رجال دين أم سياسة

بقلم/وليد قاطرجي

إن المواقف السياسية المثيرة للجدل التي تعلن من قبل عددا من المرجعيات الروحية المؤيدة لبعض القوى السياسية، تزيد من الانقسامات داخل الطائفة الواحدة على الرغم من نفيها، حيث تظهر بوضوح من خلال نشاطاتهم اليومية، التي تصب في مصلحة بعض التيارات ومشاريعها التي تتضارب مع مصالح الناس، الذين يعيشون في ظل ظروف معيشية قاهرة من جراء عجز حكومة التبريرات والاعتذارات عن إيجاد الحلول المناسبة لمعالجتها، وكانت آخر مواقفهم تأييد بعضهم للورقة الإصلاحية التي أعلنتها الحكومة المدعومة من تيار المستقبل، عبر رفضهم المشاركة في التظاهرة التي دعت إليها النقابات، وكأن كل شيء يحسب بثمن، مما يعني بأن المال السياسي لم يكتفِ باستغلال وشراء أصوات الناخبين وملء جيوب بعض المثقفين والإعلاميين المفلسين، بل أنه يواصل جهوده لكي يصل إلى جيوب بعضا من هؤلاء.

من الملفت بأنهم أصبحوا يمارسون العمل السياسي أكثر من واجباتهم الدينية التي تهم المجتمع بأكمله، وأصبحت أوقاتهم محجوزة فقط للسفراء والمبعوثين الذين يأتون من كل حد وصوب، إضافة إلى اجتماعاتهم اليومية مع نواب ومناصري  التيارات السياسية التي تستفيد من غطائهم الشرعي. في حين أبوابهم أصبحت تغلق بوجه المواطنين الذين يعانون من الأزمات المعيشية الخانقة، ويبدو بأنهم يتعمدون عدم طرح القضايا المعيشية المستعصية عبر منابرهم، وذلك مسايرة للقوى السياسية التي تتضارب مصالحها مع الطبقات ذات الدخل المحدود، والواضح أيضا بأنهم يوظفون منابرهم بشكل كبير لتمرير السياسات والمشاريع المشبوهة لهذه القوى، كما أنهم يستغلونها بين الحين والأخر لإطلاق الشعارات الطائفية كلما طلب منهم ذلك، لإثارة بعض الغوغائيين من طوائفهم.

اللبنانيون  يذكرون ما حدث خلال الانتخابات الماضية عندما استغلت بعض التيارات مواقف عددا من المرجعيات والجماعات عبر منحهم ما سمي في ذلك الوقت بالمساعدات في بيروت والشمال خاصة، وباقي المناطق اللبنانية عامة، لترجيح كفتها، عبر إطلاق الفتاوى، التي كادت أن تتسبب في انقسام كبير بين أبناء الطائفة الواحدة.

ومنذ فترة دفاعهم عن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ومشاريعه المستترة، متجاهلين في الوقت نفسه مصالح الناس، كما ويذكر اللبنانيون جيدا الفتوى التي أصدرها احد رجال الدين الشيعة أبان الأزمة الوزارية ضد من يقبل بملء المقاعد الوزارية التي يشغلها وزراء حزب الله وحركة أمل.

هذا إلى جانب ما آلت إليه الأوضاع مؤخرا بين المرجعيات الروحية الدرزية التي تعاني من انقسامات حادة بسبب تدخل القوى السياسية الدرزية التي تتنافس فيما بينها لفرض سيطرتها على قرارات الطائفة.

كما وان المحاولات المكشوفة التي تقوم بها بعض القوى وعلى رأسها رئيس قوى 14 شباط سعد الحريري للاستحواذ على موافقة البطريرك صفير للقبول برئيس جمهورية يرضي طموحاتهم لم تنجح حتى الآن

ويبدو بأنهم سيعاودون الضغط في هذا الاتجاه من خلال التشويش على مواقفه الواضحة في هذا الموضوع، مما اضطره ذات يوم الطلب من زواره بعدم إطلاق المواقف السياسية من بكركي.

على الرغم من المحاولات التي تطالب الكاردينال صفير بإعلان موقفه من رئاسة الجمهورية، ورغم التناقضات التي تظهر على الساحة المسيحية وخاصة المارونية منها بين الحين والأخر، إلا أن الصرح ألبطريركي ينأى بنفسه عن التدخل وتسمية احد المرشحين، وذلك تفاديا للمزيد من الانقسامات بين المسيحيين خاصة واللبنانيين عامة.

وتقديرا لمواقفه فانه أصبح الوجهة الوطنية الوحيدة التي يلجأ إليها اللبنانيون على مختلف انتماءاتهم لبحث قضاياهم بكل جراءة وحرية، على العكس من المرجعيات الدينية الأخرى التي ارتضت لنفسها الارتهان لبعض القوى التي تتضارب مصالحها مع المواطن البسيط والفقراء المنتشرين على طول الوطن وعرضه، حيث يشعرون بأنهم افتقدوا مرجعياتهم حتى إشعار آخر.

من الواضح بان عمامتهم لا تستطيع أن تخفي مصالحهم وميولهم السياسية، وسعيهم الحثيث للتقرب من أصحاب النفوذ الذين ينشرون في الأوطان فساداً.

بل على العكس تظهرهم بوضوح، لان الناس يعلمون جيداً بان من ارتضاها لنفسه يجب أن يكون على خلق ودين ومحصن ضد الإغراءات الدنيوية، مما يجعله قدوة للآخرين كي يتمكن بعد ذلك من نشر القيم والأخلاق ومواصلة جهوده لتوجيه الناس من اجل الحفاظ على أرزاقهم وأعراضهم وحماية معتقداتهم، وان لا يكتفي في ذلك بل يشعرهم بأنه يتحسس أوجاعهم ويلتزم قضاياهم دون تفرقة أو تمييز.

فهؤلاء مطالبين في إعادة حساباتهم، ومن يرى نفسه مرتهن وغير قادر على تأدية واجبه، فعليه نزعها دون تردد كي يستطع بعد ذلك من ممارسة العمل السياسي مع من يريد.

ليتكم تتجرؤون وتصارحون الناس بأن بعض التيارات السياسية أستهوتكم وأبعدتكم عن واجباتكم وأدخلتكم في شركها، وبأنكم ما عدتم رجال دين.

30 أيار 2006