الحقيقة تعشق الصراحة"*

بقلم جولي أبوعرّاج

منذ زمن واللبناني يعايش مصيراً موجعاً محزناً، ترسمه أنامل الدول، وتحدد معالمه المحاور الإقليمية بأدوات محلية تخط على الصفحة اللبنانية ما يعبر عن مصالح الغير على حساب لبنان وشعبه.

منذ زمن واللبناني يعايش "خربة" سياسية متصدعة، لا سقف لها ولا أعمدة، احتلتها "لصوص "الوطن فدمروا ما بقي عامراً فيها.

منذ زمن، ليس بالبعيد، صدح صوت الأحرار، منبهاً من تداعيات استمرار تقاعس الدولة في بسط شرعيتها السيادية، فردت الأصوات المأجورة بالرهانات الخارجية.

أشار الأحرار بالإصبع إلى ما سيحدث، محذرين من مغبة وخطورة استئثار فئة بالسلاح خارج نطاق الدولة، فرد "تجار "الوطن بالاستراتيجية الدفاعية (الفئوية) لحماية لبنان بعد أن اتهموا كل من طالب "الشرعية" بالعمالة "الصهيونية الأميركية الامبريالية".

وما تم توقعه حدث فعلاً، ولا مجال للتحليل أكثر لان الأحداث أصبحت واقعا في متناول الجميع، بعد أن قام "حزب الله" بمغامرته الخاسرة، وجر لبنان إلى الحائط المسدود، فلم تؤخذ ملاحظات من راهنوا على لبنان الوطن في الاعتبار حتى وصلنا إلى الكارثة وحلت "النكبة" التي كانت نتيجة وثمن السياسة اللبنانية الضعيفة، وتفرد حزب واحد بتقرير مصير الحرب والسلم.

اختار حزب الله خيار دخول المواجهة غير المتكافئة مع إسرائيل، دخل مغامرة غير محسوبة العواقب فكان مجرد بيدق صغير على رقعة الشطرنج الإيرانية السورية آخذا معه لبنان واللبنانيين إلى المجهول لا بل فارضا عليهم "معركة الامة (...)  شاؤوا أم أبوا" على حد قول أمينه العام حسن نصرا لله الذي أقدم على فعلته دون أن يتشاور مع أي من القوى السياسية اللبنانية، معتبرا قراراته ملزمة لكل اللبنانيين، وما على بقية القوى إلا أن يصطفوا متحدين وراء قراره...

وكيف لا !! وهو زعيم "دولة" داخل الدولة اللبنانية التي ُمنعت شرعيتها من الدخول إلى المناطق التي سمّيت بالمربعات الأمنية في ضاحية بيروت الجنوبية وفي قسم كبير من الجنوب وخاصة تلك المتاخمة للحدود الشمالية لإسرائيل...

ما الترسانة الصاروخية ونوعية الأسلحة التي يمتلكها الحزب والتحصين العسكري في مخابئ يتخطى عمقها العشرين قدما إلا دليل قاطع على "دولة حزب الله" المتحصنة بإمكانيات تفوق الدولة اللبنانية، التي تتحمل حكومتها الحالية كسابقاتها في سنوات العقد الأخير  مسؤولية "كارثة حرب لبنان" لأنها، وعلى ما يبدو،لم تكن مصابة بعمى البصر والبصيرة بل كانت تعرف وعن كثب تسلح حزب الله وتحصين "دولته"، لكنها لجأت إلى الصمت نتيجة ضعفها من مواجهة هذه القدرة المحكومة للمصالح الخارجية إضافة إلى تحكم المكاسب "الآنية والذاتية" وحب "الوصول" على حساب المصالح الوطنية.

إن ما قام به حزب الله تخطى قضية مزارع شبعا والأسرى لدى إسرائيل ،ليطبق أجندة إيرانية سورية، أساءت تقدير رد الفعل الإسرائيلي.

والجدير ذكره، إن الحزب الذي اختطف قرار الحرب، وساهم في تدمير لبنان، وبعد أن وصل إلى الهاوية أراد أن يشرك اللبنانيين ممثلين بما يسمى "حكومة لبنانية" بالقرارات الخارجة عن نطاق حدودها، ليترك لبنان يدفع فاتورة حسابات سوريا وإيران. سوريا وإيران، اللتان لهما حساباتهما ومصالحهما على حساب المصالح الوطنية اللبنانية.

أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن في مراقبة المشهد "الكارثي" الذي حل بوطن الأرز، أهمها يتمحور حول نية إقدام حزب الله على مغامرته وهو الذي صرح بأنه على علم بالضربة الإسرائيلية. إذا، لماذا كان المبرر الذي احتاجته الدولة العبرية؟

لماذا لم يقم بتأمين ملاجئ ومخازن للمواد الغذائية وخطة طوارئ لإجلاء المدنيين، على غرار الملاجئ المحصنة التي يقبع فيها مقاتلوه خلال المواجهات الدائرة، وهو الغيور على لبنان وشعبه. لا بل هو الداري "بنوايا الدولة الإسرائيلية وهمجية حربها" وقدرة آليتها التدميرية، إدانتها لا ينبغي  أن تنأى عن الرؤية الواقعية والعقلانية، دون أن تعني الواقعية تأييد إسرائيل في قصفها الأحياء السكنية التي حولها حزب الله إلى مناطق عسكرية. فإقدام الحزب الإيراني المولد اللبناني المنشأ على مغامرته كمن فتح باب قفص لوحش معروف بخطورته وعنجهيته وقوته.

والملفت، انه رغم الخسائر التي مني بها على كافة الصعد، لا يزال الحزب يتحدث عن "انتصاراته وانجازاته" التي لم تتخط حدود الأمنيات "كالانتصارات العربية" التي لا تصنف إلا في خانة الإخفاقات، هكذا هي الانجازات المعهودة تعبئة الرأي العام بأوهام وبطولات بعيدة كل البعد عن ارض الواقع، مستندة إلى "أرقام وفتاوات".

كتب على الشعب اللبناني أن يدفع فاتورة الغير، يعيش في "الخربة" بينما غيره يقطن بيوت الأمان وقصور السيادة وبروج المستقبل الزهري.

والحل؟

 الرهان على لبنان الوطن والهوية والعقيدة ضمن دولة قوية تبنى بسواعد الصدق والإخلاص والشجاعة والتضحية وهذا يستلزم رجال دولة أصحاب مبادئ ورؤى وقرارات مصيرية، تكون قادرة على وضع حد للميلشيات الفئوية، ولكل من يرهن لبنان للمصالح الخارجية.

ويبقى أن نقول وقى الله لبنان شر الأسوأ إذ لم تبادر الدولة الحالية في بسط سلطتها السيادية.

*وليام شكسبير

13 آب 2006