شاوول... شاوول

ريمون جبارة

 

ينتعش الكذب في مواسم الانتخابات كما انتعاش رائحة المجارير في أول يوم ممطر. أما الكذب فلا يشبعهم وإن كان يشبع شعباً نسّا (بمعنى النسيان)، لأن الشعوب الخاملة تكره التغيير (يمكن من يرغب استبدال حرف الغين بالقاف في كلمة التغيير) لإعطاء المعنى زخماً أقوى. ولا يهمّها (أي الشعوب) نوع الذي يضحك عليها ولو كان يضحك على نفسه. اقتنع الزعيم الملهم بعد منحة ربّانية بأنه أحد مرسلي السماء أُسقط من فوق لخلاص الصنف المسيحي المهدّد بالابادة في شرق يدّعي التسامح ومحبة الغير، ولا مانع لدى الملهم أن يخلّص في طريقه كل أبناء الديانات السموية الاخرى وغير السموية اذا لزم الامر.

 

منذ أيام عرضت إحدى المحطات الاجنبية وثائقياً عن ذاك المرسل الآخر هتلر الذي كان يخطب في جماهير ألمانيا بعصبية تشبه عصبية المرسل الذي عندنا. أفضل اصناف الجماهير كان عندما يخطب في تلامذة المدارس من الروضة حتى الثانوية فيدغدغهم بعالم جديد وجنس بشري جديد سيعرفه العالم عندما تسيطر النازية على العالم كله.

تقول الخبرية ان الله عزّ وجل خلقنا على صورته، لكن من صورة هؤلاء على التلفزيون يشك الإنسان في المسألة. فإن كان الله خلقنا حقاً على صورته فوجب الامر الآتي: ان يغيّر هو صورته لأن من الصعب على المعاتير (جمع معتّر) ان يغيّروا هم صورهم. فبعض العقول التي منحهم إياها عاجزة عن تغيير أي شيء.

فمن وحي زيارة دولة الرئيس (سابقاً) الى سيادة الرئيس (سرمدياً) هذا المشهد المسرحي القصير.

 

الشخصيات: دولة الرئيس، وسيادة الرئيس، ومار بولس يظهر بشكل نور قوي وصوت غير متردد.

 

لقطة اولى: على طريق دمشق

دولة الرئيس يمشي على الطريق متنكراً بثياب بدوي لدواع أمنية. انما التنكّر لا يمرق على ذقن القديس بولس. فجأةً يشع نور في السماء، وإذ بصوت يشبه الرعد يقول: ميشو، ميشو لماذا تضطهدني؟ فيركع المتنكر خافياً وجهه من شدة النور ويقول باكياً: مشيت دربك لخلاص أتباعك، وتتهمني كأنك واحد من 14 آذار. إسأل مار ميخائيل يخبرك من أكون وبكل ما أبذله لأهل عشيرتك وعشيرتي.

 

لقطة ثانية: في صالون قصر سيادة الرئيس، واضعاً رجلاً فوق رجل وهو يتأمل بصمت وجه ضيفه (حنكة سياسية تعلّمها من المرحوم الوالد).

دولة الرئيس (متلبكاً): ما بعرف، إذا المرحوم سيادة الرئيس خبّرك عني.

 

سيادته يبتسم ربع ابتسامة ويصمت.

دولة الرئيس (مكملاً): أنا من المعجبين بالقائد العظيم الراحل، وما ردود الفعل التي صدرت عني في العلن سوى نوع من الاستراتيجيا الضرورية لأضحك على بني قومي الذين قسم كبير منهم كان يقف ضد المرحوم الوالد.

 

سيادة الرئيس (مصححاً): غير الوطنيين منهم، أما الوطنيون الذين أنت منهم فكانوا مع تياره الصمودي العربي الوحيد، الذي دعم لبنان ويدعم كل الدول العربية المحتاجة الى دعم.

 

دولة الرئيس: انا هلّق محتاج لدعمك عا ابواب الانتخابات. معي لحدّ هلّق دعم الحلفاء تبعولك وتبعولي بلبنان، بس نكزة منّك بتقوّيني اكثر. عا فوقا سيادة الرئيس، بدّي اشكرك لهالحفاوة العفوية يللي استُقبلت فيها بدمشق. والله لو إجا البطرك ما كان صرلو هالاستقبال.

سيادة الرئيس (مازحاً، وقليلاً ما يمزح لانشغاله بقضايا الأمة): لو قبل البطرك يجي ما كنّا شفناك هون.

 

دولة الرئيس: عنا ذات الموقف، حضرتك انا وبعض الحلفا في الطائفة، من البطرك يللي منعتبرو بطرك نص الموارنة. بيني وبينك، انا تشكيت عا البطرك لمار مارون.

 

سيادة الرئيس: وشو قلّك مار مارون؟

دولة الرئيس:  عمل حالو مش سامع. خَتْيَر، ما بينلام.

سيادة الرئيس: مين، البطرك يمّا مار مارون؟

دولة الرئيس: تنيناتن، بس ما تعتل هم سيادتك، انا بالنسبة للموارنة بحلّ مطرح التنين (يقفز قفزات صغيرة عن كرسيه ويضحك، وبعد ان يعمل حرفة انه يفكر ناظراً الى زوايا الصالون) عندي مطلب شخصي من سيادتك. في محبوسين من جيشي عندك، بتسمحلي آخدهن معي لمّن بعود عالبنان؟ (سيادته يبتسم ربع ابتسامة ويفكر عن صحيح) مكلّف اسألك من حلفائي بالحزب، انشالله عرفتو مين اغتال الشهيد مغنية؟

سيادة الرئيس (بشيء من المزاح الذي يخيف): الهيئة رح بقّيك عنّا.

 

ملحق النهار

8/12/2008