ما سرّب عن اجتماع رؤساء الأجهزة مخالف لتقنيات جرائم الاغتيال السياسي

عون : أركان الحكم يشبهون ماري أنطوانيت

اسعد بشارة - الديار 09 تشرين الأول 2005

في مكتب ضيق في الطابق الارضي لمقر الرابية يدير الجنرال عون امور السياسة على وقع الموسيقى الهادئة مقطوعات من اغان فرنسية قديمة واجواء حالمة لا توحي ابدا بأن الجنرال في غرفة عمليات وربما هو اليوم بعد كل هذه المراحل التي عاشها مقاتلا على الجبهات ومنفيا في باريس اصبح يفضل الاجواء الهادئة. لقد نال في قصر بعبدا المحاصر نصيبه كاملا من موسيقى قذائف الـ240 وها هو اليوم يستثمر حياته المدنية الى أبعد حد في عالم خاص من صنعه.

ابتسامته تعكس الثقة بالنفس والرضى عن النفس وصفاؤه الذهني جلي لكن حدة مواقفه هي الامر الوحيد الذي لا يفاجئ. تراه يقول كلمته ليقول كلمته وليس اكثر من ذلك والبعض يرى انها مشكلته فيما هو يدرك أنها عنصر قوته وقد اثبتت الايام ان الجنرال الذي يمقت الاعيب السياسيين ويحتقرها والذي يقول الحقيقة التي يؤمن بها استطاع بهذا الأداء ان يرسخ زعامته وان يحقق شعبية لم تسجل لأي زعيم سياسي من قبل.

مساعدوه في الطابق الارضي قلة ابرزهم الزميلة رولا نصار التي تنظم تواصله مع الاعلاميين اما هو فيحب العمل اليدوي المباشر يدخل الى الانترنت ليتصفح تقريرا لاحدى القوى السياسية هاجمه بعنف يطلب نسخة اضافية ليرينا ما كتب ضده بالجرم المشهود لكنه لا يتوقف طويلاً عند هذا الموضوع بل ينطلق بأحاديث معظمها ليس للنشر يتكلم من القلب ومرات عدة تشعر انه لا يمانع بأن يقول ما لا يقال امام الكاميرا وحسب قوله: لماذا يعوّدون الناس على الكذب؟ يجب ان تقال الحقيقة كما هي يقصد طبعا السياسيين في لبنان.

يتذكر الجنرال اثناء تسجيل الحوار احداثا هامة فيطلب وقف التسجيل ويروي تفاصيل ما حدث وما جرى من اتصالات وتحركات منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، احداث لا يعرفها الكثير من الناس وتستحق ان تؤرخ لأهميتها ولانها تدل على ان هذا الرجل يتقن فن المناورة ويستخدمها في خدمة مشروعه السياسي فهو مناور وقادر على استعمال عصارة الميكيافيلية اذا ما شعر انه يتعرض لغدر او لتطويق ويكفي استعراض كل ما حصل معه بعد عودته من باريس ناور خصومه عليه وناور هو عليهم لكنه هزم الجميع بالضربة القاضية.

 

* اين اصبح التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟

- قد يكون التحقيق لم يتوصل الى الآن الى استنتاجات واضحة وهو بحاجة الى المزيد من المعلومات التي قد تتوفر او لا تتوفر. وهذا مرتبط بالوقائع وضمير القاضي. وطالما نحن الذين طالبنا بنتيجة تحقيق دولية فعلينا ايضا ان نقبل بنتيجة اللجنة وفي ضوء ذلك يتم اعتماد ما يجب عمله. لكن لغاية الآن البلد يعيش حالة متردية والحكومة لا تُقدم اي انجاز ولا نرى اي تطور اقتصادي يريح المواطن ولا عمل جاد لتخفيض نسبة المديونية.

* هل تعتقد ان التحقيق الدولي بات مُسيساً؟

- هناك حل واحد سيعتمد من ثلاثة حلول، وهي اما الاتهام الواضح مرفقاً بكل القرائن وهنا لا مجال للاجتهاد، أو هناك تبرئة ولا مجال للاجتهاد ايضاً، اما الاحتمال الثالث فهو ان يكون هناك تصور رمادي مبني على استنتاجات وهذا هو الاحتمال الاصعب لانه يعطي حججاً للطرفين المتخاصمين على الاراضي اللبنانية وهو يؤدي الى نوع من الصراع ولذلك يجب فصل القضية القضائية عن السياسية. واعتقد من الخطأ ان يُربط مصير رئيس الجمهورية بالقضاء.

* هل تعتقد ان ما يتم تسريبه من معلومات يُخالف التحقيق ويضرب مصداقيته؟

- كل الاحاديث التي قيلت والمعلومات التي سربت لو كنا في بلاد ديمقراطية كانت تمت محاسبة المسؤولين عنها خصوصاً تلك الصادرة عن مسؤولين في السلطة التنفيذية، اما عن التسييس فأعتقد ان اللبنانيين هم الذين يسيسون التحقيق ولا اعتقد ان ميليس من يقوم بذلك. لأنه الى الآن يعطي مؤشرات لا استنتاجات فيها بالتبرئة او الادانة وهو يقوم بعمله بشكل صحيح لكن اشخاصاً معروفين يشوشون على التحقيق. اعتقد انه بمجرد ان نُسلّم قاضي التحقيق اية قضية فنحن مجبرون على الصمت بانتظار صدور النتائج.

* هل تقصد بكلامك فريق سعد الحريري وخصوصاً الوزير مروان حمادة؟

- بالامس انتقد الوزير حمادة في مجلس النواب للمواقف التي يطلقها.

* ما هو رأيك موضوعياً بما سُرّب عن اجتماع القادة الامنيين الاربعة في شقة للتخطيط لاغتيال الحريري واريد رأيك هنا بحكم خبرتك العسكرية والامنية؟

- ما قيل عن هذا الاجتماع يُعتبر مخالفاً منطقياً لتقنيات الاغتيال السياسي والجريمة، لأن الجريمة السياسية ترتكب على مستوى اجهزة دولية رسمية تكون عادة "اشطر" من ان تجمع اربعة اشخاص لتدارس الموضوع.

* هل تعتقد ان هذه الرواية مبالغ بها وغير صحيحة؟

- ضد التقنيات ولكن لا احسم انها غير صحيحة بالمطلق فربما"جُنّ هؤلاء الناس ونفذوها بهذه الطريقة".

* لكن يُقال ان السوريين لم يأخذوا احتياطات ولم يكن لديهم تصور عن تداعيات اغتيال رفيق الحريري؟

- هذا احتمال ايضاً وعندما قُتلَ الرئيس رينيه معوّض تم ازاحة السيارة بسرعة وعند اغتيال المفتي خالد ايضاً في ذلك الوقت لم يسأل احد عن هذا الموضوع "كانوا يزيلون كل المعالم يشطفون الطريق ويكنسونها من الدم والآثار وتختفي السيارة ومعها كل القرائن المادية".

* هل يمكن لجريمة بهذا القدر من التخطيط واللوجستية والحاجة لتنفيذها عبر خلايا مراقبة ان تحصل ولا يكون الامن اللبناني والسوري الذي يُمسك الوضع في البلد قادراً على كشف خيوط رئيسية؟

- كان بامكان الامن السوري ان يُنفذ الجريمة بغفلة عن الامن اللبناني اكثر من ان ينفذ الامن اللبناني الجريمة لأن الامن اللبناني خلال خمسة عشر عاماً كان مكلفا بأمر واحد هو مطاردة العونيين وعناصر القوات اللبنانية ولم يهتم بأي أمر آخر وكان هناك تكليف بالامن لسوريا وفقاً لاتفاقية صداقة واخوة وتنسيق انطلاقا من هنا كانت الاجهزة الامنية اللبنانية مرتبطة بالاجهزة السورية والقيادة كانت للاجهزة السورية والوزراء اللبنانيون كانوا على ارتباط بالمخابرات السورية والقيادة السياسية كانت لاجهزة الامن السورية. لذلك فان هذه الاجهزة كانت قادرة ان تشل اي تحرك امني لبناني. وكانت تقدر ان تعطي اوامر بتنفيذ هذا الامر او غيره.

* اذا انت تبرىء قادة الاجهزة الامنية اللبنانية من الجريمة ؟

- انا لا ابرىء احدا لكن اعطي تصورا للوضع القائم في تلك المرحلة والامكانية المتاحة.. أنا لا ابرئهم فربما "غاطسون" رؤساء الاجهزة الاربعة لفوق رأسهم بالعملية. لكن من الناحية المنطقية فان تقنيات الجريمة لا تسمح بذلك. وفي قانون المخابرات فإن مبدأ اطلاع احد ما على امر يسمى "THE NEED TO KNOW" اي الحاجة للاعلام وانا لا اعتقد ان هناك حاجة للاعلام في موضوع مماثل.

الاجهزة مشلولة

* هل تعتقد ان هناك مشروعا لتوريط هذه الاجهزة اللبنانية وتكبيلها؟

- لا اعتقد فهذه الاجهزة اصلا مشلولة الحركة "ظهرها على الحيط وتنام على بطنها" والسوريون عينوهم اصلا اذ لا يمكن ان يتعين احد في اي موقع امني من دون معرفة السوريين وارتباطه بالجهاز الامني السوري ومن دون تكليفه بمئة مهمة ومن دون التأكد من "أمانته".

* هل تعتقد ان هناك دوراً أصولياً في هذه الجريمة؟

- كل الاحتمالات واردة، البلد حصلت فيه جرائم عدة من اغتيال ايلي حبيقة واحمد جبريل واغتيالات لسمير قصير وجورج حاوي ومحاولة اغتيال مي شدياق هذه الجريمة منظمة ولا تزال مستمرة من ايام العهد السوري لغاية اليوم.

* ما هو السبيل لوقف الجريمة برأيك؟

- نحتاج الى شعب متضامن مع الحكم ولغاية اليوم عنصر الثقة لم يعد موجودا بين الشعب وحكامه ولا يزال مفقودا حتى اليوم في ظل مناورات مسك القرار والاحادية في السلطة وكأنهم يعملون على فرز الناس بين مؤيد ومعارض لهم وهم لا يحتاجون الى مؤيدين لهم لانهم يبتزون البلد واذا زاد عدد المؤيدين يزداد عدد المنتفعين معهم من السلطة، وهم يتصرفون في وقت الانتخابات وكأنهم "اشتروا موسماً يتصرفون فيه اربع سنوات من دون السؤال عن الناس.

وهذه الطريقة هي امتداد للنهج السوري الذي كان يعتمد على الترهيب والترغيب. اليوم رحل الترهيب السوري وبقي الترغيب وهذا الترغيب يستعمل اليوم لان الحاجة كبيرة وهناك عروض.

الفرار الى الخارج

* نرى اليوم ان اركان الحكم ومن يسمون انفسهم الاكثرية هم في حالة فرار الى الخارج؟

- نجدهم اليوم في حالة فرار دائم وهم يشبهون "ماري انطوانيت" فالشعب لا يملك رغيفا حتى يأكل ونصيحة ماري انطوانيت ان يأكلوا "البسكويت" وهم يريدون ان يطعموا الناس البسكويت ايضا وليس الخبز.

* هل ترى ان هذا الفرار الى الخارج "ترفيهي"؟

- يضحك الجنرال ويقول "ما استغربه اني عندما كنت خارج لبنان ايام الاحتلال السوري كانوا يدعوني الى الرجوع في ظل وضع غير آمن، اليوم انا رجعت وحين اصبح الامن لبنانيا فروا هم الى الخارج.

لا احمي لحود

* الى متى سيبقى العماد عون يحمي رئيس الجمهورية اميل لحود؟

- انا لا احمي الرئيس لحود بل الاكثرية الحريرية الحالمة هي التي تحميه وتبقيه في قصر بعبدا. وانا القائل ان اميل لحود اذا مدد او جدد لن يستمر وانا لست نبيا لكنني اعطيت تحليلا وقدرت هذا الامر وبأن سوريا سوف تترك لبنان قبل الانتخابات. ولم يكن احد يتصور هذا الموضوع وقلت ان كل ما هو انتاج الوضع السوري في لبنان سيرحل بعد الانتخابات النيابية والتمديد للرئيس لحود من انتاج الوضع السوري وسينتهي معه سياسياً من دون جريمة الحريري والرئيس الحريري هو الذي مدد للرئيس لحود وتيار المسقبل مدد للحود ولم يسلك الطريق السليم لانهاء الوضع السوري في لبنان. وسلك الموضوع القضائي الذي يمكن ان يكون فيه تجريم او لا يكون فيه وضوح اما الوضع فكان يجب ان يبحث سياسيا من هنا تم التمديد للحود ويمكن ان يوصل هذا الامر الى تمديد آخر.

تيار المستقبل "افضل" حليف للحود

* لكن التمديد من تيار المستقبل والرئيس الحريري جرى تحت ضغوط معينة؟

- انا لا يهمني اذا مدد مرة او مرتين انا اقول ان هذا الفريق أخطأ الطريق ولم يسلك الطريق التي تؤدي الى تغيير سياسي، ان افضل حليف للرئيس لحود كان تيار المستقبل وتكتل الاكثرية ولا يزال.

* قلت سابقا في دفاع مشهور عن جنبلاط متوجها الى الرأي العام وطالبا عدم التشكيك به بالقول "هل تريدون ان يقتل جنبلاط كي تصدقوه" فما الذي تغيّر اليوم؟

- في الفترة الماضية صدقت هذا الفريق وماذا اقول اذا لم اجد لديهم اليوم الثبات في الموقف.

* هل الحوار مع حزب الله هو لتقطيع الوقت او انه حوار ملائكة ام هو تمهيد لمعركة رئاسة الجمهورية؟

- ليس لتقطيع الوقت ابدا والجنرال عون لا يقوم بمعركة لرئاسة الجمهورية وهذا الامر يجب ان يعرفه الجميع. وقد قيل لي في اكثر من مرة انك مرشح واجبت ان هناك صيغة معينة لرئاسة الجمهورية وقد تعرضت لحملة طويلة من النوايا وعندها قلت انا مرشح وعندها توقفت الحملة و"سكتوا".

من هنا فان افضل وسيلة في الدفاع هي الهجوم ولذلك انا مرشح حتى لا يعود احد يتحدث في الموضوع مع تقديري ان معركة رئاسة الجمهورية ليست مطروحة لا اليوم ولا فيما بعد في هذه الصيغة المطروحة، ويمكن لهؤلاء الذين يفتحون معركة الرئاسة ان يستمروا بانتظار تقرير ميليس.

* هل تعتقد ان اميل لحود سيكمل رئاسته؟

- انا ارى ان هذا الاسلوب ليس ملائما لانهاء الوضع السياسي وتغييره. واذا عدنا الى الوراء فان ما تغير في الوضع السياسي ليس من صنع فريق 14 اذار بل الخارج وهؤلاء لجأوا الى 14 اذار بعد ان اصبح مصيرهم على كف عفريت "واحد نجا من الموت صار شهيدا حيا وآخر صار شهيدا فعلاً" وهؤلاء بالكاد لفظوا كلمة الاحتلال السوري اذ لا يمكنهم ان يقرروا شيئا فهناك اقصاء واحادية بالقرار السياسي.

* واين اصبح الحوار مع حزب الله؟

- نحن اليوم نفتش عن حل في موضوع حزب الله يضمن سلامة لبنان وانقاذ لبنان وبالتالي سلاح المقاومة وهذا الامر يتطلب دقة والسير بهدوء.

* لكنك انتقدت حزب الله على خياراته بعد انتخابات بعبدا عاليه؟

- انا اكرر اليوم ايضا ما قلته في السابق اننا خسرنا المقاعد النيابية وربحنا المعركة السياسية وجنبلاط ربح المقاعد ولكنه سيخسر الى المختارة ولن يكون له ابعاد وطنية بعد الآن وان حزب الله انقذ وليد جنبلاط ولكنه خسر بعدا استراتيجيا من الصعب ان يسترده هذا هو كلام في حينه ولا يتضمن عدائية او اي توتر.