الطوائف المُقِلَّة والطوائف الوَلودَة

سامي فارس

 

1- الديموقراطيّة التقليدية والديموقراطية الطوائفيّة:

 

في الديموقراطيّة التقليدية لا وزن لعدد أعضاء الطائفة لأن الاستناد الانتخابي يعود فقط الى عدد دوائر البلد، وما يحويه من أصحاب الجنسية التابعة له.

 

أما في الديموقراطيّة الطوائفية، فالأساس يعود الى تمتّع أبناء الطوائف بحقوقهم الناتجة عن انتمائهم الى بعد تاريخي وإحساسي واحد.

 

وما يُلبِّد أجواء الفهم عند الديموقراطيين التقليديين، هو أن الطوائف تستند في تصوّرهم الى أبعاد لاهوتية تتخطى البعد الواقعي وتتصل بأبعاد يقصُرُ عنها نظر الإنسان.

 

وإذ أننا نوافق مقولة البعد الماورائي، نعتبرُ أن التأثير الماورائي، إذ يعبر كامل الكونيّة، فهو يؤثر في جزءٍ من الكونيّة الذي هو الفاهمة الاجتماعية لأصحاب الطوائف.

 

فإذا اعتبرنا أن قوانين البعد البيولوجي تتحكّم بالإنسان، فإن قوانين البعد النفسي الماورائي تتحكّم أيضاً بنفسيته.

 

وإذا كان هناك اختلاف على تفسير أصول الكونيّة، فإن هذا الاختلاف يرتسم في البيئة الاجتماعية التي تتبناه، ويَعْقُدُ أصوله في الذهن الاجتماعي، وفي تطوّر هذا الذهن عبر التاريخ.

 

فالإنسان في ارتكازه الطوائفي يتبنّى فرضيات أُصولية(1) تتحكّم برؤية الاجتماع، ثم برؤية التاريخ، وأخيراً برؤية العلاقات داخل المدّ الطائفي أو خارجه.

 

أما الديموقراطيّة التقليدية، فهي تقطع جزءاً من الواقع الاجتماعي، وتتخلّى عن كل البعد الماورائي، وتريد فرض النفس الاجتماعية الواحدة على تقاطرات متعددة تابعة لأُظلومات(2) مختلفة. فتنصاع أقليّات الاجتماع العام الى أكثريّاته على أساس أن الجامع الذهني التاريخي هو واحد، فيما نحن عند اختلاف الطوائف في أعماق ذهنيّة اجتماعية مختلفة. وإذا بَعُدَتْ إحدى الطوائف في اختياراتها عن الذهن الاجتماعي لطوائف أخرى، بدأ التململ والاضطراب من حشر طوائف في ذهنيات تاريخية لا تنتمي إليها، ولا تتحسّس بها.

 

 

2- الطوائف المُقِلَّة والطوائف الوَلودة:

 

أ- الاعتماد على أنظمة قانونية جديدة:

 

وفي هذا المجال، ولعدم قطع صلة الطوائف مع ذهنياتها الماورائية واسقاطاتها النفسيّة، يجب الاعتماد على أنظمة قانونية تُظَلِّل الطوائف، وتسمح لها بمتابعة حسّها النفسي و مسارها الاجتماعي.

 

وأوّلُ ما يجب الانتباه اليه وضعيّة الطوائف المقلّة التي تتناقص أعدادها بالنسبة لغيرها من الطوائف. ففي الديموقراطيّة التقليدية، لا يؤخذ بعين الاعتبار هذا التناقص العددي، إنما حقوق الدوائر الانتخابية وفق تناميها، إن بالتوالُد، أو بانتقال عدد من السكان اليها، وإقامتهم فيها.

 

        ففي هذا المجال، تتمكّن الطوائف الولودة من زيادة عدد نوابها والإمساك رويداً رويداً بمقاليد الحكم عبر المؤسسة التمثيلية الى أن تصل الى الأكثرية المطلقة. وعندئذٍ تتمكن من السيطرة السياسية النهائية، طالما تفوق غيرها من الطوائف.

 

إن الديموقراطيّة التقليدية تَعتبر أن الانتخاب يقتصر على برامج سياسية-اقتصادية، ولا يلتفت المرء الى الانتماء الديني، بل يُولِجُ المضمار الاجتماعي-الاقتصادي وفق المنحى الليبرالي-الاقتصادي أو المنحى التعاضدي-الاقتصادي ومتفرّعات المنحيين.

 

إلاّ أن التحتية النفسية تؤثِّر على الخيارات السياسية، ويفضِّل المرء الممثِّل الأقرب الى نفسيّته التاريخية-الاجتماعية. لذا تصبّ أصواته(3)، عادة، لمن يعتقد أنه يمثّل أحاسيسه التاريخية-الاجتماعية بصورة أفضل. وهذا الأمر يُحَسِّنُ تمثيل الطوائف الولودة، ويخفّض من تمثيل الطوائف المقلّة.

 

 

 

ب- المحافظة على مناطق الانتشار:

 

وللمحافظة على الطوائف المقلّة يجب المحافظة على مناطق انتشارها. ولذلك يجب السماح لها بقوّة قانونية تدافع بواسطتها عن هذه المناطق؛ أي أن لا تتعدّى المساحة المشتراة من غير أبناء الطائفة نسبة معيَّنة من الأرض. وإلاّ، بدون ذلك، تآكلت أراضي الطائفة، واستولت باقي الطوائف على مساحات جغرافية هي المرتَكَز الأساسي للمساحة النفسيَّة الفكريّة الإحساسيّة لهذه الطائفة.

 

فالضمانة القانونيّة لجغرافية الطوائف تساعدها على متابعة نفسيّتها التاريخية-الاجتماعية. واللغط الحاصل من جراء رافضي المساحة الجغرافية-النفسية يعود الى افتقار مؤيدي الديموقراطيّة التقليدية الى مفهوم الحق النفسي للطوائف، وهو حق يتبلور في الجغرافيا الطائفية، وفي حِسِّ التضامن التاريخي.

 

ج- التمثيل الطوائفي الدائم:

 

وبالإضافة الى حق المحافظة على مناطقها الجغرافية يجب على الطوائف أن تتمثَّل بصفتها تلك في المجلس التمثيلي العام؛ وهو حقّ معترف فيه في لبنان، ولكن بصورة موقّتة، على أساس أن الديموقراطية التقليدية تَعتبر أن التمثيل الطائفي عقدة نقص في التمثيل. إنّما التمثيل الطائفي يُعَبِّرُ عن المناخ التاريخي النفسي للطوائف.

 

د- انتخاب ممثلي الطوائف من قِبَلِ أتباعها:

 

ونضيف أيضاً: اقتصار انتخاب ممثلي الطوائف على أتباعها. وهو اقتراح تقدّمنا به في العام 1992، وأرسلناه حينذاك الى ممثلي الطوائف المسيحيّة في الندوة البرلمانية، وفي الوزارة، والى بعض المراجع الإكليريكية.

 

وهذا الاقتراح يمنع الطوائف المتكاثرة من قلب موازين القوى داخل الطوائف المتقلِّلة، والانتشار عبر ممثلين إسميين للطوائف الخفيفة الوِلادة.

 

هـ- عقدة نقص النظرية التقليدية:

 

علينا مواجهة عقد النقص التي نشرتها النظرية التقليدية بتعييب كل ما له صلة

بـ التمثيل السياسي الطائفي لكونها تعتقد أن كل ما هو تصوّرات ماورائية لا صلة له بالواقع الاجتماعي. إنما لهذه التصوّرات  الفعل الأكبر في صقل النفس الاجتماعية وتشذيبها، وإعادة تكوينها، وفق معيار الأساسات الافتراضية للمعتقَد. وتكون الافتراضات الماورائية هي الجزء الأساسي من العقلية الاجتماعية، ومن تفاعُل هذه العقلية مع باقي المجتمعات وتصوّراتها الماورائية.

 

 ويتوجَّب الأخذ بعين الاعتبار الدور الأساسي للعقلية الماورائية عند تركيب النظم السياسية والقانونية، وذلك لكي تتوازن تركيبة المجتمعات النفسية مع الأنظمة السياسية، ومع تفاعُلِها في الداخل، وفي الخارج.

 

  سامي فارس

 

في 10/12/2007

------------------------

(1) بمعنى أصلانيّة.

 (2) أُظلومات: ما يكتنفه الظّلام، وحيث التفسيرات تتعدَّد وتتفارض. والكلمة، اشتقاق قمنا به لأَظْلَمَ بصفة إسم فاعل: أُظلومٌ، والجمع: أُظلومات وأَظاليم.

 (3) في الدورات الانتخابية المتتالية.