أكد في حديث لـ "السياسة" أن سورية في مأزق خطير وتخبط قيادتها قد يدفعها إلى المواجهة

 ميشال عون: السوريون كانوا يتدخلون في كل شيء فكيف يمكن أن يتهربوا من مسؤولية قتل الحريري?!

 بيروت - من عمر البردان: 7/11/2005 - السياسة

كشف رئيس تكتل "الاصلاح والتغيير" النيابي النائب العماد ميشال عون ان سورية تواجه مأزقا في ما يتعلق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري, فتصرفاتها لم تكن منسقة منذ هذه الحادثة وسلوكها مضعضع وتعيش اجواء غير طبيعية منذ 14 فبراير ولغاية الان, ووصف "انتحار" وزير الداخلية السوري غازي كنعان بالامر غير الطبيعي ايضا. واكد الجنرال عون في حديث مطول اجرته معه "السياسة" في مقر اقامته في الرابية ان المجتمع الدولي بعد صدور القرار 1636 اصبح ملزما اتخاذ اجراءات وعقوبات ضد سورية, وهذا ما يفرض عليها التعاون الى اقصى الحدود لكشف ملابسات اغتيال الحريري, واشار الى ان السوريين كانوا هم المسيطرين على لبنان بقوة خلال وقوع الجريمة, وتاريخهم حافل بالتدخلات في شؤون لبنان من تعيين عسكري في مخفر على الحدود الى تعيين رئيس الجمهورية.  وقال عون ان الاجهزة اللبنانية كانت ترتبط مباشرة بالاجهزة السورية من دون المرور بالمؤسسات الدستورية, واذا كان هناك من مسؤولية لبنانية رسمية في اغتيال الحريري فان المسؤولية تقع على عاتق سورية, ولفت الى ان البعض في لبنان يذكرنا ب¯"عراب" المافيا الذي كان يرتكب الجريمة ثم يترأس الصلاة على الميت. واعتبر ان رئيس الجمهورية اميل لحود لم يكن "يمون" كثيرا على عمل هذه الاجهزة, ولا اجد مشكلة في ان يذهب لانه نتاج السياسة السورية لكن لماذا لا نتفاهم كيف ومن هو البديل وعلى اي اساس.

وشن عون هجوما عنيفا على الاغلبية النيابية وقال انهم جاؤوا بالصدفة الى 14 مارس ويريدون سلبي ما بنيته في 17 سنة, وشدد على انه لا يمكن التخطيط من باريس لاسقاط اميل لحود ومعه ميشال عون ليضعوا ايديهم على السلطة, وقال انه لا ضرورة لعقد اجتماع مسيحي في بكركي لبحث موضوع الرئاسة, ووصف النائب وليد جنبلاط بانه عدائي في طبعه, لكنه يسلينا في مواقفه الفكاهية من وقت لاخر, واعتبر ان تقرير ديتليف ميليس لم يرح البلد, فهو قابل للاتهام وللتبرئة ايضا.. وفيما يلي نص الحديث مع النائب عون:

* ما قراءتك لقرار مجلس الامن الاخير رقم 1636, وما هي تداعياته على سورية ولبنان?

- هذا القرار لم يصبح تنفيذيا بعد, وانما لا يزال في اطار دعوة سورية الى التعاون في التحقيق, وهنا الاحراج, فعدم تعاون سورية في التحقيقات يزيد الشكوك حول دورها السلبي في لبنان, والان اصبح هناك اصرار اكثر, ويمكن ان تتحول شكوك المجتمع الدولي الى قناعة بصرف النظر عن الادلة او عدمها, واعتقد ان المجتمع الدولي صار ملزما اتخاذ اجراءات او عقوبات بحق سورية لا اعرف مدى حجمها, لانه هدد بتطبيق الفصل السابع, وهذا القرار اصبح ملزما للعالم كله, وهذا يضع سورية في حجر اقتصادي ديبلوماسي, وان كنت لا اعرف حجم القرار الذي سيصدر بحقها, لان الوضع خطر وفي مهلة ستة اسابيع مع صدور التقرير الجديد لميليس, والسؤال الذي يطرح هل ستقبل سورية ام سترفض, فهل ستكون الامور سوداء أو بيضاء او رمادية. ولكن نامل ان يغير النظام السوري سلوكه تجاه المجتمع الدولي ويتعاون معه.

* هل هناك خيار اخر لدى سورية غير التعاون?

- هناك التصادم, وهذا الامر نتائجه صعبة جدا, واذا حصل سيكون خطيرا جدا. فالتعاون برايي شيء مستحب من قبل الجميع, ولكننا لا نعرف مقدرة سورية على التعاون, ولا نعرف ميزان القوى الداخلية في سورية, واذا كان هناك متهمون من داخل معادلة النظام, ما يجعل الاخير امام تجربة قاسية جدا. ونحن نتكلم عن هذا الموضوع كمتفرجين, وليس كاشخاص سيتحملون نتائج التعاون او نتائج الرفض والذي يراقب من الخارج يبحث عن الحل العقلاني ولربما كان الحل العقلاني اشد صعوبة من الحل اللاعقلاني, وفي كل الحالات فان سورية في مازق.

* هناك من يقول ان المجتمع الدولي يتخذ من جريمة اغتيال الحريري ذريعة لمعاقبة سورية?

- حتى نرفع الغطاء فلندع التحقيق ياخذ مجراه الطبيعي, فلماذا سورية خائفة من التحقيق, اذا لم يكن هناك متهمون سوريون باغتيال الحريري, صحيح ان الدولة السورية تقول انها لا تقبل ان يتدخل احد في سيادتها, ولكن عندما يصل الظرف الدولي الى هذا الحجم, فانه لا عيب في ان يعلن الانسان البريء براءته بقبول التحقيق, الا اذا كان النظام السوري يعتقد انه يحق له قتل من يشاء, لانه مارس هذا الموضوع 30 سنة في لبنان, وكل عمره يشتغل هذه الشغلة, والان يبدو منزعجا من اتهامات المجتمع الدولي له بضلوعه في جريمة اغتيال الحريري.

* ما رايك بالخطوة التي اقدمت عليها سورية بتشكيل لجنة تحقيق, ولماذا لم تقم بهذه الخطوة عندما اثيرت الاتهامات بضلوعها في جريمة اغتيال الحريري?

- اعتقد ان كل التصرفات السورية من بعد اغتيال الحريري لم تكن منسقة حتى في ما بينها, وكان هناك تضعضعا في السلوك السوري في هذا الموضوع.

* ما سبب هذا التضعضع برايك?

- هذا التضعضع لا يدل على حالة طبيعية, كما وان انتحار وزير الداخلية السورية غازي كنعان ليس ايضا حالة طبيعية, سواء كان اغتيالا او انتحارا وفي كلا الحالتين لا تبدو الامور طبيعية, فكيف يمكن لشخص مثل غازي كنعان ان ينتحر كوزير داخلية وهو الذي حكم لبنان ل¯20 سنة.

وفي رأيي ان هناك اشياء كثيرة غير طبيعية تحصل حول جريمة اغتيال الحريري, وحتى ان التعامل مع الجريمة هنا في لبنان لم يكن طبيعيا, وهذا ما اثار الشكوك حول لبنانيين. هناك انسان واحد تصرف بشكل طبيعي هو وزير الداخلية سليمان فرنجية الذي استعمل سلطته والتي هي سلطة قضائية وطلب وقف ازالة المعالم من ساحة الجريمة.

* هل تعتقد ان الذين طلبوا تنظيف مسرح الجريمة ارادوا طمس معالمها لتضليل التحقيق?

- اكيد, لا يجب ازالة المعالم قبل ضبط كل الادوات المتوفرة على الارض في اللحظة نفسها, لان التحقيق يرتكز على هذه المعالم المهمة التي تفيد التحقيق كثيرا.

* هل يمكن القول ان هناك سوء نية واضحة من هذا الامر?

- احيانا كثيرة يساوي الخطا الجسيم الجريمة كما يقول القانون, وهذا الخطا الجسيم صادر من قوة التقليد عندنا عندما تتم عملية اغتيال معينة, بمعنى انهم يقومون بتنظيف وغسل الطريق وفلشها بالاسفلت مجددا امام السيارات وهذا ما حصل في الجرائم السابقة, وهذا ما حصل مع جريمة اغتيال الوزير السابق ايلي حبيقة, حيث جاؤوا الى مكان الجريمة واتهموا اسرائيل, وقاموا بعدها بشطف الطريق وازالوا كل شيء من مسرح الجريمة, وثم قاموا بدفنه في اليوم الثاني بحضور الجميع, وانتهى الامر. وهذا ما يذكرنا بجرائم المافيا, عندما كان عراب المافيا الذي ارتكب الجريمة هو الذي يتراس الصلاة على الميت.

* هل اقنعك تقرير ميليس?

- في تقرير ميليس امور عدة, منها انها صور الحكم السوري خلال 15 سنة على انه الوحيد القادر على ضبط الامور والامساك بها, وهذا الامر عشته ومقتنع به قبل ان يتحدث عنه ميليس ودون منة منه, وكل العالم يعرف ان السوريين كانوا يتدخلون في تعيين عسكري في مخفر على الحدود حتى قائد الجيش وصولا الى رئيس الجمهورية الذي كان يتعين في دمشق, كذلك فان مدير المخابرات يتم تعيينه في دمشق, ومدير الامن العام ايضا, وهناك مشهد تاريخي في هذه المناسبة لا بد من الاشارة اليه وهو انه عندما ذهب رئيس الجمهورية لزيارة دمشق, قام الرئيس السوري بمصافحة اميل لحود بيد وجميل السيد بيد اخرى, ووضعهما في نفس المصاف كثلاثة رؤساء دول. من هنا تعرف انه كانت هناك استقلالية للاجهزة الامنية في عملها وفي تواصلها مع الاجهزة السورية, ما جعل الاجهزة اللبنانية في تصرف الاجهزة السورية, ولا اعتقد ان اميل لحود كان "يمون" كثيرا, ومنذ الاساس فان اتفاقية 22 مايو تضع الاجهزة الامنية على تواصل مباشر مع بعضها البعض, وكذلك الامر بالنسبة الى الوزراء والمسؤولين الاخرين, اي ان الدولة مفككة ولم تعد مرتبطة بهيكلية هرمية كدولة لبنانية, بل انها اضحت مرتبطة افقيا مع الاجهزة السورية المماثلة, بشكل انك لو عزلت مجلس النواب ومجلس الوزراء ورئيس الجمهورية, فان الدولة اللبنانية تستمر في العمل دون اي تغيير, لان ارتباطاتها الحيوية كانت مرتبطة بسورية, والتوجيهات كانت تاتي من سورية وهناك اعتراف من وزير الداخلية الياس المر في 7 اغسطس الشهير الذي غطى ما حدث, والامور جرت بالتفاهم بين الاجهزة الامنية اللبنانية والسورية. والابشع من ذلك ان المسؤولين كانوا يقولون للناس ان هذا القرار هو قرارنا. وهنا فانهم يتصرفون كمثل "الرجل الذي يسمح لزوجته ان تنام في احضان رجل اخر وهو راضٍ".

* اين تقف الدعوات الى استقالة رئيس الجمهورية بعد صدور تقرير ميليس?

- اذا اراد الرئيس لحود ان يترك الرئاسة فليس ذلك بسبب اشتراكه بجريمة اغتيال الحريري, لا احد يقنعنا ان رئيس الجمهورية اللبنانية شارك في اغتيال رئيس الحكومة, وقد قلت في سياق الحديث ان الاجهزة الامنية اللبنانية فيما لو كانت مسؤولة مرتبطة بالاجهزة السورية, وبمعرفة المرحوم الرئيس الحريري والرئيس لحود وكل الوزراء والنواب الذين لعبوا نفس الدور, اي دور الزوج السعيد الذي هو اخر من يعلم, جميع المسؤولين الذين توالوا منذ الياس الهراوي وما بعد كلهم يعرفون ولكنهم طنشوا, ويعرفون ان الاجهزة الامنية لم تكن خاضعة لهم, بل كانت هناك خطوط متوازية ولم تكن هناك خطوط ترتبط بهرمية السلطة وانما كانت خطوطا افقية تتصل بدمشق, وكل مسؤول لبناني كان له خطه مع سورية, وعملوا كادارة ترتبط بهرمية السلطة السورية, ولم يعملوا ضمن هرمية تتعلق بالسلطة اللبنانية.

ومن هنا لا يمكن احد ان يزايد على احد, في هذا الموضوع. فاذا كانت هناك مسؤولية رسمية باغتيال الحريري فان هذه المسؤولية تعود لدمشق, ولكن لا اعرف اذا كان احد من السلطة اللبنانية يعرف مع انني لا اريد ان ابرئ احدا هنا.

* هل يعقل برايك الا يكون رئيس الجمهورية اميل لحود على علم بما كان يخطط للحريري. سيما وان قائد حرسه الخاص العميد مصطفى حمدان هو من المشتبه بهم في الجريمة?

- هناك المسؤولية المعنوية, وهناك المسؤولية المادية او الجرمية. بالنسبة الى المسؤولية المعنوية, فان كل الوضع مسؤول. مسؤولون عما حصل كل الذين حكموا من 15 سنة وحتى اليوم, هم الذين ساهموا في بناء الدولة الامنية, وهم الذين صرفوا لها المال, وهم الذين تعاونوا معها, وصراعاتهم مع السلطة الامنية كانت احيانا جيدة عندما يكون تصرف السلطة الامنية لمصلحتهم, واحيانا تكون سيئة عندما تكون تصرفات هذه السلطة لمصلحة اخرين من نفس السلطة, اي انه في داخل السلطة التي كانت حاكمة هناك تناقضات. فالدولة الامنية التي يتكلمون عنها ويهاجمونها الان بنيت على سواعد الجميع, وهذا الاجتزاء الحالي, اي ان فريق الشهيد يريد الاقتصاص من الفريق الذي كان ضد الشهيد, اي ان الفريق الاول يريد ان يقتص من الفريق الثاني بتهديم الدولة الامنية, والفريقان هما اللذان بنيا هذه الدولة ويتحملان المسؤولية سوية, وعملية تهديم الدولة الامنية يجب ان تكون مطلبنا نحن, فخلال السنوات ال¯15 الماضية كنا نحن المعارضين الاساسيين للاحتلال السوري في لبنان, ولم يكن وقتها احد يتجرا على قول كلمة الاحتلال السوري سوانا, فاصبحنا الان متهمين بالدولة الامنية وصرنا نحن جماعة سورية في لبنان, وهذا شيء مؤسف ومضحك تجاه حضارة السياسية التي تمارس في لبنان من جانب بعض السياسيين في لبنان.

نحن موقفنا عقلاني جدا حتى تبقى محافظتي على هيكلة الدولة التي نريدها ان تكون دولة, فليست غايتنا تهديم الاجهزة الامنية, بل اننا نريد معاقبة المجرمين في الاجهزة الامنية اذا كانوا بالفعل تجاوزوا, وحتى لو لم يكن قادة الاجهزة الامنية متورطين في جريمة اغتيال الحريري فيجب ان توضع لهم حدود يجب ان توضع حتى تبقى مهماتهم ضمن المهمة الامنية الموكولة لهم, فالاجهزة الامنية التي كانت بمعرفة وغطاء الجميع تجاوزت حدودها الى القضاء والى ادارة الدولة ولصنع نواب واسقاط نواب وبناء للتوجهات السورية, وهؤلاء يجب ان نحملهم مسؤولية, فاذا تمت تبرئتهم من جريمة اغتيال الحريري فلا يجب ان تتم تبرئتهم من تجاوز القوانين في عملهم.

* اين انت من المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية ولماذا لا تؤيد هذه الخطوة?

- رئيس الجمهورية كان من انتاج السياسة السورية في لبنان, والان عندما خرجت سورية من لبنان, فعلى لحود ان يذهب كنتيجة لتغيير الوضع السياسي, ولكن ما يبقيه في الحكم هو تصرف الذين اعتبروا انفسهم انهم انتصروا, فهؤلاء لا يريدون فقط ازاحة الرئيس لحود, بل انهم يريدون ايضا ازاحة كل القوى السياسية بالجملة حتى يضعوا يدهم على القرار اللبناني مئة في المئة, فهم لا يعملون في اطار سياسة ديمقراطية وطنية سليمة.

ومن هنا اقول لهؤلاء تمهلوا قليلا. فهم جاؤوا بالصدفة في 14 مارس التقيت معهم, ويريدون اليوم سلبي ما بنيته في 17 سنة, فهل انه ليس لي وجود في السلطة والبرهان على ذلك انهم لم يصححوا الاعوجاج الذي احدثه النظام الامني, فلم يصلحوا قانون ال¯2000, بل استفادوا منه, وهنا علينا ان ننظر الى صلب الموضوع, ولذلك اسميتهم المعارضة الجديدة, وطالبت تغيير قانون الانتخابات الذين وافقوا عليه, ومن هنا نرى النزعة المصلحية عند "تيار المستقبل", وعند التيارات التي قبلت ان تمشي بقانون ال¯2000 وكانت ترفضه لانهم اخذوا موقع السوري وصاروا مستفيدين منه. وانا اشعر بانه لا يمكنهم اصلاح بلد في هذه الذهنية, فاذا اردت اصلاح البلد عليك اقرار قانون عادل ومن ضمنه يمكنك الربح او الخسارة. وما زاد من شكوكنا اكثر في تصرفات الاغلبية من خلال عملية تعطيل المجلس الدستوري حتى لا ينظر بالطعون, فهم يريدون تغيير اعضاء المجلس الدستوري, فيما البلد جائع والامن غير مريح وكل هم الحكومة تطيير المجلس وبدلا من ان يضعوا همومهم في الامن لم يساعدوا على الاستقرار السياسي الذي يجعل الرئيس لحود يستقيل. واذا اردنا ان نكمل المسيرة كما يكملون هم فان الامور سائرة نحو الاسوا. وللاسف فان ذهنية الذين يمارسون الحكم لا زالت متخلفة,لانهم يعتبرون المعارض كانه عدو.

وانا بدوري هنا اعتبر ان المعارض هو العنصر الاساسي لتركيز الاستقرار في الحكم. فالدولة الديمقراطية دون صحافة حرة ودون ديمقراطية ليست دولة, فعندما يكون الحكم نزيها وشريفا ويريد مصلحة الناس فلا يعود بحاجة الى جهاز استخبارات اذا كان لديه صحافة حرة تراقب وتكتب, وقد سئلت مرة اذا وصلت الى الحكم ماذا تفعل فاجبت انظم المعارضة, لانه دون معارضة سليمة لا حكم سليما ولا تداول في السلطة سليما ايضا, وفي رايي ان المعارضة جزء اساسي من الحكم, فعندما تكون هناك قضايا وطنية يجب التفاهم عليها, فلا يمكن التخطيط في باريس لاسقاط اميل لحود, ثم ياتون ليضعونا تحت الامر الواقع, فاذا اردتم ذهاب لحود, فتعالوا واطرحوا المشكلة مع مبرراتها. وقد سبق وقلت في ال¯2004 انه اذا جدد لحود او مدد فلن يكمل ولايته, والسبب انني كنت مدركا اننا قادرون على خطوة سينحسر معها السوري عن لبنان, ومن خلال تصرفاتهم فانهم يدفعون لحود للبقاء في الحكم, ولانه ليس هناك من ممثلين في السلطة يحترمون التمثيل الحقيقي للشعب اللبناني, وكل همهم الاستفادة من الظروف الحالية, اي العمل على تطيير لحود, فيطير معه الجنرال عون وكذلك يطير ايضا جنرال ثالث ليضعوا يدهم على السلطة, وسبب الازمة هنا يعود الى اصلاح الدولة من الداخل وهذا ما لا يريده هؤلاء. شعوري انني اواجه اشخاصا لا يريدون اصلاح الدولة, لان هذا الاصلاح يبدا بمكافحة الفساد.

* هل تعتقد ان بكركي يمكن ان تاخذ موقفا من الموضوع الرئاسي لصالح لحود او ضده?

- بكركي لا تاخذ موقفا في هذا الموضوع, لانه ليست مهمتها ان تتخذ موقفا حيال الملف الرئاسي, فالبطريرك وانا الوحيدان اللذان لم نتخذ موقفا من الموضوع الرئاسي, والبقية كلها طالبت باستقالة رئيس الجمهورية فماذا تغير? وسبق وقلت ايضا لن يسقط رئيس الجمهورية في الشارع, فاذا كان هناك عقبة سياسية فتفضلوا لنتحاور على طاولة حول الاستحقاق الرئاسي, فكيف يمكن القبول بما يقترحونه دون مشاورات, وكانهم يريدون القيام بخطة انزال او عملية اكتشاف, وليتركوا ذلك للحروب. وهنا يتلاقى مع موقفي ما اعلنه رئيس مجلس النواب و"حزب الله" حيال الاستحقاق الرئاسي, وقد تلاقينا دون ان نتفاهم بطريقة منطقية وعقلانية. فاي قضية سياسية في البلد اهم من قضية راس الدولة, فلا يعقل ان ياتي طرف دون سواه ويقول على رئيس الجمهورية الاستقالة, ولا يمكننا بالتالي ان نوافقهم على ذلك, ولا بد ان يكون هذا الامر محل توافق بين كل اللبنانيين. هناك حسابات عالقة كثيرا في الدولة اللبنانية, فالعلاقات اللبنانية السورية لا يمكن ان تتفرد بها الدولة اللبنانية, فهذا الامر يتطلب محادثات اجماعية بين كل اللبنانيين, من الموالاة والمعارضة, فالقضية ليس تسيير حكم هنا, وانما هي ارتباطات دولة, والحكم لا يملك الدولة, بل ان لديه تكريسا بادارة شؤونها لفترة معينة, وكل اتفاقية تربط الدولة اللبنانية مع دولة اخرى تتخطى زمنيا سلطة الحكومة المكلفة ادارة شؤون البلد, فيجب ان يتم البحث بشانها مع المعارضة كونها البديل للسلطة.

* هل تشعر بان الاغلبية النيابية تحاول وضع العراقيل امام وصولك الى الرئاسة الاولى, وهل بامكانهم ذلك برايك?

- اكيد, فانهم يتبادلون الادوار ويقولون انني لا احاورهم, بل على العكس فانه عندما كنت في فرنسا كانوا يقولون انهم اذا عاد العماد عون "سيخربط" المعارضة, فعلى ماذا ارتكزوا في ما يقولون, وهم يريدون ان يحملونا مسؤولية عمل هم يقومون به, وهؤلاء ومن خلال اعمالهم يذكرونني بالانظمة الستالينية سابقا, فهم مثقفون ستالينيا جيدا, وما يجري على الارض انهم يقومون بفعلتهم ويتهمونك انت بالقيام بها.

* ما رأيك بما طرحه قائد "القوات" سمير جعجع بلقاء مسيحي في بكركي لبحث الملف الرئاسي? ومتى سيتم اللقاء بينك وبين الدكتور جعجع?

- في اي لحظة يمكن ان التقي الدكتور جعجع وهذا الامر ليس مشكلة. وفي رأيي ان اجتماع مسيحي في بكركي ليس ضروريا, لان رئاسة الجمهورية تعني كل المواطنين اللبنانيين, فعندما يكون لدى بعض المسؤولين احصاءات واستفتاء شعبي بحجمه الشعبي الطبيعي لماذا يسال اشخاصا.

* ما هو تفسيرك لمواقف رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الاخيرة, وما هو رايك بما قاله من انه ضد وصول العسكر الى الحكم?

- وليد جنبلاط بطبعه عدائي, وحتى لو اراد ان يفتح علاقة ايجابية معك, فانه يهاجمك اولا حتى ترد عليه, ومن ثم يضع شروطا عليك, فهذا الامر لم ينجح معه هذه المرة, وهو يعتقد انه مفتاح اساسي في رئاسة الجمهورية, اي الصوت الدرزي, واذا لم يرضَ جنبلاط على شخص ما فلن يصل الى رئاسة الجمهورية كما يعتقد هو, وانطلاقا من هنا فان جنبلاط يسلينا احيانا اكثر مما يزعجنا, ويعطي من وقت لاخر طرافة وفكاهة في مواقفه, ومن فكاهاته الاخيرة انه يريد لائحة باسماء المرشحين للرئاسة دون العسكر. فباي صفة يريد ذلك, في الماضي طلبت سورية عام 1989 خمسة اسماء يقترحها البطريرك صفير لرئاسة الجمهورية لتوافق على واحد منهم, ويبدو ان جنبلاط شعر نفسه انه محل حافظ الاسد الان وهو يطلب اسماء لينتقي واحدا منها.

* كيف تصف علاقتك بالنائب سعد الحريري?

- جيدة, وانا شخصيا كما افكر بعقلية ديموقراطية ليس لدي مشكلة مع احد, وحتى مع وليد جنبلاط, او مع الاخرين الذين يتحدثون احيانا كلاما متهتكا وغير مسؤول. ولذلك فانني لست على عداوة شخصية مع احد وما اريد عمله هو ان نفهم جيدا الديمقراطية, ونحاول ان يطور مجلس النواب اداءه الديمقراطي اكثر, ليصار الى اعتبار ان المعارضة هي الجزء المتمم للموالاة, والا فان لا معنى للديموقراطية.

* بعد التغيير الكبير الذي حصل في لبنان وخروج سورية من لبنان الا تشعر اننا مقبلون على انتخابات رئاسية قريبة?

- هذا الامر يحتاج الى تفاهم, وهذا التفاهم لم يقدم عليه احد. ربما الان يمكن ان يتصل بي احد ويقول لي اننا نريد البحث معك في موضوع الرئاسة الاولى, فلا مانع لدي شرط ان اسمع منه وسائله المقنعة حتى اتخذ الموقف المناسب بالنسبة لي, وطالما ان هذا الموضوع يثار على صفحات الجرائد وفي الاذاعات وعبر وسائل الاعلام الاخرى, فان ذلك لا يحل ازمة بل بالعكس يعقدها. ومع احترامنا لكل الذين يشتغلون في السياسة, في الداخل والخارج, فان ثلثي البلد لا يؤيد استقالة رئيس الجمهورية, فلماذا يريد الثلث المتبقي ان يسقط الرئيس لحود.

* المطالبون باستقالة لحود يقولون ان هيبة رئاسة الجمهورية اصبحت على المحك, ولا بد من انتخاب رئيس جديد يعيد اليها هذه الهيبة. ما رايك?

- هل هذه تجارة حتى يخجلوا الرئيس ويقولوا له استقل, فاذا عمدوا الى عدم احترامه, فهو ايضا بامكانه الا يحترمهم. للاسف هناك امر مشترك بين الطرفين لا يتحدثان عنه, مع ان كل اللبنانيين متالمون منه..?!

* كيف تنظرون الى ابعاد تقرير تيري رود لارسن, وهل يمكن ان يتسبب بنزاعات داخلية?

- هذه الامور تحتاج الى تقييم لبناني لبناني, حتى لا ندخل في توترات داخلية. كفانا توترات, البلد مفلس, وكل قرار تتخذه عليك ان تنظر الى التبعات المتوقعة منه, سياسيا واقتصاديا وعسكريا, ولنتعاطَ مع الامور بطريقة عقلانية. من هنا اقول ان القضية بحاجة الى تفكير منطقي وعقلاني.

* هل تعتقد ان الوصاية على لبنان انتقلت من سورية الى اميركا وفرنسا كما يقول البعض?

- حتى الان اشعر باشياء كثيرة, ولكن لا يمكنني ان اعبر الا عن الذي اتصرف به شخصيا. انا انسان لا اؤمن بالوصاية الاجنبية, لانني اتخذ قراري بحرية, والقرار الحر لا يعني التصادم والمواجهة مع الاجنبي. ونحن نتخذ الحل الذي يناسبنا. وبهذا المعنى ارفض القول ان هناك وصاية. الوصاية تحصل انه عندما ياتي مسؤول الى الحكم, ويحاول من خلال الاتصالات واللقاءات التي يجريها السؤال عما يجب ان يفعله, وانا لست من هذه الفئة من المسؤولين, وكل الذين تعاونوا معي سابقا, والان, ولاحقا يعرفون انه عندما تعرض علينا قضية لبنانية فاننا ندرسها ونتخذ الموقف الذي نعتبره صحيحا منها دون العودة الى سلطة اخرى, وهذا هو المسار الصحيح للمسؤولية دون الحاجة الى اي وصاية.

* هل ترى ان تقرير ميليس اراح البلد بعدما كشف عن الجهات المشتبه بها في التورط بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري?

- لا اعتقد ان تقرير ميليس اراح البلد. فلو كان هذا التقرير اسود او ابيض لكان اراح البلد, ولكن لونه الرمادي لا يريح, لانه صالح للاتهام وصالح للتبرئة, ما افسح المجال امام البعض للدفاع عن سورية, وكذلك الامر لمهاجمتها.

* بتقديرك هل باستطاعة ميليس ان يصل الى الحقيقة الكاملة في اغتيال الحريري ضمن مهلة ال¯6 اسابيع المتبقية له?

- في القضايا الكبيرة في العالم تحصل مناورات عديدة, ولكن صدور التقرير بهذا المستوى والضغط على سورية في الوقت نفسه يؤشران على ان المجتمع الدولي يريد الحصول على نتيجة معينة من سورية, والسؤال الذي يطرح نفسه هل تقبل سورية او لا تقبل, لنرى طبيعة المرحلة الجديدة.

* اين اصبح اللقاء المنتظر بينك وبين الامين العام ل¯"حزب الله"?

- هناك اجتماعات تمهيدية حصلت قبل انعقاد اللقاء المنتظر, لكن تسارع الاحداث اجل اللقاء, وانما ليس هناك شيء سيئ او غير طبيعي.

* هناك من يتهمك بفتح قنوات الاتصال والحوار مع اركان الطائفة الشيعية ("امل" "حزب الله") لكسب ودهم في انتخابات رئاسة الجمهورية?

- اللبنانيون لم يعتادوا ان يفكروا بالعمل في السياسة لمصلحة انتخابية, فلو عندي مصلحة انتخابية لكنت فتحت حديثا قبل الانتخابات مع "حزب الله", ولم اكن خسرت عشرة مقاعد انتخابية. ولم التقِ مرة مع احد للمحاورة على منصب, بل التقي معهم للالتقاء على اهداف, واذا حصل لقاء على منصب, فانه ياتي نتيجة تفاهم على الاهداف الوطنية, لانه لا يجوز ان يصل الانسان الى موقع حكم كموقع رئاسة الجمهورية, والا يكون هناك تفاهم على الخطوط الاساسية للحكم والحكومة. فالمهم كيف يترك المسؤول منصبه, لا كيف ياتي, وكيف يستقيل. انا لست مع هذه المدرسة التي تبيع الناس كلاما وتوعد الشعب اكبر من طاقتها, لان السلوك ضمن الحكم يجب ان يكون مثل السلوك قبل الحكم, والذين انتخبوا يجب ان يكونوا شركاء في تحمل المسؤولية, من خلال التفاهم على الخيارات والاساس التي ستعتمد مستقبلا. والمهم ان يعيش الجميع اجواء الحكم, وعندها تزول برايي الصدامات وتغيب النوايا السيئة.