عون لـ"صدى البلد": "سلاح حزب الله لا يخيفني ويجب أن نصل الى تفسير مشترك للـ1559" 

البلد - هادي السبع أعين  02 كانون الاول 2005

لم يخف النائب العماد ميشال عون انزعاجه وهو يتحدث عن الأزمة التي تعيشها البلاد. واعتبر أن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وصلت إلى حائط مسدود وكان في إشارته ينتقد الغالبية النيابية التي فقد الثقة بها واتهمها بـ"تمويل الحملات الإعلامية ضده في العالم". في مكتبه الصغير الواقع تحت الطابق الأرضي من منزله في الرابية، جلس عون مصغياً إلى الأسئلة في المقابلة مع "صدى البلد" واسترسل في الإجابة على بعضها بلباقة كلامية لم تزعجها عصبيته المتقطعة من حين إلى آخر.

لم يغب عن باله هاجس القضاء والأمن اللذين اعتبرهما مدماكين أساسيين لبناء الدولة وحددهما كمادة للنقاش مع السنيورة الذي يستضيفه على الغداء في بداية الأسبوع المقبل. وإذ أكد تأييده لانشاء محكمة دولية لبنانية مشتركة للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، اعتبر أن الكشف عن شهادة الشاهد السوري عرضت التحقيق "لضربة ولا نعرف إذا كان ميليس سيكمل تحقيقاته أم لا.

وكرّر مواقفه من ضرورة تطوير الثقة مع "حزب الله" طامحاً للاتفاق معه ومع الحكومة على تفسير واحد للقرار 1559 من اجل معالجته ومعتبراً أن الأجواء مناسبة لحوار حقيقي بين الأطراف اللبنانية "طالما أن التوازن موجود". أما بالنسبة لموقفه من رئيس الجمهورية اميل لحود، فاعتبر أنه ليس داعماً لبقائه ولا مطالباً باستقالته "قبل أن أعرف ماذا بعد الاستقالة". لم تبدّل الزيارة إلى واشنطن شيئاً في نظرة الجنرال إلى الأحداث في لبنان وعلاقتها بالعواصم الدولية، فهو يؤكد أن الاميركيين لا يدعمون أحداً في لبنان "وينصحون اللبنانيين بمعالجة مشاكلهم".

ماذا فعلت في جولتك في واشنطن؟

ــ تبادلت بعض الأفكار مع المسؤولين الأميركيين. كنا قلنا في 18 أيلول عندما كان نواب الأكثرية النيابية موجودين في فرنسا والولايات المتحدة، أننا قد نضطر يوماً لزيارة واشنطن لنعرف ماذا يفعلون وإذا كان من وجهات نظر أخرى نقولها هناك. الأميركيون لا يدعمون أحداً بل ينصحون اللبنانيين بمعالجة مشاكلهم.

لماذا تتكتم على نتائج زيارتك؟

ــ لست متكتماً على الزيارة ولكنني أترفع عن بعض المواضيع. في الولايات المتحدة مكاتب لمجموعات ضغط تحاول تحطيم الناس كما يعمل بعض الاعلاميين هنا في لبنان. وأنا لا أقف عند هذه الأمور بل أتجاوزها وعندي رؤيتي الواضحة وأعتقد أنه إذا كانت هناك جهات في العالم تريد أن تساعدنا فمن المفيد أخذ رأيي في الموضوع لأنني عشت تجربة معاناة مع الناس. الخطاب السياسي في لبنان مزدوج، فوق الطاولة وتحتها، كأنهم من جهة يمدحون الآخر ويحضرون في الوقت ذاته لصدام معه. مهما ركبوا من أحاديث عني فذلك لا يعنيني ولا يؤثر علي، وهم يحاولون النيل مني كي لا أصل إلى رئاسة الجمهورية وأعتقد أن هناك مشاكل أكبر وأصعب من موضوع رئاسة الجمهورية.

هل لمست استمرار الالتزام الأميركي تجاه لبنان؟

ـــ نعم الالتزام الأميركي بلبنان موجود ومازال مستمراً ولكنه لن يستمر إلى ما لا نهاية. هناك فترة زمنية علينا استغلالها والاستفادة منها وأشعر أن اللبنانيين يضيعون الوقت. المواقف اللبنانية من القرار 1559 مثلاً متعددة إلى حدّ الاختلاف، فهناك من يقول بالالتزام بالـ1559 لأنه قرار دولي ثم تسمع موقفاً آخر يعتبر أن له خصوصية، وآخر يهمس في الكواليس أن الـ 1559 هو مشكلة دولية ولا تعنينا والمهم أن نتظاهر بالاهتمام به. المشكلة تعنينا نحن بالدرجة الاولى وعلينا أن نحلّها على الطريقة اللبنانية بشكل يضمن التوازن والحقوق والوحدة الوطنية. علينا ألا نفلتها من يدنا كي لا يصبح الحل مؤذياً لجميع الأطراف اللبنانية.

هل التيار يؤيد تطبيق القرار 1559 أم لديه تحفظات؟

ـــ نحن عندما أيدنا الـ1559 وجدنا فيه الفقرة الثالثة التي تنص على ما ينص عليه اتفاق الطائف، وعندما عدنا استمعنا إلى وجهات نظر الأطراف اللبنانية بما فيها الحكومة الحالية وتيار المستقبل والذين يقولون بحماية سلاح المقاومة ورفضهم للـ1559. ثم سمعنا من جديد آراءهم المؤيدة للقرارات الدولية بما فيها الـ1559 ولكن مع حماية المقاومة، هذا كله لعب على الكلام. علينا تحديد ماذا تعني حماية المقاومة والـ1559 حتى نخرج من الازدواجية.

هل نستطيع أن نقدم تفسيراً محلياً للـ1559؟

ــ نستطيع ذلك لكن ذلك يحتاج اجماعاً وطنياً وعلينا أن نتعاون والفريق المعني بالقرار أي حزب الله للوصول إلى تفسير واحد. علينا تطوير الثقة بيننا وبين "حزب الله" أولاً لتبديد المخاوف. لا أحد يحمل سلاحاً حتى يموت بل للدفاع عن نفسه. أنا لا يخيفني سلاح حزب الله وأنا لا أهدد الحزب حتى يهدّدني.

هل لديك تصور لكيفية نزع سلاح حزب الله؟

ـــ طبعاً عندي تصوّر للحلّ لكن المهم أن تمشي الأطراف الأخرى بالحلّ. أنا لست حكومة وأستطيع تطوير الثقة بيني وبين حزب الله إلى حد معين، وبعد ذلك يجب أن يكون هناك التزام. وإذا التزمنا نحن وإياه نصبح في مواجهة مع الحكومة وأنا لا أريد أي مواجهة لا مع الحكومة ولا غيرها. يجب أن نصل نحن وحزب الله والحكومة إلى حلّ للـ1559 وذلك لا يتحقق إلا بأخذ كل طرف متاعب الآخر على عاتقه، حتى تصبح مشاكلنا مشتركة ونحلها سوياً. نريد أن يبقى لحزب الله وجود سياسي وأن يكون مطمئناً وينخرط في الحياة السياسية ويترك سلاحه مع الطمأنينة الأمنية والسياسية لتكون النهاية سعيدة. وذلك لا يتحقق في المناوشات الاعلامية بل بعيداً عنها وفي جو من التفاهم والثقة والجهد المتبادل.

هل الأجواء مهيأة لحوار حقيقي؟

ـــ إذا كانت هناك جدية في التفكير فالحوار مطلوب الآن طالما التوازن موجود، وإذا انكسر الميزان نعود إلى قاعدة سعي كل طرف للسيطرة ليشعر أنه الغالب.

ماذا تبحثون في اللقاءات التي تعقدونها مع حزب الله؟

ـــ نعمل على تطوير الثقة بيننا وأعتقد أننا أوصلنا الرسالة إلى حزب الله وهو أرسل إلينا رسالته. نحاول تطوير العلاقة الوطنية مع الحزب حتى نصل إلى حلول وطنية والآخرون يرون ما نقوم به مع حزب الله حلفاً هدفه رئاسة الجمهورية أو الوصول إلى وزارة. همومنا وطنية وليست سياسية ظرفية، ومصلحة لبنان هي الأولوية عندنا.

لماذا تعتقد أن الحكومة وصلت إلى مأزق؟

- ما هو وضع الحكومة اليوم؟ وصلوا إلى مأزق منذ اجتمعوا لبحث خطاب الرئيس السوري بشار الأسد. وصلوا إلى طريق مسدودة ولا أي طرف منهم مستعد للرجوع أو الضرب في الحائط.

هل تؤيدون انشاء محكمة دولية للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟

ـــ أنا مع محكمة مشتركة، لبنانية دولية فهناك مخاوف جدية تتطلب وجود لبنانيين فيها من أجل الشفافية. لا أحاول أن أبحث عن حل وسط، نريدها مشتركة وخارج لبنان مؤلفة من قضاة لبنانيين وآخرين أجانب وتكون لها حصانة دولية.

كيف تردون على من يتهمكم وحزب الله بتضييع التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري من خلال التركيز على التفاصيل الداخلية والقضايا المطلبية على حساب قضية التحقيق؟

ــ هناك خطأ استراتيجي وتكتي عند الحكومة غير محمول ونحن ساكتون عنه. هل يعيش أحد بانتظار تحقيق؟ الحملة الاعلامية التي بدأت منذ الرابع عشر من شباط ما زالت مستمرة حتى اليوم. وبعد مرور تسعة أشهر ما زلنا نعيش في الجوّ ذاته. الشهادة ليست وسيلة ابتزاز بل للتكريم، نكرّم شهداءنا ونحترمهم ولكن ليس علينا أن نعيش بانتظار التحقيق. يطالبون رئيس الجمهورية بالاستقالة، ماذا سيفعلون بعد استقالته؟ لا يتحدثون عن ذلك وهذا يعني أن ليس لديهم النوايا الجيدة ليبوحوا بها.

ما هي مآخذكم على الحكومة؟

ــ مآخذنا كثيرة قبل أن تتشكل الحكومة، من اعتماد قانون الألفين الانتخابي إلى الانتخابات التي استعمل فيها الدين والمال وتكسير سيارات الناس إلى تعطيل المجلس الدستوري وغيرها. يتحدثون عن نظام أمني أسألهم ماذا فعل النظام الأمني أكثر مما فعلوه؟ أسألهم أين كانوا في الثالث عشر من آذار ولماذا لم يتواصلوا سياسياً معي حينها؟ أليس لأن كلامي كان فوق السقف السوري؟ وفي الرابع عشر من آذار هل أصبح خطابي أدنى من السقف السوري؟ هناك حدود للكلام عن الجريمة وعن سورية، وعندما يثبت أن النظام السوري متورط في جريمة اغتيال الحريري نحاكمه. لا يجوز أن ينفذ التحقيق في الاعلام ومع لجنة التحقيق! أنظر ماذا فعلت لعبة الشهود. لو كنا محتفظين بسرية التحقيق لكان اكتشف المزوّر والحقيقي. لقد ضرب التحقيق الدولي اليوم ولا نعرف إذا كان ميليس سيكمل تحقيقاته. عندنا ثقة مطلقة بالتحقيق وتعرضنا لأول صدمة وثاني صدمة. قلنا دائماً ألا تتعرضوا للتحقيق ولا تسبقوه فتهجموا علينا فاتهموني بأنني حليف مع الرئيس لحود. خلافي مع الحكومة هو في موضوع التحقيق المالي وأنا أصر عليه لأن من دونه لا نستطيع إنقاذ البلاد ومعالجة مديونيتها العامة والازمات التي تعيشها. لن أقبل بدولة الفساد جزء أساسي من بنيتها والتحقيق المالي ضروري لكشف حساب الدولة وتحديد المسؤوليات.

هل على الرئيس لحود البقاء في السلطة بعد توقيف رئيس حرسه وقادة أجهزته الأمنية؟

ــ هل نحن متأكدون من تورط هؤلاء في الجريمة؟ علينا ألا نستبق صدور القرار الظني بهم. الكلام المسبق يصبح استغلالاً سياسياً للتحقيق. أنا عندي اطلاع على علم الجريمة واعتبر أن تورط أربعة قادة للأجهزة الأمنية في جريمة واحدة هو ضد تقنيات الجريمة وأتحفظ عن الموضوع. وعلى الأقل إذا كان بينهم من هو متورط فلن يكون أكثر من واحد، فجريمة اغتيال رئيس حكومة ليست حفلة كوكتيل يدعى اليها الجميع. نحن كنا صامتين ولم نوجه أي انتقادات للموضوع حتى لا نضايق التحقيق. يجب التمييز بين الجهاز الأمني والمجرم فيه ولا يجب تعميم الجريمة على كل الجهاز الأمني. لا أستطيع أن أتهم الجهاز الأمني بالمسؤولية وأبرّئ السياسيين الذين حكموا في السنوات الماضية. في التفتيش المالي تحدثوا عن أموال كثيرة فما هو مصدرها، فليقدموا لنا حقيقة الاموال الموجودة في حسابات الضباط من أين أتت خصوصاً أن البعض تحدث عن أموال طائلة. الإثنا عشر مليون دولار الموجودة في حساب الشخص كيف وصلت إليه؟ هل هي أموال سائلة وضعت له أم أنها تحولت من حساب إلى آخر؟ لنعرف من أين أتى بها حتى ندينه.

كيف تصف علاقتك بالأكثرية النيابية؟

ليس عندي ثقة تجاههم فالوطن لا ينام على الخديعة. كيف سأتفاهم معهم إذا استعملوا الأساليب غير الديمقراطية ضدنا في الانتخابات؟ قدمنا طعوناً في نتائج الانتخابات امام المجلس الدستوري، فقاموا بتوقيف العمل بالمجلس الدستوري. طعنّا بالقانون فإذا بهم يوقفون عمل المجلس الدستوري ويسنون قانوناً جديداً. ورغم ذلك ما زلنا نسعى لتخليص البلاد من أزمتها. لا أعرف من يحكم البلاد اليوم، لا أعرف! في العام 1990 أذكر أنني خسرت معركة وغادرت إلى فرنسا وعرفت أن لا مكان لي، ولكن هل يغادر الساحة سياسياً من يربح المعركة وهو الحاكم؟ دفعوا أموالاً كثيرة للصحف العالمية ليروجوا أنني أصبحت حليفاً لسورية فكيف أحترمهم؟

هل تجد نفسك في أزمة اليوم؟

ــ أبداً الأبواب مفتوحة أمامي والحاكم يعيش في مأزق. أنا أدعو لبناء الثقة وللعودة إلى الحوار على الطاولة المستديرة.

هل تؤيد انعقاد لقاء للبحث في وحدة الصف المسيحي؟

ــ أعتقد أن وحدة المسيحيين عبر عنها حوالي80 في المئة منهم في الانتخابات النيابية، أليس من يعبر عن وحدة المسيحيين هم المسيحيون؟ لقد عبروا عما يريدونه.

على ماذا اتفقت والدكتور سمير جعجع في لقائكما؟

ــ لم نبحث في موضوع حزب الله ولا في الموضوع الرئاسي، فليس وارداً موضوع استقالة رئيس الجمهورية.

هل تتوقع بقاء الرئيس لحود حتى آخر ولايته؟

ــ لست داعماً للرئيس لحود ولكنني لا أنادي باستقالته قبل أن أعرف ماذا بعد الاستقالة. الجميع كان ضد الرابع عشر من آذار ومع الوصاية السورية وفي النظام الأمني ثم انقسموا على مصالح لا علاقة لها لا بالتجديد ولا بسورية وليس لحود فقط.

ماذا ستقول لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي تستضيفه على مأدبة الغداء أول الأسبوع المقبل؟

ــ أنتظر أن يأتي لأسمعه فهو صاحب تجربة في الحكومة ونحن لنا تجربة أيضاً. هناك أولويتان هما القضاء والأمن علينا تأمينهما لبناء الدولة.

كيف تصف العلاقة مع تيار المستقبل؟

ــ لا أعرف كيف سأبني ثقة معهم إذا استمروا بمهاجمتنا في الصحف والصالونات والمحافل الدولية. الحوار معهم يجب أن يتم على طاولة مستديرة هنا في لبنان وليس في أي مكان آخر.

هل يحتاج لبنان إلى صيغة جديدة غير اتفاق الطائف؟

ــ لبنان لا يحتاج إلى صيغة جديدة، وبعد معالجة أحداث الماضي علينا بناء الدولة. المطلوب إصلاح القضاء والأجهزة الأمنية. سأذكر لكم حادثة احد الشبان الذي حاول أن يفتح قارورة غاز في أحد مراكز التيار في فرن الشباك أثناء إحدى المحاضرات، ألقوا القبض عليه وحولوه إلى المحكمة العسكرية ثم تحوّل الى بعبدا فأطلق سراحه بحجة إقلاق راحة. فأي قضاء نبني اليوم؟ وما الفرق إذا كان هناك رستم غزالي أم رستم إكس؟

أين أصبحت انتخابات هيئات حزب التيار الوطني الحرّ وماذا عن مركز الأبحاث فيه؟

ــ من المقرر أن تجرى في آب وأيلول 2006، ولدينا اليوم عشرون ألف طلب انتساب ستدرس ومن المتوقع أن يزيد العدد. صرنا في مرحلة متقدمة من العمل التنظيمي ونحاول تذليل الصعوبات ونتوقع أن يصل عدد المنتسبين إلى الأربعين ألفاً منتشرين على كل الأرض اللبنانية. سيخضعون لإثنتي عشرة محاضرة حتى يكتسبوا الحد الأدنى من ثقافة التيار السياسية. أما مركز الأبحاث فهو موجود ويعمل في مختلف الحقول وممكن أن يزود النواب والمنظمات غير الحكومية بالمشاريع الانمائية وسنسعى لتحويل لبنان إلى ورشة للمشاريع المختلفة.

هل للتيار حضور اليوم في المناطق المسلمة؟

ــ عندنا مسلمون اليوم بنسبة 17 في المئة من أعضاء التيار، ونتوقع أن تصل النسبة إلى 25 في المئة. ونحن واجهنا بعض الضغوطات بعد الانتخابات النيابية أعاقت عملنا مع الشباب المسلمين ورغم ذلك فإن للتيار قاعدة مسلمة كبيرة ذات غالبية شيعية.