المجلس النيابي قد يُحلّ حكماً لانه سيصبح غير قادر على تأمين الاستمرارية»

عون لـ«الديار»: اذا فشل الحوار فستسقط الحكومة وسيُكمل لحود ولايته 

كلير شكر-الديار  26 اذار 2006 

يروي الجنرال ميشال عون رواية في معرض تعليقه على السجال الدائر حول الملف الرئاسي ‏فيقول: انه كان هناك مرشح نيابي دائم يدعى جان جلخ يترشح عن دائرة بيروت دون ان ينال ‏كمية كافية من الاصوات كي ينجح، وهو كان على علاقة طيبة باميل لحود (عم الرئيس الحالي ‏اميل لحود) وكانا من اصحاب النكتة. لما توفي والد جلخ طلبت منه والدته ان يطلب من رسام كبير ان يرسم لوحة تمثل والده بعدما أمنت له المبلغ المالي المطلوب. وبما انه كان يحب «شرب ‏الكأس» قام بصرف المال دون تأمين اللوحة فيما تسأله والدته باستمرار عن مصير هذه ‏اللوحة، عندها توجه الى صديقه وطلب منه لوحة جانبية، فأعطاه لوحة قديمة تمثل شخصاً غير ‏معروف. ولمّا اخذها الى والدته سألته عمن يكون الشخص صاحب الصورة، فأجابها بأنه والده. فردت بأنه لا يشبهه. فقال لها، ليس هناك من مشكلة علّقيها على الحائط ومع الوقت ستعتادين عليه.

وقد تختصر هذه «القصة القصيرة» المأخوذة من الواقع اللبناني، شيئاً من المعركة الدائرة ‏على الساحة المحلية على خلفية الملف الرئاسي الذي بات الطبق الاساسي على مائدة الحوار التي يستضيفها المجلس النيابي، حيث يحاول العماد عون الايحاء بأن اخصامه يفتّشون في نادي ‏المرشحين عن «شبه رئيس جمهورية» لا يمثل الشارع الذي ينتمي اليه، وانما المطلوب ان يعتاد ‏عليه اللبنانيون مع مرور الوقت.

اذ دخلت الحرب الرئاسية، معركة المعايير والمواصفات المطلوبة في «بروفيل» الرئيس العتيد، علماً بأن الجنرال لا يزال يصرّ على ربط مسار ومصير التغيير والبديل، بمعنى انه لا مجال للتغيير دون الاتفاق على البديل رغم ان قوى 14 شباط تحبّذ الفصل في هذا المجال وتفضّل اجراء التغيير دون ان يكون هناك اتفاق مسبق على البديل.

ورغم الاجواء السلبية التي تسرّبت من بين جدران الحوار الدائر في ساحة النجمة بعدما بلغ المحور الاكثر تفجيراً وهو رئاسة الجمهورية، يصر الجنرال عون على ان المشروع الحواري لم يصل ‏الى حائط مسدود طالما ان الجميع لا يزالون على طاولة الحوار التي ستبقى قائمة الى حين الوصول الى امور جديدة. ويقول: «القضية ليست مزحة، رئيس الجمهورية سيُنتخب لمدة ست ‏سنوات، صحيح انه ليس الحاكم الاوحد لكنه الموجّه الاول والذي يعمل على تحجيم المشاكل والخلافات ويضع الاتجاه الصحيح للحكم».

كما ان الخلافات التي بدت واضحة خلال الجلسة الاخيرة لم تبدد النظرة التفاؤلية التي يظهرها ‏«الجنرال» ازاء الحوار ويقول ان الانطلاقات تكون على الدوام من مواقف مختلفة اذ ان الحوار لا يحصل اذا كانت المواقف موحّدة مشيراً الى ان الجلسات تتناول اموراً جوهرية. «اذ ان تحضير استقالة رئيس الجمهورية وتحضير البديل له، فمسألتان تحكم كل واحدة منهما محاذير وصعوبات وجب درسها بدقة». ويرى بأن الاجماع المطلوب يُفترض ان يكون حول المسألتين معا اي التغيير والبديل، بمعنى ان التغيير لن يحصل الا بعد الاتفاق على البديل.

اختلاف حاد

ولكن كيف يمكن حصول الاتفاق على البديل طالما ان قوى 14 شباط ترفض وصول العماد عون الى ‏الرئاسة في حين انه لا يرى غيره مرشحاً جدّياً لهذا المنصب؟

يجيب: لست انا من يصنّف المرشحين بل الناس هي من تقوم بذلك، اذ ان استطلاعات الرأي تقول ان هناك الاول ويليه العاشر لأن البقية غير موجودين. فالاول يتمتع بتأييد خمسين بالمئة من ‏المستطلعين، اما الثاني فلا يحظى باكثر من عشرة بالمئة. 

اذاً هذا الوضع يُظهر بأن الاكثرية النيابية لم تعكس الاكثرية الشعبية خلال الانتخابات لألف سبب وسبب يعرفها اللبنانيون، كما ان المجلس الدستوري لم يبّت بالطعون المقدّمة، ما حوّلها الى اكثرية مؤقتة، واذا رفضت ان تأخذ بعين الاعتبار النقطتين الاساسيتين، فيحصل نوع من ‏الاغلاق على الوضع.

ويعترف عون بأن ثمة اختلافاً جذرياً حول موضوع الرئاسة، غير انه يدعو الى النظر بطريقة واقعية الى الامر «والا يجب التفتيش عن حل آخر»، وقد يكون بالنسبة للجنرال الانتخابات ‏النيابية المبكرّة.

ولكن قوى 14 شباط ترفض هذا الاقتراح. يقول عون، يرفضون هذا الاقتراح وغيره من الاقتراحات، على ماذا سيوافقون؟ ولهذا فإن احتمال تعرض الحوار للجمود بفعل الخلاف الجذري حول الملفات، يفتح المجال امام ‏احتمالات اخرى، منها على سبيل المثال، كما يقول عون، سقوط الحكومة لانها ستكون فشلت فشلا ‏ذريعا بعد عشرة اشهر من تشكيلها» على ان تقوم بعد ذلك حكومة جديدة تمسك زمام الامور بيدها، في حين ان الرئيس لحود يكمل ولايته».

وفي هذا الوقت يفترض ان ينتقل الملف اللبناني الى طاولة الحوار العربية من خلال المشاورات ‏التي سيجريها القادة العرب في العاصمة السودانية، الا ان ذلك لا يعني بالنسبة للجنرال انتقال الملف اللبناني الى السودان علما بأنه يؤكد بأن الخطاب الرسمي لن يتعرض لهذا الموضوع، مشيرا الى ان الكثير من النواب اللبنانيين يتمتعون بشبكة معارف عربية وهم يقومون بجولات في تلك الدول، الا ان عون سيبقى في البيت، كما يقول، نافيا ان يكون قد عرض المشكلة على احد او على سفارة او وزارة.

واذ يعتبر عون ان الوضع الاقليمي تغير منذ سنة وحتى اليوم، معربا عن اعتقاده بأن الخط ‏الذي اتبعه هو السبّاق في التوجه السياسي وفي ملاقاة التحول الاقليمي، مشيرا الى ان الباقين قد لا يملكون المنطلقات نفسها للتحليل واستطلاع الاحداث القادمة، لافتا الى انه تلاقى في ‏اكثر نقطة مع الرؤية في السياسة الاقليمية.

ولكن هناك من راهن على سقوط النظام السوري؟

ويجيب عون، ان من يجيد قراءة السياسة الدولية، لا يمكن ان يراهن على سقوط النظام السوري لانه غير ممكن نظرا لعدم وجود البدائل.

ولم تغب الاتهامات لسوريا بعرقلة الحوار اللبناني حيث تحدث الدكتور جعجع عن «تعليمة» لعرقلة المشروع الحواري مراعاة لمواقف خارجية، ويقول عون بأن هذا الكلام هو «احلام» مشيرا ‏الى انه لا يدري هوية الفريق الذي قد تتمكن سوريا من التأثير عليه «ولكن على الاقل هم ‏غير قادرين على التأثير علي، علما بأن من كان يتأثر بالسلطات السورية هو اليوم في الطرف الآخر وليس من ضمن مؤيدينا». ورداً على سؤال حول اسباب اصرار قوى 14 شباط على اقالة رئيس الجمهورية وعما اذا كان ‏ذلك استجابة لمطلب اميركي بهدف تطبيق القرار 1559، يعتبر انه كان ثمة نظام قائم خلال فترة ‏الوصاية السورية ويمكن ان يطاول التغيير الذي حصل، رئاسة الجمهورية، ولكن ما جعلها ‏تستمر هو تيار الاكثرية لانها اكثرية موقتة ترفض ان تأخذ بعين الاعتبار المعايير والمقاييس ‏لتأمين البديل للرئيس الحالي وهي تتحمل وحدها مسؤولية تردي النتائج سواء في الحكم او في ‏الوضع العام.

انتخابات مبكرة

وما تزال احتمالات فرض الانتخابات النيابية المبكرة بشكل قسري بفعل «تطيير» المجلس النيابي الحالي، واردة خصوصا اذا ما فشل المتحاورون في انتاج صيغة توافقية، فما هو رأي الجنرال؟

يقول : انه في كل الانظمة البرلمانية الديموقراطية اذا اصاب الشلل البرلمان وأصبح عاجزا عن القيام بمهماته، فتصبح الحاجة الى انتخابات مبكرة، ملحة، وهم حتى الان لم يقتنعوا بالفكرة، ولكنني اعتقد انهم اذا لم يأخذوا بعين الاعتبار المعايير التي تسمح بوصول رئيس ‏للجمهورية، نريدها للعهد الاستقلالي فعندئذ سيحل حكما المجلس النيابي، لانه سيصبح مشلولا ‏وغير قادر على تأمين استمراريته. اذ انه في الانظمة الديموقراطية، في حال تعرضت اي مؤسسة دستورية للشلل تحل فورا.

ولكن القانون الانتخابي الجديد ما يزال قيد التحضير ويبدو ان موعد ولادته معرض للتأجيل والتأخير، غير ان هذا الامر يدفع بالجنرال الى القول انه لا مانع من اخذ الخلاصات التي توصلت ‏اليها الهيئة الوطنية المكلفة وضع قانون انتخابي، وعرض على المجلس النيابي كي يقوم بدورها بمناقشتها والتصويت عليها، سائلا : من قال بأن السلطة التشريعية لن تدخل التعديلات على اقتراحات الهيئة؟

وعما اذا كان هذا يعني بأن المجلس لن ينتظر الهيئة حتى تنتهي من عملها يجيب: تستطيع الحكومة ان تعطيها المهلة التي تريد، ولكن اذا طرأ اي امر، فيمكن للمجلس ان يطالب ‏بدوره التشريعي.

هل هناك مهلة زمنية للحوار؟

يرد عون : اكيد ليس هناك امر يظل الى ما لا نهاية، ولكن ثمة احداث يفترض اخذها بعين ‏الاعتبار وفي طليعتها القمة العربية. وسنتابع اجراء الحوار اذ ثمة امل بالوصول الى الحل.

والا فإننا سنعلن اننا بلغنا حائطا مسدودا، عندئذ يفترض ان تستقيل الحكومة، او ان ‏تستقيل الحكومة ويستكمل الحوار حول الحكومة الجديدة. اذ من يتحمل مسؤولية الشلل والجمود ‏الاقتصادي؟ والا فإن الحكومة تدفع الناس الى الافلاس والبحث عن تأشيرات للهجرة. عندما لا تستطيع الحكومة ان تحكم فيجب ان تستقيل.

ويرفض عون ان يوجه اليه سؤال عما اذا كان هناك مرشح جدي غيره للرئاسة يتمتع بالمواصفات المطلوبة، لافتا الى ان هذا السؤال يوجه الى غيره ولكنه يقول : يمكن لكل الاشخاصان يترشحوا ولكن المهم من سيفوز. اما المعايير فيفترض بالنواب والشعب ان «يقيسها»، علما بأن الرأي العام اعطى ويعطي رأيه في هذا الموضوع.

واذا كان الجنرال يتسلح بالتمثيل الشعبي الذي منحته اياه الانتخابات النيابية، فإن اخصامه يقللون من اهمية الحيثية التمثيلية للوصول الى سدة الرئاسة، فيرد عليهم «الجنرال» ‏‏:«ما هي المعايير المطلوبة اذا؟ ان يكون يتيم الاب والام، «يسمع الكلمة» وان يكون على «‏PAYROLL‏» احد عظماء العالم؟ يرفضون ان يكون شخصا ممن اختارهم الشعب، يجب ان يكون ‏برأيهم مكروها من شعبه وان يعتادوا عليه مع الوقت!

القمة العربية

اما بالنسبة للسجال القائم حول توجه الرئيس لحود الى الخرطوم للمشاركة في القمة العربية فيصف «الجنرال» هذا الجدل بـ«غير النافع» لان هناك بروتوكولا

يجب احترامه، ثمة دول تصرفت مع الرئيس لحود خارج اطار البروتوكول وحصلت ازدواجية في ‏التمثيل اللبناني في الامم المتحدة ولكن لا يُفترض ان يحصل ذلك في الجامعة العربية، فهذا ‏مؤتمر للرؤساء.

ماذا عن الحجة القائلة بأن الرئيس لحود مشكوك بدستوريته؟ يجيب عون: لا يحق لهم التدّخل، ‏فهذا يتعلّق بالسيادة الداخلية، هناك مجلس نواب جديد، والرئيس لا يزال في موقعه ولم يتمكن احد من خلعه اذاً لا يزال يتمتع بالشرعية. وفي الوقت الذي توجه فيه قوى 14 شباط ضرباتها باتجاه الرئاسة الاولى كان التقرير الاول للقاضي البلجيكي سيرج براميرتز يُزيل الشبهة عن الرئيس لحود، ويرى فيه عون انه كان موضوعياً وهادئاً لا يتضّمن الصخب بشكل كبير. وهو فتح احتمالات جديدة قد تتحكّم بمسار التحقيق بعدما كان الاتجاه يصب باتجاه سوريا فقط ولكنه اليوم قد يكون خلق اتجاهاً آخر. التحقيق يبحث عن مرتكب الجريمة ويجب سلوك كل الطرق للوصول الى الحقيقة. ولا ينكر عون بأن الوضع اللبناني يتأثر «بالاتجاهات» التي يسلكها التحقيق وهو من هنا دعا الى عدم الاستعجال في توجيه التهم لانه يجب انتظار التحقيق كي يأخذ مجراه. و«قد طلبت منذ البداية عدم اجراء المحاكمات من خلال الصحف وعدم استباق التحقيق، وقد سمعنا احكاماً مسبقة لم يوصل اي منها الى نتيجة حتى الآن».

ويؤكد تأييده للمحكمة المختلطة مشيراً الى انه اول من طلب بهذا الشكل من المحاكم لانها الافضل اذ يفترض ان يكون اللبناني مشاركاً في قضية تعنيه، لافتاً الى انه تفاجأ من الحادث الذي تعرض له النائبان ادغار معلوف ونبيل نقولا من قبل عناصر مواكبة فريق لجنة التحقيق ‏الدولية، حيث قال وزير الداخلية بالوكالة احمد فتفت بأن لا علاقة له بلجنة التحقيق وما يصدر عنها، «ولكن هذا امر غير مقبول فالقوى الامنية المكّلفة حماية اللجنة لا تتمتع بالحصانة الدولية، هل هي قوة دولية».

ويبقى السؤال عن قصد الجنرال برستم الاقطاع ورستم المال؟

يقول: لم اقصد احداً، فأنا استعمل على الدوام هذا التعبير وعلى اللبنانيين ان يستنتجوا ما يريدونه. لم اسمِ احداً ولا يُفترض بأحد ان يعترض على استعمالي هذا التعبير.

اذا كان هناك ثمة تشابه في الكلام فالناس «ستحزر» اما اذا قد اختلقت هذه الصفة فلن تصّدق الناس هذا الكلام. وانا لم استعمل هذا التعبير كي اشبه رجلاً برجل آخر، فهذا التشبيه بُقصد به سلوك سياسي معين.

ويلفت الى ان اجواء الجلسة الحوارية الاخيرة كانت ايجابية حيث خرج كل فريق المعايير للتغيير والتبديل ورفعت الجلسة كي يتم درس هذه المعايير. وقال: لقد طرحت ان يترك كل مرشح ‏الطاولة وان ينوب عنه احد ممثليه، لانها طاولة حوار وليست مرشحين. لافتاً الى ان الحوار قد ‏يستمر حتى لو تم انتخاب رئيس جمهورية جديد، مشيراً الى ان ملف المقاومة ستتم مناقشته بعد ‏مسألة الرئاسة.