نص كلمة دولة الرئيس العماد ميشال عون لمناسبة ذكرى 14 آذار في عشاء لجنة التمويل المركزي في التيار الوطني الحر

11 آذار 2006 

يسعدني الليلة أن أكون بينكم وأخاطبكم بلغة نتخاطب بها كل يوم بعيدًا عن التكليف ومناورات السياسة، لغة مصارحة لتعلموا ماذا يحدث في هذا البلد.

منذ سنة كنا في هذه الصالة وانطلقنا بمعركة انتخابية. اليوم في ذكرى 14 آذار نعود لنتلاقى ونتخاطب حول الوضع اللبناني.

بالتأكيد المشاهد التي رأيتموها معبّرة كثيرًا (عُرض فيلم عن مسيرة 14 آذار من العام 1989 إلى اليوم) ، وبالنسبة إلينا هي جزء من تاريخنا المجيد في النضال. وفي المناسبة، نذكر شهداءنا الكثر الذين لا نحب أن نستعرضهم على الشاشة ونستعطف الناس من خلالهم بل نحكي مجدهم في قلوبنا. 14 أذار ذكرى مجيدة وهي التي تبقى في النتيجة تاريخًا من تاريخ بلادنا لكنها أصبحت من الماضي الذي نذكره بفخر واعتزاز.

المهم أن نبني المستقبل. كنت دائمًا أخاطبكم بلغة بناء المستقبل، نترك الأحداث وراءنا ونتقدم بأفكارنا نحو البناء والعمل لازدهار مجتمعنا وطمأنينته وحريته. بعد الإنتخابات انتظرنا عشرة أشهر حتى يتقدم الحكم في مواضيع خلافية قائمة على الأرض اللبنانية ومعاصرة لعهد الوصاية ومنها ما نشأ بعد الوصاية وما بعد خروج الجيش السوري من لبنان. لكن المشكلات بقيت تراوح مكانها ولم يقدم أحد أي حل، بل على العكس استمروا في ذهنية الأعوام الخمسة عشر الماضية وما سبقها أيضًا. 

لذلك حيال هذا الأمر الذي جمّد الإقتصاد وجمَّد الوضع برمته حيث لا يوجد تقدم سياسي أو اقتصادي أو في أيٍٍ من المشكلات العالقة، تقدمت قوتان سياسيتان كبيرتان من أهم القوى في المجتمع اللبناني لتطرحا حلولاً للمشكلات العالقة. فإذا لم تُحلَّ هذه المشكلات لن يبقى استقرار أو اقتصاد، ولن يبنى شيء.

لا يمكن لمجتمع فاقد الإستقرار السياسي ومعلق بمشكلات من الماضي أن يتقدم. حزب الله والتيار الوطني الحر توصَّلا خلال ستة أشهر ونيّف إلى ورقة تفاهم عن مختلف القضايا الخلافية على الأرض اللبنانية.

نحن الإثنين وضعنا ورقة التفاهم بقرار حر ومستقل وبتجرد مطلق، عارفين أن الإحتمالات مفتوحة. هناك ناس قد لا يتبعوننا فنستمر معًا وقد يفرح فريق بالحل والآخر لا يرتاح، لكننا انطلقنا بضمير صاف وثقة متبادلة، فعمِلنا على الحل من دون التفتيش عن مصالحنا الخاصة، على مواضيع تمتد على كل الوطن وتعني كل الوطن، ولا تعني فقط حزب الله والتيار الوطني الحر ولكن كل لبنان. وبكل فخر وشفافية طرحنا الورقة على المجتمع السياسي اللبناني وعلى كل المواطنين فلم نسمع إلا القليل من الإطراء على لسان الطبقة السياسية، ولكن الكثير من السلام دخل قلوب المواطنين.

كان يكفي مشهد إعلان ورقة التفاهم على التلفزيون والمصافحة والتلاقي حتى يشعر اللبنانيون أنها المرة الأولى في تاريخ الأزمة اللبنانية منذ ثلاثين عامًا صافحوا بعضهم بعضًا على الأرض وأحسوا بثقة متبادلة.

أساس العمل السياسي في لبنان هو تركيز الوحدة الوطنية، لا يمكن لأي قوة في العالم مهما عَظُمت أن تخترق شعبًا صغيرًا ولو بحجم الشعب اللبناني إذا كان متحدًا. القوة بالإتحاد، ورقة التفاهم مفتوحة للجميع ودعونا الجميع للإطلاع عليها ومناقشتها وإضافة ما يكون أفضل إليها. لم نرَ سوى الصدّ لهذا الموضوع، ما السبب؟ لأن المنطلقات مختلفة. فنحن نريد بناء وطن لمواطنين والآخرون يبنون شركة مساهمة ويريدون زبائن.

النظرة إلى المجتمع تختلف تمامًا بين شركة تفتش عن زبائن - ونحن الزبائن - وفئة تبني وطنًا لمواطنين تريد تأمين الإستقرار والطمأنينة لهم.

انطلاقًا من هنا تجدون الخلافات. لو ينكبون على كل موضوع تصبح شروط حله بسيطة جدًا، ولن يتعذبوا كما تعذبنا نحن مع حزب الله لأنها كانت الممارسة الأولى والمقاربة الأولى. بنينا الثقة في ما بيننا ولم يحسب أحد أنه أعطى الآخر. كلنا فكرنا بأننا أعطينا الوطن وهذا هو المهم.

كيف يمكن أن نتكلم على الإقتصاد المنهار ومنذ خمسة عشر عامًا انهياره يتزايد على يد الناس أنفسهم الذين يكررون التجربة نفسها. صحيح أنَّ الإقتصاد علمي لكنه خيار سياسي وطني. لا يمكن لأحد أن يعتبر الإقتصاد عملية محاسبة وعندما يحتاج إلى مال يصدر سندات خزينة ويزيد الضرائب ولا يفكر بالوطن وزيادة الإنتاج. هؤلاء ينظرون إلى المواطنين كأن هناك فائضًا سكانيًّا على الأرض اللبنانية، هجّروا مليونًا ونصف مليون لبناني منذ خمسة عشر عامًا وهم مستعدون أن يهجروا ميلونًا ونصف مليون أيضًا.

نحن نعمل لكي لا نصدر اللبنانيين إلى الخارج بل لكي يصبح لدينا إنتاج

ونصدِّر بضاعة إلى الخارج ونحتفظ بالمواطنين على أرض لبنان.

إذًا الفروقات كثيرة والنظرة إلى الوطن مهمة لأنها تبني الوطن. بين الشركة والوطن الخيار عندكم، نحن نعرض لكم الوقائع وننقل الأفكار بوضوح، ليس كل من تكلم بالحوار يريد أن يصل بالحوار إلى نتيجة، بل يريد أن يرفع عن نفسه مسؤولية الفشل، لكننا بالمرصاد وسننقل إليكم الصورة بوضوح.

ولا أنسى أن في مثل هذا اليوم بالذات في 14 آذار من العام 1991 خرج ضباطنا من سجن المزّة وعادوا إلى لبنان وها هم اليوم بيننا.

آمل في العام المقبل أن يكون لبنان قد حلًّ هذه المشكلات السياسية التي طرحنا لها حلولاً ولا يوجد غيرها على الأرض اللبنانية.

ما طرح في وثيقة التفاهم كفيل بنقل لبنان من الأزمة السياسية إلى توجيه جهودنا نحو الوضع الإقتصادي و طريقة جعله سليمًا وتخفيف الضرائب وليس زيادتها وزيادة الديون.

نحن على موعدٍ مع الجميع الإثنين لاستئناف الحوار بذهنية الإنفتاح وقبول الآخر والطلب من الجميع بناء السلطة الجديدة، لأننا سمينا أنفسنا خطأً حالة التغيير والإصلاح. يبدو أننا نحتاج إلى سلطة تأسيسية جديدة للتأسيس عن جديد. عشتم وعاش لبنان.