شكراً !

راجح الخوري

 

إذا كان جماعة 14 آذار "أبناء بناديق وليسوا ابناء سيادة وحرية واستقلال" على ما سمع اللبنانيون اول من امس من الجنرال ميشال عون، فتشنّفت آذانهم، وعلى ما فهم العالم فازداد اعجابا طبعا، فان ذلك يعني ان ثلث ابناء الشعب اللبناني هم من البناديق، او من البنادقة!

 

واذا كان المليون ونصف مليون لبناني الذين خرجوا في 14 آذار مطالبين بالسيادة والحرية والاستقلال والحقيقة قد "سطوا" على ذلك "النهار الحصري" في غفلة من ذلك الذي يمسك بمقود التاريخ، فاستحقوا الآن ان يصيروا اولاد بناديق، فليس لك "يا شعب لبنان العظيم" الا ان تتذكر ان ثلثك مبندقون، وما ادراك ما البندقة وما البندوق وكل ما يمكن ان يرد في هذا السياق من الصفات الحميدة، فشكرا وألف شكر.

 

وعندما يكون ثلث الشعب ابناء بناديق فهذا يعني ان ثلث الجمهورية بندوق، وقياسا بالاتساع المستمر لشعبية جماعة 14 آذار، وخصوصا في ظل التطورات التي عرفتها البلاد والانقلابات السياسية التي فجعت الناس وتفجعهم على مدار الساعة تقريبا، في ما كانوا يظنون ويحلمون ويفترضون من الزعامة وحسن الفطن، فليس مستبعدا ان يرى البعض ان البلد صار مبندقا من الناقورة الى النهر الكبير، وان نصبح جمهورية بندقة وزندقة في نظر "المحبين"، اولئك الذين يبحرون في حلم ليلة صيف، فشكرا ايضا والف شكر!

 

واذا كنا بنعمة الله سبحانه وتعالى قد استمعنا يوم اول من امس الى كلام هدار ومزمجر يلوّح: "تكسير الرقاب" ويعطي "تفسيرات دموية" لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، انطلاقا من ترجمة مزاجية وكيفية للدستور، فكيف سيكون الامر كلما اقتربنا من تاريخ 23 ايلول الموعد الدستوري للاستحقاق الرئاسي، وخصوصا في ظل تراجع أسهم المهددين وانعدام فرصهم في الرئاسة؟

 

ثم كيف سيكون عليه الحال بعد ذلك التاريخ، وتحديدا بعد 23 تشرين الثاني عندما تفتح ابواب بعبدا ليطل رئيس آخر غير الذي اختارته السماء وجنود مريم لهذه المهمة الجليلة. أوليس من المنتظر عندها ان ينادي المنادي: وين بيت الله لنهدّه على رأس ابناء لبنان البناديق؟

 

واذا كان من الواضح والمفهوم ان الحكمة والروية والتعقل والوعي والترفع والتضحية والتفهم وسعة الصدر واتساع المدارك، هي من الامور التي ساعدت وتساعد اهلنا من الشيعة والسنّة على تجاوز الفتنة البغيضة، التي أطلت علينا للاسف في وقت من الاوقات، فكيف لنا نحن يا سيدنا البطريرك مار نصرالله بطرس صفير ان نتجاوز مسيحياً ومارونياً تحديداً مطبات الاستحقاق الرئاسي وقد بدأ الحديث منذ الآن يعطي "تفسيرات دموية" لجلسة انتخاب الرئيس وهو امر يدعو الى الحذر والاستدراك وخصوصا في ضوء الماضي القريب وتجربة الثلثاء الاسود في 23 كانون الثاني الماضي؟

 

الدم؟ من اجل ماذا الدم؟ ومن اجل من الدم، ولنا ملفات دموية لا تُنسى، وقد تركت بصماتها المعروفة جيدا في التهجير واللجوء الى اسرائيل والسجن في سوريا، حيث لم يقصر احد هنا من الذين تولوا المسؤولية، والناس ادرى بالحقائق، وبالجروح وبالذكريات النازفة!

 

الدستور واضح وصريح وخبراء الدستور موجودون، على رغم ان بعض السياسيين جعل من الدستور ممسحة او معجونة يتم تشكيلها وفق أهوائهم فكيف يمكن الحديث عن "معركة دموية في لبنان"، اذا لم تقل الجمهورية سمعا وطاعة يا سيد الازمان والاكوان، سر ونحن نمشي. فصّل ونحن نلبس، او على طريقة ممنوع ان تفسروا فأنا افسّر عنكم، والا الدم والحديد والنار! في الواقع لقد حيّرنا ويا لشدة حيرتنا. فمن اين نبوس قرعة فؤاد السنيورة او حسن السبع، باعتبار انهما تعرضا دائما للتقبيح والانتقاد لان الحكومة لم تكتشف خيوط اي جريمة، والآن لانها اكتشفت جريمة عين علق جاءنا الانتقاد العوني بمفعول رجعي وعكسي:

 

لماذا لم تكتشف الجريمة قبل حصولها، ولماذا لم تسع الى بسط سيادتها على البؤر الامنية؟ وعلى حد علم الناس انها "حكومة غير شرعية" ومحاصرة بجحافل الاعتصام المظفّر حول السرايا.

 

ولا حاجة بأحد الى التطويل، فهذا المكتوب يعرفه اللبنانيون ويقرأونه تكرارا من عناوينه، لكن الكلام على "البناديق" و"تكسير الرقاب" و"المعركة الدموية" يوحي وسط الظروف والتطورات المتلاحقة اقليميا ولبنانيا وحتى دوليا، ان هناك فعلا من فاته القطار ولشدة غضبه انفجر في الصراخ، وهو صراخ سيتصاعد كثيرا كلما ابتعد القطار وهدأت لهجة الآخرين في لبنان!

 

في اي حال، ربما كان على رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في ايران السيد اكبر هاشمي رفسنجاني الذي اشاد اول من امس "بانضمام الجنرال ميشال عون الى المقاومة وهو مؤشر على ان مقاومة الشعب اللبناني لا تقتصر على المسلمين فحسب"، ربما كان عليه الآن ان يكرر الاشادة ملفوفة بسجادة عجمية وخصوصا بعد دعوة عون اول من امس الى بقاء السلاح في يد "حزب الله" الى ان تقوم الدولة القادرة.

 

ومتى تقوم هذه الدولة؟ ربك أعلم. لكن من الضروري والمفيد ان يقوم احد بلفت نظر رفسنجاني الى ان مناضلين مسيحيين من الحزبين الشيوعي والقومي كانوا في المقاومة، بل سبقوا "حزب الله" في مقارعة العدو الاسرائيلي.

 

النهار 18/3/2007