تأشيرة إسرائيلية لدخول لبنان

 بقلم/أحمد الجار الله

السياسة 8/8/2006

 

العرب الذين تقاتلوا على أرض لبنان, وقاتلوا على حسابه وحساب دماء أبنائه, وبعضهم مارس عليه احتلالا ووصاية بكل تعسف وغطرسة لمدة أكثر من ثلاثين عاماً... العرب بأفعالهم هذه فتحوا الباب للعودة الإسرائيلية إلى لبنان مصحوبة بتدخل إيراني سافر, ولا غرابة أن يفلت هذا البلد العربي الجميل من أنيابهم ليقع الآن تحت أضراس إسرائيل, ولا غرابة أن هؤلاء العرب, الخطاة والعجزة, لم يعد بإمكان وزراء خارجيتهم الوصول إلى بيروت إلا بعد أخذ الإذن من إسرائيل, وشرط أن يمتطوا الطائرات من القاهرة, ومن عمان.

هكذا هي الصورة المحزنة الآن, وهكذا هي الحال التي انتهى إليها النظام العربي الرسمي, الذي أصبح يقف على أبواب إسرائيل لأخذ الإذن بدخول لبنان.

على ضوء ذلك لن يكون لاجتماع وزراء الخارجية العرب أي معنى, ولن يعبر هذا الاجتماع عن أي شيء, لا معنوي ولا مادي ولن يرفع عن رقاب اللبنانيين سكاكين الذبح الإسرائيلية.

رغم ذلك يطلع علينا »حزب الله« والمطبلون له بنغمة الانتصار, وبإشاعة المعادلة الوهمية الشهيرة التي تسمح بالانتصار لمجرد أن لبنان صمد, وكأنما الموت النازل به وبمرافقه لا يعتبر خسارة.

»حزب الله«, ووفق حسابات إيرانية صرفة, أدخل وطنه لبنان, والعرب الآخرين في نفق كان من الممكن تجنب الدخول فيه لولا افتعال عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين التي لا معنى لها ولا هدف سوى الرقص السياسي والجهادي أمام الناس المحتاجة دائماً إلى جرعات التضليل والتخدير لبلوغ نشوتها الذاتية, وبدون شريك. نقول إن »حزب الله« أدخل وطنه لبنان في نفق الحرب والدمار دونما استعداد وتحضير, بينما إسرائيل جاهزة للحرب ولديها الملاجئ, واحتياطات المواد الضرورية, الغذائية والدوائية, ولديها مخزونات الوقود التي تكفي لجعل الحياة مستمرة لمدة طويلة, لم يستشر »حزب الله« الشعب اللبناني في قرار دخول الحرب, ولم يقل له إن بلده سيدمر في هذه الحرب, وكل ما في الأمر أنه وعده بالموت مرفوع الرأس, أي وعده بمشروع عدمي على غرار كل مشاريع الحركات الأصولية التي لا ترى الواقع إلا من منظور الخرافة والتدجيل والوعود الهيولية الوهمية الكاذبة.

يقول »حزب الله« وجوقة المطبلين له إننا انتصرنا, على من انتصرنا? صحيح إن هذا الحزب أرسل آلاف الصواريخ على إسرائيل, لكن أكثرها وقع في الخلاء, وأقلها أصاب أعداداً لا تقارن بأعداد اللبنانيين الذين قتلوا وأصيبوا. لم تدمر قرى بكاملها في إسرائيل, ولا مدن, ولا ضواح, بينما تدمرت قرى وبلدات كل الجنوب, وكل جسور لبنان الواصلة بين شرايينه.

وفي تعريف الانتصار على طريقة »حزب الله« يقال إننا قضينا على موسم السياحة في إسرائيل, وننسى التعويضات التي تتدفق عليها جراء هذا التعطيل من أميركا ومن سواها. وها نحن الآن أمام مشروع قرار فرنسي - أميركي سيصدر لاحقاً من مجلس أخذ في الاعتبار مصالح الستراتيجيات الغربية دون سواها, والمحسوبة إسرائيل من ضمنها, دونما اكتراث باعتراض المعترضين من إميل لحود إلى محمود أحمدي نجاد, إلى بشار الأسد.

لقد كنا نراهن, كأصحاب عقول صغيرة, على موقف فرنسا, التي انحازت إلى مصالحها الغربية, وكانت أول من قال لنا وافقوا على القرار, مؤثرة تعميق التفاهم مع الأطروحات الأميركية على الانحياز إلى جانبنا وجانب مواقفنا العاطفية.

لقد أصبح معروفاً أن العالم قرر أن لايكون لبنان بعد اليوم ورقة في مهب المصالح الإيرانية - السورية, ولا حديقة خلفية ملحقة بما يجري في العراق, ويعمل الآن لتحقيق هذه الإرادة, بينما دمشق وطهران لا تملكان سوى المواجهة بآخر قطرة دم لبنانية, وبالردح السياسي, دون أن تفعلا شيئاً, مع التأكيد أن لا أحد يطالبهما بفعل شيء حتى لا يلحق بهما الدمار والخراب.

المعركة ستنجلي في لبنان وفق إرادة دولية تتطلع الآن لتنظيف هذا البلد من الدخلاء عليه, ولتحريره من مصالح الآخرين, وإقامة دولة حرة قوية فيه لا تعلو على كلمتها كلمة, ولا على قرارها قرار يأتي من طهران أو من دمشق.

ووفق هذه الحقيقة التي تؤكدها مسارات الحرب الآن, فإن وزراء الخارجية العرب لن يتوصلوا إلى شيء في بيروت اللهم إلا تفهم بعضهم لمجريات الإرادة الدولية, وفهمهم في الآخر أنهم لم يصلوا إلى عاصمة لبنان المدمر إلا بإذن من إسرائيل حالهم حال الطائرات المحملة بالمعونات الإنسانية وبحفاضات الأطفال وعلب الماء والأدوية.

في الآخر ليس لنا إلا إحالتكم إلى خطاب رئيس حكومة لبنان فؤاد السنيورة, الذي اقترن بالدموع وقلة الحيلة, والذي ألقاه في افتتاح أعمال وزراء الخارجية العرب... اقرأوا مابين سطور هذا الخطاب, وتوصلوا إلى المعاني التي قصدها وخصوصاً عندما قال إن لبنان تدمر سبع مرات على أيدي العدو وغير العدو, وإن عروبة لبنان غير مشروطة وليست بالإرغام.