طريق الرئاسة من مدرسة قمر الى مقابر حالات

بقلم/ادغار بو ملهب

 

انها الرئاسة الأغلى ثمناً دون شك، فالغاية تبرر الوسيلة، جنرال يسعى خلف حلم الرئاسة الضائع حتى من خلال القبور...وأي قبور؟  قبور مفترضة، لقتلى مفترضين، في منطقة محددة لخصم واضح، في اطار حرب، لا أسلحة محظورة فيها ولا ضوابط، بما فيها الضوابط الأخلاقية.

 

ان نبش مقبرة حالات الوهمية أتى على خلفية سياسية واضحة هدفها فتح قبور جديدة لضحايا جدد، بحيث تستخدم مشاعر الناس الانسانية لاهداف غير انسانية، الناس أولئك هم الضحايا الفعليون لمرض سياسي أو لسياسي مريض يستهوي استعادة الماضي لقتل الحاضر، يستهوي استحضار الجثث سلاحاً في معركة شهوة السلطة، شهوة الرئاسة، شهوة استغلال بعض الناس لقتل كل الناس.

 

بالأمس عادت بي الذاكرة الى حادثة مدرسة قمر المفتعلة في 30 كانون2 1990، حيث ادعى الجنرال الغيور على ثقافة الأجيال الطالعة ومستقبلها، أن  القوات اللبنانية منعت وحدة من الجيش من استعادة مدرسة قمر بهدف اعادة تجهيزها لتستقبل طالبي العلم، ما حدا به الى اعلان حرب الالغاء قائلاً " لن نقبل بعد اليوم ببندقية سوى بندقية الجيش اللبناني". يومها بدأت حرب الغاء المسيحيين بحجة تأمين العلم لأبنائهم، هذه الحرب المشؤومة انتهت الى آلاف القتلى والجرحى والمشردين والمهجرين والمهاجرين والى سقوط آخر معاقل الحرية والصمود في مواجهة الاحتلال السوري، ترى ألم يكن من الأجدى أن نبقى أميين بدل أن يدمر مجتمع بكامله بحجة أن الجنرال يريد اعادة فتح مدرسة قمر؟

طبعاً لم يكن الهدف اعادة فتح المدرسة، في الوقت الذي كان المجتمع الدولي يسعى الى حل سلمي لما عرف يومها بتمرد الجنرال، بعد أن كان هذا المجتمع قد اعترف باتفاق الطائف وبشرعية الانتخابات الرئاسية التي نتجت عنه، يومها اختار الجنرال المأزوم أن يتوجه الى مشاعر الناس عبر اختلاق أكذوبة مدرسة قمر وسيلة للهرب الى الأمام بعد أن كانت قد انسدت كل الأفق المتاحة أمامه للوصول الى الرئاسة.

واليوم ها هو يتنقل من أكذوبة الى أخرى، من الادعاء بوجود معسكرات تدريب، الى بواخر اسلحة، الى مجموعة تعد لاغتياله، الى فبركة صورة لمسلح قواتي يطلق النار على الجيش والمتظاهرين، الى ادعاء اطلاق النار على المتظاهرين "المسالمين" في مار مخايل، وصولاً الى آخر ابداعات  النفوس المريضة، مقابر حالات الجماعية.

 

في حالات تتجلى آخرابداعات هذا الفكر المريض، الذي يأبى أن يسقط قبل سقوط الهيكل على رؤوس الجميع. هناك في حالات ليس من مقابر جماعية، بل شهوة سلطة تتحرك فوق الارض وتحتها باحثة عن ممر يوصل الى كرسي الميعاد. الكرسي المشؤوم الذي يستدعي اهانة الكنيسة ورأسها، وتدمير المؤسسات، واغلاق مجلس النواب ووسط العاصمة، وتدمير الاقتصاد، وتقديس السلاح، وتغطية الاعتداءات على الجيش الذي بات جنوده يحتمون خلف الدشم وأكياس الرمل في محيط بعض المناطق العصية على القانون.

 

هناك في حالات، حالة واحدة يجب أن تدفن، حالة الحقد الأعمى الذي لا يثني صاحبه عن تحويل لبنان الى مقبرة جماعية.

هناك في حالات وفي ظلمة تلك الحفرة، لن يجدوا سوى شبح كرسي يحاول أن يشق طريقه نحو حفرة جديدة لن يجد فيها سوى جثة لضمير قضى انتحاراً.

 

ادغار بو ملهب

20/04/2008