسية (العسكرية والأمنية والسياسية) وليس مع دوائره الأوسع التي تتولى تغطية علاقة الحزب بالحياة العامة وتعتمد العلانية في المناسبات والظروف الخاصة السياسية والدعاوية والنقابية والمطلبية.

كما عليَّ أن أبادر أيضاً الى طمأنة الذين يخافون حساسية نقد المسيحيين لحزب الله الشيعي، بأنني متمسك أولاً بقناعة وفهم مطلقين بأن «حزب الله» لا يمثل الشيعة، وهو عندي حركة جهاد تعتمد العقيدة الشيعية لتحقق غايات سياسية، وانني ثانياً إلى جانب قدري المسيحي أستند إلى خياراتي اللبنانية العلمانية والعربية المتحررة والإنسانية الجامعة المسالمة. وأكرر ثالثاً انني قََصَدْتُ من هذه القراءة التواصل والتكامل والتفاهم، وليس الانقطاع والتنافر والتخاصم. ورَغِبْتُ خاصة في مشاركة القارئ معي، فأسْهَبتُ بالقراءة واخْتَصَرْتُ في النقد.

1- الرؤية والأهداف

واكب الشيخ نعيم قاسم «حزب الله» منذ تأسيسه، فهو يُعتبر أهم الخبراء بشؤون هذا الحزب العامة والخاصة بعد أمينه العام السيد حسن نصرالله، ومن هنا تأتي أهمية قراءتي لكتابه، الذي اشتمل على ثلاثة عناوين رئيسية نجدها في أسفل صورة الغلاف، وهي: المنهج والتجربة والمستقبل، وسوف أتقيد بهذا النهج في قراءة الكتاب ونقده، علَّني بهذه القراءة الموسَّعة، أفِيدُ من لم يطّلعْ على الكتاب، أو من ليس لديه رغبة أو مقدرة على متابعة تفاصيله، أما في النقد فسأَخْتَصِرُ وأتَّبع غالباً المنهج السياسي أكثر من المنهج الفكري الذي لا أدعي فيه طول باع العلماء والفقهاء والمجتهدين، وأخص بالذكر منهم أبناء الطائفة الشيعية لبنانيين وعراقيين وإيرانيين. وقد قرأت لهم ما يكفي لدعم واسناد انتقادي السياسي الى حد كبير من المعرفة العلمية.

• المنهج هو الإسلام، ولتبيان الرؤية والاهداف، فقد انطلق «حزب الله» من إيمانه بالإسلام، «إن الدين عند الله الإسلام... ولا انفكاك بين مساره العملي ومنطلقاته العقيدية»، وهنا يستفيد المؤلف من بركات «النبوة والولاية وما أنجزه الامام الخميني».

• «أما التجربة فهي المحطات البارزة في تاريخ «حزب الله» وكيفية التعاطي معها والملابسات التي أحاطت بها، من ضمن منظومة التوجهات التي كانت تحدد معالم الطريق نحو تحقيق الأهداف، كما عاش الحزب التجربة مع معنويات زرعها المقاومون الرواد مثل (السيد عباس والشيخ راغب خاصة).

• وأما المستقبل فهو استشراف للغد والتصورات المحتملة استناداً الى سنة إلهية: «وتلك الأيام نداولها بين الناس». وكان في هذه المرحلة متأملاً بالله ونصر المؤمنين.

«... إنه كتاب لمن يريد أن يتعرّف أو يزيد من معرفته»، «إنه كتاب لمن يريد أن يتذكر أو يوثق ذكرياته»، «إنه كتاب لمن يريد أن يبحث أو يستفيد لأبحاثه وموضوعاته».

وكما عنوّن الشيخ قاسم كتابه بثلاثة، فإنني سوف أحاول أن أبينها في مستحيلات لن تقف عند ثلاثة!

تأسيس الحزب: حكاية النشأة يعيدها الشيخ نعيم قاسم الى سنة 1982 وتنطلق من نجدة النجف لمواجهة الأحزاب والتنظيمات اليسارية والقومية في جنوب لبنان.

إننا نقرأ في ظروف تأسيس «حزب الله»، كيف أن فترة الستينيات وما قبلها كانت في لبنان مشغولة باتجاهات ثقافية سياسية غير إسلامية لدى الشيعة، خصوصا في الجنوب، حيث تكاثرت الأحزاب والتنظيمات اليسارية والقومية، وقد شح العلماء على مدى ثلاثين سنة. فطلب «الأهل» نجدة النجف، وكانت عودة بعض العلماء من النجف مناسبة لإطـلاق الدروس الدينية ثم لإقامة أنـشطة ثقافية، وهـكذا تكـونت « تشكيلات صغيرة تقوم بدور ثقافي وخدماتي».

فبرز الإمام موسى الصدر في صور من خلال «جمعية البر والإحسان» ثم توسع على المستوى الثقافي ليشمل لبنان، ولم يكتفِ الإمام الصدر بإنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بل أسس «حركة المحرومين» ذات الأهداف السياسية والاجتماعية، ومعه تمَّ إنشاء «أفواج المقاومة اللبنانية- أمل» سنة 1974 لمقاومة إسرائيل «لكن لم يستمر الإمام في عمله ونشاطه حيث اختُطِفَ في ليبيا في 31 أغسطس (آب) 1978» (ص 20).

«كما برز الشيخ محمد مهـدي شمس الدين في الدكوانة، قبل أن ينتقل الى الشياح ليترأس الجمعية الخيرية الثقافية، وكانت مشاركته في العمل العام ضعيفة في بداية الأمر... ولقد كان، رحمه الله، يعبّر مراراً عن حنينه الى بذل الجهد الأكبر للعمل الفكري».

وكان ثالث البارزين آية الله السيد محمد حسين فضل الله، الذي انطلق من النبعة حيث أسس «جمعية أسرة التآخي» قبل أن ينتقل إلى بئر العبد، وقد غلب على حركته النشاط التبليغي، ولم يبرز نشاطه السياسي إلاَّ بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ورغم ارتباط اسمه بنشوء «حزب الله» في السنوات الأولى خصوصا قبل الرسالة المفتوحة 1985، فإنه رفض أن يشغل أي موقع فيه، ولكن أغلب القوى السياسية اللبنانية تعاملت مع سماحته بصفته المرشد الروحي لـ«حزب الله». ولم يتغير هذا الانطباع إلا بعد بروز قيادات للحزب بشكل واضح من جهة وممارسة سماحة السيد فضل الله بعض الأنشطة المستقلة». عندئذٍ توزع الإسلاميون بين حركة أمل واللجان الإسلامية وحزب الدعوة والمستقلين. وكانت المرجعية للجميع في النجف.

2- نجدة الثورة الإسلامية في إيران

وفي سنة 1979 ظهرت في لبنان «اللجان المساندة للثورة الإسلامية» في إيران التي راحت تتواصل مع إيران وعلى رأسها «الولي الفقيه» الإمام الخميني»- (ص23). وخلال هذا التواصل حصل «الاجتياح الإسرائيلي فقوي الاهتمام بضرورة انبثاق تشكيل إسلامي موحد يتمحور حول: منهج الإسلام ومقاومة الاحتلال، ذي قيادة شرعية للولي الفقيه كخليفة للنبي والأئمة».

3- تأسيس «حزب الله» ودخول الحرس الثوري الإيراني عام 1982

«وتمت صياغة ورقة نهائية حملها تسعة أشخاص (3 عن «تجمع علماء البقاع»+ 3 عن اللجان الإسلامية+ 3 عن «حركة أمل الإسلامية»)، ورفعوها إلى الإمام الخميني، فوافق عليها، فاكتسبت «شرعية تبني الولي الفقيه لها، ومنها تأسس «حزب الله»، ثم وافقت سورية على مرور الحرس الثوري إلى لبنان وبدأت التدريبات في منطقة البقاع سنة 1983».

4- أهداف وركائز ثلاث لـ«حزب الله»

«وقد تشكلت الركيزة الرئيسية الاولى لـ«حزب الله» على الإيمان بالإسلام عقيدة وشريعة ولا يمكن التجزئة بين ما هو لله وما هو للحاكم أو بين ما هو لله وما هو للإنسان، فكل شيء لله».

الركيزة الأولى: مشروع الدولة الإسلامية

«ولا يمكن لأي ملتزم إسلامي يحمل العقيدة الإسلامية ويؤمن بشريعتها، إلاَّ وأن يكون مشروعُ إقامة الدولة الإسلامية أحَدَ التعابير الطبيعية لالتزامه الإسلامي... ولكننا نفصل بين الرؤية الفكرية والتطبيق العملي، فنقول في الرؤية الفكرية: إننا ندعو إلى إقامة الدولة الإسلامية... أما على المستوى العملي، فهذا الأمر يتطلب تقبل الشعب الذي من حقه أن يختار ما يريد تحكيمه في حياته».

«... وقد صدر أول تعبير رسمي بهذا المعنى في الرسالة المفتوحة، التي وجهها «حزب الله» إلى المستضعفين في لبنان سنة 1985 حيث قال: لكننا نؤكد أننا مقتنعون بالإسلام عقيدة ونظاماً، وفكراً وحكماً... وندعو الجميع إلى تبنِّيه والالتزام بتعاليمه على المستوى الفردي والسياسي والاجتماعي، وإذا ما أتيح لشعبنا أن يختار بحرية شَكْلَ نظام الحكم في لبنان، فإنه لن يرجِّح على الإسلام بديلاً»- (ص 40/41).

فالحزب لا يخفي أن الإشارة إلى موضوعة الاختيار الحر بأنها مجرد نظرية جاءت في ترتيبها مباشرة بعد مبدأ تقرير ترجيح الإسلام بديلاً عن نظام الحكم، وهذا لا يلغي ولا يخفف من الإصرار الأصولي والمذهبي للحزب الإلهي الذي يستحيل عملياً ارتياده من قبل غير المسلمين، ولا حتى غير الشيعة، ولا حتى الشيعة غير الإماميين، وخصوصا غير التابعين لولاية الفقيه. وهذه حواجز ظلامية تفرض معنى خاصاً لنظام الحكم لا تجعله مواكباً للحداثة وتؤدي به إلى إقامة دولة إسلامية خاصة لا تستوعب إلاَّ رعايا الحزب الإلهي، فيصح ويتأكد ويتظهَّر قولهم عندئذ أنها «أمة الحزب»، كما تحول الحزب إلى حركة تعتمد على اختيار عناصرها من فئة واحدة ومحددة فقط من اللبنانيين.

وهنا تبدأ جدلية الخيار الحر والفرض بالقوة، إذ إن حتمية الخيار الحر وفقاً لمفهوم الحزب الإلهي في المجتمع اللبناني سوف تفرض نظاماً إسلامياً خاصاً على غير المسلمين (وحتماً في ما بعد على غير الشيعة)، وليس من حق أحد أن يلغي أي فكرة منه، أو أن ينشئ نموذجاً جديداً مخالفاً للمضمون والتفسير الصحيح، أو أن يعترض على هذه القناعة المرتبطة بالإيمان بأحقية النظام الإلهي على غيره.

وعندما يَتَنَبّه الشيخ نعيم قاسم إلى حماس الموعودين بالنظام الإلهي من جهة، وتخوف الراغب في نظام مدني علماني أو إيماني مختلف عن النظام الإلهي لـ«حزب الله» من جهة ثانية، يحاول تدوير هذه الصعوبة فَيُطَمْئِن الموعودين والراغبين مستطرداً: «لكن للأداء العملي مقوّماته وظروفه الموضوعية» (ص42 من نفس المرجع). وهنا نقع في ظلال التقية التي يؤمن بها ويتبعها الحزب في «حالات الضرورة» والظروف الموضوعية والخصوصية.

الركيزة الثانية: الجهاد في سبيل الله

يعتبر «حزب الله» أن الجهاد سلوك أساسي في حياة المسلم سواء كان جهاداً للنفس أو كان جهاداً للعدو، ويقسم الحزب الجهاد إلى قسمين:

- ابتدائي حيث يواجه المسلمون الآخرين وهذا مرتبط بالنبي والإمام المعصوم وليس مطروحاً في زمن الغيبة.

- والثاني هو الجهاد الدفاعي ضد الاعتداء والاحتلال.

أما الاستقلال وقرار الحرب وهو الركيزة الثانية بعد الإسلام، فله فصل مختلف هو الجهاد في سبيل الله (ص53) «لكن قرار الجهاد مرتبط بالولي الفقيه... وقد يختلف رأي بعض الفقهاء، عن رأي الولي الفقيه، لكن رأيه ملزم لهم فهو المتصدي والمبايع من قبل الناس، ويترتب على مثل هذه المنعطفات نتائج خطيرة، فلا يمكن المراهنة على إجماع الآراء، مع احتمال الخلاف دائماً، وبما أنها صلاحيته، فالقرار يعود اليه وهو ملزم للمسلمين، كل المسلمين وليس فقط الشيعة»!

ورغم أن الجهاد باب من أبواب الجنة، كما جاء في خطبة الجهاد للإمام علي، فإن الإيمان يقوم على أربع دعائم: الصبر واليقين والعدل والجهاد (نهج البلاغة- ص 21-107).

وهو أفضل الأمور بعد الفرائض في الإسلام على قول الإمام الصادق.

وعن أولوية الجهاد ودور الفقيه لا يخفي الشيخ نعيم قاسم (ص56) أن «الأولوية لحب الله ورسوله والجهاد في سبيله، في مقابل حب الأرحام والعلاقات والرغبات المادية، وهذه الأولوية تبرز عند التعارض، فإذا منع المال من الجهاد خوفاً من خسارته، ومنع الولد من التضحية رغبة بالأنس به، فهو انحراف عن طاعة الله».

لكن «حزب الله» يتميز عن الحركات الإسلامية باعتماده نظام تعبئة الشباب على قدوة الحسين، ويربط حركته بضوابط دقيقة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالدماء ويلتزم سبيل الله مهما كلفت التضحيات إذا صدر الأمر عن القيادة الشرعية المتمثلة بالولي الفقيه (ص 59). وهذا ما لا يفهمه الآخرون وخصوصا الغربيين فيذهبون إلى الاعتقاد بأن الشباب يتناولون العقاقير أو يخضعون لظروف حياتية خاصة أو سلوك تدريبات نفسية معقدة أو وجود حوافز مادية تعوض عن الحرمان كي يقبلوا على الشهادة. هازئاً بالغرب الذي اعتاد بحسب منطلقاته الفكرية، على تقديس الحياة المادية والتمسك بها مهما كلفت، فلم يعد قادراً على استيعاب معنى وجود الاستشهاديين. -(ص 60)

وإذا كان الاستشهاد يبغي تحقيق النصر إلا أنه هدف بذاته أيضاً، وليس من حادثة في التاريخ للتدليل على ذلك أهم من واقعة كربلاء، حيث استشهد الإمام الحسين وسبعون من أهل بيته وأصحابه وقوله: «قد شاء الله عزَّ وجلّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً» (ص 61). وهذا يؤكد أهمية المواجهة من دون تحقيق النصر العسكري المباشر.

إنني هنا اكتفي بالقول إن الشيخ نعيم ذهب في تفسير آيات الدعوة إلى الجهاد بعيداً، ونحى فيها منحى غير إنساني، ولكن لن أناقش في الإسناد الذي لجأ إليه، حتى لا يلتبس هذا النقاش هنا مع نقد الشريعة، الذي قَرَّرْتُ أن أبتعد عنه فهو من اختصاص العلماء والفقهاء والمجتهدين، وأنا أنحاز إلى شرح الإصلاحيين منهم لهذه الدعوة فقط. أما فكرة وفلسفة التضحية بالولد لطاعة الله فهي نظرة فلسفية قد تشترك فيها بعض الرسالات السماوية، وانني إيفاء لتعهدي بعدم مناقشة الديانات السماوية، أكتفي بحقي في القول إن المسيحية من وجهة نظري تنضم إلى الفلسفة الإنسانية الحديثة التي تؤكد عدم جواز التضحية بالولد (الإنسان) لأي سبب كان حتى ولو كان لطاعة الله، وإلاَّ فمعصية الله ربما تصبح أبغض الحلال، وكذلك الذهاب إلى الحرب لأي سبب!

تشاء المصادفات أن تفاجئني بـ «وثيقة التفاهم» بين التيار العوني و«حزب اللّه» الموقعة في 6 فبراير (شباط) 2006، واندلاع حرب 12 يوليو (تموز) 2006 بسبب عملية الخطف التي قام بها الحزب، ثم تتطور الأحداث الداخلية والإقليمية وتختلط المواقف وتتداخل المفاهيم والتفسيرات حتى على المتخصصين من العاملين في الحقل السياسي، فكانت قراءتي لـ«حزب الله»، خير عون لي كي «أتعرف وأتذكر وأبحث وأستفيد» لعلّي أكتشف سر هذا الحزب الذي أدَّى انتصاره الإلهي في يوليو (تموز)- أغسطس (آب) 2006 إلى نشوة المؤيِّدين والحلفاء وحتى المتفاهمين معه، ولكنه أيقظ مشاعر الحذر والخوف لدى معارضيه.

مستقبل «حزب الله»

نتساءل مع الشيخ نعيم في نهاية كتابه (الفصل السابع) عن مستقبل «حزب الله»... الذي أطلَّ على الساحة العملية من خلال المقاومة إطلالة عسكرية إذ لم تكن الحياة السياسية زمن نشوئه موجودة في لبنان بسبب الحرب الداخلية... (موضحاً في الهامش الصفحة 385) أنه منذ تأسيس الحزب عام 1982 إلى سقوط العماد عون 1990 كان الانقسام قائماً بين منطقتين شرقية وغربية».(ص 385)

إن إنكار وجود حياة سياسية في لبنان سنة 1982، وَهْمٌ لا يعتمده عادة إلا الشعبيون والطفيليون الذين يزيّنون لأنفسهم أن الحياة السياسية تبدأ معهم وبهم فقط دون سواهم من السابقين أو اللاحقين. يصف الرئيس الأسبق للجمهورية الفرنسية فرنسوا ميتران مثل هذه الادعاءات بأنها لا تصدر إلا عن Noviste.

ولا أدري لماذا يتعمَّد الشيخ نعيم إخفاء مرحلة التحضيرات للحزب قبل 1982، ومرحلة التأسيس والنشوء حتى 1985، حين خرج الحزب برسالته إلى العلن، خصوصا أن هذه التحضيرات والتأسيس والنشأة نقرأها لدى الكثير من المطَّلعين والباحثين المتخصِّصين، الذين أشرنا إلى بعضهم سابقاً. وقد تميَّزت وانطبعتْ مراحل التحضير والتأسيس والنشوء بالدور المطلق والشامل والحاسم لإيران ولحراس الثورة الإيرانية ولحزب الدعوة العراقي، عناصر وتسليحاً وتدريباً وتمويلاً، وللمخابرات السورية تسهيلاً ودعماً لوجستياً وإشرافاً وحماية ودعماً داخلياً، كما اتسمت أيضاً بالانغلاق على وسيلة الجهاد العسكري والعنفي ليس فقط لمواجهة إسرائيل بل لبناء المجتمع والدولة الإسلامية في لبنان.

ولكن الشيخ نعيم لا يخفي كيف أن الانطباع الذي رافق الحزب حتى سنة 1992 «ولَّد مناخاً عاماً عن حصرية اهتمام الحزب بالمقاومة، وقد شمل أيضاً هذا الانطباع الخاطئ شريحة من قاعدة الحزب...».

الإسلام عقيدة الدولة والمجتمع

ثم ينقلنا الشيخ نعيم إلى «الاكتشاف التدريجي لنظرة الحزب الشمولية... فالحزب إسلامي قبل أن يكون مقاوماً، والتزامه العقائدي هو الذي دفعه ليرفض الاحتلال ويقاتل إسرائيل»... ولعل إسلامه اللاعربي حال دون اعتراضه على استمرار الاحتلال التركي للواء الاسكندرونة والإيراني لعربستان وجزر الخليج الثلاث ومدينة صفوان العراقية قبل تحريرها من قبل الجيش العراقي الذي جرت معاقبة ضباطه بعد الاحتلال الأميركي- الإيراني.

ومادام الإسلام في الحزب هو الأصل والطريق والهدف، وما المقاومة الإسلامية إلاَّ واجب جهاد ديني ضد الاحتلال. فلا يبقى الواجب قائماً إذا تناقض مع الأصل والطريق والهدف والدين!

ولذا جاز سؤال الشيخ نعيم قاسم وحزبه، عن واجب وإلزامية التمييز بين المقاومة والجهاد من جانب والتحرير والغزو على الجانب الآخر:

أ‌- ماذا لو كان المحتل مسلماً وليس يهودياً في فلسطين؟

وهل استعادة فلسطين تستند إلى جرم الاغتصاب والحق التاريخي؟

ب- وهل الحق التاريخي عام أم ينحصر بالمسلمين؟

وماذا لو استعاد غير المسلم من مسلمي اليوم أرضاً كانت له في زمن مضى؟

ج‌- وهل الإسباني مثلاً هو محتل اليوم في الأندلس؟

هذه الأسئلة ليست مجرد افتراض «خبيث».

• إذ يجوز لنا التشبيه والاقتباس من صمت «حزب الله» عن احتلال لواء الإسكندرونة من قبل تركيا، والخليج العربي الذي «فرَّسُوه» وجزره الثلاث المحتلة من قبل إيران، كما اغتصبت أيضاً منطقة عربستان العراقية بالتواطؤ مع بريطانيا العظمى التي رفع رؤساء عشائرها إلى الجامعة العربية مذكرة في 7/2/1946 قالوا فيها: «... إن الخطر الإيراني الذي يهدد الكيان العربي في عربستان أشد من الاستعمار ولا يقلّ خطورة عن الصهيونية في فلسطين... باسم القومية العربية وباسم التآخي العربي نستنجد العون من الجامعة العربية لمؤازرة إخوان لهم في التاريخ واللغة والتقاليد... قبل القضاء علينا قضاءً كلياً» (وثائق الجامعة العربية). وبقي الاستنجاد دون نتيجة حتى اليوم. ويبدو أكثر وضوحاً أن أطماع إيران في منطقة الخليج عادت للظهور مجدداً من خلال مطالبة الصحف الإيرانية بدولة البحرين أخيراً.

• كما انه يجوز لغيرنا أيضاً التساؤل ما إذا كان تساهل الحزب بل قبوله «للاحتلال السوري للبنان» ينطلق من منطق الحزب وفهمه الإسلامي الأممي المتسامح أو المؤيد للاحتلال الإسلامي بمنطق الأسس الشرعية التي تعتبر غزو الأراضي غير المسلمة هو جهاد مقدس؟

د- وهل «حزب الله» (المسلم) معني فقط باحتلال غير المسلمين لأراض مسلمة حتى خارج لبنان والعالم العربي أيضاً؟ وهل هذا ينطبق على فهمه الأصولي الأممي للإسلام؟!

هـ‌- وهل يوجد أو يحتمل أو يُقْبل بين صفوف «حزب الله» مشاركة السُنّة؟ أو الدروز؟ أو المسيحيين؟! ولن نسأل طبعاً عن اليهود ولو كانوا غير صهاينة.

بعض أسئلة نطرحها هنا وفقاً للأعراف الإنكليزية التي توجب صيغة السؤال... وإن كان الجواب معروفاً لدينا.

توقعات المستقبل: نصر الله للأئمة الوارثين

في استكشاف المستقبل يعرض الشيخ نعيم مؤشرات التقييم بدءاً بالمنهج وهو الإسلام الذي بني عليه «حزب الله» وانطلق يؤمل الحزب والأمة في الدائرة الشعبية الواسعة ثم بإنجاز تجربة عملية في ساحة الجهاد تترجم المضمون الإسلامي السليم.(ص 395)

وعلى هذا الأساس، فإن الاستمرارية في الجهاد متوقعة أكثر من أي احتمال آخر

ونسأل الشيخ نعيم ماذا بعد هذا التكتم والضم والتصعيد؟ وما نفع «التفاهم» اليوم على بعض النقاط المشتركة بيننا داخلياً او مع الجوار والعالم مادام أفق الحل مغيَّباً قصداً ومجهولاً في كتابك وأدبيات الحزب؟! ألا يساوي ذلك الاستحالة في قراءتنا وفهمنا لمستقبل العلاقة مع الحزب؟!

وفي نهاية هذه المحطة أصل مع الشيخ نعيم إلى ختامه ومسكه في «توقعات المستقبل»، التي يحسمها في الصفحة الأخيرة من كتابه 398: «... فإذا كنا مؤمنين بنصر الله تعالى فهو آت: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» (القصص- آية 5)، وإذا كنا واثقين بأننا نمهد لظهور الإمام المهدي (عج) ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، فإن المستقبل واعد، وعلى الله فليتوكل المؤمنون، (انتهى)». وفي ختام قراءتي السياسية لـ«حزب الله» أجد نفسي قد وفيت بوعدي مع القارئ الكريم بمشاركته في مراجعة كتاب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم... ولكنني خدمة للحقيقة التي ننشدها جميعاً سأتابع كتابة الفصل الأخير.

الاستحالات التسع

عندما بدأت قراءة كتاب «حزب الله» معتقداً أنني أمام استحالات ثلاث فقط، إلا أنني أرتأيت بعد أن أنهيت هذه القراءة تسجيل قناعاتي التي رسخها الكتاب في استحالات تسع:

1- إنني كعلماني مدني السلوك، لا أجد أي مجال للتفاهم مع «حزب الله»، فهل يتراجع الحزب عن بناء الدولة الدينية ويقبل الدولة المدنية الموحدة؟ (استحالة دينية أولى!)

2- إنني كمسيحي الإيمان، لا أجد مكاناً لي في دولة «حزب الله» ومشروعه المستقبلي، فهل يريد «حزب الله» دفع الأقليات غير المسلمة الى بناء وحدات سياسية مستقلة كمقدمات لتقسيم لبنان؟ (استحالة دينية ثانية!)

3- وإنني كلبناني الهوية والانتماء، لم أقرأ شهادة «وطني لبنان» لا في المنهج ولا في التجربة ولا في المستقبل. وأتساءل هل إن تحرير مناطق «محتلة» في الجنوب هو مشروع ملتبس؟ أو يبدو مجرد واسطة لأهداف غير لبنانية في نهاية المطاف؟! (استحالة وطنية!)

4- وأنا كعربي النزعة والبيئة الجغرافيّة، لم أقرأ في كتاب الشيخ نعيم شهادة «أمتنا العربية»؟!. فهل الأمة التي يحدثوننا عنها هي «أمة الحزب»؟ (استحالة قومية!) ولعل هذا ما يبعد الحزب عن أدبيات تحرير عربستان والإسكندرونة والجزر العربية في الخليج، وأخيراً عدم مشاركة «حركة أمل» في حرب المخيمات الفلسطينية، والأكثر حداثة اعتبار مخيم نهر البارد خطاً أحمر بوجه جيش لبنان! أم أنه ينطبق على وصف السيد علي الأمين مفتي جبل عامل «إن خوف «حزب الله» من تجاوز الخطوط الحمر حتى في نهر البارد يعود إلى خطوط حمر رسمها الحزب له ولشركائه في مربعات ومواقع سيطرته الإثنية والسياسية»؟! (مقابلة تلفزيونية في محطة LBC).

5- وأنا لو كنت مسلماً عربياً لتساءلت مع محمد حسنين هيكل الذي قال: «إن الروح التي دفعت الإيرانيين للصمود في حربهم ضد العراق هي قوميتهم وليس الدين، وهكذا رأى الخميني المضمون الإسلامي لثورته يفقد بريقه إذ تخللته القومية الفارسية التي يقول إنه لا يعبأ بها». (استحالة اثنية مذهبية أولى!)

6- وأنا لو كنت مسلماً سنياً مؤمناً لفرقني عنكم تشيّعكم! (استحالة مذهبية ثانية!)

7- ولو كنت شيعياً لأنحزت طبعاً الى التشيع العلوي العاملي لا النجفي ولا الصفوي، بل على مذهب الشيعية الوطنية كما كتب هاني فحص في كتابه «الشيعة والدولة في لبنان» (ص9): «هناك شيعية وطنية تحمل من الخصوصيات ما لا يؤدي إلى تعارضها مع العام والمشترك أو الثابت، جماعة شيعية باكستانية وخليجية وأفغانية وهندية ولبنانية وعراقية وإيرانية تسهم في بناء أوطانها وتوالي هذه الأوطان. وهذه الشيعية لم يكن همها استلام الفقيه السلطة». (استحالة حضارية أولى!)

8- ولو كنت شيعياً إيرانياً لعارضت ولاية الفقيه الخامنئي وانحزت إلى المدارس الشيعية الإصلاحية والتجديدية بمداها الحضاري الفارسي. (استحالة حضارية ثانية!)

9- وكسياسي لبناني مستقل، لا أرتاح لارتباطكم العسكري والمالي والعقائدي بالحرس الثوري الإيراني (بقيادة يحيي رحيم الصفوي)، ومع انني أفهـم وأبرِّر تساؤل النائب وليد جنبلاط: «ماذا يفيد استخدام التحرير كحجة لابقاء الارتباط بمحاور خارجية تستهدف استقرار لبنان واستقلاله واقتصاده؟ ولماذا يوضع خيار التحرير في مواجهة خيار الاستقلال؟» (جريدة الأنباء 6/6/2007)، إلا أنني اشفق عليكم من الوصف الذي استعمله رئيس الهيئة التنفيذية للحركة اليسارية منير بركات في حديث صباحي مع تلفزيون لبنان في 3/6/2007 حيث أجاب المذيعة بأن «المقاومة تحولت إلى وظيفة إقليمية مرتزقة يقوم بها «حزب الله» لصالح قوى إقليمية». فهل نقرأ يوماً لـ«حزب الله» لافتة تقول: «الرأي والمشورة، القرار والأمرة، الطاعة والولاء للبنان»؟ وهل يخرج «حزب الله» من ولائه لدولة المركز الإيراني؟! (استحالة سياسية أولى!)

وأُوقِفُ العَدَّ عند الاستحالة التاسعة، فإن كانت الدبلوماسية والتكتيكات السياسية والحزبية تفرض على وليد جنبلاط أن يقول: «إن معركة الاستقلال «توازي» معركة التحرير وتلتقي معها»، فإن ذلك لا يمنع، ومن باب الحرص على الدقة والحق، أن نقرأ في إحداثيات «التحرير سنة 2000»، وما استتبعه من تهجير، وإصرار الحزب على عدم دخول الجيش اللبناني للشريط المحرر، ما يُفقِدُ التحرير ارتباطه المفترض باستعادة السيادة من المحتل الإسرائيلي إلى الدولة اللبنانية، وإلاَّ تحوّل التحرير جهاداً وغزواً وتحولَّت المقاومة عنفاً وإرهاباً. فهل استوجب هذا التحولُ حربَ تموز 2006 وتَدَخّل مجلس الأمن بالقرار 1701 حتى تعود السيادة؟! يذكرنا ذلك بالشعار الفرنسي سنة 1961: «الجنرال ديغول يحررنا من الجزائر ثم الجزائر تحررنا من ديغول»! (استحالة سياسية ثانية!). إذن أنتم حررتم أرض وشعب الجنوب من المحتل فمن يحرر أرض وشعب الجنوب منكم؟!

هذه المستحيلات التسع تجعل من «حزب الله»، في صورته الحاضرة، حركة جهاد عسكرية مغلقة في الفصول والأصول المذهبية، غير اللبنانية والعربية والإنسانية وبعيدة عن الحداثة المدنية وتفاعل الحضارات الإيجابي. وبالتالي فهو حزب ملتبس مغلق في المنهج والمستقبل على كل علاقة أو «تفاهم» أو تحالف. فإذا كانت تجارب «الضرورة» المعتمدة على «فقه الضرورة» تظهره أحياناً بصور لبنانية منفتحة، فقد أحسن وصف ذلك الأستاذ وضاح شراره بقوله: «وأمست «المقاومة الإسلامية سلكاً عسكرياً محترفاً تناط به مهمات سياسية وعسكرية تتقدم الدعوة الثورية ولا تقتصر عليها». (وضاح شراره- دولة حزب الله- ص173).

هذه الاستحالات طبعاً ليست فقط موجهة الى «حزب الله»، بل إلى التنظيمات الأصولية والتكفيرية السنية كلها وعلى رأسها «القاعدة» وفروعها، فعندي يتساوى التشيع الصفوي

بالتسنن الأموي. وهما يتنافسان على بيع السعادة المحققة على الأرض بوعد السماء المؤجل

 

أسرار الصفقة بين ميشال عون والمخابرات السورية منذ العام 2004 

فايز قزي   

سرد فايز قزي ،المبتعد منذ سنوات عن العماد ميشال عون ،كل أسرار العلاقة التي بدأت بواسطته بين المخابرات السورية وبين العماد ميشضال عون .

 «وقال قزي:"زيارة عون لسورية اكتملت من حيث المعنى المجازي، وكنتُ شاهداً على الأمر، في تاريخ 27 أيول  2004 حين تمَّ الاتفاق بين عون والسوريين على عودته إلى لبنان وعلى مظاهر العودة وما إلى ذلك، وعلى اثرها زار المسؤول في «التيار الوطني الحر» غابي عيسى الشام والتقى عبد الحليم خدام».

ويروي: «عون ينكر الأمر في كتابه لكن عودته إلى لبنان بدأت بـ «احتكاك» أول أقمته أنا بالذات في يوليو 2004 ربما عن طريق الصدفة أو عن سابق تصور وتصميم من السوريين. كنتُ جالساً في المسبح الذي أملكه وأذكر جيداً أنه كان يوم خميس، فاتصل بي أحد الأصدقاء ليعلمني أنه ينوي زيارتي مع عدد من الأشخاص بمن فيهم رستم غزالة يوم الثلاثاء اللاحق. وكما كان مخططاً، وصل الجميع يوم الثلاثاء إلى مسبحي، وبينهم رستم غزالة ووئام وهاب ورياض رعد وناصر قنديل، وكنتُ، في تلك المرحلة، أعلم أنَّ هناك مشكلة بين احد الاعلاميين البارزين ومدعي عام التمييز عدنان عضوم، وكان الاعلامي حينها موجوداً في كندا، فدعوتُ شقيقه وهو اعلامي ايضاً للحضور لحل المشكلة مع غزالة باعتبار أنه موجود، وهذا ما حصل فعلاً».

كانت جلسة عادية طبيعية وكنتُ ارتدي لباس السباحة، وبدأ غزالة الحديث بالقول: «كيف حال الجنرال ميشال عون؟» فبادرته إلى القول: «مضى نحو سبعة أشهر منذ أن رأيته لكن سؤالك لفت انتباهي. فعندما كنتُ أزور الشام، حين كانت العلاقات قائمة بينكم وبين عون، كنتُ استشف الجو العام من خلال الطريقة التي يطرح فيها عبد الحليم خدام هذا السؤال. فإذا قال كيف حال «ميشو»، كنتُ أعرف أنَّ العلاقات سيئة جداً، أما إذا سماه «ميشال» فهذا يعني أنَّ العلاقات لا بأس بها، وإذا سماه «الجنرال» فهذا يعني أنَّ العلاقة جيدة، أما إذا سماه «الجنرال ميشال عون» فهذا يعني أنَّ العلاقة ممتازة وعلى ما يبدو فإنك قلت الجنرال ميشال عون. وسكت هو (غزالة) وسكت أنا بدوري».

ويتابع: «اختلجني شعور بأنَّ شيئاً ما يجري، خصوصاً على مستوى الزيارة، وعندما همَّ الجميع بالمغادرة، سألني غزالة عن موعد زيارتي المقبلة لباريس، وأخبرته أنني أنوي السفر بعد نحو شهر، فأوصاني أن أوصل سلامه الحار للجنرال عون. قلتُ له إنَّ الجنرال يفكر في العودة إلى لبنان فقال: «أهلاً وسهلاً به».

لم أذهب إلى باريس بعد شهر وذلك بسبب ارتباطاتي في لبنان، وتحديداً مسألة تأجير المسبح بحيث استغرقت المفاوضات نحو شهرين. وفي 14 كانون اول  2004 ذهبتُ إلى باريس، وبتاريخ 16 منه زرتُ الجنرال عون وأخبرته بما جرى معي، فأبدى حماسه. سألني عن رأيي فقلتُ له: «قبلَ تحديد موعد العودة، يجب الحصول على تعهد بعدم الملاحقة القانونية أو التوقيف، والعودةُ تتمّ وفق الخطاب السياسي المعروف: حرية سيادة استقلال، أما التحالفات الإنتخابية فتكون في الظاهر بعيدة عن السوريين لكن بالتفاهم معهم فهم في امكانهم ابعاد مرشح ما تسهيلاً لك وضمان التحالف مع مرشح ما قد تكون بحاجة اليه».

وأكدتُ لعون أنَّ التنازلات التي سنقدمها تتمثل بخفض مستوى الخطاب السياسي من حال العداء مع سورية إلى حال الخصومة معها، أما بالنسبة للقرار الدولي 1559 فهو وُجد وتكرس ويجري تطبيقه وعلينا أن نتناسى أمره من دون السير ضده، إضافةً إلى عدم خوض الانتخابات النيابية إلى جانب وليد جنبلاط ولا حتى إلى جانب رفيق الحريري، فالطرفان كانا غير مهتميْن بالتعاون مع عون.

كانت، إذاً، فرصة مجانية قد يراها السوريون من منظار إيجابي، خصوصاً أنه كان يجري في بداية تلك المرحلة التحضير للتمديد للرئيس اميل لحود وكانت العلاقات بين جنبلاط والحريري وسورية متوترة.

ويردف قزي: «وافقَ عون على كلّ هذه البنود، إلا أنني أعلمته بضرورة سفري إلى أسبانيا على أنْ أعود بعد أسبوع إلى باريس، وهو الوقت الكافي للتفكير بعمق في الأمر. وفي 23كانون الأول  2004 عدتُ إلى باريس للقاء عون الذي أبدى ترحيبه بمسألة العودة، طالباً إضافة بند وحيد وهو إرسال دعوة إلى السوريين، بواسطة أحد أعضاء «التيار الوطني الحر» في الولايات المتحدة، للمشاركة في مؤتمر المصالحة الذي كان ينوي عقده في باريس.

وفي 24 كانون الأول ، عدتُ إلى لبنان للاحتفال بعيد الميلاد المجيد مع عائلتي، وفي 26 منه توجهت إلى سورية حيث كان الجميع بإنتظاري واستعرضنا سوية كل الشروط والمسائل العالقة، واستمرت الجلسة فترة طويلة فعرض عليّ المجتمعون أنْ أبيتَ في دمشق لكنني فضلت العودة إلى بيروت. في اليوم التالي، عدتُ إلى الشام وتناقشنا طويلاً وتمت الموافقة على كل البنود التي تقدمت بها حتى إنهم وافقوا على حضور ممثل عن «التيار الوطني الحر» إلى سورية لتسليم الدعوة إلى مؤتمر المصالحة ولكن من دون المشاركة فيه لأن في ذلك حرجاً كبيراً، بحسب السوريين.

اتصلتُ، إذاً، بالعماد عون ونقلت إليه البشرى السارة وبعد نحو أربعة أيام زار غابي عيسى دمشق وسلم الدعوة».

ويستكمل كلامه بالقول: «في تلك المرحلة، «لعب الفأر في عب» الرئيس اميل لحود، كما يُقال، فصار يحضّ مدعي عام التمييز عدنان عضوم على الحديث في الإعلام عن مذكرات التوقيف ضد عون وإمكان توقيفه عند وصوله إلى مطار بيروت في وقت لم يكن يريد السوريون إظهار أي حماسة علنية لعودة عون».

أجرينا دراسة حول الشق القانوني لمسألة العودة مع القاضي منيف عويدات وطلبَ عضوم تقديم طلب لرفع مذكرات التوقيف، غير انني رفضت لأنَّ المذكرات غير قانونية، في الأصل. حينها، طلبَ مني السوريون أن أزور الرئيس إميل لحود لوضعه في أجواء ما يجري، فزرتُ بعبدا واستقبلني لحود بنوع من الفتور فشرحتُ له أنه تمت معالجة الخلاف بين عون والسوريين وأنه لا تزال هناك مسألتان تستلزمان الحل وهما التعويضات المالية للضباط الذين خدموا إلى جانب عون ومسألة مذكرات التوقيف، فنصحني بمراجعة مدعي عام التمييز عضوم على أن يحدثه هو في الموضوع، فيما طلبتُ منه أن يحدث وزير الدفاع عبد الرحيم مراد، آنذاك، بهذا الخصوص، أيضاً.

صراحةً، لم يكن الجو مريحاً لكنني ذهبتُ إلى عبد الرحيم مراد فطلبَ مهلة 48 ساعة ثم بعث لي برسالة عبر الفاكس يقول فيها: «إنَّ التعويض يستحق منذ تقديم الطلب وبما أنَّ المستدعين لم يتقدموا بطلب منذ «فرارهم»... «فلم أرسل الفاكس إلى العماد عون، خـشية أن ينـفعل لقراءة عـبارة مـنذ «فرارهم».

ويضيف: «بعد شهر وأكثر انقضت الأيام واغتيل رفيق الحريري في شباط 2005 واهتز الاتفاق الذي أسستُ له بين عون والسوريين، وأضحى عون «مقيماً» في منزل نازك الحريري في باريس وانفتح أطراف قوى الرابع عشر من مارس عليه وزاره كل من الياس عطا الله وجورج حاوي ومروان حمادة وغطاس خوري ووليد جنبلاط وغيرهم، إلى أنْ عرفتُ أن هناك فريقاً آخر دخل على خط عودة عون إلى لبنان، وهو يضم كريم بقرادوني واميل اميل لحود وأنطوان خوري حرب.

اليوم يؤرخ العماد عون التاريخ متناسياً الاتفاق الذي أقمته أنا بينه وبين السوريين، وهو يؤكد في كتابه بالفرنسية Une certaine vision du Liban إنه كان في باريس حين اتصل به أحدهم قائلاً إنَّ كريم بقرادوني يريد مقابلته وعندها سارت الأمور باتجاه العودة».

2008-11-29

 

الكنيسة في خدمة القمع

طارق الحميد/الشرق الأوسط

تعليق لافت لعميد حزب الكتلة الوطنية كارلوس اده على زيارة ميشال عون إلى سورية يقول فيه «يبدو أن الجنرال عون اكتسب من هذه الزيارة ومن التي سبقتها إلى إيران كيفية تسخير الكنيسة خدمة لمصلحة الأنظمة التوتاليتارية».

وهذا يعني أن تحالف ميشال عون مع إيران وسورية كتب على المسيحيين اللبنانيين التحالف مع أنظمة أصولية وقمعية، وهذا انقلاب ستكون له توابع أبرزها ما سيرتد على مسيحيي الشرق ككل. فمنذ تأسيس الدول العربية بشكلها الحديث كان لمسيحيي المشرق، ككل، دور تجاوز المواطنة المسالمة، فالمسيحيون دائما ما كان لهم دور بناء، فهم رموز سياسية وثقافية واقتصادية في جلِّ العالم العربي.

بل إن الدور المسيحي العروبي كان بارزا حتى في المقاومة المسلحة سواء في لبنان أو غيره. واليوم بتحالفه مع دمشق وإيران يكون عون قد قلب المعادلة، وجعل مسيحيي لبنان، والمشرق، في منطقة مواجهة، خصوصا أننا نرى الدول العربية تستنفر ضد متطرفيها، بالفكر والسلاح، وتخوض معهم المواجهة تلو الأخرى، فكيف يرتمي عون في أحضان التطرف السياسي السوري، والأصولية الدينية في إيران؟

فسورية البعثية نموذج للتطرف السياسي، وأهل لبنان أدرى بذلك. كما أن سورية هي الدولة العربية الوحيدة، بعد نظام صدام حسين، التي احتلت دولة عربية أخرى وهي لبنان، وما تزال تفعل المستحيل من أجل السيطرة على لبنان، ومن خلال اللبنانيين أنفسهم.

وعون ينقلب على خصومته العنيفة مع دمشق في توقيت تتغير فيه حتى سورية، ولكن في اتجاه مختلف، حيث تفاوض إسرائيل، وإن بطريقة غير مباشرة، ولم يبق من شعارات المقاومة إلا تحريض الآخرين، وتغازل في الوقت نفسه واشنطن أوباما.

كما أن عون يتحالف مع إيران، وحزبها اللبناني، حزب حسن نصر الله، بينما دور طهران في المنطقة اليوم يمس صميم أمن الدول العربية ووحدتها، حيث انتهى عون واقفا في صفٍّ لا يثير حتى عدسة كاميرا فضولية.

فقط تخيلوا مكونات تلك الصورة؛ عون يقف مع حسن نصر الله، وخالد مشعل، ومقتدى الصدر، وفيلق القدس. كما أن توقيت التحالف مع إيران لافت للنظر مثله مثل توقيت التحالف مع سورية، ويكفي النظر إلى ما حدث لمسيحيي العراق، ومن الذي لم يحمهم.

وللتدليل على خطورة ما يفعله عون بالمسيحيين لا بد من قراءة حدثين وقعا في يوم واحد في إيران قبل أيام، حيث طالعنا صورتين متناقضتين؛ واحدة لمظاهرات أمام السفارة السعودية احتجاجا على حوار أتباع الديانات، والصورة الأخرى لمظاهرات في جامعة إيرانية تطالب بالديموقراطية وتندد بنظام أحمدي نجاد.

عون تحالف مع الصورة الأولى وهي صورة الملالي المحتجين على حوار الديانات والتعايش مع الآخر، لا مع صورة المطالبين بالديموقراطية والحياة الكريمة! فإذا كان الإيرانيون أنفسهم يتظاهرون ضد نظام نجاد، فكيف يتحالف ميشال عون مع من أضرَّ بشعبه ووطنه؟

ومن هنا تأتي أهمية وخطورة تعليقات كارلوس اده الذي لمس موقع الخلل ونبّه إلى خطورة أن تصبح كنيسة المشرق في خدمة الأنظمة القمعية.

 

 

 

Churches of the East: At the Service of Oppression

12/12/2008

By Tariq Alhomayed/ the Editor-in-Chief of Asharq Al-Awsat,

 

Carlos Edde, head of the Lebanese National Bloc party made some important comments regarding Michel Aoun’s recent visit to Syria. He said, “It seems that General Aoun gained experience from this visit, as well as his previous visit to Iran, in how to exploit the church to serve the interests of totalitarian regimes.”

This means that Aoun’s alliance with Syria and Iran has compelled Lebanese Christians to ally with fundamentalist and oppressive regimes. This will have serious consequences, the most important of which will affect the Christians of the East as a whole.

 

Since the establishment of the Arab states in their modern form, the Christians of the East, as a whole, have played an important, active role. They have fulfilled a constructive role as political, cultural and economic symbols in most of the Arab world. The pan-Arab Christian role was an important one even as part of the armed resistance in Lebanon and elsewhere.

 

Today, through his alliance with Syria and Iran, Aoun has turned things around and placed the Christians of Lebanon, and the East, in the line of fire, especially as we are witnessing the Arab countries fighting an ideological and physical war against extremists and confronting them in a continuous manner. So how can Aoun throw himself into the arms of Syrian political extremism and religious fundamentalism in Iran?

 

Baathist Syria is a model of political extremism and the people of Lebanon are fully aware of that. Moreover, Syria is the only country (after the fall of Saddam Hussein’s regime in Iraq) to have occupied a fellow Arab country, namely Lebanon, and it continues to make every effort to control Lebanon through the Lebanese themselves.

 

Aoun is moving away from his violent hostility towards Damascus at a time when even Syria is changing. However, Syria is heading in a different direction as it is now negotiating with Israel, albeit indirectly, and no longer raises slogans of resistance except to incite others. At the same time, Syria is flirting with Washington and US President-elect Barack Obama.

 

Moreover, Aoun is forming an alliance with Tehran and its Lebanese party, namely Hassan Nasrallah’s Hezbollah, while Tehran’s role in the region today has a serious impact on the security and unity of the Arab states. Aoun is standing in a row that does not even attract the curious lenses of the cameras.

Just picture the scene: Aoun standing with Hassan Nasrallah, Khaled Meshal, Muqtada al Sadr and the Quds Force. Furthermore, the timing of the alliance with Iran was eye-catching just like the alliance with Syria. We only need to look at what happened to the Christians of Iraq and those who failed to protect them.

For proof of the danger in Aoun’s actions, we only need to look at two recent events that took place on the same day in Iran and we will see two contradictory images. The first event was the demonstration that took place outside the Saudi embassy where people protested against inter-faith dialogue. The second event was the demonstration at an Iranian university calling for democracy and denouncing Mahmoud Ahmadinejad’s regime.

 

Aoun is allied with the first image; the image of Mullahs protesting against inter-faith dialogue and peaceful coexistence with others. He is not forming an alliance with the second image; the image of those calling for democracy and a dignified life. If the Iranians themselves are demonstrating against Ahmadinejad’s regime, then how can Michel Aoun ally himself with one who harms his own country and nation?

 

This is where the importance of Carlos Edde’s comments lies; he highlighted the threat and warned against the danger of churches in the East becoming a tool to serve oppressive regimes