قضية شهيد وشاهد على قضية

الشباب الأحرار

شهر أيلول هو شهر شهيد المقاومة اللبنانية، هكذا جرت العادة منذ انتصر البشير على الموت بنيله إكليل الشهادة وكذلك كل من سار قبله وبعده.

في هذا الشهر تمطر السماء بركاتها لكثرة القداسات والصلوات والابتهالات التي ترفع لراحة أنفسهم ولإعطائهم وعدا بأن شعلتهم ما زالت مضيئة مهما اشتدت الصعوبات والويلات وقست الايام والاحوال ومهما سقط على الطريق ممن يفترض به إكمال المسيرة.

إنها شعلة أبدية جذورها ضاربة في التاريخ لأكثر من ألفي سنة وأغصانها تلامس المجد الآتي من الأعالي.

أسئلة عدة تطرح نفسها هذه السنة خاصة وأنه بعد أن كان هنالك ثلاث مناسبات ستقام في طبرية، الأشرفية وسيدة إيليج ،إذ برابعة تلتحق بالقافلة في اللحظة الأخيرة كي يختتم بها شهر أيلول.

ولكن كيف يفترض أن يكرّم شهداؤنا  شهداء المقاومة اللبنانية وما هي القضية التي سقطوا من أجلها وكيف نكمّل مسيرتهم مسيرة الحرية والكرامة؟

بشكل موجز، الشهادة نعمة مجاناً أخذت ومجاناً أعطت، قيمتها أنها لا يمكن إطلاقاً أن نحدّدها بقيمة ذلك أنها تتخطى كل المقاييس والمعايير البشرية لإن منطقها قائم على التفاني بالمحبة حتى بذل الذات وما من حبّ أعظم من هذا

لم يخطر ببال الشهيد إطلاقاً لحظة نزوله الى ساحات الشرف بأن هذه التضحية سوف يقدمها من أجل الحصول على مكاسب أو مناصب، ذلك أن المناصب كانت مشلولة في دولة غائبة عن حفظ كرامة أبنائها وحقوقهم من جهة، والمكاسب كانت الوباء الأساسي الذي حوّل الدولة إلى مزرعة من جهة أخرى.

أما لحظة فوزه باكليل الشهادة فقد أصبح خارج إطار المكان الى زمن أبدي يدوي في أرجاء المعمورة حيث لا وجود للمكاسب ولا للمناصب ولا يقدر من يسعى وراء هذه الدخول الى هناك

انطلاقاً من سموّ الهدف والترفع عن الأرضيات الفانية، كيف يفترض أن يكرّم شهداؤنا، وأي احتفال يمكن أن يفيهم حقهم ويزرع لديهم الاطمئنان بأن الحبة التي زرعوها لم تقع على قارعة الطريق بل أعطت بيادرا

لا للمهرجان الذي يتضمنه قداس وكلمات خطابية حيث يبدأ التدافع للتمركز في صدور المجالس والمجامع وغمزة من هنا وتحية من هناك إنها فعلاً مسرحية شهيد .

لا وألف لا لشخص ما مهما علا شأنه أن يحضّ المؤمنين إلى عدم المشاركة في مناسبة دينية لا تصبّ في مصلحته الشخصية الضيقة أو أن ينهيهم عن ذلك تارة بالترغيب بالمكاسب والمناصب وطوراً بالتهديد مسخّراً كل ما لديه من نفوذ وطاقات عبر إرسال مندوبين للعمل على الحشد والتعبئة وإسداء النصح ظناً منه أنها مناسبة لعرض حجمه السياسي، حذاري من استغلال طيبة المؤمنين لأطماع شخصية، وإذا لا بد من استعراض لأحجام فليكن ذلك صراحة في مناسبة محض سياسية، كم يؤلم شهداؤنا تحويل قداسة عطاء القضية الى نجاسة تعاطي الإقطاعية.

حبذا لو سخّرت كل هذه الطاقات للخدمة والاهتمام بحاجات أهل الشهداء عوضاً عن استعمالها في بثّ روح التفرقة، ذلك أن شهداؤنا هم الكل وسقطوا من أجل الكل، وبالتالي ليس بمستطاع أحد أن يجعل من الكل جزءأ ويحتكره لنفسه ولا من الجزء كل، فما صنعه شهداؤنا هو كوني وجودي وليس احتكاري النزعة

إنطلاقاً مما ذكر أعلاه، تكريم شهداؤنا واجب في كل زمان ومكان، وإحياء ذكراهم يكون بإيجاد جو من الخشوع والرهبة وعيش تلك اللحظة بفرح الإيمان وسماع همساتهم في جو مشحون بالحب والاحترام لما قدموه على مذبح القضية، وليس التباهي بالقول فقط على حفظ ذكراهم وإكمال مسيرتهم، بل بالعمل الحسّي والجاد لأن قضيتهم ما زالت هي هي وينبغي تحويل المزرعة إلى دولة كي لا يقتل أبنائنا مجدداً كما قتلوا في الماضي القريب، لا بل أكثر من ذلك يجب الارتقاء في العيش بمجتمع كثاري غير ثنائي من المستوى التصادمي الى المستوى ألتآلفي حيث تجد كل جماعة ذاتها دون المسّ بخصوصياتها ضمن دولة قادرة على حفظ هذه الحقوق. لكن ما نشهده اليوم من مماحكات وتحديات سياسية لا يزرع الاطمئنان، لذلك وجب عليه أن يتنادى الشباب الأحرار من كل حدب وصوب كي يكونوا شهوداً للقضية ويعملوا على نصرتها إكراماً لشهداء القضية

بيروت 16/9/2006

.