الحزب الكاذب ولبنان المهزوم

 أحمد الجار الله/السياسة

30/8/2006

 تكفي حملة البروباغندا التافهة التي يقودها الشيخ حسن نصرالله للترويج لمفهوم الانتصار في الحرب الأخيرة على إسرائيل... تكفي هذه الحملة لأنها تهزأ بعقول اللبنانيين, وتطالبهم بأن يركبوا بدائل أخرى لعيونهم ليروا فيها الواقع المخروب بصورة معاكسة, أي يرونه واقعاً حافلاً بالعمران, ويزهو بالنصر.

تكفي كل هذه الخزعبلات التي يقصد منها »حزب الله« وحلفاؤه من جماعة النظام السوري والعاملين في خدمته, أن يقولوا للناس في الداخل إن خيارهم السياسي الأصولي دينياً وقومجياً هو الخيار الفائز, وأن من يقف خارجه هو المهزوم والعميل لأميركا وإسرائيل.

يكفي هذا الكذب, كل هذا الكذب, وعلى الكاذبين أن يتوقفوا عنه, وخاصة حين يتحدثون عن الجباه المرفوعة, والكرامات المصونة... فالحياة كلها انتكست إما بالخضوع للموت, أو الخوف من آلات الموت, والكرامات ديست بالأقدام إما بالتشرد, وإما بالحصار, براً وبحراً وجواً.

كفى مهرجان الضحك على النفس وعلى الآخرين, وكفى أوهاماً بأن لبنان أصبح على طريق العودة إلى الاحتلال السوري ثانية, وبأن أزلام هذا الاحتلال سيتولون قريباً على حساب الاستقلاليين الذين قال بشار أسد إن شمسهم أوشكت على المغيب... كفى هذا المهرجان الكاذب, فلبنان حالياً أعيد إلى الحل القديم الذي كان السياسي اللبناني العريق ريمون إده, رحمه الله, ينادي به منذ أكثر من خمس وثلاثين سنة, أي نشر الجيش اللبناني في جنوبه, وتعزيز وجود القوات الدولية فيه, واتهم يومها بالعمالة للغرب ولإسرائيل إلى أن مات مقهوراً في المنفى الباريسي, وبعد صدور القرار 1701 أصبح لبنان خارج قبضات المصارعين إقليمياً, من السوريين والإيرانيين وتوابعهم, وفي عهدة الأمم والمجتمع الدولي... نعم إن قضية لبنان قد تم تدويلها بعد أن عاث فيها التعريب فساداً وتنكيلاً.

قضية لبنان أصبحت مدولة في واقعها الراهن فلماذا وقاحة »حزب الله« وشيخه حسن نصرالله, ولماذا الحرص على ادعاء النصر, على الرغم من أن الحزب يبدو كمن يصرخ في عقب كل ضربة كف على وجهه »سأريكم, سأنتقم منكم« فلا يزيده هذا التهديد النظري إلا تلقي المزيد من الإهانات, والمزيد من الضربات, بالأيدي والأرجل, على وجهه, والمزيد من تعفير الجباه في التراب, وتمريغ الرؤوس في الأوحال.

»حزب الله« يذكرنا هذه الأيام بغوبلز, وزير إعلام الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر, والذي كان يعتمد على الكذب في تشغيل آلته الإعلامية, واشتهر بالقول »اكذب اكذب, فلا بد أن يصدق الناس بعض الكذب«. وإذا كانت هناك هدنة سياسية وفكرية من قبل العقلاء اللبنانيين على »حزب الله« فما ذلك إلا من باب الحرص على سلامة الوحدة الوطنية التي طالبت الحكومة بتعزيزها, ومن باب عبور أيام الحرب العصيبة التي لا يجوز الكلام خلالها إلا عن الصمود في مواجهة العدوان... هدنة العقلاء هذه كانت تهدف إلى استيعاب خطيئة »حزب الله«, والوقوف معه ريثما ينجلي الغبار وتتفتح العيون على المصائب والكوارث وتفتح ملفات المحاسبة.

اللبنانيون بدأوا الآن يفيقون على حقيقة أوضاعهم, وأنهم كانوا مستلبين من قوى فاشية ونازية تشتغل لحساب الآخر غير اللبناني, وتتاجر بدمائهم وبأرزاقهم وببيوتهم وقراهم وبلداتهم من أجل هذا الآخر الذي لا علاقة له به ولا بمصالحه السياسية... اللبنانيون هؤلاء الذين أخذتهم الصحوة الوطنية تحرروا من إرهاب »حزب الله« الفكري والتكفيري والتخويني, وبدأوا يتحدثون بصراحة عن مواقف الخطأ والصواب, ويفضحون بروباغندا الحزب الفتوي المعتمدة على نظرية غوبلز الهتلري النازي, والتي يبثها عبر محطته »المنار« على الناس يصدقون بعض الكذب, وبالذات ما ينغلق منه بتجميل القبيح, وإنكار الهزيمة, وتقديس شخصية الشيخ نصرالله, وتصويره بطلاً قومياً ودينياً للعرب وللمسلمين.

لبنان في واقعه الراهن يعتبر حالة في عهدة الأمم والتدويل, ولم يعد بمقدور أحمدي نجاد, وبشار أسد, والشيخ نصرالله, أن ينفردوا بالتصرف به, وترحيل مشكلاتهم وخطاياهم إلى ساحته, ومن أجل أن يوفروا على أنفسهم المزيد من الهزائم, ومن أجل أن يوفروا على الشعب اللبناني المزيد من المعاناة, عليهم أن ينسحبوا من هذا البلد ويقطعوا الأمل بالعودة إليه ثانية, أما »حزب الله« فلم يعد أمامه من سبيل للبقاء, وتجنب التصفية, سوى تسليم نفسه وسلاحه إلى الحكومة اللبنانية حتى لا يجبر على تسليمه بالقوة, أو تأتيه عاصفة أشد هولاً من عاصفة 12 يوليو قد لا تبقي فيهم جسداً ينعم بالروح وبالحياة وبالوجود.

والواضح لا يوضح كما كان يقول رئيس البرلمان اليمني الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر عندما يخاطب رئيس الحكومة.