النائب ميشال عون استقبل وفودا شعبية في قصر المؤتمرات في ضبيه

في 14 آذار تحررت الارض لكن الحكم لم يتحرر بعد من ذهنية السيطرة

أمامنا أيام صعبة جدا لننهض بالبلد ولن نساوم على أي مصلحة عامة

وطنية - 10/12/2005 (سياسة) استقبل النائب العماد ميشال عون في العاشرة قبل ظهر اليوم، وفودا من زوق مصبح وعينطورة وعين الريحانة وبدغان وعزونية وشارون وصوفر وعين الدلبة وطرابلس- المينا وترشيش وبتغرين ونابيه، في قصر المؤتمرات في ضبيه.

وألقى كلمة قال فيها: "المتغيرات في لبنان لم تحصل فجأة كمثل ما قيل في التورات "وخلق الله العالم"، اي ان لبنان استقل في 14 آذار. لا نستطيع ان ننسى المسيرة الطويلة التي اوصلتنا الى هنا، ولم ننس ان بين 14 آذار الاول والآخير، 17 مرة 14 آذار، هي التي بنت 14 آذار.

لقد شاءت الظروف ان نلتقي قوى استفادت من الرمز ونسيت مدلولاته الحقيقية والمبادىء التي التقينا عليها. 14 آذار هو يوم تحرير الارض، ولكن لم يتحرر الحكم بعد من ذهنية السيطرة والسعي الى السيطرة. 14 آذار كان لبناء الحوار اللبناني - اللبناني وتحرر المواطن، وقد نسوا هذا. 14 آذار كان لاعادة بناء لبنان الاقتصادي وليس لبناء مصالح خاصة، وكان لمحاربة الفساد الذي هو اخطر عنصر، ويأتي في موازاة الاحتلال. اذا أمامنا أيام صعبة جدا لننهض بالبلد الذي نحلم به ونصارع من اجله. فخلال 30 سنة، مررنا في تجربة قاسية، هي تجربة المواطنين الذين تعذبوا وعانوا ولديهم الرغبة في ان يصبحوا مواطنين في وطن، واضطهدوا.

وبالتوازي مع هذه التجربة التي علمت المواطنين ان يسعوا الى وطن، هناك تجربة مافيا استغلت الوطن وسرقته، سواء لحسابها الخاص او لحسابها المشاركة مع المحتلين. وهذه المافيا لم تزح بعد عن كاهل الوطن ولا تزال تنظر الى الحكم والوطن على أنهما مصالح للاستفادة منها، مغيبة مصلحة المواطن. اذا لدينا طريق نصارع فيه كي نحرر المواطنين والحكم من هذه الذهنية".

أضاف: "نراهم يطلقون وعودوا كثيرة، لكنهم لا يحترمون إلا القليل منها. يتحدثون عن المواطنية ويعملون على مذهبية ضيقة، يتحدثون عن العدالة بين المواطنين وينفذون "محازبة" سياسية، يتكلمون على بناء اقتصادي ويشرعون لمصلحتهم الشخصية. هذا لا يبني وطنا، فما زال الوطن بالنسبة اليهم شركة تجارية والمواطنون زبائن. لا يملكون فكرة الدولة بعد. فعلى رجل الدولة ان يأخذ على عاتقه مشاكل المواطنين، أما هم فيتصرفون كأن الدولة شركة خاصة لهم, يصرفون الموظفين او يوظفون تبعا لاهوائهم ومقاييسهم ومعاييرهم وبحسب العلاقة الشخصية. لكل هذه الاسباب تروننا نختلف في بعض الاوقات مع السلطة، فنكون في المعارضة وليس في الموالاة. يجب ان تعرفوا ماذا يحصل".

وأكد "أننا لن نساوم على أي مصلحة عامة لكي نكون شركاء في السلطة، فنحن لسنا شركاء في شركة خاصة نود ان نسحب منها أرباح المواطنين، نحن في قطاع عام، في دولة تسعى الى بناء نفسها حتى تؤمن مصالح المواطنين. أكتفي بهذا القدر من الملاحظات العامة على الاداء الذي نراه في لبنان، وأقول اننا نرغب في ان ندعم حكومتنا ونثبت السلطة والدولة، ولكن لا نستطيع في اي شكل دعم رغبات أو مصالح خاصة. ولذلك سوف نأخذ الطريق المعاكس للاداء الحالي.

لقد تكلموا في الاسبوع الاخير على المقابر الجماعية في عنجر، ولكن لبنان مليء بالمقابر الجماعية المشابهة لعنجر. واذا أكملوا نبش المقابر فسوف يسقط القانون الذي أقروه عام 1991 للعفو عن الجرائم قبل هذا التاريخ، لان الكل في لبنان كان يملك مقبرته الجماعية الخاصة. هذا مؤسف، والعودة الى هذا الموضوع تؤذي طبقة كبيرة من السياسيين وتحملهم التبعة. لذا عليهم الادراك ان ليس لديهم الحق في ان يصفوا غيرهم "بالمليح او الوحيش" لان السترة افضل لهم".

وأعود بالكلام الى الفساد. إذا فتحنا الملف، فأعتقد ان هناك وجوها كثيرة تختفي من الطبقة السياسية، ويجب ان يعوا ان دورهم اصبح محدودا، فيسلموا الامر الى الاصحاء ضميريا واخلاقيا. فنحن ككل مجتمع يعمل من خلال القوانين، بالاخلاقيات ووفقا للتقاليد التي تأخذ طابع القانون الاجتماعي بالعلاقة، اذا ارادوا التخلي عن الاخلاقيات والتقاليد العريقة التي تحدد العلاقات في المجتمع اللبناني، ولم يحترموا القانون، فماذا يبقى من المجتمع؟ طبقة كبيرة من السياسيين خرجت على القوانين وعلى التقاليد والاخلاقيات. عليهم ان يخجلوا او يستتروا وراء المعصية، فذاكرتكم يجب الا تكون قصيرة حتى ولو سامحتم.

لسنا في مختبر وليس شعبنا حيوانات مخبرية يجرون عليها التجارب. على المجتمع ان ينهض بفكر حديث ليواكب عصره ويبني وطنه".

سئل: أين أصبح التنظيم الداخلي للحزب؟ وكيف نستطيع في الحزب ان نوفق بين المثالية والواقعية؟

اجاب: "الفوضى داخل التيار بدأت تنظم بعد إعادة تنظيم الحزب. وهناك عشرات الالاف من الناس لا يعرف واحده الآخر، ولم توضع بعد طريقة عمل ثابتة ليتدربوا عليها. لديهم افكار مختلفة لكنهم يتوافقون على الامور الاساسية. من حسنات اللبنانيين انهم يملكون المبادرة الفردية، ومن سيئاتهم انهم يملكون روح الفردية، وهم يحتاجون الى وقت وثقافة مشتركة للوصول الى المرحلة المقبلة. ومن الطبيعي ان تحصل مشاكسات عندما يكون عدد الذين يعملون معا كبيرا، فهذا يجب ألا نخاف منه. اما كيف نوفق بين المثالية والواقعية؟ فالمثالية هي الهدف والعمل له وفقا لمعايير ومقاييس اخلاقية حقوقية، فالواقعية في القبول بأشياء لا تتجانس مع المقاييس والمعايير والمبادىء التي يتعاطاها الانسان في المجتمع. الواقعية تقضي ان نفهم ما نعيش ويمكن ان يكون غير مثالي, المثالية هي التي تدلنا على الطريق الذي نمشي عليه في اتجاهها، فبالواقعية نمشي رويا كي نرفع العثرات الواحدة تلو الاخرى ".

سئل: كيف ترى امكان نشر فكر العلمنة في لبنان في ظل الطائفية؟.

اجاب: "كل فكر يبدأ كأنه استثنائي وله جمهوره المحدود، ثم يتطور ضمن المجتمع. كيف بني التطور في قلب المجتمعات؟ مثلا نهرو وغاندي كانا تلميذين في لندن عام 1902 وتعارفا، وغاندي كان يفكر في استقلال الهند وتعاون مع نهرو، ثم عادا الى الهند وجالا فيه ولم يكن هناك اي وسيلة اعلامية متوافرة, لا الهاتف ولا الانترنت ولا التلفزة، بل كان الراديو فقط وخط يوصل الخطوط السكك الحديد، ثم سنة 1948 استقلت الهند. ففي كل مجتمع مقاومة للتغيير تنطلق من ذهن شخص اولا، ثم تكبر الرقعة لتعم المجتمع، وهكذا حصلت العلمنة في اوروبا. منذ سنين في ايرلندا لم يكن يسمح بالزواج المدني, فالعلمنة هي فكرة وفكر يجب ان يعم القاعدة اولا ليصبح لاحقا على مستوى الدولة". اضاف :"هناك نموذج في تركيا، اتاتورك اراد ان تكون الدولة علمانية، ولم ينجح. وعادت الدولة اسلامية بالتفكير والنهج لأنها لم تأت نتيجة اقتناع شعب طالب بها ليحميها. ونحن نسعى ضمن مجتمعنا لنشر الفكر العلماني ليأتي التغيير على يد الشعب. فبتركيا الجيش هو الذي يحمي العلمنة ونحن لا نريد نظاما كهذا بل هو الشعب الذي يقول كلمته. اليوم في وضع مجتمعنا كان لنا الجرأة والاقدام في عز التحجر بالمذهبية ان نطرح الفكر العلماني".

وتابع:" لكل مرض هناك دواء ، فضمن مجتمعنا، المذهبية والطائفية المتحجرة البعيدة عن الممارسة الدينية، يلزمها علمانية التي هي الدواء المعاكس للسم. فنحن علمانيون ولكننا مؤمنون، والعلمانية يجب ان تكون ثقافة وننتقل من النظام المذهبي الضيق للمواطنية التي توفر للجميع ان يكون له الواجبات والحقوق نفسها. اعتقد ان التفكير العلماني يؤمن للمسيحي مجتمعا منفتحا بصرف النظر عن توزيع السلطات فيه، لان توزيع السلطات يكون سياسيا على اساس برنامج وليس المعتقد الديني هو الموقع ليحدد الحقوق والواجبات.

اما بالنسبة للمسلم فهو خيار جديد لدخول الحداثة في العالم اليوم دون ان يكون ملزما بخيار السلفية الذي هو ضد تطور المجتمع. فالجمعيات هي تعددية وما تبقى من الاحادية سوف تتطور الى التعددية والاطار لها هو العلمانية. نحن باختيارنا العلمانية اخترنا المستقبل والتخلص من الماضي المتحجر".

سئل: هل هناك تحالف جدي بين "حزب الله" و"التيار الوطني" ولماذا لم يترجم على الارض؟

اجاب:" كل اللبنانيين بمختلف توجهاتهم ومشاربهم السياسية يحملون الهوية اللبنانية، ولكن الممارسة السياسية ضمن النظام الديموقراطي تقضي للانسان ان يكون له توجه سياسي ورؤية سياسية وتكثر الاحزاب ضمن الاحترام المتبادل والتنافس الشريف. ليس من استغراب في التخاطب بل الحوار والتخاطب في الحياة الديموقراطية هو القاعدة. فعدم التخاطب شاذ ويكبر العدائية. فالحوار المستمر ضرورة حول اي شأن عام. انتهينا من الوصاية السياسية والامنية والاقتصادية. وقد تركت وراءها امورا كثيرة لان المجتمع لم يبن خلال 15 سنة على اساس توحيده وانصهاره والسلم الاهلي. بل كانت تعابير تختلف عن الممارسة. فهناك امور موروثة ومشاكل يلزمها حلول ولا نستطيع حلها الا بالحوار. فاذا وقعت مشكلة بين اثنين فيجب على كل منهما ان يقول ما هي مشكلته لكي يحلها الاثنان". اضاف :"الحوار مع "حزب الله" ومع غيره يقضي ببناء جسور ثقة اولا، ثم نضع مخاوفنا ومشاكلنا على الطاولة سوية كفريق واحد معني بوطن واحد كي نستطيع حلها، لان اي وسيلة اخرى غير الحوار، غير صالحة لانها تؤدي الى التصادم ولا احد يريد او يرغب بالتصادم، هناك افرقاء يعتقدون ان الامور "بتخوف" انا لا اخاف من احد، انا ابن المؤسسة الوطنية، وابنها هو الاكثر الذي يعرف يمهنة السلاح، والسلاح لا يحمي الوطن بل الذي يحمي الوطن الصغير هي الوحدة الوطنية التي تحصنه ضد اي تدخل خارجي.

نحن علينا ان نتعاطى مع الخارج كلبنانيين. على كل لبناني ان يكون رسولا لبنانيا في الخارج لا ان يكون رسولا خارجيا في لبنان. اذهب الى الولايات المتحدة لبنانيا واعود لبنانيا، اذهب الى ايران لبنانيا واعود لبنانيا، اذهب الى السعودية لبنانيا واعود لبنانيا. انطلاقا من هذا الفكر المطابق للسلوك وللكلمة ادعو كل لبناني الا يكون لديه عقدة ان يتكلم مع الآخر مهما اختلفت وجهات النظر وهكذا نصل الى الحلول السليمة". ثم القيت كلمات الوفود، وسلمت باقات الورود والهدايا الرمزية الى العماد عون وانتهى الاحتفال بمصافحته لكل شخص من الوفود.