كيف استطاع عون جرّ تياره الى السورنة التطبيعية؟

بقلم ايلي محفوض محفوض (*)

 

من يقرأ تصاريح ومواقف النائب ميشال عون السابقة ويقارنها بمواقفه اليومية الحالية خصوصاً بعد رجوعه الميمون من منفاه المخملي الباريسي يجد أن الرجل المتلوّن أبقى على نهج ومسلك وأسلوب لم يتبدل هو التخريب الدائم داخل البيت المسيحي، فعلاً هذه المعادلة قد تكون الوحيدة التي لم يطرأ عليها أي تعديل أو تبديل، لا بل باتت كالخبز اليومي للرجل يمتهنه باحتراف ودقة متناهية، حتى أن مسألة نبش القبور لا ينتهجها إلا باتجاه الفريق المسيحي، وفتح الملفات القديمة والمؤلمة كأنه لا يتقن فنّها إلا إذا كانت تطال بشظاياها المجتمع المسيحي، وهنا بات واضحاً أن عون سيصبح من الآن وصاعداً الحليف العبء حتى على أقرب المقربين منه، وعلى رأسهم السيد سليمان فرنجية، فنبش مجزرة إهدن مثلاً، جعل أهل شهداء مجزرة القاع يستعيدون ويسترجعون تفاصيل ما جرى منذ ثلاثين سنة، وهذا حتماً لن يكون في صالح منظمة المردة ولا في مصلحة رئيسها الحالي لكون عناصر هذه المنظمة بالتعاون والتنسيق مع جيش الاحتلال السوري قاما بهذه المجزرة بحق المسيحيين من أبناء تلك البلدة، كما جاء في بيان أهالي الشهداء. وإذا كان الجيل الجديد لا يعرف عما فعله هؤلاء، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، مجزرة القاع، جاء استحضار عون لملف إهدن واستغلال أهالي الضحايا بالشكل الرخيص على شاشة الليمونة ليدفع بكل متضرر من أهالي الشهداء ليرفع صوته من جديد بعد ثلاثين سنة ليدل بالاصبع على المجرمين، وعلى الجهة التي أقدمت على ارتكاب مثل هذه المجزرة أو سواها.

 

من هنا قلنا بأن عون بات العبء الحقيقي ليس على المسيحيين من أخصامه، إنما على المسيحيين من حلفائه الذين امتلأت ذاكرتهم بالمآثر ولويلات، من دون أن ننسى أن معظم شركائه الحاليين أثروا على حساب الخزينة، ولعل التدقيق المالي والمحاسبة التي ما فتئ ينادي بها الرجل، لمجرد الدغدغة، ولاستثارة عواطف المكلفين اللبنانيين، لو قُيّد لها النجاح لكانت ستطال شركائه بالدرجة الأولى الذين استغلوا أبشع استغلال مناصبهم ومراكزهم والوزارات التي آلت اليهم زمن الاحتلال السوري، ولعل الكلام الأخير للنائب الياس سكاف عن حاجته الماسة لوزارة خدماتية دسمة لكونه يستعدّ للمعركة الانتخابية القادمة خير دليل على نوعية هذه الطبقة التي تؤازر عون وتحالفه وتجالسه وتنادمه في كل صولاته وجولاته السياسية وآخرها المشاركة الفعّالة في تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية.

 

وإذا كان عون يعتمد على شريكه حزب الله الذي يملك القدرة التعطيلية عبر استخدامه للآلة العسكرية عند كل مفترق أساسي من حياتنا السياسية، فهو يعتمد عليه أيضاً في لعبة الحكم التي أصبحت بمتناول يد الميليشيا التي تحكم وتتحكم بالمصير، فهذه المنظمة التي اسمها حزب الله تملك القدرة على توقيت إعلان حروبها الداخلية انطلاقاً من روزنامة مصالحها المتأرجحة مع المصلحة العليا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بالتنسيق والتعاون الكليين مع النظام السوري الذي يلعب على أكثر من حبل، من هنا فإن عون نسي تماماً شعاراته وطروحاته السابقة، وهمّه اليوم يرتكز بشكل أساسي على الترويج الديماغوجي لأحقية استمرار وبقاء سلاح ميليشيا حزب الله.

 

وكأن المطلوب اليوم تحديداً إجراء خطوة استباقية للبيان الوزاري في حال أُطلق سراح التشكيلة الحكومية، بحيث يروّج عون لفقرة السلاح، ومن دون أن ننسى أنه قدّس سلاح حزب الله في الوثيقة التي وقّعها معه.

 

إذاً، السؤال الواجب طرحه اليوم وبإلحاح: من يحكم لبنان اليوم؟ وللجواب عليه بات لزاماً إجراء مقاربة واقعية للحاليات السياسية اللبنانية، وهذه الواقعية تلزمنا أن نعي خطورة ما نحن مقبلون عليه، كما وخطورة التحضيرات الميدانية والعملانية لميليشيات 8 آذار لكي تنقضّ هذه المرة بشكل حربجي ـ إنقلابي على الجمهورية تمهيداً لإطلاق جمهورية حزب الله ورفاقه وعلى رأسهم عون الواعد والموعود حتى اللحظة بالانقضاض على رئاسة الجمهورية، وما سوف يسهّل هذه المعادلة القديمة ـ الجديدة، أن عون جرّ ناسه من العداء المطلق للنظام السوري إلى حالة السورنة الهادئة والعلنية للتيار الذي بات يفاضل بين السوري والأميركي، أو بين السوري والسعودي.

 

ولعلّ شطب لغة المطالبة بالمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، والمطالبة بعودة العائلات اللبنانية الهاربة إلى إسرائيل من "سياسة بقر البطون التي يمارسها حزب الله" (كلام لميشال عون في وصفه أعمال حزب الله)، مروراً باستجدائه لأقطاب طاولة الحوار زيارة سوريا لشرب فنجان قهوة، وهو حتماً تبرّع ليكون من عداد الوفد، وصولاً أخيراً وليس آخراً الى طلبه من الحكومة اللبنانية تكليفه لتمثيلها في القمة العربية المنعقدة في الشام.

 

إذاً، الترجمة الواقعية لكل ما سبق، أن عون لم يكن يوماً في حالة عداء مع السوري، وهو لم يكن في يوم من الأيام على اختلاف مع التطلعات والأحلام السورية وجموح النظام البعثي في الاستيلاء على لبنان.

 

عون الذي سبق له أن بعث برسالة إلى الرئيس حافظ الأسد تمنى خلالها: "أرجو أن يعتبرني القائد الرئيس حافظ الأسد جندياً صغيراً في جيشه".

وعون نفسه من اعتبر أن اتفاقية سايكس بيكو سلخت لبنان عن سوريا.

 

نحن اليوم وبضمير واعٍ، وبإدراك منطقي نقول إن ميشال عون كان دوماً الحالة السورية في الداخل المسيحي، ولكن بدهاء وخبث ماكرين لدرجة أنه استطاع ايهام اللبنانيين أنه أب الاستقلال اللبناني، مسلمين ومسيحيين ودروز، ولكن هذه "العمالة المزدوجة" انكشفت وبدأ نجم الرجل بالأفول بعد أن سقطت عنه ورقة التوت، وكل المواقف التي أطلقها ويطلقها المسؤولون السوريون تجاه عون وآخرها ترحيب الرئيس بشار الأسد بميشال عون في قصر الشعب، لهي دلالة واضحة وأكيدة على الازدواجية التي امتهنها عون لثلاثين سنة مضت.

 

انطلاقاً مما سلف، بات لزاماً على من يماشي عون ويؤيده أن يعلم أنه يؤيد النظام السوري وعملاء النظام السوري في لبنان، لذلك صار محتماً على هؤلاء الاختيار، إما نهج عون الذي يُسوّرن تياره الشعبي، مما يعني أن جمهوره راضٍ بالسورنة على طريق التطبيع مع الواقع الجديد، وإما رفض جرّه كما النعاج والخراف في القطيع، وبالتالي انقاذ الذات من لعبة التكيّف البطيء مع الحالة المستجدة، وهي تؤذي أول ما سوف تؤذيه، المسيحيين المغمورين حتى اللحظة بنوستالجيا حرب التحرير والمحاسبة والتدقيق ومحاربة العائلية السياسية.

 

إنها مرحلة العبور، أو دعنا نقول إنه الممر الأخير باتجاه تعميم اللبننة، في مقابل طاقم ولاية الفقيه الملتقي ولو بشكل غير متوازٍ مع الطمع السوري الدائم في الحصول على لبنان.. وعون الوسيلة الناجعة لتحقيق الغرضين، مسيحي، ماروني، رئيس كتلة نيابية، يملك تمثيلاً شعبياً مسيحياً، هذا هو المطلوب، الرجل يفي بالغرض، يتمّ استعماله حتى آخر العنقود، كل واحد من هؤلاء يجد فيه ذاك المنجم الذهب أو تلك الدجاجة التي تبيض له، واحد من هنا يريد أن يرثه، وآخر من هناك يستعمل الغطاء المسيحي لسلاحه، والبعض يمتطي جواده ليصل إلى مبتغاه، وغيره وغيرهم... المهم التقوا جميعاً من أجل مصالحهم الخاصة، وعون يريد من الجميع كل شيء، يهدد بهم وبسلاحهم، ولا ننسى أنه في المرة السابقة قال للمسيحيين: أنا حميتكم من حزب الله وإلا كان دخل عليكم.

المطلوب أن تحكم الدولة وحدها، بأجهزتها وعسكرها ومؤسساتها، والمطلوب إنارة الرأي العام حول مسائل عالقة بات لزاماً توضيحها، ولو اقتضى الأمر الحسم، فليكن قبل الانفجار الكبير.

 

(*) رئيس حركة التغيير عضو قوى 14 آذار