انفصال المر: ضربة قاسية لعون ومزيد من التراجع في تمثيل المسيحيين

فادي شامية

 

المستقبل - الاربعاء 16 نيسان 2008

 

لخروج النائب ميشال المر من تكتل "التغيير والإصلاح" مقدمات مدروسة بعناية. من يعرف كيف يفكر أبو الياس، لا بد أنه أدرك منذ أكثر من ثلاثة أشهر أن المر سيعلن ما أعلنه في قاعة المؤتمرات بضبية الأسبوع الماضي. لفترة طويلة أمسك ميشال المر الأرثوذكسي بزعامة المتن الشمالي ذي الغالبية المارونية. اختار أبو الياس أن يكون إلى يمين الرؤساء الموارنة دائماً. استفاد إلى الحد الأقصى من وضعيته في الحكومة ليصنع من الخدمات جسر تواصل مع قاعدته الانتخابية. مع التبدلات الكبرى في العام 2005، لم يكن بمقدور أبي الياس أن يقف بوجه "تسونامي" ميشال عون، فتحالف معه، ولم يكن يتصور أن إعادة إنتاج عون لخطابه السياسي بناء على رغبته القديمة بالعودة إلى قصر بعبدا ستصل به إلى حد الانسياق وراء "حزب الله" وضرب الواقع المسيحي إلى هذا الحد.

 

وزاد الطين بلة أن النواب المحيطين بعون، ولاسيما صهره جبران باسيل، لم يفهموا المر جيداً، بل تعاملوا معه بفوقية أحياناً، أو كأنه مجرد عضو "مهزوم" في تكتل "التغيير والإصلاح". أطلق المر إشارات تصاعدية الى قرب انفصاله عن الكتلة، وصولاً إلى إعلانه أمام قواعده البلدية والاختيارية والشعبية، أنه لم يكن يوماً في حزب أو تكتل. وهكذا عاد المر إلى قواعده سالماً، كي لا يسجل التاريخ أن "صانع الرؤساء" عطّل أو قبل بتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية.

 

حسابات ميشال المر

رغم أنه لم يتقبل لفترة طويلة وجود زعيم للمتن سواه، فإن أموراً أساسية عجلت في نفاد صبر أبي الياس. هو كان قد رشح ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية يوم كانت الأغلبية النيابية غير متحمسة له، فلما قبلت الأغلبية بتعديل الدستور من أجل إيصاله إلى قصر بعبدا، برزت العرقلة من جانب "المعارضة" التي تولى عون رأس حربتها، الأمر الذي لم يهضمه المر. والأنكى أن أحد شروط المعارضة لقبول سليمان رئيساً كان الإطاحة بابنه الياس من أية تشكيلة حكومية. وبدا أن الحملة على الياس لن تنتهي قبل "حرقه" بما لا يسمح له الترشح في انتخابات العام 2009.

 

كان المر يتلمّس نبض الشارع المسيحي بعيداً عن ضغوط التحالف بين عون و"حزب الله"، وكسياسي عتيق حافظ على حبل موصول مع الأغلبية النيابية، فأعلن رفض استرهان موقع الرئاسة لأي حوار أو حل، كما رفض التظاهر ضد الحكومة، معلناً من السرايا أن "أهل المتن لا يتظاهرون في الشارع"، وأنه لا يمكن أن يكون في موقع المعارضة للحكومة، مذكراً بأن "ابنه وزير فيها"، ثم أعلن أن عدداً من نواب "التغيير والإصلاح" مع انتخاب سليمان فوراً، وأن الناس "كزّت نفسها" من أداء بعض النواب الموارنة، وفي 27 آذار الماضي أعلن أنه يؤيد سعد الحريري كرئيس للحكومة المقبلة، خلافاً لموقف عون الداعي إلى رئيس حكومة توافقي على غرار رئيس الجمهورية التوافقي، وصولاً إلى إعلانه أن "لبنان لم يضيّع فرصة ذهبيّة بعدم ذهابه إلى القمّة لأن الفرصة الذهبية هي في عدم الذهاب إلى القمة"!. وهكذا كان المر ينفصل عن عون بشكل تدريجي ومتصاعد، رغم حرصه على عدم القطع معه.

ضربة قاسية لعون

رغم محاولة أعضاء تكتل "التغيير والإصلاح" التقليل من خطورة انفصال المر وإعلانه حركة ضاغطة على النواب المسيحيين لانتخاب ميشال سليمان، إلا أن الواقع يقول بخلاف ذلك، فانفصال المر يعني خسارة عون انتخابات المتن المقبلة (ثمانية نواب مسيحيين)، خصوصاً إذا تحالف المر مع "الكتائب" باعتبار أن القاعدة الشعبية مشتركة بينهما، وفي ظل التقدم الشعبي الواضح لـ"القوات اللبنانية" في كسروان، ولاسيما على خلفية استرهان عون لموقع الرئاسة بانتظار الحل، فإن الأخير سيكون وضعه خطيراً في تلك المنطقة (خمسة نواب موارنة)، أما في جبيل مسقط رأس ميشال سليمان (ثلاثة نواب، اثنان منهم مسيحيان)، فمن المتوقع تراجع شعبية عون، سواء تعرقل وصول سليمان إلى الرئاسة حيث سيُحمَّل عون المسؤولية، أو في حال وصول سليمان باعتبار العلاقة المضطربة بين الرجلين، وأنه من الطبيعي لسليمان أن يشكل قاعدة شعبية خاصة به، في منطقته. أما في البقاع فليس من المؤكد بقاء "الكتلة الشعبية" على تحالفها مع عون، تحت طائلة خذلان الشارع المسيحي في زحلة لزعامة إيلي سكاف (سبعة نواب، خمسة منهم مسيحيون)، إضافة إلى ذلك كله، فإنه من المستبعد أن يضحي حزب الطاشناق بتحالفه التاريخي مع المر لصالح عون في الانتخابات المقبلة، وهذا معنى كلام النائب أغوب بقرادونيان، "أن الأرمن سيحافظون على تحالفهم مع المر رغم انفصاله عن عون". لم يبق لعون إلا تياره إذاً، وهذا الأخير ليس على ما يرام، وهو يعاني من صراعات دفعت عون إلى تأجيل المؤتمر الحزبي إلى الخريف المقبل.

في المقابل ثمة من يذهب بعيداً، مقترحاً تحالف عون مع الحزب السوري القومي الاجتماعي لتعويض خسارة المر، لكن تحالفاً كهذا سيسقط ما تبقى من شعارات لدى عون، وسيجعله في نظر المسيحيين في الحضن السوري بالكامل، مع ما يعني ذلك من تأثير على مستوى تمثيلهم، الذي طالما اعتمد عليه عون لتبرير مطالبته بالرئاسة.

 

أرقام ودلالات

من أصل عدد الناخبين الـ164000 في المتن في الانتخابات الماضية، فإن أكثر من 158000 من هؤلاء مسيحيون، يمثلهم في البرلمان ثمانية نواب، أرمني واحد، واثنان ارثوذكس، وهؤلاء يصعب نجاحهم بلا تحالف مع المر، نظراً الى حجم التأييد الواسع للمر في أوساط الأرثوذكس، والى علاقته الوثيقة مع الأرمن.

 

في العام 2005 قـُدّرت قوة المر التجييرية بـ 15% من أصوات المتن كحد أدنى، وهذه الأصوات خسرها عون، فإذا أضفنا التراجع الملحوظ في شعبية عون في المتن، فهذا يعني أن نوابه الموارنة في هذا القضاء أصبحوا في دائرة الخطر أيضاً، لأن الانتخابات الفرعية في العام الماضي أظهرت أن 57% من الموارنة في المتن باتوا مع قوى 14 آذار، بعدما كانت النسبة معكوسة في انتخابات العام 2005، وأن الأرمن قد أعطوا عون بنسبة 80%، الأمر الذي لن يكرروه إذا تحالفوا مع المر، وأن الحزب السوري ناقم بشدة على عون الذي يخشى الاقتراب العلني منه، سواء في رفضه أخذ النائب السابق غسان الأشقر على لوائحه في العام 2005، أو في تبرؤه من دعم القوميين له في انتخابات العام 2007 الفرعية، أو في رفضه أية صيغة لتحالف "المعارضة" تجمعه مع الحزب السوري القومي، رغم أن السوريين القوميين منحوا عون أصواتهم في انتخابات العامين 2005 و2007.

 

واختصاراً، يمكن بسهولة تخيّل حجم الضرر الذي لحق بعون جراء انفصال المر عنه من خلال العودة إلى الانتخابات الفرعية في العام الماضي. يومها حصل كميل خوري، مرشح "التيار الوطني الحر"، على 39534 صوتاً مقابل 39116 صوتاً لأمين الجميل، ففاز الخوري بفارق 418 صوتاً فقط، رغم ما قيل عن تزوير قام به حزب الطاشناق لصالح الخوري، لكن يومها كان المر والطاشناق والقومي السوري و95% من أصوات الشيعة في المتن مع ميشال عون!!!.