حزب الله وقع قبل الحرب بسلسلة من الحسابات الخاطئة وسوء التقدير

التردد الإسرائيلي في مراحل الحرب الأولى سمح له بتعزيز دفاعاته

الشرق الاوسط - 2006 / 10 / 9 - أنتوني شديد

كان اللقاء يوم 12 يوليو (تموز) متوترا وممزوجا باليأس. فقبل ساعات قليلة وفي غارة جريئة كان مقاتلو حزب الله قد تسللوا عبر الحدود المحصنة والقوا القبض على اثنين من الجنود الاسرائيليين. واستدعى فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اللبناني حسين خليل أحد مساعدي زعيم حزب الله الى مقر رئاسة الحكومة وسط بيروت. وسأله «ماذا فعلتم؟». طمأنه خليل وفقا لتقرير اثنين من المسؤولين اطلعا على الوضع من خلال السنيورة، وقد أكد احدهما في وقت لاحق الأمر مع رئيس الوزراء قائلا «سيهدأ الوضع خلال فترة تتراوح بين 24 ساعة الى 48 ساعة». وكان السنيورة، التكنوقراطي أكثر منه سياسيا، متشككا في الموضوع. واشار الى قطاع غزة الذي كانت القوات الاسرائيلية قد اقتحمته وهي تلاحق متطرفين فلسطينيين اختطفوا جنديا اسرائيليا قبل اقل من ثلاثة اسابيع من ذلك الوقت. وقد قصفت طائرات اسرائيلية جسورا فضلا عن المحطة الرئيسية لتوليد الطاقة الكهربائية في غزة. ونظر اليه خليل بهدوء وأجاب «لبنان ليست غزة».  وما أعقب ذلك كان حربا دامت 33 يوما، وهي الفصل الأكثر تدميرا في تاريخ لبنان منذ أن انتهت الحرب الأهلية عام 1990، حيث اطلق حزب الله مئات الصواريخ على اسرائيل ودمر الجيش الاسرائيلي بنية لبنان التحتية واحتل جنوبه. وبعد ما يقرب من ثلاثة اشهر ما تزال اجزاء من البلاد ركاما وما يزال عشرات الألوف بلا مأوى والشتاء على الأبواب. وفي الخطابات والشعارات اعتبر حزب الله الحرب «نصرا إلهيا». ولكن استعادة صورة الفترة التي سبقت وتبعت اعتقال الجنديين تكشف عن سلسلة من الحسابات الخاطئة من جانب الحركة التي يبلغ عمرها 24 عاما تتحدى سمعتها المعروفة في التخطيط والحذر. قيادة حزب الله انتظرت، في بعض الأحيان، أياما لاجلاء الحي الفقير المزدحم في ضاحية بيروت الجنوبية وهو معقلها. وفقط عندما بدأت الطائرات الحربية الاسرائيلية تحويل المقرات الى ركام أدركوا مدى ما كان يعتزم الجيش الاسرائيلي القيام به. وكان مقاتلو حزب الله يعتزمون التدريب في ايران في الشهر ذاته الذي اعتقل فيه الجنديان. وطمأن زعماء حزب الله في بيروت المسؤولين اللبنانيين بأن موسم الصيف سيكون هادئا نسبيا. ويقول الجنرال اللبناني المتقاعد نزار عبد القادر انهم «كانوا أسرى افتراضاتهم».

غير أن حصيلة الحرب، ولا تزال خاضعة لوجهات نظر مختلفة، تكشف عن نقاط القوة والضعف لدى حزب الله، الذي ربما يعتبر الأفضل تنظيما في العالم من بين منظمات حرب العصابات. لقد اساءت الحركة، وحتى زعماؤها، تقدير رد الفعل الاسرائيلي. ولكن بفضل بنيتها التحتية المعقدة واستعداداتها، حيث جرى على مدى سنوات حفر أنفاق وتخزين اسلحة وتحديث الترسانة وتنفيذ عمليات مراقبة على امتداد الحدود، بقي حزب الله على قيد الحياة.

ويقول حسين الحاج حسن، عضو البرلمان عن حزب الله «كنا على الدوام مستعدين لأننا كنا دائما نعرف أن اليوم سيأتي عندما يتعين علينا أن نخوض هذه الحرب. كما كنا نعرف بأن الله معنا. فقد كان معنا».

أما تيمور غوكسل، المتحدث السابق باسم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان فقد قال بصراحة ان «حزب الله لم يكن يتوقع رد الفعل هذا، ولكنهم كانوا مستعدين له». وفي الثاني من مارس (اذار) بدأ زعماء على الساحة السياسية المنقسمة في لبنان ما اعتبر حوارا وطنيا. ضم الحوار جنبا الى جنب أعداء ألداء: وليد جنبلاط، زعيم الدروز، كان يجلس قريبا من حسن نصر الله، زعيم حزب الله. وتبادل الاثنان اتهامات واهانات مبطنة نوعا ما. وجلس ميشال عون، الجنرال المسيحي الأكثر شعبية بين الموارنة مع سعد الحريري. ولفترة اشهر عالجوا قضايا تهدد بتمزيق البلاد: العلاقات مع سورية، الوجود الفلسطيني المسلح، ومستقبل الرئيس المعزول، اميل لحود، المؤيد لسورية. أما آخر ما في الأجندة فقد كان سلاح حزب الله. وكانت الامم المتحدة، بدعم من فرنسا والولايات المتحدة، قد اتخذت في سبتمبر 2004 القرار رقم 1559. وبموجب القرار كان من المفترض نزع سلاح جميع الميليشيات في لبنان، وهو تعبير دبلوماسي للاشارة الى حزب الله. وبعد خمسة اشهر اغتيل رفيق الحريري، وهو ما أدى الى ارغام سورية على الانسحاب من لبنان بعد 29 عاما من «الوجود العسكري» فيه. وقد ترك حزب الله، الذي حرم من غطاء احد حليفيه الرئيسيين، ايران هي الحليف الآخر، معزولا نسبيا واصبحت اسلحته قضية اكثر الحاحا في بلد يبرز فيه التوتر الطائفي في أي وقت كان. ومن الناحية العملية لم يكن احد يتوقع من الجيش اللبناني وترسانته المحدودة والقديمة أن يتولى قضية نزع سلاح حزب الله، الذي يتمتع بدعم واسع في أوساط المسلمين الشيعة عبر مجموعة من الخدمات الاجتماعية والتمثيل السياسي ولغة القوة التي تجد لها أصداء مع احساس ابناء الطائفة الشيعية بالحرمان منذ أمد بعيد. وفي الثامن من يونيو وفي مبنى البرلمان ووسط غطاء أمني وسط المدينة القى حسن نصر الله دفاعه في الحوار الوطني. وتحدث نصر الله الذي كان يرتدي جبة رجل الدين والعمامة السوداء لما يزيد على الساعة، وفق ما رواه مشاركون. وغالبا ما يلاحظ اللبنانيون اسلوب خطاب نصر الله المنظم، ولم يكن ذلك الخطاب استثناء. ونقطة اثر أخرى، وبثقة وعزم ولكن من دون فظاظة، فسر سبب وجوب ابقاء الميليشيا، وهي ما يسميه حزب الله المقاومة الاسلامية، أسلحتها من البنادق حتى آلاف الصواريخ.

وقال نصر الله انها، أولا، توفر غطاء للدولة اللبنانية. وفي أية معركة مع اسرائيل سيعاني حزب الله عواقب الأعمال الانتقامية وليس بقية أنحاء البلاد. وثانيا كان حزب الله قد اقام رادعا هو، حسب كلمات احد المشاركين «توازن الخوف والرعب». والأمر الثالث قوله ان الجيش اللبناني وحده ليس كافيا لحماية الحدود التي تنتهكها اسرائيل بصورة متكررة جوا وفي بعض الأحيان بحرا.

وفي تلك الجلسة والتالية في التاسع والعشرين من يونيو تساءل منتقدو حزب الله في الحوار وأحيانا بحدة اطروحة توازن الرعب المفترض. ونقل عن نصر الله قوله وفقا لمروان حمادة، وزير الاتصالات ومنتقد حزب الله وكان مشاركا في الحوار، «أستطيع ان اصل الى حيفا وما بعدها». واضاف نصر الله ان اسرائيل لن تغامر بمجابهة هجوم صاروخي من حزب الله الذي يمكن أن يوجه ضربات الى صناعتها البتروكيماوية والثلث الشمالي من البلاد، بما في ذلك بعض المناطق ذات الكثافة السكانية.

وقال حمادة «انه يعتبر امكانياته في التهديد هي الرادع الذي يتمتع به». وفي ذلك الوقت كان معظم الكلام افتراضيا. وجرى اشعار المشاركين بالارتياح عبر ما اعتبروه تطمينات من نصر الله بأنه لن يحدث شيء يشل موسم السياحة الحاسم، وهو احد القطاعات الاقتصادية الحيوية للبلد الذي يقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط. واضاف حمادة انه «قال ان هذا الصيف سيكون صيفا هادئا. وقال ان جميع الأفعال التي سيقومون بها ستكون تذكيرا بوجودهم».

ولكن ملاحظة في خطاب نصر الله كانت تتكرر مرارا: الحاجة الى اعتقال جنود اسرائيليين كوسيلة لاطلاق سراح ثلاثة من السجناء اللبنانيين. وكان حزب الله قد حاول ذلك في السابق، في نوفمبر 2005.

وقال بطرس حرب، عضو البرلمان، الذي كان يجلس على بعد ثلاثة مقاعد من نصر الله ان نصر الله لم يقل ذلك للحصول على مصادقة. لقد ذكرها على نحو يشبه كتابة شيء في هوامش نص. ولم تلفت انتباه احد على الاطلاق. وقد راقب غوكسل، المتحدث السابق باسم قوة الأمم المتحدة، تطور حزب الله منذ نشأته في أعقاب غزو اسرائيل المدمر للبنان عام 1982. وتذكر حادثا في عامي 2001 و2002 بعد أكثر من عام على الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان. ففي منطقتين قرب الحدود، هما منطقة الخيام في الشرق وعلى الطريق الى الناقورة الواقعة على الساحل، أخرج حزب الله معدات حفر وشاحنات تنقل ترابا. وكان الرجال القريبون مرتابين. وخلال ستة أشهر حفرت انفاق، في مشهد مكشوف، بمنطقة جنوب لبنان الحجرية. وقال «كان المقصود أن نرى هذه الأشياء. لم يبذلوا أي جهد لمنعنا من من رؤيتها». وقال إنه مقتنع الآن أن حزب الله كان يحفر بعيدا عن الانظار أنفاقا حول لبونة وعيتا الشعب ومارون الراس على الحدود مع إسرائيل، وأن أفراده استخدموها لنصب كمائن وكغطاء في المعارك إلى حد تحقيق نتائج مدمرة في حرب الصيف الأخير. واضاف غوكسل «عند النظر إلى ما حدث آنذاك هم حقا استغفلونا في هذا المجال». وبينما كان من المفترض لصواريخ حزب الله أن تردع هجوما إسرائيليا شاملا فإن الحزب اعترف بأنه بدأ بالتحضير لحرب برية بعد يوم واحد من مغادرة القوات الإسرائيلية لجنوب لبنان في مايو 2000. ومعظم رجال الميليشيا هم من القرى التي تبقي أسلحتها في البيت. ويقول عبد القادر إن البلدة تصبح وحدة دفاعية بينما يتم إخفاء الأسلحة. بالمقابل تم تنظيم البلدات عن طريق تقسيمها إلى ثلاث مناطق مع وحدة قيادية محلية.

وقال إن «كل الأسلحة كانت في المكان الصحيح. هم لم يكونوا بحاجة إلى التجنيد». أما الياس حنا أحد الجنرالات المتقاعدين فقال إن ترسانة الأسلحة تم تجديدها خلال السنتين الأخيرتين. فإضافة إلى الصواريخ والأسلحة المضادة للدبابات التي تم نقلها عبر سورية فإن استخدامها يتطلب درجة عالية من التدريب وكانت براعتهم قد فاجأت القوات الإسرائيلية. كذلك كانت المراقبة عنصرا أساسيا بالنسبة لحزب الله. تذكر غوكسل كيف أن مقاتلي حزب الله كانوا يقضون أشهرا وهم يراقبون الحدود «وأنهم سيكتبون عن أي شيء يتحرك. إنهم أكثر القائمين بعمليات المراقبة صبرا في العالم». كان مسؤولو حزب الله ملتزمين تماما بما بعث به اليهم حسن نصر الله. فهم منذ فترة طويلة يعدون لعملية كهذه وفرصة تحقيقها بدأت تزداد. اعترف نصر الله بإنهم لم يتوقعوا رد فعل إسرائيليا بهذا الشكل، على الرغم من أن مسؤولي حزب الله قالوا إنهم على يقين من إسرائيل تعد لحملة عسكرية قبل انتهاء شهر أكتوبر.