الثور الأبيض والثور الأسود

بقلم الصحافي/علي حماده

 

إذا كان النائب ميشال عون غارقاً في ارتياحه الى البيئة العقائدية والعددية لـ"حزب ولاية الفقيه" الى حد يدفعه الى الدعوة الى انتخاب رئيس الجمهورية المسيحي والماروني بالاقتراع الشعبي المباشر، فان هذه الدعوة رغم تغليفها بالمظهر الديموقراطي البريء في الشكل فقط، تنطوي على تفجير كامل لمعادلة اتفاق الطائف الذي استقر بالبلد على قاعدة خمسين مسيحيين" و"خمسين مسلمين".

 

وهي دعوة صريحة الى الانقلاب على الميثاق الوطني الجديد الذي لم يتمكن اللبنانيون من تطبيقه بفعل الوصاية السورية في مرحلة اولى، وفي مرحلة ثانية بفعل الحرب الشرسة التي يخوضها النظام السوري منذ اخراجه رسميا من البلاد في نيسان 2005، بمعاونة حلفائه من "حزب ولاية الفقيه" من اجل كسر المسار الاستقلالي، وذلك في اطار حرب اقليمية تديرها ايران خامنئي واحمدي نجاد، وقودها لحم العراقيين العاري، واحلام الفلسطينيين، والسلم الاهلي اللبناني.

 

ان الدعوة الى انتخابات رئاسية بالاقتراع المباشر هي اخطر ما قدم على الطاولة حتى اليوم. واذا كنا سمعنا هذه الاقتراحات من الجانب الاسلامي في مرحلة الحرب اللبنانية، فاننا لم نعهد طرفا واحدا اخذ هذا الاقتراح بجدية. وقد كان المسيحيون اول من استبعد هذه الفكرة لاعتبارات اقلها انه يضرب التوازن التعددي في البلد، ويعيد طرح معادلة الاكثرية العددية التي عاجلا ام آجلا ستطيح آخر "نبض" مسيحي حقيقي في هذا الشرق، فضلا عن انها ستفتح الباب امام نزاع اهلي متعدد الوجه.

وكم سيكون خطأه عظيما اذا ما اعتقد الداعي الى الانتخابات المباشرة، ان الامر سيرافقه تعزيز تلقائي لصلاحيات الرئاسة المارونية على حساب الرئاسات الاخرى، باعتبار ان يتحول النظام رئاسيا.

 

ولهذا الداعي المتعجل من امره نقول انه في بلد التوازنات الدقيقة يستحيل قيام نظام رئاسي، لا مسيحي، ولا سني، ولا شيعي، ولا درزي. اكثر من ذلك، هل يعتقد الجنرال ميشال عون ان شيعة لبنان، قبل سنته، ودروزه سيمنحونه نظاما رئاسيا يترأسه، فيفرحون به دون ثمن باهظ سيدفعه المسيحيون على المدى الابعد بسبب السابقة؟

 

ان المعادلة التاريخية التي ارساها اتفاق الطائف هي الحماية الاهم للمسيحيين في لبنان والشرق، لانها كسرت معادلة الاعداد واستقرت على المناصفة الكاملة بين المسيحيين والمسلمين، غير عابئة بالنزف الديموغرافي المسيحي الكبير، مع ان حلفاء الجنرال يطرحون معادلة المثالثة ضمن المناصفة.

 

فهل اوهام الرئاسة القوية تستحق هذه المجازفة باهم صفقة تاريخية تمت في قلب هذا الشرق الشاهد على التفريغ والتهميش المنهجيين لمسيحييه، من العراق، الى سوريا، ففلسطين ومصر؟

 

ان محاولة ايهام المواطن العادي واغرائه بخطاب شعبوي لا قيمة واقعية او تطبيقية له، امر غير جائز في مرحلة يحتاج فيها اللبنانيون الى استقرار النظام القائم، وان يمنح فرصته في عهد الاستقلال غير المكتمل، خصوصا ان لبنان بلد الاقليات المتعايشة على ارضه وفق توازن دقيق وحساس.

 

وقد اكدت الكنيسة المارونية موقفها الحاسم لجهة اعتبار اتفاق الطائف مرجعية النظام اللبناني، داعية الى تطبيقه في شكل دقيق قبل البحث في تحسينه، وليس شطبه على النحو الذي سيؤدي اليه لو حصل ان حل نظام رئاسي مكان النظام البرلماني الحالي... وهذا ما لن يحصل.

 

ان من يظن انه وضع في "جيبه" ماكينة عقائدية ممسكة ببيئة مذهبية معينة، واهم حقيقة. انه واهم مثلما توهم انه يستطيع لبننة خيارات ماكينة عقائدية تستمد مرجعيتها من قم وطهران اولا وآخرا. وللجنرال نقول، ان من يحملك اليوم قد يلقي بك جانبا غدا بعد ان يفرغ من الآخرين، اذا وجد الى ذلك سبيلا. وعندها فقط ربما يخطر لك ان تتذكر قصة الثور الابيض والثور الاسود!

 

وتكون أفقت متأخراً على جاري العادة منذ 1989.

 

عن جريدة النهار 1/5/2007