ماذا بعد اللجنة الرباعية؟

مهى عون

 

تتعرض سوريا اليوم لجملة ضغوطات عربية ودولية، ولتهديدات بعقوبات اقتصادية وسياسية صارمة، في حال اصرارها على نية تعطيل الانتخابات الرئاسية، عن طريق الايعاز لحلفائها بعدم حضور جلسة الانتخاب المقررة في الثاني عشر من الشهر الجاري، وبالتالي تعطيل نصاب الثلثين المطلوب. وتقول مصادر نيابية إن هذه الرسائل التهويلية لسوريا لن تثنيها عن المضي بمسارها التعطيلي، ولن ترهبها ،فهي في ما مضى تحدت القرار الدولي 1559،ومددت للرئيس لحود قسراً. فكيف اليوم وهي باتت تشعر بأنها  أصبحت خارج الحلبة، أي حلبة الساحة اللبنانية، وإنه  لا بد لها عبر إعادة خلط الاوراق،  من اسعادة دور هي على وشك أن تفقده.

 

وتعتبر المصادر ذاتها بأن سوريا هي على وشك خسارة كلمة الفصل فيما خص الانتخابات الرئاسية ، بسبب استحكام حزب الله بأوراق الساحة الداخلية،عن طريق تأكيده الذهاب إلى الخيارات البديلة التي تناسبه. هذا مع العلم أن خيارات الحزب البديلة هذه ، ليست بالضرورة خيارات سوريا ذاتها فيما خص الساحة اللبنانية. وقد تكون من جملة الاحتمالات المتوقعة ضمن هذه الخيارات الابقاء على الرئيس لحود في سدة الرئاسة،يليها تأليف حكومة انتقالية برئاسة العماد سليمان. وتهديد المعارضة وعلى رأسها حزب الله، يتنفيذ هذه الخيارات البديلة، قد تسحب من يد سوريا أوراقاً ضاغطة، أو على أقله فاعلة، فسوريا تفضل خيار الفراغ على أي خيار آخر،لأن الفراغ هو الورقة الأفعل، والتي تفضل سوريا المحافظة عليها، كون التمسك بها يشكل الضامن الأكيد لعودتها بقوة على الساحة الداخلية اللبنانية.

 

هذا مع العلم أن سيناريو "الخيارات البديلة"والتي ُقرأت عبر طروحات كوادر حزب الله وقادته، تشكل أقصى ما يتمناه الحزب ، أو يحلم به. لأنه من ناحية يشكل غطاءً عربياً له، يبرر قيام دولته كردة فعل على تصرف يعتبره غير شرعي وغير دستوري، يتمثل بانتخاب تجمع 14 أذآر رئيس بالنصف زائداً واحداً، ومن ناحية أخرى يشكل ضمانة لابقائه على سلاحه، كون الرئيس لحود سوف يستبسل في حال التمديد له من جديد، في تهديده ووعيده، بفقأ عين كل من "ينظر بالمقلوب" إلى هذا السلاح.

 

إن سير هذين الاحتمالين إلى التنفيذ، أي خيار الانتخابات بالنصف زائد واحد، وبالمقابل "دولة حزب الله" كان شبه مؤكد ،ولكنه ُجمد مرحلياً خلال  المبادرة الوفاقية للجنة الرباعية، التي أنشأت  خصيصاً من أجل تفشيل هكذا سيناريو . فهذه "الخيارات البديلة" كانت من دون شك سوف تزعج أفرقاء عدة، لأنها كانت تهدد بنسف أي دور لها على المدى القريب كما البعيد. من هذه الأطراف: أولاً سوريا، لأنها كانت خارج كل هذا السيناريو. وثانياً المسيحيين الذين راؤا أنفسهم خارجين برئيس ماروني طبعاً، ولكنه نصف رئيس، أو رئيس مكبل وعاجز عن لعب الدور التاريخي، الذي تأمله وتتمناه له بكركي. أما المتضرر الثالث، فهي المبادرات الاوروبية، والتي كانت سوف تضطر لاعلان فشلها في دورها التقليدي التاريخي، والراعي لحقوق المسيحيين في المشرق العربي. فخربطة هذا السيناريو تصب طبعاً في مصلحة هؤلاء اللاعبين الأساسين المغيبين،من هنا جاءت فكرة اللجنة الرباعية.

 

من ناحية أخرى لا بد من التذكير بأن حزب الله كان قد استبعد بطريقة لبقة وغير مباشرة، حصان سوريا عن السباق للرئاسة الجنرال ميشال عون، فكان لا بد لسوريا من أن تتدخل بطريقة أو بأخرى لتصحيح هذا الخلل في التنسيق، والغير مفترض أن يكون فيما بين هذين الطرفين الحليفين. فجاء التصحيح عن طريق نية خربطة السيناريو المتداول، بادخال مبادرة اللجنة الرباعية، وبواسطة مساعي الجنرال عون بالذات. ولكن في ظل افتقاد هذا المشروع التوفاقي للعناصر الأساسية كان من المتوقع أن يؤول إلى الفشل. من هذه العناصر تمسك  كل طرف بمواقف مسبقة، وافتقار المتحاورين لأي قواسم مشتركة يبنون عليها أي توفاق مفترض؟

 

ولكن ماذا كان وراء مبادرة اللجنة الوفاقية والتي كان جماعة عون من أشد المتحمسين لها؟ هل كانت ستشكل تمهيداً لانتخابات بالثلثين عن طريق عودة عون لتجمع 14 أذآر؟ هذا ما راهنت عليه بعض الأطراف المتفائلة خلال اجتماعات هذه اللجنة في بكركي، وتبين اليوم أن هذا الرهان لم يكن في محله. لأن الذي اتضح اليوم، ونظراً لعودة عون  لنبرته التصعيدية الهجومية المعتادة، هو نعي للمبادرة نهائياً.

 

دون أن يعني ذلك أن احتمالات أخرى ومساعي أخرى هي مستبعدة. فمبادرة العماد عون إلى لقاء رئيس تيار المستقبل سعد الحريري تصب في السياق ذاته، أي في سياق خلط الأوراق من جديد، خوفاً من عودة السيناريو الاول إلى التداول. ألا وهو الانتخابابات بنصاب النصف زائد واحد، كما وقيام حزب الله بتنفيذ ما كان وعاد يتوعد به من تهديدات بالمقابل. هذا مع العلم أنه وبالرغم من اعتماد قادة حزب الله النبرة العالية، تراهم يخفون بصعوبة ارتياحهم للوصول إلى غايتهم المنشودة عبر هذا السيناريو، وهدفهم الأول والأخير المتمثل بانشاء دولتهم العتيدة. وسوريا طبعا ليس لها كلمة الفصل في هذه "الدولة الافتراضية" كون تنفيذ مصالحها فيها سوف بأتي بعد مصالح إيران، وذلك بالرغم من التنسيق القائم فيما خص تأمين تمرير السلاح لحزب الله عبر الحدود السورية. وفي ظل تغييب سوريا  عن هذا السيناريو الذي عاد ليطرح نفسه من جديد، ليس من المستبعد أن تلجأ "الشقيقة الكبر" إلى الخيارات البديلة المعهودة من قبلها والتي قد تكون أشد إيلاماً وضراوة. وقد تكون الأيام والأسابيع القادمة حافلة بالأجوبة الغير مريحة ...

 

3 تشرين الأول 2007