الانتحار الشمشوني خيار المهزومين

 بقلم الصحافي/أحمد الجار الله

السياسة 18/8/2006

 

في الوقت الذي يثبت فيه »حزب الله« العودة الثانية للاحتلال الإسرائيلي بإعلانه رفض الانسحاب من منطقة جنوب الليطاني إلى شماله, وفي الوقت الذي يساهم فيه هذا الحزب, بغباء سياسي مفجع, في جعل لبنان ثانية ومصير لبنان في مهب الريح, إكراماً لأحقاد النظام السوري, وغلواء النظام الإيراني الإكليريكي... في هذا الوقت الحرج نسمع صوت الرئيس السوري بشار الأسد يصرخ في الفراغ طالباً من أميركا أن تتكلم معه, وتعيد إليه التعهد باستئناف الأدوار الإقليمية, وطبعاً في لبنان, وتساعده على استئناف المفاوضات مع إسرائيل التي هدد وقال إن بديلها هو الحرب.

رئيس النظام السوري, كما بدا من خلال خطابه المكفهر, كان رجلاً خارج الأحداث والتطورات, وملتحقاً بمقاومة »حزب الله« التحاقاً طفيلياً مقززاً, وكان رجلاً مملوء الرأس بالأوهام, وأولها أن الأميركيين عاجزون عن فتح جبهة ثانية معه, غير جبهة العراق, بمعنى أنهم خائفون منه, ولن يغادروا جحورهم الكائنة في المنطقة الخضراء في بغداد.

إضافة إلى هذه الصورة التي ليست في صالح سمعته كحاكم مفروض أنه يتابع ويلاحق ويفهم الأحداث, بدا الأسد في صورة أخرى, وهي صورة الضعيف الاستفزازي الذي يستدعي الآخرين إلى ضربه, من خلال التفوه ببذاءات هو عاجز عن تحمل المسؤولية عن النطق بها.

رئيس النظام السوري كان أشبه بالكمبيوتر الذي تمت تغذيته بالبرامج الرديئة, فلم يقدر إعطاءك إلا بما فيه من رداءة, وغداً سنرى ازدحام التداول بهذه الرداءة, بقصد تجميلها عبر التفسير الركيك, على الفضائيات المتعاطفة مع المحور الإيراني السوري, وبواسطة الأبواق المناضلة بحناجرها وشعاراتها المتخشبة, كما سنرى سيلاً من المفاهيم الاسطوانية المعلبة تتدفق هي الأخرى مضمخة بالهتاف, وبالمجاملات, ساعية إلى الإشاعة بأن نصر الله معصوم ومكشوف عنه الغيب وصاحب خطوة, وولي من أولياء الله, أو موطئ لعودة إمام الزمام عجل الله فرجه.

وبما أن الواقع هو غير ذلك تماماً بدليل تمرد »حزب الله« على إرادة الشعب اللبناني, ورفضه الانسحاب إلى شمال الليطاني, وتسليمه للدولة اللبنانية, وبدليل مساهمة رئيس النظام السوري, عبر تغطيته لأفعال »نصرالله«, في إعادة جنوب لبنان ثانية إلى الاحتلال الإسرائيلي, فإن كل الجوقات التي ستطبل غداً على الفضائيات ستكون فاقدة لمناسبة التطريب, ومبررات العزف, ودوافع الغناء بالأصوات الشاذة.

خطاب الأسد هو الأصل الذي سنتلقى منه الأصداء, وكما أنه وهم وموجات من الوهم, فكذلك ستكون الأصداء... لقد حاول الأسد ممارسة الأستاذية المعرفية على الناس, بينما هؤلاء الناس السامعون يعرفون أنه رجل معزول, ونظامه معزول, وبلده معزول, ولا نوافذ له مفتوحة إلا على إيران وعلى حسن نصرالله, الذي يحاول الأسد سرقة عرقه المقاوم وتثميره سياسياً في حسابه الخاوي والمفلس.

خطاب الأسد, الذي تزامن مع خطاب نجاد الإيراني, أعطى الدليل على صحة الاستنتاج بأن الحرب التي دارت في لبنان وعلى حسابه وحساب أبنائه, كانت حرباً إيرانية سورية أميركية إسرائيلية, وبالتالي دحض هذا الخطاب كل حجج المنبطحين الأعضاء في جوقات التضليل والمنافقة, التي راح أعضاؤها يعطون التفاسير الخطأ ويصورون ما جرى جهداً مبذولاً من قبل »حزب الله« في نطاق ستراتيجية تحرير فلسطين, وإرغام اليهود على حزم حقائبهم والرحيل عنها, حسب رغبة نجاد الإيراني وطلبه.

الواقع يقول إن المحور الإيراني السوري وتابعه »حزب الله« انهزم, ولا يجوز أن نمارس الضحك على أنفسنا ونقول غير ذلك. كنا نتمنى لهذا المحور أن يحرر الجولان السوري وباقي الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 (الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة), لكن كيف لمحور مهزوم, أدار »حزب الله« الحرب عنه بالوكالة, أن يتقدم لإنجاز هذه المهمات الكبيرة?

نعم... المحور الإيراني السوري مهزوم ودلائل الهزيمة هي هذا الخراب الممتد من جنوب لبنان إلى شماله, ومن شرقه إلى غربه, ومن كل مدنه إلى كل قراه وجسوره.

الوضع الآن يبدو وكأن نصرالله يسعى إلى الانقضاض على الدولة اللبنانية, وتنصيب نفسه أميراً على إمارة لبنان الإسلامية, والمغامرة مستحقة لأجل بلوغ هذا الغرض, إذا كانت فرص الوصول ممكنة.

لمواجهة كل هذا الجنون, وما يحدثه من عربدة سياسية وعسكرية ومغامرات غير محسوبة, نرى أن تنهض الدولة اللبنانية إلى مسؤولياتها, وتطبق القرارات الدولية المستحقة عليها, وتقضي على دولة »حزب الله«, على الأقل من أجل ضمان مصيرها ووجودها وبقائها, وحتى لا تقع فيما وقع فيه صدام حسين الذي ضرب بهذه القرارات عرض الحائط.

إن النفخ ب¯ »حزب الله« لم يعد من دواعي إعلان المواقف الوطنية, بعد أن أصبح هذا الحزب يهدد مصير الوطن اللبناني, فهو أولاً لم ينتصر, بل نشر الموت والخراب في كل لبنان, وثانياً لم يجبر إسرائيل على الانسحاب سنة 2000 بل كان انسحابها من جنوب لبنان في تلك السنة انسحاباً ذاتياً رأت أنه يتلاءم مع متطلباتها الأمنية ومصالحها السياسية, ومصالح سمعتها في العالم.

»حزب الله« لجأ إلى تحدي الدولة اللبنانية بعد خطاب الأسد ووضعها في مواجهة مع المجتمع الدولي, ولكن هذه الدولة هذه المرة لن تطلب نجدة هذا المجتمع الدولي لتصفية دولة »حزب الله«, وإلا ستنسحق مع هذ الحزب إذا قررت الوقوف معه ومقاتلة كل العالم.