فليطمئن اللبنانيون، إن قلقهم ليس في محله.

بقلم/مهى عون

 

كما جرت العادة وعشية كل استحقاق، تنشد أعصاب اللبنانيين وتتوتر، ويتحول المواطن إلى كتلة من الغضب والقلق، يتملكه الخوف على المصير، نتيجة ارتعاده من إحتمال تجدد القتال والحرب الأهلية، والتي لم ينسى حتى الساعة طعمها المر، وذكرياتها الأليمة. يفتعل هذا الهلع ويزكيه عادة أطراف يهمها زرع الخوف  في قلوب الناس، من أجل استثماره في مجالات عدة. وإعلام المعارضة يلعب اليوم هذا الدور للوصول إلى أهداف معينة، ولكسب ببعض النقاط والتقدم في الصراع المحتدم . إن التخويف بالثبور وعظائم الأمور، الصادر على لسان أطراف المعارضة، وعبر وسائلهم الإعلامية الخاصة اليوم، يدخل ضمن الاستراتيجية الهجومية، وفي سياق الجهود الآيلة إلى الالتفاف على بعض الطروحات الغير مناسبة لهم. من هذه الوسائل الترهيبية، تكثيف الكلام عن امكانية تجدد الاحداث الامنية في حال تمت الانتخابات الرئاسية بموجب نصاب النصف زائد واحد.

 

والجدير بالذكر أن المبادرات التخويفية ليست جديدة على اللبنانيين، أما وقد اعتادوها وخبروها كلما دنى موعد استحقاق ما. وكون هذه المساعي التهويلية لم تترجم سابقاً إلى أفعال، وبقيت كلاماً معلقاً في الهواء، من المفترض أن لا يتأثر اللبنانيون اليوم بها، وأن لا يستسلموا لصدح وردح الأبواق المأجورة، ناهيك عن المرتزقة المواكبة لها. ولا بد لهم أن يدركوا أن قائدة الاوركسترا التقليدية، والذي هي أشهر من أن تُعرف بالنسبة لتدخلها الدائم بالشؤون اللبنانية، باتت تتعرض بدورها اليوم، لجملة ضغوطات عربية ودولية، ولتهديدات بعقوبات إقتصادية وسياسية صارمة، في حال اصرارها على نية تعطيل الانتخابات الرئاسية، عن طريق الإيعاز لحلفائها بعدم حضور جلسة الإنتخاب المقررة في نهاية الشهر الجاري. وهي بسبب تعرضها لجملة الرسائل التهديدية هذه، تعمل على تطبيق الأمر ذاته بالنسبة للاطراف اللبنانية التي ما فتأت تقف بوجهها ولا تنصاع لأوامرها. لذا نراها تعمد كالعادة إلى التلويح بالأسواء، في حال تخطى المسؤولون اللبنانيون ارادتها وارادة أزلامها في الداخل اللبناني.

 

والواقع يشير أيضاً  إلى أن سوريا هي على وشك خسارة كلمة الفصل فيما خص الإنتخابات الرئاسية، بسبب استحكام حزب الله بأوراق الساحة الداخلية، عن طريق تأكيده علناً الذهاب إلى "الخيارات البديلة". وما أدراك ما "الخيارات البديلة" بالنسبة لحزب الله، أما وقد رشح بعض منها عبر خطاب نصرالله وبعض مفسري ومترجمي هذا الخطاب من الناطقين باسم الحزب خلال الايام التي تلته. وقد تكون من جملة الاحتمالات المتوقعة ضمن هذه الخيارات، الابقاء على الرئيس لحود في سدة الرئاسة، يليها تأليف حكومة إنتقالية، في وقت يروج الاعلام المقرب من سوريا لحكومة عسكرية برئاسة العماد سليمان. وتهديد المعارضة وعلى رأسها حزب الله، بتنفيذ هذه الخيارات البديلة، قد تسحب من يد سوريا أوراقاً ضاغطة، أو على أقله فاعلة، في مجال سباقي عض الاصابع وشد الحبال، المرشحين للاستفحال في منطقة الشرق الاوسط عبر الساحة اللبنانية. فبعدما سقط خيار الفراغ ها هي سوريا اليوم تلوح بورقة الحكومة العسكرية، بموجب سيناريو سبق وحضرناه في تسليم الرئيس الجمّيل للعماد عون رئاسة حكومة انتقالية. وبموجب ترداد هذا وتبعاً للرغبة السورية يخرج لحود ويسلم قائد الجيش زمام الامور. هذا مع العلم أن جملة الخيارات البديلة والتي رشحت عبر تصريحات كوادر الحزب وقادته، تشكل أقصى ما يتمناه الحزب، أو يحلم به، لأنها تمهد بطريقة ما إلى قيام دولته.

 

في كل الاحوال ومهما تعددت وجهات النظر بالنسبة للخيارات البديلة، وبغض النظر عن سير هذه الاحتمالات إلى التنفيذ، أو عدمه، من المستبعد أن تحدث أي تصدعات على المستوى الامني، كما تجهد بعض الوسائل الاعلامية للترويج لها. فالاحداث الامنية مستبعدة، ليس لان سوريا تمقتها، بل لانها لا تتناسب مع مخطط وسياسة وأهداف حزب الله. وبالرغم من اعتماد قادة حزب الله النبرة العالية، تراهم يخفون بصعوبة ارتياحهم للوصول إلى غايتهم المنشودة ألا وهي انشاء دولتهم العتيدة. وسوريا طبعا ليس لها كلمة الفصل في هذه "الدولة الافتراضية" كون تنفيذ مصالحها فيها سوف يأتي بعد مصالح إيران، وذلك بالرغم من التنسيق القائم فيما خص تأمين تمرير السلاح لحزب الله عبر الحدود السورية. من ناحية أخرى حزب الله لا يريد تلويث سمعته عبر إعادة تصويب سلاحه الالهي باتجاه الداخل، كما يلتزم بارادة الملالي الذين لا يريدون قطع شعرة معاوية المتبقية مع السعودية في المرحلة القائمة. زائد عدم استساغة الحزب اليوم وضع الجيش بموقف حرج، من وراء تصرفات هوجاء، قد تترجم على الارض باقتحام الساريا مثلاً، أو باغلاق مداخل العاصمة والاوتوسترادات، وهو بأمس الحاجة لرضاه اليوم أكثر من أي وقت آخر

 

وكما الاقتتال هو شديد الاستبعاد بالنسبة للساحة الاسلامية، هو أيضاً مستبعد بالنسبة للساحة المسيحية، وأيضاً للاسباب نفسها التي لجمت الفريقين في كانون الماضى، أي الخوف من إغاظة البطريرك، والمراجع المسيحية بشكل عام، وخسارة القاعدة المسيحية التي سوف تبصق بوجه الفريقين المتقاتلين كما فعلت من قبل.

 

إذاً لا بد للبنانيين من أن يناموا على الاذنين الاثنتين. فالترويج للتصعيد الامني لا يتعدى كونه مجرد فقاقيع هواء. والقطار وضع على السكة، ولا بد له من أن يصل إلى محطته النهائية بالرغم من كل العوائق التي وضعت وتوضع كل يوم أمامه. والمحطة النهائية والتي ينظر اليها اللبنانيون بكل أمل وترقب سوف تكون المحطة التي انتقوها عندما نزلوا الى الشارع في 14 أذآر مطالبين بالسيادة والاستقلال. وهي طبعاً سوف تناسب اللبنانيين ذويي الهوية اللبنانية الصافية. وليس من المستغرب ان يرفضها  لعدم ملاءمتها  لهم الآخرين الخوارج المتنكرين بجلد ومظهر اللبنانيين.   

 

16 تشرين الثاني 2007