عن "حزب الله" وقرب النهاية

 أحمد الجار الله/السياسة

14/9/2006

 الكلام عن »حزب الله« في لبنان هو كلام عن حضور إيراني ممتد يبغي السيطرة على المشرق العربي, دون أن يكترث بالوجود الإسرائيلي, أو التحالف معه إذا اقتضت مصالح السيطرة وأصبحت مشتركة بين الطرفين.

بهذا المعنى لا يكون »حزب الله« إلا الطرف المحفز لإسرائيل كي تدمر لبنان, وبالتالي ترسخ نظرية تقاطع المصالح بين تل أبيب وطهران, وإلا كيف نفهم هذا التحفيز الحزبي لإسرائيل كي تشغل آلتها العسكرية بكل هذه الشراسة دون أن نخرج عن مفهوم تقليدية اللعبة, وهي لعبة مقاومة ضد عدوها, أو لعبة عدو ضد مقاوميه?

مبرر المقاومة أساساً انتفى منذ انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان عام ,2000 لكن ما بقي دون نفي هو خاطر الهيمنة على المشرق العربي والذي لا يجوز له أن ينطفئ, وبالتالي لا بد من السعي الدائم إلى مبررات وجوده والتي تمثلت بادعاء بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال, وهي مزارع لا تزال هويتها سورية غير لبنانية حتى هذه اللحظة. باندلاع عملية الإبادة الإسرائيلية للبنان عن طريق محفزات »حزب الله« اتضح أكثر أن العملية بحد ذاتها كانت بغرض تعزيز مبررات وجود هذا الحزب, عن طريق إسرائيل طبعاً, وتعزيز مبررات مقاومته التي تعتبر في صلب هذا الوجود, لكن بانتهاء العملية على ما انتهت عليه, نشبت السجالات حول من انتصر ومن انهزم في الحرب, وكانت فرصة ل¯ »حزب الله« اللا ديمقراطي أن يعتمد على إعلام دولة إسرائيل الديمقراطية, وعلى ما يجري فيها من حساب ديمقراطي ليدعي, من خلال الصورة المناقضة والعدوة, انه انتصر, بينما الواقع يقول عكس ذلك باعتبار أن لبنان خرج من الحرب مكسراً.

الآن بدأ »حزب الله« مسعى آخر, وهو التحول إلى الداخل الديمقراطي في لبنان, والمطالبة برحيل الحكومة, واستبدالها بحكومة أخرى يمتلك فيها الثلث المعطل, وفي حسبانه أن المنتصر من حقه إملاء الشروط السياسية, والتمتع بالحكم في بلده, ولو كان أشلاء ممزقة.

»حزب الله« الآن يطالب بحكومة جديدة في لبنان, كترجيع لصوت النظام السوري العامل في خدمته, وأمينه العام الشيخ حسن نصرالله يستخف بوجود فؤاد السنيورة على رأس الحكومة, ويتهمه بالمشبوهية ويتهم حكومته بأنها غير مؤهلة لمواجهة الاستحقاقات.

هذه المواجهات الشرسة التي لا تمت للفعل السياسي بصلة, هي أيضاً استمرار للبحث عن مبررات إضافية للوجود والبقاء, فنتائج العدوان الإسرائيلي أسفرت عن تورط الحزب, وعن انكسار أهدافه, الأمر الذي أدى إلى دخوله في مصاعب التضاؤل وفي المآزق الداخلية وهي مصاعب ومآزق تعاني منها دائماً الأطراف الخارجة على النظام العام, وعلى الاجتماع العالمي, حيث تلاقي نفوراً ونبذاً من محيطها الحاضن, وتخلياً من الطرف الخارجي, وهو هنا إيران, بعد أن يكون قد انتهى من استخدامها, ولم يصل معها إلى ما يتطلع إليه من أهداف.

»حزب الله« الآن يعاني من هذه الأزمات, فقد فقد شعبيته, وفقد دوره, وما عاد إرهابه الفكري وتهديده للناس ينفعه, هالة القدسية انقشعت عنه ومزقته طرفيته السياسية وعمالته للخارج الإيراني والسوري, وأصبحت العمائم فيه لا تعني الانتساب إلى مقامات الأولياء والصديقين, لذلك لم يعد أمام هذا الحزب إلا الصراخ الذاتي على الآخرين... هذا الصراخ الذي أصبح دلالة على التلاشي والتهاوي وليس دلالة على قوة الحضور وفعالية التأثير, وتأتي مفاخرة الشيخ نصر الله بإيرانيته وسوريته لتصب في هذا المجال, مجال التلاشي والانتهاء, لأنها مفاخرة لن تضمن له احتضان المرجعية الخارجية ثانية, وتمثل صراخاً عليها من أجل إعادة الاهتمام وإرجاع أحواله إلى ما كانت عليه قبل الحرب, وهذه أمنية تعاكس حركة التاريخ وتدخل في نطاق الاستحالة.

»حزب الله« الآن يحشرج, يشارف على الخروج من المعادلة الوطنية اللبنانية, وينطبق عليه بيت الشعر القائل: ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع.