لبنان والمعادلة الدهقانية!

حسان حيدر

الحياة  - 20/03/08//

 

تنعقد بعد أيام القمة العربية في دمشق وعلى جدول أعمالها لبنان وأزمته المفتوحة. واذا كان المجتمعون على اختلاف مستوياتهم قد يضطرون الى مسايرة البلد المضيف المتهم بأنه وراء استمرار الفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسات في هذا البلد، عبر تغليب الديبلوماسية على الصراحة كما هي الحال عادة، واصدار بيان تضامني عام مع لبنان يؤكد «دعم» جميع الدول المشاركة للمبادرة العربية مع التركيز على «السلة»، ويعيد تكرار المطالبة بتحرير مزارع شبعا منذ اكتشف «جغرافيو» سورية وايران ان هذه البقعة لبنانية ويجب «تجميد» أي شأن آخر قبل استعادتها، وان تشن من أجلها حروب مفتوحة لا تنتهي، علماً ان أهلها لا يكترثون على الارجح بالمساعي الجارية على قدم وساق في ضاحية بيروت الجنوبية لتحريرهم واعادتهم الى السيادة اللبنانية، وربما كانوا يرفضونها.

 

لكن قصة طهران ودمشق مع لبنان قديمة تسبق «ابتكار» مزارع شبعا وتبعاته. واذا قبلنا بأخذ الاسرار من الصغار، على ما يقول المثل الشعبي، فإن مساعداً للرئيس الايراني يدعى حسين دهقان صرَّح قبل ايام بأن «لبنان الذي كانوا يصفونه قبل ثلاثة عقود بعروس الشرق الأوسط يجسد اليوم العزة الاسلامية». وهو، اي دهقان، بكل بساطة، لا يريد للبنان ان يكون عروساً بل «ساحة»، حيث يؤكد ان «المسلمين، وخصوصا الشيعة، مستعدون لمقارعة الاستكبار من خلال التمسك بولاية أهل بيت النبوة والاقتداء بثقافة عاشوراء»، متجاهلاً بلا اي مواربة التعددية والتنوع اللذين هما في اساس قيام لبنان.

 

والعقود الثلاثة التي يتحدث عنها تتطابق تقريباً مع الفترة المنقضية على قيام الجمهورية الاسلامية في ايران منذ 1979 ومع فترة الانتشار العسكري السوري في لبنان من 1976 وحتى 2005. وهذا يعني ان العين وضعت على لبنان لتصدير الثورة اليه فور انتصارها في طهران، ويؤكد ايضاً ان الشعار الذي رفعه «حزب الله» منذ نعومة أظافره في شوارع بيروت والذي يقول «كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء» لم يكن عبثياً ولا مرتجلاً، بل كان وليد تخطيط واضح الأهداف ومتعمَّد الوسائل.

 

وفي عرف دهقان وأسياده ان «العروس» لا يمكن ان تكون موضع عزة، وانه لا بد من تجريدها من كل مقومات جمالها وتحويلها الى هيكل عظمي، تماما مثلما فعل حلفاؤه في تموز (يوليو) 2006 ولا يزالون يفعلون في وسط بيروت. فالشعوب في نظره لا يمكن ان تكون «سعيدة»، بل حياتها مكرسة للمعاناة في معركة متواصلة ضد الاعداء لا تقف عند حد ولا تنظمها سياسة. معركة مفتوحة لا يدرك كنهها الا «الفقيه»، وما على الناس الا الطاعة والتضحية والترفع عن المطالبة بحياة طبيعية. أما «ثقافة عاشوراء» التي يدعونا اليها، فلم يصلنا منها الا الندب والتحسر على اننا لم نمت من قبل، ولا بد من التعويض عن تخاذلنا هذا بتقديم انفسنا واولادنا وبيوتنا قرابين لعلّنا نحظى بما لم تعطنا اياه «عروسنا» الفانية.

 

لقد نجح الثنائي السوري - الايراني في تحويل لبنان الى «أرملة» تبكي شهداءها وأرضها المستباحة، فهل يتمكن ابناؤه يوما، بمساعدة بعض العرب والعالم، من استعادة «عروسهم»؟ إنهم بالتأكيد سيفعلون