عذر نصرالله أقبح من الذنب

بقلم/أحمد الجار الله - السياسة

عندما تدمرت بلدات وقرى الجنوب, وانهدمت الجسور في كل مكان, وذبح الأطفال ومات النساء والرجال تحت الركام, وعندما خرب الاقتصاد, وانقطعت الأرزاق, وكاد البلد أن يفرغ من قواه البشرية بسبب نزيف الهجرة الحاد, استيقظ الشيخ حسن نصرالله على الكارثة التي صنعتها يداه, وعض على أصابعه, كما يفعل الأطفال المخطئون حين يكسرون أواني البيت, واعترف وقال لو أنه كان يعلم بأن خطف الجنديين الإسرائيليين سيحقق هذا الرد الإسرائيلي المروع, لما أقدم على العملية, عملية الخطف, بشكل قاطع.

هذا النوع من الناس الذين يحشدون رجال بلدهم في سبيل خدمة بلدان أجنبية بعيدة, لا يتمتعون في العادة بحرية التفكير وبحرية القرار, ولو أرادوا ذلك, لأنهم يعملون وفق أوامر وأجندات خارجية لا تكترث بما سيحل في لبنان من كوارث, أو تأبه لموت الذين يسقطون فيه ولو كانوا أطفالاً من أصحاب اللحوم الطرية.

وعلى افتراض أن الشيخ نصرالله يعمل من ذاته, لا بأوامر إيرانية, وهذا افتراض مستبعد فإن تصريحه عن تفاجئه بحجم الرد الإسرائيلي, يكفي لوحده أن ينزع عنه صفات القائد, والمؤهلات التي تضعه في مصاف أصحاب القرار... الشيخ نصرالله, وفي ذروة نشوته وزهوه, عندما كانت إسرائيل تحطم لبنان, كان يقول إن العدوان موجود على جداول عمل إسرائيل التي كانت ستنفذ ضربتها للبنان ما بين شهري سبتمبر ونوفمبر هذا العام, لكنه فضح نواياها, وأرغمها, بخطف الجنديين, على تنفيذ العدوان مبكراً وتدمير لبنان من شماله إلى جنوبه وجعله بلداً منكوباً لم يعد يصلح للعيش الآدمي.

ما بين زهو الشيخ نصرالله, ومحاولته التنصل لاحقاً مما ارتكبت يداه يكمن رجل سياسي غافل, عاجز عن إجراء الحسابات السياسية والعسكرية الدقيقة, وليست لديه تقديرات صائبة لحقائق الأمور والقضايا والمواقف, ورجل على هذه الدرجة المروعة من الخواء كيف يجوز له أن يكون على رأس حزب, وكيف يحق له أن يتصرف بمصير الناس, ومن أي شرع وشريعة أجاز لنفسه أن يقرر عن جميع أفراد المجتمع ويجبرهم على السير نحو الجحيم وإلا كانوا من الخونة والعملاء لأميركا وإسرائيل?

لقد تسبب الشيخ نصرالله, وبهذا التفكير المأخوذ بمظاهر القوة, وبهدف النفسية المملوءة بعقد الامتياز على الآخرين, ولو من دون مؤهلات... لقد تسبب هذا الشيخ بإلحاق أكبر الضرر بالأمة اللبنانية, التي لا تنتمي أفعاله وولاءاته إليها, وبإلحاق أكبر الضرر بمصالح الدول العربية الأخرى التي لم يستشرها في إعلان الحرب على إسرائيل, ولم ينسق معها في إمكان خوض حرب جماعية ضد إسرائيل, وفي آخر الأمر يخرج علينا بكلام انسحابي أقبح من ذنب ويقول لنا فيه إنه لو كان يعلم بأن الرد الإسرائيلي سيكون بهذا الحجم لما قام بعملية خطف الجنديين بشكل قاطع, وللدلالة على تعطل قوة تقدير المواقف لديه, فقد قام بعملية الخطف وهو يعلم مسبقاً أن لدى إسرائيل مخططاً للعدوان كانت ستنفذه ما بين شهري سبتمبر ونوفمبر, ومادام لديه هذا العلم لماذا لم يترك إسرائيل تقوم بهذا العدوان من ذاتها, ولماذا أعطاها المبرر للقيام به? كان بإمكانه ترك إسرائيل تضرب لبنان الوديع فينفضح أمرها أمام العالم, وتدان بالاعتداء, وسيقال لها البادي أظلم?

العرب محقون عندما أدرجوا »حزب الله« وشيخه نصرالله في عداد المغامرين الذين لم يعد جائزاً تركهم يحتكرون السلاح وقرار الحرب لوحدهم وإقامة دولة داخل الدولة, ولقد أثبتت تصريحات نصرالله النادمة على أنه فعلاً مغامر لا يعرف ماذا تصنع يداه, وإلى أين توصل لبنان قراراته غير المحسوبة والانفعالية, والموغلة في الارتجال.

نعرف جيداً أن الشعب اللبناني لن يغفر للشيخ نصرالله كل ارتكاباته مهما تقدم إليه بالأعذار والاعتذارات عنها, وكذلك لن يعذره »حزب الله« الذي يعاني الآن من الانشقاقات, والمراجعات الذاتية العميقة, والتي قد تخرجه من التاريخ اللبناني كله.

وفي كل الأحوال لا تزال هناك طريق واحدة مفتوحة أمام الشيخ نصرالله لبلوغ شاطئ الأمان الوطني لا الإيراني, وهي طريق الاستسلام للدولة, وتسليم السلاح إليها, والخضوع لقوانينها ونظمها الفاعلة, وقطع الصلة بالعمالة لمصلحة إيران, وهي مصلحة سياسية بالدرجة الأولى ولا علاقة لها بمصالح الدين, والمجاهرة بالانتماء إلى الوطنية اللبنانية والتفاخر بها.

لقد قرأنا تنازلات في مقابلته الأخيرة في هذا الاتجاه, ونرجو أن تكون قراءتنا صائبة, هذا إذا كنا نفهم على الشيخ حسن بشكل جيد.