جنرال الحسابات الخاطئة

بقلم/الدكتور غسان منصور

 

كم هو مثير للهزل والسخرية، بل وللأسى والشفقة في آن معاً، ان يتحول زعيم سياسي الى رمز وتجسيد حقيقي لكل ما في السياسة من تناقضات، ولكل ما تعبر عنه المواقف من مفارقات.

 

ولعل ام هذه المفارقات والتناقضات ان يتحول ذلك السياسي، وبين ليلة وضحاها، عدو لدود مفترض لاطراف وقوى وياسات معينة، الى اشد حلفائها وثوقاً، واكثر اصدقائها ولاءً، واهم ادواتها طاعةً واستخداماً.

 

وكل ذلك، لا لسبب مقنع، او نتيجة لتحول او تغيير في الظروف والمستجدات، بل فقط انطلاقاً من طموحات شخصية ضيقة، وحسابات آنية خاطئة، وحزازات فئوية تعود الى الماضي السحيق، الذي أكل الدهر عليه وشرب.

 

فتصبح هذه الطموحات والحسابات والحزازات هي الاساس والركيزة في تحديد المواقف، وانتهاج السياسات، واختيار الصداقات والتحالفات، واختراع الخصومات والعداوات، حتى ولو كانت جميعها على حساب الوطن، وعلى حساب المصلحة الوطنية، ورغماً عن انف الارادة الشعبية والسيادة والهوية اللبنانية.

 

وهذا تحديداً ما حدث، ويا للأسف مع النائب ميشال عون، في مسيرته الطويلة، والتي لا تعرف نهاية، ولا تتوقف عندسقف او حدود، للوصول الى الرئاسة، والاستئثار بالسلطة والحكم والزعامة، حتى ولو تم ذلك بالوكالة، وكمجرد اداة في ايدي الادوات التي تديرها وتحركها المرجعيات السورية والايرانية، على الساحة اللبنانية.

 

فلقد فضل الجنرال السابق الانتقال الى المعسكر الآخر، وتبرأ من كافة ما كان ينادي به، ويدعي الحرص عليه، من شعارات وقيم ومبادئ، دفع اللبنانيون الشرفاء ابهظ الاثمان ي حمايتها، والدفاع عنها، والقتال من اجلها، ليصبح الآن رأس الحربة الموجهة، والاداة الطيعة المؤذية، في الهجمة الشاملة والشرسة، التي ما فتئ اعداء لبنان، وادواتهم المحليين، يواصلون شنها على كل ما هو لبناني وكل ما هو وطني وكل الشرفاء الصامدين.

 

ويا لها من مهزلة مضحكة مبكية. فالجنرال المتقاعد، والمحتار بين ان يطرح نفسه تارة كزعيم لكل اللبنانيين، وبين ان يفرض نفسه فرضاً كمدافع مزعوم عن حقوق ومصالح المسيحيين، لم يكتف بالتفاهم، ومن ثم التحالف، مع جماعة "حزب الله" ومن لف لفها من الادوات والمرتزقة والتابعين، فاذ به يمضي بعيداً، ومستميتاً، في ترسيخ ولائه وطاعته لأرباب عمل تلك الجماعة واولياء امرها، من سوريين وايرانيين.

 

وفيما يجهد الجنرال لتقسيم اللبنانيين واضعاف وتشتيت المسيحيين، فانه لا يوفر جهداً في سعيه الدؤوب الى تقوية مواقع الآخرين، الممعنين في التآمر على لبنان، واجهاض آمال وتطلعات الوطنيين اللبنانيين، فتارة يتطوع لتقديم الغطاء لميليشيا حزب ولاية الفقيه، ويبرر لها جريمتها في اغتيال الضابط الطيار الشهيد عقب اسقاط مروحيته فوق الارض اللبنانية، وتارة اخرى يتوجه مزهواً الى طهران لتقديم الولاء والطاعة، ولعرض خدماته الجمة، على امل ان يحصل منها على المن والبركة، وما قد يتفرع عن ذلك من تمويل لحملته الانتخابية المرتقبة.

 

وها هو الجنرال الآن يحزم الرحال ويعد العدة، لزيارة دمشق وتقديم الطاعة والولاء، لنظام الاسد الابن هناك، ناسياً او متناسياً، انه كان قد خاض في يوم من الايام حرباً مدمرة تحت شعار تحرير لبنان من الاحتلال السوري، الذي كان جاثماً على لبنان أبان زمن الوصاية وعصر الظلام. فالواضح ان الجنرال لم يعد لديه مانع من عودة تلك الوصاية، وتكريس التدخل السوري في لبنان، وبالتضامن والتكافل مع شريكتها طهران، اذا ما كان ذلك يخدم مصالحه الانتخابية، وطموحاته الشخصية.

 

وكان لا بد للجنرال ان يتوج تحالفه مع ميليشيا الحزب الالهي، ومع مرجعياتها الايرانية، وان يمهد في الوقت ذاته لزيارة دمشق وتكريس دوره كأداة للسياسة السورية، فكان ان قدم الى المتحاورين اللبنانيين مقترحاته المسمومة حول الاستراتيجية الدفاعية المزعومة، والتي لم تكن في واقع الامر سوى ورقة مفضوحة اعدها حزب ولاية الفقيه، وكلفه بطرحها، ليكتشف الجميع انها كارثة محدقة، تضمن تحويل لبنان الى ساحة مفتوحة للمواجهات والمغامرات الاقليمية، ولكل انواع الحروب والصراعات التدميرية، بالوكالة عن المرجعيات السورية والايرانية، وتحت سيطرة واشراف الميليشيا الالهية، وفي قبضة اسلحتها غير الشرعية، ليتم بذلك اسدال الستار على الدولة اللبنانية ومؤسساتها الوطنية.

 

انها حقاً نهاية مفجعة لزعيم كان يمكن ان يتحول الى رمز وطني وعلم لبناني، فاذ به يفضل ان يلعب دور الاداة لدى الاداة، ضد لبنان وشعبه، وليتحول بالتالي الى درس بليغ في الفشل السياسي واسبابه وعناصره.

 

فلقد اثبت الجنرال عون، المرة تلو المرة، انه خبير اختصاصي في فنون الحسابات الخاطئة والاختيارات الفاشلة. ولن تتمكن تحالفاته الطارئة مع اصدقائه الجدد في دمشق وطهران، ومع ادواتهم العاملة في لبنان، من تغيير هذه الحقيقة المرة والمنكرة.

 

15 تشرين الثاني 2008