من هو الخائن والمهزوم؟

احمد الجار الله/السياسة

28 أيلول 2006

 في حين تغرق البلدان في مشكلاتها الداخلية, حيث لا ترابط بينها وبين سواها من مشكلات وقضايا. وفي حين أصبحت البلدان بمثابة غرف كثيرة النوافذ والأبواب, أي أصبحت بلداناً غير محمية. وفي حين تتناقص قيمة العهود ويصبح الماضي أفضل من الحاضر بكثير... في هذه الأحيان المؤسفة لا بد من مراجعة الأسباب لمعرفة كيف صار مستقبل الناس مسألة دافعة إلى التشاؤم وعدم الارتياح.

 

في هذا السياق المؤلم تبدو »الصحوة الأصولية« بمثابة ترجيع ماضوي يفرض نفسه بالقوة على الحاضر, ويجبر الناس على الالتحاق به تحت التهديد إما بالكفر, أو بالعمالة للأجنبي, أو بالانهزامية والتخلي عن مصالح الأمة (...). لعل »حزب الله« في لبنان واحد من مظاهر هذه الصحوة الارتجاعية التي تضطر دائماً إلى إثبات الوجود, ولو كان ذلك على حساب الأمة, إذا اقتضى الأمر, أو على حساب الأوطان, وحساب الشعوب دائما. فأهل الصحوة خربوا في بلدانهم أكثر بكثير مما خربوا في بلدان أعدائهم, وقتلوا من أبناء شعوبهم أكثر بكثير مما قتلوا من أبناء شعوب أخرى تعلن العداء عليهم, وصادروا من مجتمعاتهم أحقيتها بالإرادة الحرة وبحسبانهم أن هذه المصادرة مشروعة كونها إجباراً على العودة إلى الدين, والذي تحول على أيديهم إلى مادة للاستخدام السياسي.

 

»حزب الله« في لبنان, ولإثبات موجوديته, وهي الحاجة الأهم التي تتطلع إليها شريحة مذهبية من الشرائح المكونة للشعب اللبناني... لإثبات هذه الموجودية تسبب بتدمير لبنان كله, وتحويله إلى بلد منكوب, وتشريد أهله, وبالذات الناس المنتمين للون المذهبي الشيعي لهذا الحزب, وتدمير قراه, وجسوره, ومرافق بنيته التحتية, وإرجاعه سنوات عديدة إلى الوراء, ورغم ذلك, ولأجل إثبات الموجودية ومعالجة مركبات النقص, سارع شيخ »حزب الله« حسن نصرالله, إلى ادعاء النصر على إسرائيل, وإلى تنسيب هذا النصر إلى الله سبحانه وتعالى, على الأقل من أجل تدعيمه بقدرة إلهية مسلم بها لا تتوفر لأبناء البشر الضعفاء.

 

هذا الحزب هو من جملة أحزاب أخرى مصنوعة بأنامل المخابرات السورية وعنايتها, حرصت على حضور مهرجان »النصر الإلهي«, لتتواصل هي الأخرى في مكان بعيد لم يعد فيه حضور للشعب اللبناني, كون هذا الشعب أسقط هذه الأحزاب وأخرجها من ملة الولاء للوطن وأدانها بالعمالة لمصالح الخارج الأجنبي الإيراني السوري.

 

الوضع الشاذ هذا لم يقنع الشيخ حسن نصر الله بشذوذه فادعى, إلى جانب الانتصار, وجوب انضمام الجميع في لبنان إلى دولته وإلا كانوا خونة, مارقين عملاء لأميركا ولإسرائيل. وهذا المنطق, على ما فيه من سوقية فيه الكثير من الجهل بواقع الشعب اللبناني وصيغته الحاكمة, وهي صيغة تمنع طغيان طائفة على طائفة, ومذهب على مذهب, وقيام دويلة في جانب الدولة... هذا الجهل مرده إلى التكليف الخارجي باتباع المواقف التي تأتيه معلبة من طهران ودمشق وتنفيذ الأوامر الواردة منهما مهما كانت مكلفة, وضارة بمصالح الشعب اللبناني, وفي هذه الحالة, سواء الناتجة عن الجهل والسوقية, أو عن تنفيذ أوامر الخارج غير اللبناني, من هو الخائن? ومن هو الوطني? هل هو »حزب الله« وشيخه أم الدولة اللبنانية وشيخها فؤاد السنيورة?

 

نأمل أن تداعي التراجع إلى الوراء قد توقف بانتقال لبنان إلى عهدة الرعاية الدولية, ونأمل بالتالي أن تتغلب فيه صيغة الدولة الغالبة, فنحن بدأنا نرى تراجع كل مشاريع أهل الصحوة الترجيعية, وفشلهم في بلوغ هدف الحكم وإقامة الدولة, وبناء النظام الشمولي, وإلا لما اندحر »حزب الله« رغم ادعاء النصر الإلهي, ولما تكسرت الرؤوس الحامية في حركة »حماس« وبدأت ترضخ لمبدأ تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية, ولما واصل أيمن الظواهري أكاذيبه حول انضمام الجماعة السلفية في الجزائر والجماعة الإسلامية في مصر إلى صفوف تنظيم القاعدة. الأحيان المؤسفة التي نلحظها في البلدان وقصور الحاضر عن جمال الماضي, بلغت ذروة الاستطاعة, ومن بعد هذه الذروة ستنقشع عن ظروف المنطقة وظروف لبنان, ولن يكون موعد إذاعة الخبر بعيداً ابتداء من اليوم.