الحسابات الموهومة والمقولات المأزومة في الخطاب العوني

زياد ماجد     

النهار 21/10/2007

 

يقارب هذا النص عدداً من المفارقات السائدة في الخطاب العوني. مفارقات مرتبط بعضها بأسلوب تعبئة شعبوي يعوّض عن العجز السياسي بالكراهية والضجيج، ومرتبط بعضها الآخر بوعي طائفي موهوم لم يستوعب عمق التبدّلات التي أصابت الإجتماع السياسي في العقدين الماضيين. والحالان، حال الخطاب وحال الوعي، نتاج مرير للاصطفافات التي شهدها لبنان منذ مطلع التسعينات، والتي تسارعت وتبلورت من جديد بعيد انتهاء مرحلة الهيمنة السورية على البلاد، والعباد...

 

في تبدّل خطوط التماس الطائفية لبنانياً والتموضع العوني فيها شكّل ما سميناه في مقال سابق "ثنائية الضدّين المسلمين المتعايشين رفيق الحريري – حزب الله" (أو هونغ كونغ – هانوي بحسب وليد جنبلاط) تلخيصاً للمعطى الداخلي منذ العام 1992 من ناحية (مشاريع الإعمار للحريري ومقاومة إسرائيل لـ"حزب الله" والتنسيق بينهما وتوظيفهما سياسياً للنظام السوري)، والمدخل شبه الوحيد للتعاطي مع لبنان من الخارج من ناحية ثانية. صار هذا الثنائي السني - الشيعي محور التجاذب السياسي (ولو تغيّر توازن القوى فيه بعض الشيء لمصلحة حزب الله بعد انتقال الحكم من الأب الى الإبن في دمشق عام 2000 وما سبق ذلك من صعود لجماعة الأخير في بيروت)، تماماً كما صار محور الديبلوماسية الدولية والاتفاقات المعقودة والقرارات الأممية الصادرة إقراراً بالمرجعية السورية لبنانياً ثم إنهاءً لها (من المفاوضات مع إسرائيل مروراً بتفاهم نيسان وصولاً الى الشراكة الأوروبية وانتهاءً بالقرار 1559).

 

ومع اغتيال الحريري في 14 شباط 2005، قرّر "حزب الله" إنهاء معادلة اختصاصه بالمقاومة واقتحام "الداخل" لهدفين: أولّهما، إبقاء لبنان في الفلك الإقليمي السوري (والإيراني) بعد انتهاء الحضور العسكري لنظام البعث؛ وثانيهما، حجز موقع لـ"الشيعية السياسية" في إدارة الحكم (بعد انسحاب "الوصيّ" راعي دورها) في مواجهة "السنّية السياسية" الآخذة بالتحرّر من كل ضبط وتقييد (كان يمارسه عليها بالمباشر أو بالواسطة "الوصيّ" نفسه).

 

بذلك، وجد الحزب نفسه في مواجهة الحريري الإبن الوارث شعبية الأب وعلاقاته الدولية. فتكرّست من جديد ثنائية الحريري - "حزب الله"، لكنها تكرّست هذه المرة بصفتها صداميّة يصعب التوفيق أو التحكيم فيها، ولم تنفع محاولات المصالحة العابرة في إعادتها الى ما كانت عليه من توزيع قسري للأدوار نتيجة الوضع الإقليمي المستجدّ واستمرار الاغتيالات وتدفق السلاح وما تبع ذلك من إنشاء للمحكمة الدولية وحرب ضروس في تموز.

 

خلاصة الأمر، أن "خطوط التماس" في لبنان تبدّلت على مدى السنوات المديدة الماضية من فصل تقليدي كان بين مسلمين (يربطون لبنان "بالشرق") ومسيحيين (يربطونه "بالغرب") الى فصل معقّد بين شيعة (يربطونه ببعض الشرق) وسنّة (يربطونه بسائر الشرق، وبالغرب). ومسار تبدّلها هذا، لم تلجمه "مشاكسات" أكثر القوى المسيحية (عبر الطلاب العونيين والقواتيين في التسعينات) ولا نضج سلوكها (عبر "قرنة شهوان" لاحقاً). إذ هي كانت بعيدة عن قدرة التأثير الفعلي فيه، كما أنها كانت - بقوة الواقع - مبعدة عن العلاقات الدولية القابلة به. ولمّا بدا خلال "انتفاضة الاستقلال" أنها تكاد تستعيد شيئاً من ملامح فعلها في المشهد السياسي بمسرحه وكواليسه وخطوط تماسه، جاء في 7 أيار 2005 من يعيدها الى تيهها، ويغرّبها من جديد عن التأثير الإيجابي في تطوّر الاحداث.

 

ذلك أن الجنرال ميشال عون - والمتحلقين حوله - قرّروا أن استعادة الدور المسيحي يقوم على مواجهة "السنّية السياسية" (ولو في لحظة احتشادها "السيادي") التي صادرت "أملاكهم" واختصاصاتهم ظانّين أن إضعافها لمصلحة منافستها الشيعية (ولو على استمرار تحالفها مع النظام السوري) يعيدهم الى موقع تحكيمي بين المسلمين، والى موقع ترجيحي في العلاقة مع الغرب، والى إبعاد للبنان عن تأثيرات المحيط العربي السنّي فيه (متناسين طبعاً أن للديموغرافيا والاقتصاد والعلاقات والقرارات الدولية حضوراً في السياسة، محلية كانت أو خارجية)...

 

ولعل جملة من الأخطاء وسوء التقديرات التي ارتكبتها "السنّية السياسية" (وحلفاؤها) سرّعت من تحويل القرار "العوني" الى فعل، وحلّقت حوله جمهوراً مسيحياً كبيراً بدا له أن جنراله العائد لاستعادة هيبة الدولة ومسيحيّيها مُستهدف من التحالفات الانتخابية ثم من الحكومة المرفوض فيها، للحيلولة دونه ودون قبضه على المجد الغابر.

 

في الأدب السياسي العوني

على الأسس التي ذكرنا، وعقب ما انبثق عنها من نتائج كان أبرزها توقيع وثيقة التفاهم بين التيار العوني و"حزب الله" في 6 شباط 2006، قامت لغة سياسية عونية بمفردات محدّدة تعكس جميعها إيغالاً في الأوهام، وتخبّطاً في مقاربة القضايا الأساسية ومنطقاً متناقضة دعائمه لا يتخطّى في أحيان كثيرة النكاية والشتيمة.

لكنها لغة رغم وهنها الذاتي، وظّفت نفسها، أو هي وُظّفت، بأمانة في خدمة حليفها "الشيعي" (وخياراته الإقليمية) لتحدث ضرراً عميقاً في سياق وطني بات الموقف فيه من وجود الدولة ومصير أهلها خبز السياسة وملحها!

لعل الأسطر التالية المستعيدة خمساً من أبرز مقولات "العونية السياسية" تشرح ما نذهب إليه.

 

-1 عن اعتبار الاغتيال السياسي تقصيراً من "الشرطة" ومن حكومة السنيورة

لا مبالغة في القول إن الاغتيالات السياسية هي أخطر ما يواجه لبنان اليوم، ليس لتميّز من تستهدفهم عن سواهم من المواطنين، بل لكونها تصيب في الصميم الحق في الرأي والاختيار، والحق في الاستقرار وفي الاستقلال والحرية. وهي بهذا المعنى ذات رمزية تتخطى مفاعيلها الإيلام الانساني المباشر لتصيب مقتلاً في دعائم القوام الوطني.

ولا مبالغة كذلك في القول إن التعاطي مع الاغتيال السياسي بصفته جريمة جنائية (أو جريمة شرف) على ما يفعل الجنرال عون، قد لا يقلّ في الراهن اللبناني خطورة عن فعل الاغتيال نفسه.

فتحويل الجريمة السياسية الى ما يشبه عملية النشل التي لم ينتبه خلالها المنشول الى إحكام إقفال جيبه على محفظته، أو الى عملية احتيال لم يتمكّن "البوليس" من توقيف مرتكبها فشجّعه بذلك على تكرارها، أو حتى الى ثأر "مؤسف" ممّن أقحم نفسه في ما لا يعنيه، هو بذاته شبه اغتيال معنوي لقضية المغدور قتلاً، وهو استقالة من موقف مبين من عمليات إعدام تنفّذ بدم بارد بهدف تحطيم القدرة على القول والفعل السياسيين، أو بهدف استجلاب فوضى فتفاوض على دور في وقفها. 

ولا ينفع التحجّج بإنتظار حكم القضاء قبل توجيه الاتهامات في ظل معركة سياسية واستقلالية واضحة المعالم، ولا هو مبرّر أساساً لدى من يطلق الاتهامات بالفساد بين يديه والجبن والكذب والخيانة ليل نهار في وجه كل من يخاصمه، وغالباً دون وجود مادة تمكّن القضاء من القيام بدوره!

 

-2 عن تهميش رئاسة الجمهورية

يشنّ الجنرال عون منذ أشهر حرب استعادة هيبة الرئاسة اللبنانية. وطبعاً في مواجهة "قريطم" والسراي! ففي زعمه أن سعد الحريري وفؤاد السنيورة (ومن خلفهما المختارة أو كليمنصو) يستخدمان "مسيحيي 14 شباط" غطاء لإضعاف الرئاسة الأولى. وغرضهما في ذلك خبيث، ألا وهو "أسلمة البلد".

ودليل الجنرال الدامغ على الخبث، مؤامرة مثلّثة الضلع: سعي لتوطين الفلسطينيين (في ما يماثل ترداد إميل لحود "أن التمديد له كان لمنع التوطين")، وعلم وخبر قَبِل به أحمد فتفت لحزب التحرير ولجمعيات إسلامية (ولو قلّ عددها وتنظيمها وكفاءتها عمّا تتمتّع به الجمعيات والمؤسسات المسيحية)، وتوقيع حكومي على شرعة حقوق الطفل في الإسلام (وهو للمناسبة توقيع لم يكن له، على هامشيته، أي لزوم)!

على أن المفارقة في الموضوع تتمثّل في كون التصدّي الحازم للأسلمة ولتهميش الرئاسة يتمّ في العرف العوني بالتعاون مع الداعية فتحي يكن وبالتحالف الوثيق مع "حزب الله"، وبتجاهل لما أصاب الرئاسة من تهتّك بلغ حدوداً سوريالية بعد العام 1998، مقلّصاً إياها الى راعية استقبالات لوفود مخاتير وقناصل فخريين تُردّد على مسامعهم ترحيباً وتوديعاً عبارات في الفولكلور السقيم من نوع أن "إيد لوحدا ما بتزقف"...

إن التغاضي عن ركاكة الرئاسة اليوم، واعتبار التمديد وما جلبه من ويلات ومن مقاطعة دولية ومحلية تفصيلاً، والغوص في نوستالجيا لا فائدة منها لمرحلة ما قبل "الطائف" من خلال التصرّف وكأن الوصول الى بعبدا كفيل ببعث "نظام رئاسي" تخطّته الظروف والأصول الدستورية، أو التلويح بطلب الانتخاب من الشعب مباشرة بحجة وقف التهميش المسيحي (في بلد لم تعد نسبة المسيحيين المشاركين في استحقاقاته الانتخابية تتجاوز ال30 في المئة!) هي مقوّمات مقولة يصعب فهمها في منطق السياسة، وتستحقّ ربما إعادة نظر... 

 

-3 عن برلمان 2005 المزور

يعتبر الخطاب العوني أن برلمان 2005 مزوّر، وأنه جاء نتيجة قانون العام 2000 الذي وضعه غازي كنعان. ويتناسى أصحاب الخطاب طبعاً أنهم قبلوا المشاركة على أساسه وحصدوا 20 مقعداً بنتيجته، أو أن اعتراضهم على برلمان مزوّر يبدأ ربما بالاستقالة منه (بعد إثباتهم حجمهم الشعبي). والأهم من ذلك، يتجاهل هؤلاء أن من يرى الى الندوة النيابية بصفتها موقع تزوير موصوف يتساوى من فيها خيانة لإرادة الناس، لا يترشح الى رئاسة لن ينتخبه فيها غير المزوِّرين من "خونة إرادة الشعب" إياهم. فما يتأسس على باطل هو باطل أيضاً! ولا يشفع الهروب من التناقض المذكور الى القول أحياناً بالانتخاب العام، (لأنه كما أسلفنا ينافي منطق رفض التهميش المسيحي وهو أساساً مناقض للدستور القائم)، ولا بالتشديد حيناً آخر على مشروعية الـ65 في المئة من التمثيل المسيحي (التي نقضتها انتخابات المتن الاخيرة، والتي يطعن التباهي بها اصلاً بمزاعم التزوير ثم بادعاء زعامة وطنية قوّضها الصوت غير المسيحي)...

لا يشي ما ذكرنا بأي دفاع عن قانون ال2000، ولا برفض مطلق لفكرة انتخاب الرئيس من الشعب. إذ لا يمكن تقويم القانون الانتخابي المعتمد في لبنان منذ نيابيات العام 1992 دون اعتباره غير دستوري وغير ضامن للتمثيل السليم (لاعتماده مبدأ التمثيل الاكثري البسيط في دوائر واسعة، ولإخلاله بوحدة التشريع واستحداثه دوائر كل منها على حجم أو شكل أو إطار قانوني مختلف عن الآخر، ناهيك بغياب المساواة الإعلامية عنه وانتفاء كل شرط من شروط الانفاق المالي وحدوده فيه). كما لا يمكن النظر الى مبدأ انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب بصفته مرذولاً ديموقراطياً. لكن الانتقال إليه خيار يتطلب اتفاقاً على تشييد نظام رئاسي مع ما يعنيه ذلك على مستوى توزيع صلاحيات الحكم ومؤسساته. ويتطلب ربما بحثاً في طائفية النظام وسبل تخطّيها لا ينفع معه الإيهام بأن السنّة يخسرون وحدهم من رصيد صلاحيات الرئاسة الثانية (لمصلحة الأولى)، وأن الشيعة والمسيحيين المتحالفين قادرون عندها على الحسم ديموغرافياً ومؤسسياً...

 

-4 عن إصلاح الدولة والحرب على الإقطاع السياسي وعلى "المتعاملين التائبين"

يكثر الجنرال من مديح "الدولة القوية"، ويكرّر الحرص على "دولة المؤسسات والقانون"، و"دولة الأمن والاستقرار". على أنه يسقط من لازمته حقيقة أن أول شروط وجود هذه الدولة، قبل الهجوم (الضروري) على الفساد في "شبيهتها"، هو التعاقد الأهلي والوطني على وحدانية المرجعية في ما خصّ الأمن وقرارات الحرب والسلم وتنظيم شؤون "المواطنين" ووضع القوانين حيّز التطبيق فيها.

 

وبهذا المعنى، لا يستقيم مديح الجنرال للدولة القوية إن لم يعدّل بوصلة التهديف عند حديثه عن خصومها، فيشير ولو مرة الى حلفائه وصواريخهم وخياراتهم التي قد لا تتبانّها بالضرورة "دولته المنشودة"...

 

وفي باب "الإصلاح"، يكمّل الجنرال "عدّة خطابه" ببرنامج الحرب اليومية على الاقطاع السياسي. فالوافد مثله الى السياسة من "بدلة العسكر" في مواجهة الميليشيات، ثم من "المنفى النضالي" في مواجهة المتمتّعين بنعيم السلطة، لا يقوى على تحمّل الإقطاعيين وثقافتهم وسلوكاتهم وما تلحقه بالحياة السياسية من أذى. لذلك، يقيم لمواجهتهم جبهة عريضة تضمّ في صفوفها طلال إرسلان والياس سكاف وسليمان فرنجية وعمر كرامي وميشال المر، بصفتهم الشركاء الأشدّاء في مواجهة التقليد وإقطاعه!

 

ثم يردف على حربه هذه حرباً ثانية على الحريريين والجنبلاطيين "ممّن تعاملوا سابقاً مع النظام السوري". فيرفض مسامحتهم على فعلاتهم تلك ولو شفاهم دمهم منها، ولا ينفكّ يذكّر بسماتها "الراحلة" ولو من جوار شركائه في "المعارضة الوطنية" ممّن يفاخرون حتى اللحظة باستمرار وفائهم لسوريا الأسد وتجديدهم البيعة للحلف الاستراتيجي معها!

 

-5 عن "البسينات والواويّي" وبعض الزواحف المهدًّدة بالانقراض

لا بدّ من التوقّف ختاماً عند مقولة عونية قد تبدو للوهلة الاولى إسفافاً لغوياً وشتائم، أو إقحاماً للحيوانات والحشرات على أنواعها في حقل السياسة... لأن هذا الأمر في ما هو أبعد من وهلته الاولى ومن خفّته، هو في الاخلاق السياسية، وفي الأخلاق فحسب. ذلك أنه يعيدنا من جديد الى قضية الاغتيال والموقف منها. فالمصنَّفون قططاً هم مشاريع ضحايا، وهم أنفسهم من يدفع بالدم ثمن انعتاق من الهيمنة لم يُنجز بالكامل بعد. ليس فقط لأن "سوريا" لم تخرج من لبنان، بل لأن ثمة من يبرّئها (والمقصود نظامها طبعاً) من الاغتيال، محوّلاً إياه هذه المرة الى ما يشبه الصيد طالما أن طرائده من أبناء آوى والسقّايات، ويوظّف نتائجه سياسياً عبر خوض انتخابات فرعية للحيلولة دون دخول الورثة "البيولوجيين" لتلك الكائنات الصريعة الى المجلس المزوّر نفسه المدعوّ لانتخابه بصفته هذه المرّة، وهنا الطامة الأكبر، مرشحاً توافقياً!

في أن الردّ على المنطق العوني لا يكون بالمزايدة الطائفية

يبقى أن كل ما قيل في العونية بوصفها وعياً طائفياً موهوماً وبوصف خطابها متهافتاً، لا يعني في شيء أن الجمهور العوني غير قادر على الخروج من مأزقه إن هو قوبل بسلوك سياسي أرقى من ذلك القائم في مواجهته منذ عامين.

فلا الرد على عون يستقيم بتعليقات من خارج السياسة، ولا التواصل مع جمهوره يتمّ بكيل الشتائم بمثلها، ولا التنافس الانتخابي معه يقوم على تكبير الصلبان أو تصغيرها أو استذكار الحرب الأهلية وبشاعاتها.

 

الرد على ميشال عون يتمّ عبر الإصرار على بداهة بناء الدولة بمنطق المؤسسات وبرامج الإصلاح السياسي والاداري والاقتصادي والقضائي، وعبر التمسّك باستقلالها وسيادتها، وعبر الوضوح في قول الأمور الصعبة المرتبطة بالواقع المسيحي وبالواقع الوطني من دون مبالغات ومجمّلات أو تهرّب من المسؤولية.

ولعل اللازمة التي نكرّرها منذ عقد، وكرّرها جيل من قبلنا عقوداً، من أن الدولة الحديثة القائمة على حكم القانون وفصل السلطات، والمستندة الى تخطي الطائفية وصولاً الى العلمنة (بعيداً عن التحايل على الألفاظ) هي فقط ما يلغي التهميش ويحيّد الديموغرافيا والمتغيّرات عن دور "المسيحيين" (وسائر الجماعات اللبنانية) السياسي، محوّلاً إياهم جميعاً وأخيراً الى مواطنين "أسوياء" ذوي مصالح فردية وجماعية غير مرتبطة بقيدهم الطائفي.

 

أما الهروب مجدّداً نحو اجتزاء الحلول والتعويض عن الضياع بالمكابرة و"التذاكي" الدائم، فلن يكون إلا مدعاة للمزيد من التصدّع الداخلي والانكشاف على رياح الجغرافيا السياسية في منطقة منكوبة باستبداد أنظمتها، وعنصرية محتلّي أرضها، وعجز من بينهما عن التغيير...

زياد ماجد     

(كاتب)