ورقة التفاهم  بين حزب الله والتيار الوطني الحر: تفاهم ورقي

الأحد, 18 يونيو, 2006 – صدى البلد

اسامة وهبي

يصح القول بأن التيار الوطني الحر وحزب الله، كانا طرفي نقيض، قبل بدء الحوار بينهما، وتوقيع ما سمي بورقة التفاهم، وكلنا يذكر الأجواء المتوترة، التي سادت بين الطرفين، حتى وصلت الى حدّ الاتهام بالخيانة، بخاصة، بعد المداخلة الأولى للعماد ميشال عون في المجلس النيابي، بحيث جاء كل طرف من ساحته، مدججاً بمواقفه وشعاراته. وإذا كان منطق الحوار يقتضي، أن يترك كل طرف ساحته، ويلاقي الآخر في منتصف الطريق للتفاهم، نسأل اليوم: أين التيار العوني من ساحة 14 آذار؟ وأين حزب الله من ساحة 8 آذار؟

الجواب أصبح واضحاً ومعروفاً، بعد نشاطات عدة أعقبت توقيع الورقة، فجاءت تظاهرة 10 أيار السياسية، التي امتطت المطالب المعيشية والعمالية المحقة، لتسويق خطاب سياسي مكشوف الخلفيات والأهداف، لتعلن وصول العماد عون، إلى ساحة رياض الصلح، معلناً المصالحة التامة مع كل مكونات هذه الساحة، قاطعاً كل المسافات، من دون أن يتزحزح حزب الله، متراً واحداً لملاقاته، ومن ثم جاء لقاء صيدا مع التنظيم الشعبي الناصري، ليؤكد هذا التموضع السياسي للعماد عون، حيث حضرت ساحة 8 آذار، بكل أحزابها، بأحباشها وبعثها، ليكتمل المشهد، بعد أن انقشع الغبار السياسي، الذي أثاره لقاء مار مخايل، والذي جاء وليدة لحظة سياسية، تحكمها مصالح ذاتية، جعلت كل طرف منهما، يشعر بحاجته للآخر، فالعماد عون المتعطش للوصول إلى بعبدا، رأى أن هذا الحلم دونه عقبات شتى، نتيجة السياسة التي اعتمدها بعد عودته، وخروجه من 14 آذار وانقلابه عليه، لذلك وجد في حزب الله، حليفاً مسلماً قوياً، يملك حيثية شعبية، وكتلة نيابية وازنة، قد يشكل رافعة سياسية تسهل الوصول إلى بعبدا، أما حزب الله، الذي كان قد بدأ حينها يشعر بالعزلة الداخلية، بعد عزلته الخارجية، وجد في تحالفه مع العماد عون، منفذاً يخرجه من عزلته، وغطاءً مسيحياً كان بأمس الحاجة إليه، فولدت ورقة التفاهم.

هذا على الورق، أما على الأرض، فحزب الله استطاع أن يأخذ، كل ما أراده، دون أن يعطي أي شيء، سوى التوقيع على ورقة تفاهم ورقي، فالحزب لم يتبن ترشيح العماد عون، واكتفى بقول، ما قاله خصوم العماد عون أنفسهم، بأنه مرشح جدّي وحقيقي، وهذا إن دّل، إنما يدل على أن حزب الله، ترك لنفسه هامشاً للمناورة السياسية في ملف رئاسة الجمهورية، قد تكون على حساب الجنرال الحالم.

وحزب الله، استطاع أن يحافظ على تماسك جمهوره، المتموضع في ساحته، بينما جمهور العماد عون، تضعضع في ساحته، وتشتت في ساحات الآخرين، وهذا ما ظهر جلياً في تظاهرة 10 أيار، حيث بدا الجفاء واضحاً بين جمهور 8 آذار المغتبط، نتيجة شعوره بقوة جذب الآخرين، من العماد عون إلى القوة الثالثة، التي لم تعد كذلك، وما بينهما من أحزاب حائرة أو ملتبسة، ممن تدّعي الاستقلالية، وجمهور التيار الوطني الحر، الذي بدت عليه، علامات الشعور بالغربة، وعدم الاقتناع، رغم المكابرة وادعاء العكس.

وحزب الله، الذي لا يزال يشارك في الحكومة، التي يعتبرها العماد عون فاشلة وعاجزة، نزل إلى الشارع بعد أن أعطى ضمانات بأنه لن يسير بإسقاط الحكومة، بينما كان فهيمه العوني، يعد العدة لإسقاطها من دون إبطاء.

بالمحصلة، فان الحزب استطاع، أن يصل إلى مبتغاه، من دون أن يحصّل التيار الوطني الحر أي نقطة تذكر، فماذا عن المفقودين والمعتقلين في السجون السورية، وماذا عن اللبنانيين في إسرائيل، وعن ترسيم الحدود، وعن السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وعن العلاقات الدبلوماسية مع سورية. لا شيء غير التفاهم الورقي.

إن التفاهم الذي يحكم علاقة العماد عون بحزب الله، هو تفاهم هش، وان حاولوا تصويره عكس ذلك، وإذا كان حقاً تفاهماً عميقاً كما يقولون، فلماذا لم يجرؤوا حتى الساعة، على تسميته تحالفاً.

المهم اليوم: أين أصبحوا وأين أصبحتم؟ كذلك بالنسبة لحزب الله بما يتعلق بتحرير الجنوب، فليسمحوا لنا بسؤال: ماذا فعل التيار الوطني الحر في معركة تحرير لبنان من العدو الإسرائيلي؟ وماذا فعل حزب الله لتحرير لبنان من الهيمنة والوصاية والممارسات السورية، والتي لم يسلم منها ذات يوم؟

والجواب على السؤالين معروف: لا شيء. فلمَ المزايدة إذاً، على من كان مناضلاً على الجبهتين معاً، أو على الذين تراجعوا عن أخطائهم، وأخذوا قراراً بوضع حد للوضع الذي كان سائداً، وكانت لديهم الجرأة في نقد تجاربهم، ومضوا في عملية التغيير والتصدي حتى الاستشهاد، فأثمرت هذه التضحيات، الحرية والسيادة والاستقلال، ولا نستثني من هذه التضحيات ما قدمه التيار والحزب. فما هو المطلوب؟

هل المطلوب الثبات على الخطأ، الذي يتحلى به حلفاء العماد عون، والذي اعتمده مسوغاً سياسياً لتبرير تحالفه معهم. أخيراً، وبما أننا نتكلم عن ورقة التفاهم، لا بدّ من ذكر آخر إنجازاتها، أنها حرمت العماد عون، من أخذ موقف من أحداث 1 حزيران، كالذي اتخذه في 5 شباط، وان كان الحدثان متشابهين، لجهة الاحتجاج على التعرض للمقدس، بالتكسير والتخريب المبرمج، فانبرى للتبرير، فاعلاً ما كان يعيبه على الآخرين، لكن هذه المرة، أصبحت الأمور أشد وضوحاً، والرأي العام أكثر إدراكاً.