انقاذ الفلسطينيين بعد إنقاذ لبنان
أحمد الجار الله- السياسة


الخطط المعتمدة من قبل الحركات والأحزاب الأصولية للوصول إلى السلطة والحكم أصبحت مكشوفة, وربما مفضوحة... هذه الحركات والأحزاب تبدأ بمهادنة الحكومات, وتعرض التعاون معها, وبعد أن تأمن على نفسها وعلى حيازتها للثقة الرسمية تنتقل, بموجب هذه الخطط إلى المشاغبة على السلطة, وإلى مباشرة التمرد عليها, وسحب بساط الجماهير من تحت قدميها, والاستيلاء على أدوارها, وفي الجزء الثالث من الخطط, وبعد أن تكون السلطة قد وهنت واشتعل رأسها شيبا تنقض هذه الحركات عليها, وتغتصب مكانها, وتتفرغ لحكم الناس بالحديد والنار والتزمت القاتل.
لقد شاهدنا هذا النمط الشرير في لبنان حيث هادن »حزب الله« السلطة, وشارك في الحكومة, وبعد ذلك تفرغ لبناء دولته الخاصة من أجل الشغب على الدولة اللبنانية واضعافها, ثم اغتصب حقوقها واستولى على قراراتها, واستفرد بإشعال الحرب مع إسرائيل وكانت النتيجة, عند سكوت المدفع, تجري في غير مصلحته, وضد اشرعة سفنه الممزقة.
النموذج الأصولي ذاته شاهدناه في الضفة الغربية وغزة.. هناك أفنت حركتا »حماس« و»الجهاد الإسلامي« عمريهما من أجل اضعاف السلطة الوطنية, وزاودت عليها »حماس« في الشارع, إلى أن تمكنت من الفوز بأكثرية مقاعد المجلس التشريعي, وبدلا من أن تشكل حكومة تحت مرجعية السلطة ورئيسها شكلت حكومتها الحركية الذاتية وجعلت مرجعيتها فئوية أنانية الأمر الذي أدى إلى إنهاك السلطة ومطالبتها بالانصراف لأن دورها انتهى وحان الوقت لشروق الزمن الأصولي المتزمت وغروب ما عداه.
في لبنان هذه الأيام انجلى غبار الحرب ومعاركها عن بروز السلطة وغلبة منطق السلطة, في الوقت الذي كابر فيه »حزب الله« لتدمير هذه السلطة ولو بآلة الحرب الإسرائيلية. اننا نرى الآن قرارات أممية تدعم السلطة, وإجراءات دولية لتعزيز وجودها العسكري, ولأول مرة, على كامل أراضيها من الشمال إلى الجنوب, ومن التخوم السورية إلى التخوم الإسرائيلية, ونرى كذلك تضافر الدول لدعم هذه السلطة ومساعدتها ماديا لإعادة إعمار البلد المنكوب, ولاعادة الخراف الضالة إلى أحضان الدولة وحمايتها من الذئاب الإيرانية السورية المتربصة... لقد أعاد العالم الاعتبار للسلطة اللبنانية المنتهكة من عقود, وبدأ بقواته المعززة بتجريد الخارجين عليها وعلى قوانينها من أظافرهم السامة, ومن خططهم المشبوهة, ومن عمالتهم للمرجعيات الأجنبية المأخوذة بوهم الخرافة.
رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة سمعناه أمس يتكلم بلسان الدولة اللبنانية المنتصرة, ويطمئن المنكوبين من اللبنانيين أن هذه الدولة هي التي تأخذهم الآن في حمايتها, وهي التي ستعيد إليهم بيوتهم المهدومة وتعوض عليهم مصالحهم وارزاقهم المهدورة على مذابح الآخرين, وكان سابقا لا يجرؤ على مثل هذا الكلام المباح خشية التعرض لألسنة السفهاء, ولتهديداتهم, ولارهابهم الفكري, ولتخويناتهم واتهاماتهم التي لا تراعي حدودا لضمائر, أو موانع لأخلاق, أو أوامر لدين.
ما حصل في لبنان, وعن طريق تدويل قضيته, لماذا لا يحصل الآن في الضفة الغربية والقطاع, كون المشكلة التي كانت هناك, لا تزال تفتك بالسلطة هنا? لماذا لا تصدر قرارات من مجلس الأمن تسمح بتشكيل قوة عسكرية أممية تعيد الاعتبار للسلطة الوطنية الفلسطينية وتقضي على الوجود المسلح لكل الخارجين على قوانين هذه السلطة, وتخرجها من براثن التلاعب الإيراني السوري الذي لا يأبه لدماء الفلسطينيين المسفوحة ولا لبيوتهم المهدومة.
نعم.. يجب نقل التجربة اللبنانية إلى فلسطين, ويجب ان تتوفر إرادة دولية حازمة تعيد للسلطة الفلسطينية اعتبارها وفاعليتها, وتدعمها بقرارات جديدة من مجلس الأمن توفر الحماية للشعب الفلسطيني من الخارجين على السلطة, والذين يتسببون لأبناء هذا الشعب بموت يومي لم يتوقف حتى هذا اليوم, حتى بات القتل هو الغاية والعدم هو الهدف.
ولنا أن نتصور أن رؤساء دول يتفقون على مبادلة الأسير الإسرائيلي شاليط بآلاف الأسرى الفلسطينيين, وحركة »حماس« تقبل بالاتفاق, فيأتي الأمر من بشار أسد إلى خالد مشعل, فينتهي كل شيء ويسقط, ومن أجل أن تستمر المجازر, وأن يستمر العدم يحصد الأرواح ويشرب الدماء. مطلوب إرادة دولية الآن, كما قلنا, تحمي هذا الشعب المظلوم من متاجرة »حماس« وجرائم إسرائيل, التي تدعي أنها تدافع عن نفسها, والخارجون على قوانين السلطة يعطونها المبرر, تماما كما أعطاها »حزب الله« المبرر لتحويل لبنان إلى ركام, والقائه في أتون الحرائق... بالإرادة الدولية نحمي الفلسطينيين وفي الوقت نفسه نوفر لهم سلطة قادرة وقوية وتنفذ التعهدات والاتفاقات, التي تعطلها حكومة »حماس« الفئوية, وزعيمها خالد مشعل القابع تحت إرادة النظام السوري في دمشق. لابد من اعتماد صيغة لبنان الدولية في فلسطين إذا كان السلام هو خيارنا.. هذا السلام الذي يجب أن تنفذه الإرادة الدولية, وبكل حزم. لو انتهى الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة كما انتهى إليه الوضع في لبنان نكون قد قضينا على رأسي الأفعى في دمشق وفي طهران, وأنقذنا حياة الشعب الفلسطيني من الموت العدمي على أيدي الفصائل الخارجة على القانون وعلى أيدي إسرائيل على حد سواء.
31/8/2006