قوّم لـ"النهار" سنة العودة وتمنى زيارة الشريط الحدودي

عون: لم أشعر بالدم بل بالألم  والرارة

يريدون مشاركتنا في الكنز ثم قتلنا

كتبت منال شعيا:  النهار 6/5/2006

يندر ان تتكلم مع سياسي في لقاء واحد، على السياسة والدين والمعارك العسكرية والنفي والعائلة، وفن الصمود مثلما تتحدث في ذلك كله مع النائب العماد ميشال عون، فالحوار معه يتشعب الى هذه المسائل واكثر... وحين تقلب معه دفاتر الماضي وصور ابرز المحطات التاريخية، تشعر بأنك امام رجل يشكل بذاته شريط احداث وذكريات. فهو يستعيد الكثير منها ليقارنها بالحاضر ويستشرف المستقبل، وليشير الى "صواب سلوك التيار الوطني الحر وصدقيته الوطنية".  عادة، لا يخونه التعبير، ولكن عندما يتحدث الجنرال عن لحظات مصيرية في مسيرة حياته، غالبا ما يعبر بالصمت المتأمل وبالتأثر البالغ. فتكاد الكلمات تختفي وراء صوته المنخفض، ليحدثك عن شيء غريب جذبه لحظة وطئت قدماه ارض المطار، بعد نفي 15 عاما، كان مزيجا من الفرح والانفعال والعواطف المشحونة، انتقل معها الى حالة استثنائية لا يعود يرى فيها التفاصيل، لكنه استطاع رؤية الامل في عيون اللبنانيين.

صورة اللبنانيين الذين لاقوا عون في ساحة الشهداء في 7 ايار 2005 لا تفارق مخيلته مثل صور اخرى، منها المصيري ومنها الحزين، كاليوم الاول في قصر بعبدا، والليلة الاولى في السفارة الفرنسية. مراحل كثيرة عاشها الجنرال "المتمرد" الذي يعترف بأنه "خسر امام القوة"، وانه "بقي حيا قضاء وقدرا"، لكنه عرف ايضا كيف يجري عقدا مع الشهداء، "فالتضحية الكبرى حتى الاستشهاد تعطي ثقلا كبيرا على الضمير اذا لم تعط قيمتها الحقيقية"، وهو العسكري الذي خسر رفاقه وزملاءه في اقسى المعارك واشرسها، وحاول ان يستلهم من تلك القيمة قوة للمواجهة ومتابعة الطريق نحو "الحرية والسيادة والاستقلال".

319 يوما امضاها عون في السفارة الفرنسية و4996 يوما في المنفي الباريسي، ليعود بعدها الى لبنان، صباح ذاك السبت. واذ يقلب ابرز صفحات تاريخه السياسي، يقول: "لم اشعر بالندم وانما بالالم (...) شعبنا عظيم لكن الوطن لم يصبح عظيما بعد".

بين الانجازات والاخفاقات، يقوّم عون لـ"النهار" سنة العودة فيؤكد ان "الغيمة السوداء التي استعبدت لبنان 15 عاما لا يزال لها آثار. واللافت ان البعض اتى ليشاركنا في الكنز في اللحظة الاخيرة، ويريد قتلنا ليأخذه وحده (...)".

يشعر بمرارة من السلطة، "لأن هناك قلة وفاء وسوء تقدير لشخص تحمّل وحده حقبة كان الآخرون يغتنون خلالها. هم سيّسوا المال العام واستعملوه وسيلة قتال ضدنا (...) ونحن ليس في جيوبنا عمولة، ولا في رؤوسنا عمالة، ولا على ضميرنا دم (...)".

حين يتكلم في السياسة غالبا ما يستعين بنصوص النشرة اللبنانية التي كان يكتبها خلال فترة النفي. يجلس في مكتبه في الرابيةـ، يراجع بعض نصوص تلك النشرات، ويقول: "30 عاما من الاحتلال خلفت اجيالا حاكمة غير مستقلة وغير حرة. وشاءت الظروف ان يختلط المناضلون الاساسيون لاستعادة حرية لبنان بالطبقة التي كانت شريكة في الاستعباد وتعاونت مع الاحتلال، وقسم منها كان من صنيعتها، واليوم لا تزال تحكم بالذهنية التي تمرنت عليها خلال الوصاية السورية. كانت هناك عاصمة هي دمشق يتوجهون اليها لأخذ التوجيهات. اليوم ثمة عواصم عدة يذهبون اليها، مما يدل على ان هذه الطبقة غير صالحة وتفتقد المبادرة في ادارة البلد وتفتش عن حلول غير لبنانية".

فئة مذعورة

ازاء هذا الواقع، لا يخفي عون ان "هذه الطبقة لا يمكن ان تتابع بالذهنية نفسها، وهذه النتائج لن تستمر طويلا، فبعد التحرير تخاض معركة التحرر من الوصايات الفرعية التي نشأت من غياب الوصي الوكيل من العواصم الغريبة". واذ يأسف لتضييع الوقت "قبل الدخول فعليا في مسيرة التغيير والاصلاح"، يرى ان "ثمة فئة مصابة بهوس السلطة ولا تريد المشاركة، أما من يتهمني بهذا الهوس، فهو في السلطة منذ أكثر من 25 عاما، فهل هناك عبودية لتسلم السلطة أكثر من ذلك؟"

بالنسبة اليه، المشاركة في السلطة تعني المشاركة في عملية الاصلاح. لن نكون متفرجين، وهذا حق لنا. وفق صفتنا التمثيلية ثمة تأييد شعبي عارم لنا، رغم ان كل المعوقات التي وضعوها قبل عودتنا تشير الى اننا امام فئة مذعورة من نظافة الكف ونقاء الضمير. ليس في جيوبنا عمولة ولا في رؤوسنا عمالة ولا على ضميرنا دم، ويبدو ان هناك خوفا من ميزات التيار، وخصوصا ان تاريخه النضالي كان ولا يزال لاستعادة الثوابت اللبنانية".

في كل موقف، يطلق عون أكثر من رسالة وفي اكثر من اتجاه. كان يعتقد ان سنة العودة ستكون أسهل بالنسبة اليه، لانه ظن أن "الطبقة السياسية تعلمت من تجربة الوصاية السورية وباتت أكثر انفتاحا على المشاركة. فهم كانوا يئنون من اساليب الوصاية، وها هم يمارسونها براحة ضمير، لكن الشعب سيجعلهم يدفعون الثمن. سنترك الامور تأخذ مجراها ونحن هنا لنحاسب".

يتذكر عون ان محاصرته بدأت قبل العودة ولا يعتبرها جديدة او طارئة. ويرى ان انفتاح جميع القوى عليه بعيد عودته عبر زيارتهم الرابية للتهنئة، ما هو الا سلوك اجتماعي يندرج في اطار اللياقات. يقول: "الممارسة السياسية لم تكن كصورة السلوك الاجتماعي، بل بدت نقيضا لها. والدليل طريقة التعامل معنا في تشكيل اللوائح الانتخابية، اذ ان الخدعة الكبيرة بدأت بقانون الانتخاب وتاريخ اجراء الانتخابات، فالديموقراطية بدأت عرجاء ولا تزال تكبو في كل خطوة ولن نستطيع التصحيح قبل جراحة تتمثل في وضع قانون جديد واجراء انتخابات مبكرة".

ويسأل: "ماذا فعلت الحكومة طوال هذا الوقت؟ ماذا نفذت من البيان الوزاري؟ هذه المدة هي امتداد لمرحلة الوصاية".

وحين تسأله أليس الخلل في موقع آخر، يجيب: "فليشتروا اذا الموقع الثاني. للموقع ثمن. مثلما اشتروا الانتخابات في عكار من السخف سماع أحد نواب الاكثرية يقول اننا لا نريد رئيسا يحظى بدعم شعبي، فهل هناك افضل من الاتيان برئيس قوي شعبيا؟ لم أسمع من قبل بهذه النظرية. انها نظرية بالمقلوب!".

ولماذا يرفضونه رئيساً، يقول: "هناك اشياء غير نظيفة"، ثم يضحك ويستشهد بالقول: "والضدّ يظهر حسنه الضد".

في احدى الرسائل التي وجهها عون الى اخيه الكبير "ابو نعيم"، خلال مدة مكوثه في السفارة، كتب: "مريدو 13 تشرين الأول سيندمون، دولاً وافراداً". اليوم بعد 16 عاماً، يرى "انهم فعلاً ندموا على العهد السوري وغيّروا سياستهم وبدّلوا مواقفهم، لكن جشع السلطة قتل ضميرهم. أتوا في اللحظة الاخيرة ليشاركونا في الكنز، ويريدون قتلنا كي يأخذوه وحدهم. لا انسجام بين المرحلة الحالية وسلوكياتهم، ان الشجاعة تقتضي ان يُنتقد السوري وهو في لبنان". وبعد ثوان من الصمت، يتابع: "اشعر بمرارة من السلطة. هناك قلة وفاء وسوء تقدير لشخص تحمّل وحده حقبة كانوا يغتنون خلالها. لقد سيّسوا المال العام واستعملوه وسيلة قتال ضدنا، على الاقل فليساهموا في تكريم هذا الشخص الذي ضحّى اعواماً، فما كنت أقوله قبل 15 عاماً يزايدون عليه اليوم، ولا تزال الاخلاقيات السياسية غائبة".

32 ألف منتسب

عام 2005 الحافل بالاحداث والتغيّرات الدراماتيكية، شكل بالنسبة الى "التيار" عام التحولات والانجازات، يفصّلها عون كالآتي: "أعلنا ميثاق الحزب وهيئته التأسيسية والتحضيرات جارية لاعلان التنظم الداخلي في مدة تراوح بين تسعة أشهر وسنة لاجراء الانتخابات. ان عدد المنتسبين كبير ويصل حتى الآن الى نحو 32 الفاً، وقد يتخطّى الـ 50 ألفاً".

واذ يرفض ما يتردد عن خلافات داخل "التيار" تؤخر وضع التنظيم، يؤكد ان "التوقيت المعلن لاجراء الانتخابات لم ينته بعد، ويعتبر حزبنا بكل هيكلياته حزباً ديموقراطياً قائماً على مبدأ الانتخاب، بمن في ذلك رئيس الحزب عبر الانتخاب المباشر من القاعدة. وكل ما يشاع عن تأخير او خلافات ليس سوى كلام يتكرر دائماً في الحياة السياسية، اذ اذكر جيداً كم سمعنا كلاماً على انقسام داخل التيار وفي الحركات الطالبية وان التيار مات وانتهى، فكنت اجيبهم فليتفقوا على موعد واحد كي نحيي الذكرى! كل هذه الشائعات للتضليل، فنحن نستوعب اعداداً ضخمة وكبيرة، ومن الطبيعي ان تسقط منها اسماء. ثمة أشخاص غير مؤهّلين، فالوضع يغربل نفسه، وإلاّ نُصاب بمرض عضال. يجب ان يسقط معنا أناس. هناك هامشيون وانتهازيون، وهؤلاء يسقطون معنا على الطريق، لان العمل الحزبي يتطلّب نَفَساً طويلاً والتزاماً واقتناعاً وثقافة سياسية وحزبية، فيما البعض يبقى في دائرة المحبّذين والانصار.

ثم لا نستطيع ان ننسى ان الانتخابات الداخلية ستجرى على امتداد مساحة الوطن، وقد نجحنا خلال عام في تنظيم محاضرات وندوات متعددة وحملات توعية بيئية وصحية، والاهم ورقة التفاهم مع حزب الله التي نفست الاحتقان، كما ان التيار ظهر جيدا بعدما كان منظمة راقدة، لا تتوضح منها الا صورة الشباب المناضلين في التظاهرات. أما اليوم، فقدجرت حملة تعارف بين التيار نفسه، بعدما كان البعض لا يعلن انتماءه بحكم النظام الامني البوليسي".

لا يرى عون ان ثمة اخفاقات كبيرة على مستوى "التيار"، بل "هناك صعوبات من طبيعة المرحلة". يقول: "كنت دائما أردد ان أسهل هدف سيكون التحرير، والاصعب مرحلة التحرر والممارسة الديموقراطية. وهذا ما وصلنا اليه اليوم لان الرهينة ليست فقط رهينة الاحتلال بل أسيرة التقاليد والموروثات. ثمة نمط طُبع فيه المجتمع اللبناني ضمن اطار سياسي – خدماتي، ونحاول تحديث الممارسة السياسية عبر التغيير والاصلاح، لاننا لسنا راضين عن التيار الحاكم الذي أتى بقوة الاستمرار وهو وراء المآسي الاقتصادية، فيما وعدنا بالربيع الآتي منذ عام 1992 لم يزهّر".

كرة نار وأمل

حين ينتقل الحديث مع عون من السياسة الى الوجدانيات، تظهر أمامك صورة "جنرال انساني" يفضّل ان يعبّر بالصمت عن الكثير في المحطات. يقول: "هذا جزء من تربيتنا، وتحديدا من والدتنا. لحظة وصولي الى المطار، رأيت اصدقائي وزملائي في الجيش وأهلي وأحفادي. انتقلت الى مرحلة استثنائية. ففي هذه الحالة، يجذبك شيء خارج اطار الحالة العادية. قد لا أعود أرى التفاصيل، وتتداخل عواطف الفرح والانفعال والضحك والبكاء. ومع أبو نعيم (الاخ الذي لم يره طوال فترة النفي) عبّرت بالصمت لا باللسان".

أما في ساحة الشهداء، فقد شعر الجنرال العائد بالتفاعل مع اللبنانيين، وهو الذي ردد مرارا انه مشتاق الى رؤية وجوههم. يقول: "رأيتها. أحسست بوجود الناس كما في قصر بعبدا، صحيح انهم ليسوا هم، لكن التواصل النفسي والتعبيري كان هو نفسه، ولكن بأمل أكبر. رأيت البسمات ودموع الفرح ولمعة العيون التي تعكس الامل. هذه الصورة سترافقني مدى الحياة وتعطيني التوجه نحو المستقبل. انها لحظة لن تغيب عني". ومن المحطات الاخرى التي لم تغب عن ذاكرة الجنرال السبعيني، اول يوم في قصر بعبدا. "أتتني كرة نار". هكذا عبّر رئيس الحكومة العسكرية حينها. ولم يكن هذا التعبير تكلّفا في الكلام. يوضح: "في ذلك اليوم، نظرت الى عيني زوجتي ناديا، وبالصمت ايضا شعرت بثقل في عينيها، فقلت لها: نعم الصليب كبير. كان هذا جوابي عن سؤال لم يطرح. وهكذا كان، صليب كبير انتهى بقصف طائرات ومعارك قاسية ونفي طويل".

في السفارة الفرنسية، لا يعرف عون كيف بدأ نهاره الاول بل كيف انتهت ليلته الاولى، بالنسبة اليه "كانت ليلة ثقيلة، فيها الكثير من التأمل. فكرتُ في انني بقيت حيا قضاء وقدرا، بقيت حتى اللحظة الاخيرة ولم أسلّم. لم أقم بتسوية او تفاهم، وحاولت ان أحافظ على الامانة لكني لم أستطع. المهم انني لم أستسلم بل خسرت امام القوة. وهذا ليس باستسلام او بضعف مني".

حين رأى عون زوجته وبناته للمرة الاولى في السفارة، قال: "ربما سنرتاح الان لكن الشعب اللبناني سيتعذب كثيرا". مكث هناك عشرة اشهر. كان يقرأ حينها الكثير من الرسائل ويجيب عن بعضها، وخصوصا تلك التي تحوي عواطف قوية قد توصل بأصحابها الى حد الانتحار او التضحية بالنفس، فكان يرد على هؤلاء: "اذا اردنا ان نربح في المستقبل فعلينا ان نستوعب الخسارة". وهو لا يزال يحتفظ بكل الرسائل والصور.

طوال هذه الفترة، حاول ان يجري عقوداً مع نفسه، كي يخرج من تلك المرحلة. ولعلّ أبرز عقد اجراه القائد العسكري، كان بينه وبين الشهداء العسكريين.

بتأثر بالغ، يقول: "كنت كلما افكر في هؤلاء لا استطيع تمالك نفسي. لقد فقدت اعز رفاقي واحبائي. كل شيء يعوض الا الحياة، والتضحية الكبرى تعطيك ثقلا كبيرا على الضمير اذا لم تستطع ان تعطيها قيمتها. من هنا، اجريت عقدا مع الشهداء حتى يكون البلد سيدا حرا مستقلا. وتابعت".

ترك عون السفارة ليل 28 – 29 آب 1991 متوجها الى مرسيليا، وهناك التقى افراد عائلته. ومنذ اللحظة الاولى بدأ بالتفكير في العودة الى ارض الوطن. يعلق: "شعرت بأن الخروج من السفارة نوع من التحرر لاستعادة الحرية. لكننا كنا في مرسيليا امام احكام قاسية، وبقينا حتى شباط 1993، حيث انتقلنا الى لا هوت ميزون، قبل ان نتوجه عام 1999 الى باريس ونبقى حتى 7 ايار 2005". تلك المرحلة، يصفها عون بأنها كانت لتنظيم الانتشار في بلدان الاغتراب، ويتذكر ان السفرة الاولى له كانت الى اوستراليا حيث قُدم له علم اوستراليا الذي وقعه رئيسا مجلس النواب والحكومة بعدما اثارت سفرته اخذاً ورداً كبيرين. وبعدها توالت الزيارات لانكلترا واوروبا والولايات المتحدة". حيث عملنا على اقرار قانون محاسبة سوريا، وجسدنا الامل عمليا".

انها محطات صعبة بالنسبة الى عون "اذ ان الكثير من العوائق واجهتنا، وكان هناك دائما انزعاج واقرار بالوصاية السورية، لاسيما حين كشف الرئيس الفرنسي جاك شيراك مرة انه "عندما تُعالج مشكلة الشرق الاوسط نفكّر في استعادة سيادة لبنان". رفضنا ذلك وتحملنا النتائج. الحمد لله. قاومنا وتجاوزنا الصعوبات ومنها المالية لانه عندما لا تستطيع تأمين الحياة باستقلال مالي تخسر كل شيء".

قبل عام، عاد عون الى ارض الوطن، لكنه لم يتمتع بفرحة اللقاء كما يجب بسبب ضغط العمل وتطور الاحداث. وحين يُسأل عن اللقاء التاريخي الذي جمعه بسمير جعجع في سجن اليرزة في 18 ايار 2005، اثر زيارته له، يجيب: "اتمنى ان يبقى اللقاء محترما، لقد سمعتُ ان احد المسؤولين القواتيين عاد الى الحديث عن الحرب. كنا نأمل ان تكون هذه الصفحة طويت لان فتحها لن يفيد. اتمنى الحفاظ على المعنى التاريخي لذلك اللقاء".

وبحكم الضرورات الامنية، وجد العماد نفسه "اسير الامن" ولم يستطع زيارة الكثير من الاماكن التي يحب، ولعل ابرزها الشريط الحدودي. يقول: "اريد زيارة هذه المنطقة لانني عانيت مع اهلها، وحين اتى وقت الخلاص دفعوا الثمن مرتين. ارى نفسي بكل شجاعة ادافع عن هؤلاء، لقد عانوا مرحلة صلب فعلية واختاروا البقاء والنضال في ارضهم، بدل الرحيل. اتمنى زيارتهم".

واذ يستعيد الجنرال سنة العودة بجردة سريعة لابرز الوقائع، يحضرك سؤال عن فن الصمود لديه، وهو الذي تقلب بين محطات سياسية وقتال المتصارعين، فترى الثقل في عينيه المتعبتين وسرعان ما يستعين بـ"النشرة اللبنانية" بعنوان "الاحباط"، كتبها في 28/1/2000، ويجيب: "صمدت بثلاث فضائل: بالمحبة نقاوم الظلم، بالايمان الكامل ننقل الجبال، وعلى رجاء القيامة نرقد تحت التراب. فلا مجال للاحباط".

ويختم: "الشجاعة ليست ان تمتلك دبابة بل ألا تخافها، ونظافة الكف ليست أن لا تملك المال بل ان ترفض اغراءه".