يسعى لإدخاله إلى صيدا ويصف مواقفه بالوطنية!

أسامة سعد في مهمة تعويم عون سنّياً لمصلحة حلفائه

 

بقلم/فادي شامية

 

أدت مواقف العماد ميشال عون، منذ عودته من منفاه الباريسي، إلى تراجع تدريجي في شعبيته، لا سيما في أوساط الشارع السني الذي استفزه عون مرات عدة في مسار تقرّبه إلى "حزب الله".

 

في الآونة الآخيرة بدأ عون يعاني من ضمور شعبي واضح في الأوساط المسيحية الرافضة أن يكون ممثلوها في هذه الوضعية التعطيلية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. تحركت بعض الأوساط الشعبية في المتن وكسروان وجبيل للضغط على النواب المسيحيين الأعضاء في كتلة "التغيير والإصلاح" التي يرأسها عون، فلم يزد ذلك عون إلا تصلباً وتشنجاً في مواقفه، بل إن الرجل أعلن بصريح العبارة أن "لا تبدّل في الموقف إلا بحصول اتفاق سياسي، وأن انتخاب الرئيس بدون السلة المتكاملة التي تتضمن الاتفاق على الحكومة وقانون الانتخاب، قد ولت أيامها من زمان".

 

في حقيقة الأمر فإن عون لا يجد أمامه من وسيلة إلا الهروب إلى الأمام، وتقديمه المزيد من الخدمات للمحور الذي بات رأس حربة فيه، حتى لا يجري التخلي عنه في أي تفاهم محتمل، فتضيع آماله بالوصول إلى قصر بعبدا. وللمحافظة على حد أدنى من الشعبية يلجأ عون بشكل مستمر إلى استثارة الحساسيات في الأوساط المسيحية، فضلاً عن شنه المزيد من الهجمات على "حكومة السرايا" أو "حكومة السنيورة"، وفق وصفه، وعلى "تيار المستقبل" وقوى 14 آذار، راكناً إلى تأييد جيد في الشارع الذي يمثله "حزب الله"، القائد الفعلي لـ"المعارضة"، وإلى محاولات البعض الساعي الى إعادة تعويمه نسبياً في الشارع السني.

المهمة المستحيلة

 

في تأديتة لهذه "المهمة المستحيلة" يصل النائب أسامة سعد قبل أيام إلى الرابية على رأس وفد "رفيع" من قيادة "التنظيم الشعبي الناصري" بهدف الوقوف إلى جانب عون "في مواجهة الهجمة الشرسة التي تستهدف مواقفه الوطنية"، على اعتبار أن التيار "في موقع وطني، ويجب الحفاظ على هذا الموقع". ويضيف سعد: "إن المال السياسي الذي استخدم ضدنا في السابق ـ ولا يزال يستخدم ـ والآن يستخدم ضد التيار الوطني الحر، لن يجدي نفعاً بل من شأن هذا المال أن يقوّض دعائم الدولة اللبنانية"، ثم يصل إلى مشاركة عون في عزفه القبيح لـ"سمفونية التوطين" قائلاً: "التوطين ليس فزاعة ويجب توجيه الأسئلة الى أصدقاء أميركا في لبنان وفي الوطن العربي".

 

هذا الكلام يقوله النائب السني الوحيد في "المعارضة الوطنية اللبنانية" في الرابية، بينما تضيف أوساطه في صيدا بأن تمثيل "التيار الوطني الحر" في لقاء الأحزاب الذي يقوده سعد في عاصمة الجنوب بات قريباً، وأن افتتاح مركز لهذا التيار في صيدا مرحب به، على قاعدة أن نسبة من مسيحيي شرق صيدا تؤيد عون. وفي المقابل يرفض سعد تعامل غيره في صيدا مع شريحة أخرى من المسيحيين تؤيد "القوات اللبنانية" استناداً إلى سجلات الحرب الأهلية، بل إن "فريقه الميداني" مستعد لفعل ذلك بالقوة، كما حصل ليل 11 شباط الماضي، عندما جرى الاعتداء على إحدى السيارات الآتية من شرق صيدا، لرفعها صورة لسمير جعجع، علماً أن أهل بيروت لم يهجّروا إلى صيدا إلا عندما قصفت مدفعية عون بيروت الغربية بشكل عشوائي خلال "حرب التحرير"، ولو رجع النائب سعد إلى البيانات التي كان يصدرها شقيقه مصطفى ـ رحمه الله ـ خلال تلك الفترة، متهماً عون بسفك دماء الأبرياء، لأقام الحجة على نفسه في مدى الخداع الذي يمارسه على الناس اليوم.

مواقف عون الوطنية!

 

عموماً فإن من حق النائب أسامة سعد أن يتحالف مع أي فريق لبناني، سواء تمثّل بالعماد عون أو بغيره. من حقه أن يدعمه أو يخاصمه، وأن يؤيد مواقفه أو يستنكرها، لكن وصف مواقف عون بـ"الوطنية" مسألة فيها نظر، أقلّه لدى الجمهور الذي يمثله سعد في صيدا، ذلك أن عون، ولأهداف سياسية، يقدّم نفسه منذة مدة طويلة كمدافع أول ووحيد عن المسيحيين من مخاطر التوطين والتهجير والتهميش، بل إنه يريد الرئاسة الأولى على أساس تمثيله للمسيحيين، وليس على أساس تأييد أغلبية نواب الشعب اللبناني له، خلافاً لاتفاق الطائف الذي يرفضه عون أساساً. الرجل كان قد طوّب نفسه "بطريركاً سياسياً للمسيحيين"، وهو كان قد أعلن في وقت سابق ما أسماه "وثيقة الطروحات المسيحية" التي تتحدث عن "احترام أصول الديموقراطية التنافسية البسيطة ضمن الجماعة الواحدة المتجانسة طائفياً" وليس ضمن الوطن. عون نفسه كان قد قال في معرض تبريره تعطيل انتخابات الرئاسة إنه يقايض من أجل "تحقيق مكاسب للمسيحيين لم يأتِ الوقت للإعلان عنها"، وهو نفسه الذي قال في معرض تسويقه المثالثة، إنه "زعيم المسيحيين ويمثّل الثلث، و"حزب الله" وحركة "أمل" ـ أي الشيعة ـ الثلث الثاني، وقوى الرابع عشر من آذار ـ ويقصد السنّة باعتباره الممثل الأوحد للمسيحيين ـ الثلث الثالث".

 

نعم، يمكن وصف مواقف عون بكل شيء إلا بالوطنية، فجرعة الاستثارة الطائفية والعنصرية في مواقفه أكبر من أن "تهضم". على سبيل المثال لا الحصر، فقد اتهم الجنرال زوراً خصومه السنّة، سواء كانوا في "تيار المستقبل" أو غيره، بمحاولة "أسلمة لبنان" وبيع أراضيه، وفرض القيم الإسلامية، وإلغاء "أقدس الأعياد المسيحية"، وسحب "ما تبقى من صلاحيات الرئاسة"، و"دعم الجماعات الأصولية"... كما أن نواب كتلته لم يتورعوا قبل أيام على عودة النائب سعد الحريري، الذي يمثل غالبية السنة، عن التشكيك بلبنانيته، وأنه متواطئ مع السعودية ضد وطنه!. بالتأكيد ليست هذه هي المواقف التي تليق بمن يطمح الى أن يكون رئيساً لـ"شعب لبنان العظيم". وبالتأكيد فإن دعم النائب أسامة سعد لعون أساسه مراعاة مصالحه ومصالح حلفائه في "المعارضة"، وليس المصلحة الوطنية، ذلك أن سعد نفسه كان قد طالب بمحاكمة ميشال عون، بصفته خائناً لوطنه وعدواً لسوريا والمقاومة، على خلفية زيارة عون للكونغرس الأميركي ومطالبته بـ"محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان"، قبل أن تتغير المصالح لدرجة يصبح معها موقع ميشال عون "وطنياً". ثمة من يقول بعدم وجود عداوات دائمة في السياسة، وهذا صحيح، ولكن ليس على حساب الوطن، الذي يناشد نوابه اليوم أن يقولوا لمن يستغل نرجسية عون وأنانيته: إن البلد ما عاد يحتمل استمرار هذه اللعبة القذرة.

 

سياسة بلا أي قيم!

إن المصالح السياسية لا تعني على الإطلاق أداءً سياسياً خالياً من أي قيم، فللمعارضة أصول، وللمخاصمة حدود، وإن ما يقوم به النائب أسامة سعد لا يصب في خانة احترام هذه الأصول والحدود، ليس لأنه يدعم عون في مواقفه غير الوطنية، بل في مجمل حركته السياسية، فالرجل لا يكف عن إلصاق التهم بخصومه السياسيين، في حين أنه يرعى، لغايات سياسية، "شلل" المجرمين والمنحرفين في صيدا، من الذين يتعاطون المخدرات، إلى الذين يمارسون أعمال البلطجة والسرقة والتعدي على الناس. ثمة ممارسات كثيرة عانت منها المدينة خلال الشهرين الماضيين دفعت الأجهزة الأمنية إلى توقيف بعض المحسوبين عليه، فما كان من النائب "المحترم" إلا أن صرّح في السادس من نيسان، بأنه "غير مطمئن" للوضع الأمني في صيدا لأن "هناك حكومة مستهترة بالأمن العملي والسياسي والاجتماعي للمواطن... مما يشجع على تزايد حالات الانحراف في وسط الشباب"!.

 

وفي موقف مستهجن آخر، عبّر سعد عن امتعاضه من الاعتذار المتبادل عن مآسي الحرب بين الفلسطينيين واللبنانيين، وعن المصالحة بين "منظمة التحرير" وحزب "الكتائب"، على اعتبار أن هذه المصالحة تمثل اعتذار الضحية للجلاد. كما أن لقاء الأحزاب الذي يقوده لا يزال يصدر بياناته غبّ الطلب متصيداً المواقف الأميركية ليلقي عليها مسؤولية الأزمة، وكأن قدرنا نحن اللبنانيين أن ننفذ هذا المشروع بدل أن نواجهه بانتخاب رئيسٍ، يقول سعد وحلفاؤه إن أميركا لا تريده. النائب سعد الذي يتحدث عن المال السياسي كلما شعر بضائقة شعبية، عبّرت عنها العديد من المناسبات الانتخابية في صيدا، إنما يريد من وراء ذلك حرف الأنظار عن "المال النظيف" الذي يتدفق بغزارة عليه وعلى كل أتباع "حزب الله" وحلفائه في لبنان. وفي مطلق الأحوال فإن سعد مستعد لزيارة إيران سراً أو علناً، كما فعل سابقاً، لتسوية المشاكل وإعادة الحياة إلى الأرصدة المالية تحت شعار محاربة آل الحريري في مدينتهم.

 

ولعل الأكثر استفزازاً من كل ما سبق استقبال أسامة سعد زوجات الضباط المشتبه بهم في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مسقط رأسه، مستعملاً تعبير "المعتقلين السياسيين" في وصفهم، في تحدٍ سافر لمشاعر الصيداويين، في أحد أكثر الملفات حساسية بالنسبة اليهم.

في الذكرى الثالثة والثلاثين لاستشهاد والده، نظّم أسامة سعد في آذار الماضي المسيرة السنوية التي كانت للأمس القريب مناسبة لمشاركة أطراف المدينة كافة، لكن حدة التعبئة التي يمارسها سعد لدى أنصاره وصلت إلى حد تحوّل المسيرة إلى جوقة للشتم عبّر فيها "صبيان" النائب سعد عن موقفه السياسي، بطريقة سوقية، سبّوا فيها بأحطّ العبارات ابن مدينتهم الرئيس فؤاد السنيورة، واتهموه بالعمالة، فما كان من رئيس الحكومة إلا أن بادر الى الاتصال بسعد بعد طول انقطاع، ليذكره بالقيم التي تربّى عليها الصيداويون... ولو فرّقتهم السياسة!.

 

***المستقبل - الثلاثاء 6 أيار 2008 - العدد 2953 - شؤون لبنانية - صفحة 2