نص المقابلة التي أجراها الياس بجاني صاحب ومدير "صوت فينيقيا الإخباري" الكندي مع الرئيس العماد ميشال عون من مكان إقامته في فرنسا بتاريخ الخامس من شهر حزيران 1993 .

 

صوت فينيقيا: ما هو موقف العماد عون من التعيينات الإدارية الأخيرة التي تمت في لبنان، ولاقت موجة عارمة من الاستنكار من أكثرية القيادات الزمنية والروحية؟

العماد عون: بصورة عامة التعيينات هذه، وبصرف النظر عن قانونيتها أو عدم قانونيتها، لم تراعِ أي مبدأ من مبادئ التعيين والكفاءة. لأنه اجمالاً  وفي حال تعيين أشخاص في المراكز الأولى في الدولة تكون أسمهاؤهم مقرونة بشهادات علمية أو بأعمال وانجازات مهمة في البلد، ولكن مع الأسف معظم الذين عينوا شهاداتهم "مجازر" وعمالة وتمسيح بلاط عند المحتلين. شيء مؤسف حقاً أن يكون الشباب اللبناني المثقف وصاحب الكفاءة موجود في كافة بلاد العالم ومغيب قصراً عن لبنان وعن مراكز الدولة فيه.

 

صوت فينيقيا: عماد عون بعد عشرة جولات من المحادثات الثنائية المباشرة بين دول الطوق وإسرائيل كان فيها دور المفاوض اللبناني هامشي وقراره مصادر، هل تعتقد بان للبنان أي أمل في تحقيق أية نتائج من عملية السلام هذه، خصوصاً وان قضية الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي ربطت اقليمياً ودولياً بقضية هضبة الجولان السورية والحكم الذاتي الفلسطيني؟

العماد عون: بالواقع هذه كانت مخاوفي من الأساس عندما كنت في قصر بعبدا، وكنت يومها أقول للجميع  "يجب أن يكون لبنان إلى الطاولة وليس على الطاولة". الحقيقة المرة الآن أن لبنان موضوع على الطاولة يفاوض عليه وليس معه، وهو ورقة بجيب المفاوض السوري. لذلك سيأخذ ما يعطى له، وليس ما لهُ حق فيه، هذا إذا لم يؤخذ منه. لذلك نحن نتحفظ على هذه المحادثات ونعتبرها نوعاً من الاتفاقات التي تتم مع مجموعة من الناس لا تمثل الشعب اللبناني، بل الحكم الصّوَري المعّين من الخارج. ومع الحكم الصّوَري يبقى السلام صوري لأن السلام الحقيقي يقوم بين الشعوب وليس بين الحكومات. وما يحدث الآن هو سلام بين حكومات لا تمثل شعوبها. وهنا نلفت نظر العالم إلى حقيقة مهمة، وهي أن الحكم اللبناني لا يمثل شعبه، وان ما يجري من مفاوضات مع إسرائيل على المسار اللبناني لا يعتبر سلاماً معنا كلبنانيين بل سلاماً علينا.

 

صوت فينيقيا: المتتبع لما يجري على الساحة اللبنانية حالياً يلاحظ بروز نوع من المعارضة لحكومة السيد الحريري واتهامات صارخة بالانحراف عن اتفاق الطائف. المبكي المضحك في هذا الأمر أن رافعي راية المعارضة هم أنفسهم الذين أيدوا اتفاق الطائف ووقفوا ضد إرادة الشعب وحاربوا مع المحتل وسلموه البلاد.

فهل هذه المعارضة هي معارضة حقيقية تحاول التكفير عما اقترفته من ذنوب أم أنها معارضة مدجنة وتنطلق من مصالح شخصية بحتة برعاية ومباركة المحتل؟

العماد عون: الواقع أن الموقف هو مزيج من كل ما ذكرت. فالبعض كان قصير النظر ولم يفهم أن الاحتلال لا يمكن أن يعطي ثماراً أفضل من التي أعطاها،  وصدم وأصبح حاليا معارضاً خجولاً لا يسمي الأشياء بأسمائها ويداهن المحتل ويعمل من خلال معارضته على تحسين وضعه السياسي بعد أن عزله الشعب وتخطته الأحداث. أما البعض الأخر وبعد أن استهلك من قبل المحتل ولم يعد له أية قيمة استغلالية على الأرض وعزل وابعد عن الحكم ، جاء رد فعله نوعاً من المعارضة للحكم القائم وليس لقوى الاحتلال.

الجميع هنا سواسية في النتائج التي فرضوها على لبنان، أن كان عن طريق قصر النظر أو العمالة أو حب الاستثمار أو المصالح الشخصية أو الارتهان للغير. كلهم ساهموا في تدمير لبنان وتسليم قراره للمحتل. المعارضة الحقيقية هي التي تشكل موقفاً واضحاً وعلنياً ضد الاحتلال وضد كل الاتفاقيات التي فرضت على لبنان وضد كل ما نتج عنها من وقائع وتغيرات على الأرض. المعارضة القائمة حالياً تعارض الحكم تحت سقف الاحتلال ولا تعارض الاحتلال نفسه. المطلوب من الذين يعارضون إن هم فعلا أفاقوا بعد الأزمة الطويلة والمآسي التي حلت على البلاد بسبب عمالتهم وخيانتهم، أن يتخذوا مواقف واضحة وصريحة من الاحتلال وليس من الحكم القائم المعين. لأنه وان تغيرت دماه ورموزه فلن يتغير في الواقع شيئاً طالما بقي هذا المحتل مسيطراً على مقدرات وقرار البلاد. فوجود رشيد الصلح أو عمر كرامي أو رفيق الحريري على رأس الحكومة لا يعني شيئاً، لان الحكم صُوَري ولا يشارك بالقرار. من يحكم في ظل الاحتلال ينفذ ما يطلبه منه المحتل، وتغيير الأشخاص والحكومات في ظل الاحتلال مضيعة للوقت وهروب من الواقع.

 

صوت فينيقيا : هل من معطيات دولية جديدة لجهة استعادة السيادة اللبنانية والقرار اللبناني وانسحاب الجيوش الغريبة منه،  خصوصاً بعد وصول اليمين إلى الحكم في فرنسا، ومجيء إدارة الرئيس كلنتون في الولايات الأميركية؟  وهل برأيك اليمين الفرنسي والرئيس كلنتون ما زالا ملتزمين بوعودهما التي طرحاها خلال حملاتهما الانتخابية ؟

العماد عون: بالوقت الحاضر وبالنسبة لفرنسا لا فرق أن كان اليسار أو اليمين في سدة الحكم، لان وضعها الدولي لا يسمح لها بان تكون فاعلة في لبنان.  ولكن يسمح لها على الأقل بان تتخذ موقفاً من الوضع القائم ومن التطورات التي تحدث  ولكنها للأسف لم تتخذ حتى الآن أي موقف صريح وواضح من هذا الوضع، بل على العكس يوجد نوع من التقارب بينها وبينه ، كونها متقبلة له ولا تعارضه. والحكم الفرنسي الحالي يعتبر أن المسالة زمنية، والخلاف بيننا وبينه هو أننا لا نعتبر المسألة زمنية لاعتقادنا بأنه ومع غياب المقاومة المنظمة فان سورية سوف تهضم لبنان هضماً نهائياً. من هذا المنطلق يوجد خطأ فرنسي جسيم في الموقف وفي تقدير الموقف بالنسبة للوضع الحالي في لبنان.    

أما فيما يتعلق بالرئيس كلنتون وبالوعود التي تعهد بها خلال حملته الانتخابية ، فانه تمت متابعتها بشكل ممتاز، وكما يعلم الجميع فقد اقر مجلس الشيوخ الأميركي وبالإجماع بتاريخ  1/7/1993 توصيات مهمة جداً بالنسبة للوضع الحالي في لبنان، لجهة انسحاب الجيش السوري وعدم شرعية الانتخابات النيابية المهزلة واستعادة السيادة والقرار والاستقلال. هذه التوصيات الأميركية مهمة جداً وتشكل سياسة أساسية تجاه الأزمة اللبنانية. وبهذا تكون وعود الرئيس كلنتون قد ترجمت إلى توصيات، وإنشاء الله وقريباً نأمل أن تتحول هذه التوصيات إلى مواقف حاسمة لتصحيح الوضع الشاذ في لبنان. وهنا اذكر بان السناتور جورج ميتشل زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ الأميركي كان قد أرسل إلى وزير خارجية بلاده وارين كرستوفر، في بداية عهد الرئيس كلنتون، رسالة مهمة جداً بالنسبة للبنان، يطلب قيها منه أن يجعل القضية اللبنانية من القضايا التي تحتاج إلى اهتمام خاص، وتمنّى عليه اعتبارها من الأولويات على سُلُم اهتمامات الإدارة الجديدة.  

 

صوت فينيقيا : عماد عون، هل الموقف الأميركي هذا هو آني ولمصلحة إسرائيل؟ أم انه فعلاً لمصلحة لبنان ويمكن أن يستمر ويُترجم إلى خطوات عملية على الأرض لجهة التحرير ؟

العماد عون:  هامشياً من يمكنه أن يستفيد من الموقف الأميركي شيء  ثانوي بالنسبة لنا، وكل ما يعنينا هو الشق الخاص بلبنا . المهم انه أصبح لدينا موقفاً واضحاً وصريحاً من قبل مجلس الشيوخ الأميركي يعترف بحقنا ويطالب بإعادة هذا الحق إلى أصحابه ونصابه. المسألة بالنسبة لنا مسألة وجود، وإذا كان وجودنا لا يتناقض مع مصلحة إسرائيل، فلا مصلحة لنا في إثارة مشاكل ثانوية لسبب بسيط جداً وهو أننا الأضعف على الساحة ونحتاج للتغطية وليس غيرنا. غيرنا قوي بما فيه الكفاية وبإمكانه الدفاع عن نفسه. وهنا أتمنى على اللبنانيين أن يأخذوا الموقف الأميركي وبصرف النظر عن الهوامش، كوثيقة تدافع عن حقوق لبنان بما يخص السيادة والاستقلال والحرية. وإزالة الاحتلالات شيء أساسي لتطبيق المبادئ التي وردت في الموقف الأميركي وهذا ما نريده ونعمل من اجله. 

 

صوت فينيقيا: يحاول الحكم القائم حالياً في لبنان تفكيك وشرذمة الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وقد نجح على ما يبدو في مسعاه التخريبي حيث انقسمت الجامعة إلى جامعات تتوزع الولاء بين وزير الخارجية في الحكومة التابعة السيد فارس بويز وبين وزير المغتربين في نفس الحكومة السيد رضا وحيد. وقد وصل الأمر إلى درجة طرد بعض الممثلين للفريق المؤيد لبويز من صالة التشريفات في مطار بيروت بينما كانوا يقومون بواجب الترحيب ببعض المغتربين العائدين لقضاء عطلة الصيف في لبنان. فما هي خلفيات هذا الأمر برأي العماد عون ؟

العماد عون: المحتل في لبنان وعن طريق رموزه في السلطة لا يريد أن تكون هناك أية فاعلية للمغتربين اللبنانيين في بلاد الاغتراب. الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع هي أن الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم تعتبر نموذجاً  للسلطة التي كانت قائمة قبل سنة 1975 ، كما أن القيمين عليها يفتقدون لأية نوعية من التفاهم فيما   بينهم، وما زالوا يتعاطون مع بعضهم البعض بلغة الإبهام، ويعيشون التناقضات التي عاشها الحكم في لبنان قبل الأحداث. وأنا اتخيل من خلالهم بيار الجميل وكمال جنبلاط وصائب سلام.  لذلك يجب تنظيم شيء جديد يقوم على الأسس والمبادئ التي ندافع عنها من أجل تحرير لبنان ومن اجل بناء دولة عصرية تؤمن العدل والديموقراطية والمساواة والحرية والخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية للجميع دون تفرقة ، دولة يسود فيها القانون  والعدل. ولهذه الأسباب كلها تأسست تنظيمات وطنية جديدة في بلاد الاغتراب مثل مجلس المنظمات الأميركية اللبنانية  " "C.L.A.O. في الولايات الأميركية المتحدة والجبهة العالمية لتحرير لبنان "R.P.L.L” ومجلس المنظمات الكندية اللبنانية ""C.O.L.C.O. في كندا وذلك لتلبية الاحتياجات اللبنانية في ضوء الوضع الشاذ القائم حالياً في لبنان ولتنظيم الاغتراب على أسس وطنية وعلمية. والسؤال هنا هل يمكن أن تقوم جامعة لبنانية ثقافية في العالم ولبنان غير موجود ؟  هذه الحقيقة الدامغة لم يدركها البعض حتى الآن، ولم يستوعب أساس الصراع الهادف إلى إلغاء لبنان وإزالته ككيان. يجب على الجميع أن يفهموا بأنه لن يكون هناك اسم لبناني لجامعة لبنانية إذا نجح المحتل في ما يسعى إليه. وإنني أشبه الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم  في الوقت الراهن بالجمعية الحلبية وبالجمعية الجزينية وبالجمعيات الأخرى الشبيهة بهما في أميركا والبرازيل والأرجنتين واستراليا. عليهم أن يدركوا انه إذا سمحنا للمحتل بهضم لبنان وبإلغاء كيانه، يصبح لبناننا في العالم جمعيات من هذا النوع... لقد حان الوقت لإدراك هذه الحقائق .

اذاً الجامعة اللبنانية في العالم ولكي تكون فعلاً جامعة ممثلة لتطلعات اللبنانيين ومتفهمة للواقع المرير الذي يعيشه الشعب اللبناني في ظل الاحتلالات، ومدركة للأخطار التي تهدد لبنان بأسس وجوده وكيانه، عليها أن تكون جامعة ناشطة ومناضلة في سبيل إعادة الحقوق الأساسية لشعبنا. كما يجب عليها أن تقف ضد الاحتلال وضد رموز هذا الاحتلال الممثلة بالدمى المسيطرة على الحكم القائم في لبنان. 

 

صوت فينيقيا  الجامعة حالياً منقسمة على نفسها، لكن معظم الفرقاء فيها يعملون تحت مظلة الحكم القائم. فهل في رأي العماد عون أن الكل هنا وجوه مختلفة لعملة واحدة؟

العماد عون: اكرر هنا ما أقوله باستمرار ، وهو انه يجب على اللبنانيين في الخارج أن يدركوا بأن لبنان النظام الذي كان قائماً قبل سنة 1975 قد سقط  وعليهم أن يوجدوا بديلاً له. وبالتالي كل الأحزاب والجمعيات والمنظمات والمؤسسات التي قامت على أساس لبنان ما قبل االاحداث هي الأخرى قد سقطت مع ذلك النظام.   

فلا يعقل أن نسمي الجامعة جامعة لبنانية وهي على علاقة وثيقة مع وزارة الخارجية اللبنانية التابعة المرتبطة مع الاحتلال ومع رموز الحكم الأخرى المقرونة أسماؤهم بالمجازر. كما لا يمكن أن نسمي أي تنظيم لبناني وهو يتعامل مع من يحاول أن يجعله سورياً أو مرتبطاً بالعجلة السورية. وعلى من يعمل تحت مظلة الاحتلال وبالتعاون مع رموزه أن يدرك انه عاجلاً أم اجلاً سوف يضطر لان يغير اسمه ويلغي لبنانيته. هذه حقائق اطلب منكم أن تقولوها بصوت صارخ. الكارثة أن البعض لم يفهم بعد عمق المشكلة اللبنانية، ويعتقد أن ما يواجه لبنان حالياً عبارة عن أزمة عابرة. هذا مفهوم خاطئ، لان الأزمة أزمة وجود ولذلك الصراع فيها مميت .

 

صوت فينيقيا:  كلمة أخيرة للعماد عون:       

العماد عون: اطلب من أبناء لبنان أينما وجدوا وفي أي وضع كانوا أن يقاوموا النسيان والملل لأنهما ألد أعداء الشعوب. فالأزمات بالإمكان تخطيها والتغلب عليها بالإيمان والثقة بالنفس والعمل الدؤوب، وبالمحافظة على الذاكرة والنضال. أما الوقوع في شرك النسيان والملل فهو مميت. اطلب من اللبناني أن يحافظ على لبنانيته وحضارته وتراثه، وعلى قيمه الوطنية والإنسانية وان لا ييأس أبداً. اطلب منه أن يبقي لبنان في تفكيره وذاكرته ووجدانه، لبنان الكرامة والعنفوان والتعايش، لبنان العدالة والحرية والديموقراطية. لبنان المحبة والتسامح، لن يموت مهما اشتدت الأزمات، لان هذا اللبنان موجود وراسخ في ضمير وقلب كل لبناني أينما وجد .

لبنان الوطن المحتل وبهمة أبنائه الغيورين سوف ينفض عنه الرماد وينبعث من جديد، وسوف ينتصر على الشر والإحتلالات والمتعاونين .                                          

تذكروا لبنان باستمرار، ولا تبخلوا عليه بشيء. دافعوا عنه في كل المحافل الدولية واشرحوا قضيتكم العادلة للعالم بشجاعة وإيمان.

وقريباً لنا معكم بأذن الله لقاءً على ارض الوطن الغالي الذي يتحرق شوقاً لعودتكم                                                                                      

عشتم وعاش لبنان