لم ابدأ المعارضة بعد .. والسلطة غير قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة»

عون : الكثير من المقابر الجماعية قد يؤدي الى اسقاط قانون العفو

 المطالبون بالمحكمة الدولية يشهدون «لطرف» من الحقيقة ويعيشون سياسياً من ريعها 

ملاك عقيل - الديار 8 كانون الأول 2005

«رئيس المعارضة» لم يدخل معترك المعارضة بعد... «الجنرال» ما يزال ينتظر «ثبات» موقع السلطة حتى يمارس الدور الحقيقي للمعارضة... «حتى الان ما ازال ساكتاً، يقول ميشال عون، السلطة ما تزال «تهزّ» وغير قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة.. هناك مئات الاسباب التي دفعنا الى ممارسة المعارضة القوية لكن مسؤوليتنا الوطنية تدفعنا الى التأجيل».

لكن مرحلة «التأجيل» تغلي بالرفض العوني للعديد من المظاهر «الشاذة» الصادرة عن فريق ‏‏الاكثرية» وان كانت خطوط الانفتاح مفتوحة على الجميع «لان الرابية لا تضع فيتو على احد وابوابها مشرّعة لكل الزائرين». الدخول «المستعجل» «لتكتل الاصلاح والتغيير» على خط المجلس الدستوري عبر التحضير للطعن ضد قانون اعادة تشكيله قبل اتخاذ رئيس الجمهورية موقفاً منه عبر رده او نشره في الجريدة ‏الرسمية يبرره كما يقول العماد عون «طرحه على جدول اعمال الاجتماع الاخير للتكتل، والطعن له اسبابه العديدة خاصة انه في لجنة الادارة والعدل الذين اعطوا الاكثرية لاعتماد هذا القانون قبل تحويله الى مجلس النواب مطعون في نيابتهم، فكيف ان المطعون بنيابته يصوّت على قانون يسمح له في ما بعد ان يعّين القضاة الذين سيحاكمونه».

ويوضح «لقد قررنا الطعن لكننا لن نتقدم به الا عندما يقرّ القانون بعد اقترانه بتوقيع رئيس الجمهورية. واذا لم يقترن بهذا التوقيع سيعود الى مجلس النواب، وعندها نطعن فيه». ولا يبدو ان رئيس المعارضة النيابية قد تراجع عن القاعدة التي تحكم تعاطيه مع بعض من ‏‏«زملائه النواب» البعض ممن طعن في نيابته يستمر بعمله بشكل طبيعي مع ان وضعه النيابي ‏«غير ثابت».. في بعبدا - عاليه طعنا فقط ببعض المقاعد وليس بالانتخابات برمتها لاننا قدرّنا مسبقاً بانه في لبنان لن نجد قضاة قادرين على الغاء الانتخابات».

واذا كان القرار بالطعن بقانون المجلس الدستوري قد جاء بعد ساعتين من لقاء السنيورة - عون في الرابية فان «الجنرال» يحرص على توضيح الاطار الذي جاءت ضمنه هذه الزيارة «لقد ‏حددت اللقاء بانه تحت عنوان «المعارضة خارج الحكم لكنها ليست خارج الوطن ودرسنا ‏المواضيع التي لها مدلولات وطنية وتشعبات اقليمية، كالمحكمة الدولية والقرار 1559 وغيرها ‏من المواضيع التي تتطلب اجماعاً وطنياً». والتفاصيل بحاجة الى الوقت».

لكن هل يميز «التيار الوطني الحر» بين موقع رئاسة الحكومة ومن يمثلها وبين «انتماء» هذا ‏الموقع الى «الاكثرية» في السلطة؟

يقول عون «كل انسان له قيمته الذاتية التي يضيفها على المجموعة، والرئيس السنيورة ذات طباع دمثة واخلاقية عالية ونتعاطى معه بمقاربة هادئة حول الملفات، وهو قادر على ممارسة الديمقراطية مئة بالمئة ونحن لا نستطيع التشكيك بهذه الصفات فيه بصرف النظر عن النتيجة... وطبعاً هو كرئيس حكومة منشق من تكتل سياسي ملزم باحترام توجهاته.. وعند ‏هذه النقطة نحن نختلف في قضايا ونتفق في قضايا اخرى».

‏«التحالف الرباعي»‏

وعلى اي مسافة يقف النائب عون من الدعوات «لرص صفوف التحالف الرباعي» بعدما تكفل لقاء الرابية» بتبديد الهواجس حول تحوّله الى «حلف» بوجه حزب الله، وبعدما سبق للجنرال ‏عون ان مارس دور «جامع الخصوم» في الانتخابات النيابية «عندما تكتل الجميع ضدي» كما قال يومها؟

رئيس المعارضة النيابية يتمنى «ان يتفاهموا لنرتاح ولنبدأ المعارضة فعلاً.. حتى الآن ما ازال «ساكتاً» لانني لا اريد ان ازيد البلبلة على مستوى الوطن. انا لم ابدأ المعارضة بعد، ‏ما زلت متفرّجاً، وعندما سنبدأ بممارسة دورنا سيكون هناك اداء مختلف، فطالما السلطة ما تزال «تهز»، وغير ثابتة فلا يمكن ممارسة المعارضة الحقيقية... وفي هذه الحالة ان سلطة من هذا ‏النوع تؤذي الوطن، ولو انتبه البعض لهذا التمييز لما كانت وقعت احداث كثيرة في لبنان...». وجنرال الرابية» لا يتخوف من تدعيم «جبهة» التحالف الرباعي ولو كانت ضده «ان كان التحالف من اربعة او ستة اوعشرة اطراف.. ان التحالف من دون تأثير على السلطة في الوطن او تفاعلات خارجية، يؤثر علينا».

ويستعين بمثل «المصارف المفلسة» فاذا كانت ثلاثة او اربعة او عشرة مفلسة... فهي غير قادرة ‏على ان تشكل مصرفاً عائماً، على مستوى الممارسة الداخلية ولكن على مستوى ردود الفعل ‏الخارجية اذا لم يكونوا منسجمين مع بعضهم البعض فهنا تبرز التأثيرات السلبية على مستوى ‏الوطن».

هذا الموقف من «تأثيرات» التحالف الرباعي لا يحجب الخط الثابت مع احد اركانه وهو حزب الله، ‏ومن ضمن هذا الاطار كانت الزيارة النوعية التي قام بها المسؤولان في «التيار» جبران باسيل ‏وزياد عبس الى مسؤولي حزب الله في حارة حريك فور انتهاء زيارة عون الى الولايات المتحدة ورجوعه الى بيروت، يقول عون «لقد اعطيت تفسيرات مخطئة عدة لزيارتي الى الولايات المتحدة. لقد تم تبادل وجهات النظر في ما بيننا في العديد من الامور، لكن البعض لا يقبل باننا لم ‏نتكلم في رئاسة الجمهورية او اننا لا نحضر حلفاً ضد الحكومة... اقول لهم الحقيقة لكنهم  يفتشون عن كل شيء الا الذي قلته، ويقعون في الخطأ».

عبارة كليمنصو الشهيرة «قاعدة ذهبية» يتبعها الجنرال تجاه هذا النوع من الـ«بروباغندا» ‏التي تطاله «اذا اردت ان تغش الناس قلّ لهم الحقيقة» انا اغشّ كل العالم لانني اتبع قول كليمنصو.

حزب الله» الجو اللبناني الموبؤ اعلامياً واجتماعياً في تناقل الاخبار دفعنا، يضيف عون، الى الاجتماع مع الاعلاميين وعقدنا اجتماعاً كتكتل والتقينا مع حزب الله لتوضيح الصورة، مؤكدا ان ‏اللقاءات كافة مع حزب الله هي لقاءات علنية وليست سرية وان كان بعضها لم يتداولها ‏الاعلام.

واذا كان البعض اعتبر ان اللقاء الاخير هو «رسالة» فليكن مع العلم ان هناك خطاً ثابتاً ‏مفتوحاً مع حزب الله وقد دشن قبل وصولي الى لبنان».‏

ميليس

على خط اخر كيف يفسر الرئيس عون تنحي القاضي الالماني ديتليف ميليس عن «مهمة» متابعة ‏التحقيق الدولي؟ يرد عون «في بعض الاحيان قد يحس القاضي بانه اخطأ ويريد تصحيح الخطأ فيترك منصبه هذا ‏احتمال. او انه قد يشعران مهمته قد انتهت وهو غير قادر على فعل شيء فيتنحى جانبا ايضا وهذا احتمال ثان، ومن الممكن كما يقول البعض بان تسوية ما قد فرضت عليه فيرفضها ‏ويتخلى عن مهمته انسجاما مع ضميره المهني.

ليس من السهل معرفة الحقيقة في هذا الموضوع لان الاستقالة ترافقت مع عدة امور منها ‏الشاهد السوري (هسام هسام) والحديث عن «ضمانات» اعطيت لدمشق .. وهذا الامر كفيل بان ‏يخلق في اجواء التحقيق بعض الاهتزازات التي قد تدفعه لانهاء مهامه على رأس لجنة التحقيق، ‏مع العلم ان السبب قد يكون احد هذه الامور او نقيضه..».

ولا يزال «التيار الوطني الحر» يرفع شعار «المحكمة المختلطة» نائيا بنفسه عن تجاذبات ‏«توقيت الطرح» ويشرح عون قائلا «يقولون ان البحث في تشكيل المحكمة يتطلب 24 شهرا او 18 شهرا، وفريق يقول بالمحكمة الدولية وآخر بالمحكمة اللبنانية ... قبل «تفجر» هذا الموضوع ‏كنت واضحا في موقفي، انا مع محكمة مختلطة لبنانية للشفافية ودولية للحماية، وفي المبدأ يستطيع اللبنانيون ان يقروا طلب انشاء المحكمة وتبدأ الحكومة والامم المتحدة الاجراءات لتأليفها، وتؤلف عند صدور القرار الاتهامي من الواقع يمكن ايجاد تسوية بين المواقف ‏المتناقضة من هذه القضية».

المقابر الجماعية

لكن هل تتحمل الساحة الداخلية اللبنانية محكمتين دوليتين واحدة لكشف حقيقة اغتيال الرئيس الحريري واخرى في قضية المقابر الجماعية؟ يبدأ التساؤل مشروعا خصوصا مع تزايد الاصوات المطالبة بتشكيل محكمة دولية للتحقيق في المقابر الجماعية المكتشفة اخيرا وفي ‏طليعتها من قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع والنائب وليد جنبلاط.

التيار الوطني الحر الذي يتبنى طوال اعوام نفي زعيمه في فرنسا قضية المفقودين والمعتقلين في السجون السورية وعانى من قمع السلطة واجهزتها خلال حقبة الوجود السوري في لبنان يراقب باهتمام المواقف الحماسية الصادرة من اكثر من موقع سياسي من دون ان ينجر الى حلبة ‏المزايدات في «فحص الدم الوطني».

‏«نطالب اولا بايجاد هؤلاء المعتقلين المفقودين، يقول عون، بعدها نحدد المسؤوليات عن سبب وجودهم ضمن هذا الواقع المرير، وهذه من مسؤولية القضاة اللبنانيين، وعندما يصل الامر ليطال اطرافا خارجيين عندها حكما يتحول التحقيق باتجاه الخارج اما بطلب استرداد او بطلب ‏مساعدة دولية».

وتعليقاً على البيانات الصادرة والداعمة لانشاء محكمة دولية للبت في جرائم المقابر ‏الجماعية يوضح عون «انا اثني على هذا الامر، هناك الكثير من المفقودين الذين نبحث عنهم في ‏السجون السورية قد نجدهم هنا تحت الارض، وهناك الكثير من المقابر الجماعية التي قد تفتح ‏الطريق على اكتشاف اشياء وحقائق كثيرة قد تؤدي الى اسقاط قانون العفو، اغلبية هذه ‏المقابر تحتوي على اناس تمت تصفيتهم في جرائم ضد الانسانية».

بين الشاهد والمؤرخ

يضيف عون لا اعتقد ان ما حصل في لبنان طوال 30 عاما لم تعرف به الاطراف السياسية في ‏الداخل، نسمع اليوم كلمات «استفظاع» لما حصل، نحن «استفظعنا هذا الواقع قبل اليوم ‏بكثير، وتحدثنا عن الحقيقة في وقتها». ويحلو للجنرال ضمن هذه الصورة المأساوية المتداخلة مع «المواقف الرنانة»، السؤال حول ‏الفرق بين الشاهد للحقيقة والمؤرخ والجواب يأتي حتما من الجنرال نفسه «الشاهد للحقيقة يشهد في (الوقت الحقيقي) وشهادته احيانا تكلفه حياته، اما المؤرخ فيكتبها ويعيش من ريعها وريع نشرها.

نحن كنا شهودا للحقيقة في لحظة الحدث، اما ما نسمعه اليوم فهو «تأريخ» خجول للحقيقة، هم ‏يشهدون لطرف من اطراف الحقيقة ويعيشون سياسيا من ريعها». وفيما يحاول بعض النواب تحميل رئيس الجمهورية «مسؤولية ما» في ملف المقابر الجماعية، وتحديدا مقبرة وزارة الدفاع يعتبر عون «ان المسؤولية في 13 تشرين هي مسؤولية حكومية ‏شاملة، منها اجهزة الدولة التي تتحمل قسطا من المسؤولية، الاجهزة الامنية تابعة لوزارة ‏الداخلية وكل الذين تولوا وزارات الداخلية ضمن الحكومة التي هي متضامنة معهم يتحملون ‏المسؤولية.

الوزير لا يعمل بشكل مستقل

ويرى عون «ان من يتكلم عن هذه الحقبات والجرائم التي شهدتها، ويحاول ان يأخذ برءاة ذمة ‏على ظهر الاخر. ان الصحافي الذي علم يومها بهذه الجريمة وسكت ولم يشهد للحقيقة هو مسؤول ‏معنويا، الوزير تترتب عليه مسؤولية جزائية، الكل يتحمل المسؤولية تجاه هذه الجرائم .. ‏هناك حكومة سكتت عن كل الجرائم، هل بامكان احدهم الادعاء بانه، يعرف بجريمة بسوس (اغتيال 15 مدنيا) والجنود الذين اعدموا بعدما اصبحوا اسرى حرب (128 جندياً اعدموا)، الاطباء العسكريون جلبوا الجثث وسلموها لذويهم وعملوا المحاضر .. فاين هي هذه المحاضر ؟ هناك اربعة عسكريين شنقوا في تلة تمرز، في ظهر الوحش نفذوا اعدامات باطلاق النار على الرأس ... هذه كلها جرائم حرب اخفتها الدولة وتجاوزتها، وتدان وفق اتفاقية جنيف، اكثر من ذلك لقد تمادت الحكومة بعدم تغطية تكاليف الاستشفاء للجرحى الذين قالوا انهم من «جيش عون»، هذه ايضا جريمة ضد الانسانية لان القوانين تفرض ان اي عسكري يقع جريحا، حتى لو كان عدوا، ان يخضع للمعالجة ... ولا تزال هذه القضية مفتوحة حتى اليوم».