محاولات "حزب الله" لإعادة التموضع في الوسط السنّي: "معبر" التيار القومي محاصر أيضاً

المستقبل - الاربعاء 9 نيسان 2008 –

فادي شامية

 

ثمة هوى قومي في شعارات المقاومة ومواجهة أميركا و"إسرائيل"، فلهذه الشعارات صدى في قلوب القوميين بغض النظر عمن يطرحها. لا شك أن في ذلك "معبراً" مناسباً لـ "حزب الله" كي يعيد شيئاً من رصيده المهدور لدى الطائفة السنية، باعتبار أن السنّة تاريخياً كانوا الحاضن للطروح العروبية في لبنان.

 

"حزب الله" والقومية العربية

ثمة دعم كبير من "حزب الله" اليوم للقوميين العرب "المتحالفين" معه. بطبيعة الحال لن يدعم "حزب الله" القوميين في ساحته، أو بمعنى أدق، لن يسمح للأفكار العروبية بالانتشار في الأوساط الشيعية، رغم أن الشيعة كانوا ركناً أساساً لجميع الحركات القومية في لبنان، لكن على عكس ذلك، فإن "حزب الله" يدعم القوميين في الأوساط الأخرى، ولا سيما السنّة على وجه التحديد.

 

دخول "حزب الله" على خط الدعم والتمويل زاد تشرذم القوميين وإضعافهم، فاستعرت بينهم حدة الخلافات والاتهامات، وأسهم "المال النظيف" في استيلاد أو إحياء حركات كادت أن تندثر. على هذا الأساس ترفض اليوم بعض الحركات القومية، التي باتت محسوبة على "حزب الله"، أن يكون الرئيس الشهيد رفيق الحريري قومياً عربياً، ومن باب أولى فإنها تعتبر الرئيس فؤاد السنيورة "مرتداً" عن قوميته التي نشأ عليها. وثمة حديث "قاطع" من قبل بعض هؤلاء عن شراء نفوس وأقلام يطال قوميين مخضرمين، لا لسبب، إلا لأنهم يرفضون إسقاط الحكومة، أو بمعنى آخر يرفضون مشروع "حزب الله". غير أن هؤلاء القوميين، الذين باتوا حلفاء لـ"حزب الله"، لا يشرحون لأنصارهم أو لرفاق الأمس، كيف يمكن أن يلتقي "مشروع العروبة" مع "المشروع الفارسي"، وكيف يمكن الجمع بين "ولاية الفقيه" المرتبطة بإيران، والولاء للأمة العربية "ذات الرسالة الخالدة".

 

ومع ذلك فقد وجد "حزب الله" من "يسير" معه من التيار القومي، كأولئك الذين خافوا على وجودهم من اجتياح تيار الحريري، سيما أن رفيق الحريري كان يصنف نفسه في عداد القومية العربية "المستنيرة"، أو أولئك الذين لم يجدوا لهم موقعاً "مناسباً" في تحالفهم مع "تيار المستقبل"، أو غيرهم ممن أحالهم الزمن على التقاعد، أو غرّهم من المعارضة وفرة المال وفيض الثناء والطلة الإعلامية، دون أن يعني ذلك فقدان وجود الشخصيات القومية المحترمة ممن يطرح ملاحظات جدية حول توجهات "تيار المستقبل".

 

"المعبر القومي"

إذاً، ورغم أن "تيار المستقبل" هو الحالة العامة اليوم في الشارع السني، إلا أن "حزب الله" استطاع أن "يلوّن" معارضته بشخصيات سنية من التيار القومي.

ففي طرابلس أنشأ رئيس "حزب التحرر العربي"، رئيس الحكومة السابق عمر كرامي، إطاراً معارضاً سماه "اللقاء الوطني". مواقف هذا اللقاء اليوم هي نفسها مواقف "حزب الله"، إن لم تكن أشد. وحوله تحركت شخصيات شمالية معارضة، باتت تطل من خلال أطر تخفي حجمها التمثيلي الحقيقي، كوجيه البعريني رئيس "التجمع الشعبي العكاري"، وكمال الخير رئيس "المركز الوطني للعمل" في المنية، وآخرين. هذه الشخصيات تدّعي الحفاظ على عروبة لبنان رغم أن تاريخ الكثير منها لا علاقة له بالعروبة.

 

وفي بيروت تفعّل دور "الحوار الوطني اللبناني" برئاسة فؤاد مخزومي، الذي بات حريصاً على "مجد العرب" منذ أواخر عهد الرئيس السابق إميل لحود، وتكثفت حركة "المؤتمر الشعبي اللبناني" برئاسة كمال شاتيلا، وانهالت أطاريح المديح في إعلام المعارضة على عروبة سليم الحص، "ضمير لبنان"، وانقسم المرابطون والناصريون على أنفسهم.

 

أما في إقليم الخروب فقد حوّل زاهر الخطيب "رابطة الشغيلة" إلى "تنظيم مقاوم" بعدما أرسل عدداً من "الشغيلة" و"غير الشغيلة" إلى معسكرات التدريب في البقاع تحت شعار المقاومة. أما في البقاع فلم يقصّر "حزب الاتحاد" الناصري برئاسة عبد الرحيم مراد، في دعم "حزب الله"، ومحاولة إعاقة تمدد "تيار المستقبل" في القرى والبلدات السنية بالقوة أحياناً. وقد دعم "حزب الله" هذا التوجه بإنشائه "تيار العروبة للمقاومة والعدالة الاجتماعية" في البقاع الأوسط، "ليكون حليفاً استراتيجياً لحزب الله" كما عبّر الحزب نفسه في كلمة له في حفل ولادة التيار.

 

وبالطريقة نفسها أنشأ "حزب الله" في منطقة العرقوب "تيار المقاومة"، واضعاً العناصر السنية التي كانت تعمل بإمرته في تصرف هذا التيار الجديد، كما تفعّل دور "هيئة أبناء العرقوب" التي تعتبر جناحاً لـ "المؤتمر الشعبي اللبناني الذي يرأسه الأستاذ كمال شاتيلا" كما تعرّف الهيئة عن نفسها.

 

الأسماء تبدو كثيرة، لكن الفاعلية النسبية تكاد تنحصر باثنين أو ثلاثة، ولعل من أهمهم رئيس "التنظيم الشعبي الناصري"، النائب أسامة سعد. ليس لأنه النائب ـ غير السابق ـ القومي السني الوحيد المرتبط بـ"حزب الله"، استكمالاً لنهج شقيقه الراحل مصطفى سعد، بل لأن إرثه العائلي سمح له بتكوين حيثية شعبية في مدينة صيدا، التي يتحدر منها أيضاً الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والرئيس فؤاد السنيورة، وهو نجح بتحالفه مع الدكتور عبد الرحمن البزري في "انتزاع" بلدية صيدا في حياة الحريري الأب.

 

الأحجام الوهمية

لدى استعراض مواقف هذه الشخصيات والأطر في أخبار المعارضة يبدو وكأن رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري وباقي النواب السنّة مجرد أرقام متقاربة مع تلك الشخصيات سالفة الذكر، الأمر الذي يكاد يخدع من لم يدرك بعد حجم "التحولات المذهلة" في الشارع السني، غير أن الحقيقة القاسية أن "حزب الله" كان "يمون" على قوى وشخصيات تملك وزناً تمثيلياً أكثر بكثير مما "يملك" حالياً، رغم كل ما يبذله من جهد ومال لإعادة تموضعه في الشارع السني. يكفي أن جميع حلفائه السنّة تقريباً باتوا نواباً سابقين، وأنهم محاصرون شعبياً، وغير قادرين على الحركة الطبيعية في أوساطهم، بفعل استلحاق معظمهم بالحزب. أما النائب أسامة سعد، فهو يعاني تراجعاً حقيقياً في شعبيته، بفعل تموضعه الذي يرى أكثر الصيداويين أنه لا يخدم مدينتهم، بل يجعل قرارها مرتهناً لـ"حزب الله"، كما أن الأداء البلدي السيئ، والفشل في تحقيق الوعود، والممارسات ذات الطابع الميليشيوي من قبل بعض عناصره في المدينة، يسهم أيضاً في استنزافه.

 

أما في الشمال فيحدث اليوم ما يشبه "الصحوة" في صفوف مؤيدي الشخصيات التابعة لـ "حزب الله" بعدما تحولت "المعارضة" هناك إلى "وسيلة تجميع في الوسط السنّي لصالح حزب الله ومشروعه السياسي والأمني" على ما ورد على لسان إحدى المجموعات المنشقة حديثاً عن كمال الخير في المنية. والأمر نفسه يحدث في إقليم الخروب لكن بصمت. أما في بيروت فقد كشفت الانتخابات النيابية الفرعية هزالة هائلة لمن يسمون أنفسهم معارضون سنة.

 

أما على الصعيد "الإيديولوجي" فإن ثمة مشكلة أساس لكل هؤلاء، وهي أنهم بلا جمهور "مؤدلج"، ومن كان منهم يملك حيثية شعبية، فعلى أساس عائلي مناطقي، لا علاقة له بالطروحات القومية. وعلى حد تعبير أحد وجوه القومية العربية البارزة في لبنان اليوم، فإنه لم يعد للأحزاب القومية من وجود فوق الأراضي اللبنانية، وإنما توجد شخصيات قومية فقط، بعضها له وزن شعبي لا بأس به، وأكثرها بلا أي جمهور، بل إن بعض ما يسمى أحزاباً قومية، مكوّن في الحقيقة من رئيس الحزب وسائقه المكلف إرسال البيانات إلى الإعلاميين. وهذا يعني أن "حزب الله" استطاع أن يجتذب "شخصيات" قومية، لكنه عجز عن اختراق "جمهور" بالمعنى الشعبي للكلمة، فضلاً عن أن هذه الشخصيات أقصى ما يمكنها فعله هو تعبئة أنصارها ضد الحريري، لكنها أبداً لا يمكن أن تأخذ هذا "الجمهور" إلى مشروع "حزب الله"، وهذا ما كشفت عنه الأحداث في غير مناسبة خلال الأزمة السياسية الحالية