مقبرة عون الجماعية

حسان حيدر

الحياة - 17/04/08//

 

السياسيون مثل كل الناس، يغضبون ويفرحون ويأملون ويخيب أملهم، لكنهم يختلفون عن هؤلاء بأنهم يأخذون دوما في الاعتبار مسؤوليتهم العامة، فلا يبدون تهوراً شخصياً، ولا يغلبون مصلحتهم الفردية على مصالح الجماعة والوطن، مراعاة لموقعهم واحتراماً للجمهور، سواء المضمون الولاء او الآخر الذي يستهدفون استقطابه. وبهذا المعنى، فإن النائب ميشال عون ليس سياسيا، وربما ليس عسكريا حتى بمعنى القيادة، لأنه يترك ثورات الغضب تجتاحه كلما أحس بابتعاد كرسي الرئاسة عنه شبراً آخر، فيروح يهاجم يمنة وميسرة، ويفتعل معارك يفترض به كزعيم لتيار يؤكد انه واسع، ان يتجنبها وان يفكر اكثر من مرة في توقيتها وتبعاتها وما قد تجره على لبنان وجميع اهله.

 

وآخر «المراجل» التي أطل بها عون على جمهوره، وكأنه يخاطب نفسه في مرآة، كانت قصة المقبرة الجماعية التي ادّعى وجودها في منطقة حالات وطالب منفعلا الاجهزة الامنية بالاسراع في الكشف عنها، معتقدا انه سيحقق «النصر» الذي فاته في حربي «التحرير» و«الالغاء». ولم يكتف بذلك، بل بشرنا، في ذكرى الحرب الاهلية، بأن ما يعتبره «غبنا وحرمانا» سيعيدان الاقتتال الأهلي لا محالة.

 

هذه الشعبوية التي تذكر بقبضايات الاحياء الذين لا يرون أبعد من حدود الشارع الذي يتحكمون به، قد تجر على البلد، وخصوصاً المسيحيين، ويلات جديدة، في ظل التوتر الحاد القائم، سياسيا وأمنيا. واذا كان عون يريد نبش المقابر، فهل يجرؤ فعلا على نبشها كلها. ولماذا لم تأخذه الحمية نفسها عندما كُشفت قبل اشهر فقط مقبرة جماعية دفن فيها ضباط وجنود كانوا بإمرته عندما هاجمت القوات السورية القصر الجمهوري في 1990؟ وهل يجرؤ فعلا على سؤال حلفائه في مربع الضاحية الامني وفي الجنوب عن عشرات الشبان الذين اغتيلوا في بيوتهم وبين أهلهم لأنهم «خارجون» عن الطائفة.

 

واذا كان يريد فتح ملفات الفساد، فهل باستطاعته فتحها كلها؟ ولماذا يتجاهل اذاً فضيحة بنك المدينة؟ ولماذا لا نسمعه يحاسب حلفاءه الحاليين الذين كانوا شركاء في «نظام الدمى الفاسد» الذي فرضته سورية في لبنان على حد تعبيره شخصيا في محاضرة ألقاها في واشنطن في آذار (مارس) 2003، واعتبر فيها قضية مزارع شبعا ذريعة اخترعتها دمشق «التي تمنع اللبنانيين من الالتقاء لمنع نزع اسلحة الاحزاب الموالية لها».

 

ما الذي تغيّر في سياسة سورية ازاء لبنان حتى ينبري الآن للدفاع عنها، وهل يختصر عون الفارق في سياستها في الموقف من شخصه وترشيحه للرئاسة؟

 

واذا كان يتحدث عن القتل وضحاياه، وهو من سمات اي حرب اهلية، ألا يحق لنا ان نسأله ما اذا كانت يداه ملطختين بالدم ايضا؟

وماذا عن القصف الذي استهدفت به مدفعيته المدنيين في بيروت بعد تسلمه رئاسة حكومة العسكريين؟

وهل لديه اجابات مقنعة عن الحروب العبثية التي خاضها باسم المسيحيين وبدمائهم فأورثهم انقساماً وتهجيراً ومقابر؟

 

عادة ما يلي نبش ملفات الحروب الاهلية المصالحة الوطنية الشاملة، ويكون فرصة للتعلم من اخطاء الماضي وخطاياه، ولنا في جنوب افريقيا مثال يحتذى، فكيف يمكن ان نثق في «رقة قلب» من يهدد اولادنا علناً بعودة الاقتتال؟

 

ثمة سؤال اخير ايها الجنرال المتقاعد: أتستحق كرسي الرئاسة تحويل لبنان كله الى مقبرة جماعية