وسائل الجنرال ورسائله

حسان حيدر - الحياة - 31/01/08//

قد تكون احداث الاحد الماضي المؤلمة في ضاحية بيروت الجنوبية أوقعت العديد من القوى السياسية في تخبط وحرج وبلبلة، لكن «التيار الوطني» بقيادة الجنرال السابق ميشال عون وإعلامه المرئي والمكتوب كانا نموذجا فاضحاً للميكافيلية السياسية التي تبرر الوسيلة اياً كانت ظالمة ووقحة، ما دامت تحقق غرضاً عزيزاً طال انتظاره ويكاد يضيع. فمن شاهد التلفزيون البرتقالي مساء الاحد او تصفح موقع «التيار» على الانترنت، استنتج بلا لبس ولا تجن الكم الهائل من التحريض السافر على سكان المنطقة التي يدعي الجنرال انه يمثلها ويتحدث باسم اهلها. فقد تبرع موقعه بتوزيع صور «القناصة» المزعومين على سطوح البنايات، مؤكدا في برقيات عاجلة ان الرصاص يطلق على المحتجين من اماكن خلف مواقع الجيش، اي من منطقة عين الرمانة، وان عناصر من حزب «القوات اللبنانية» اوقفوا ومعهم اسلحة.

ومع ان هذا التزييف لم يصمد امام الحقيقة التي اكدها الجيش في اليوم التالي ولم يتبنه كل من «حزب الله» وحركة «امل»، وهما المعنيان مباشرة بما حصل، الا انه ساهم في توفير الغطاء المعنوي لقيام مجموعات من الشبان، وبعضهم مسلح، بتجاوز «خط التماس» الى منطقة عين الرمانة ليحطموا السيارات ويرشقوا البيوت ويوقعوا جرحى من سكانها. ولولا تدخل حاسم من الجيش لردعهم لتطور الامر أكثر وأفلت من عقاله.

 

وبعد يومين فقط وصفت مقدمة النشرة الاخبارية للتلفزيون إياه المرشح الرئاسي قائد الجيش العماد ميشال سليمان بأنه «جريح رئاسي حرج الوضع»، وهنا بالذات بيت القصيد ومضاربه جميعا.

 

فالجنرال عون الذي تجرع كالسم، ربما تأثراً بحلفائه الخمينيين، ترشيح العماد سليمان للرئاسة، واضطر على مضض للإدلاء بتصريحات غير مقنعة بأنه هو الذي رشحه، وان الاكثرية انما استجابت متأخرة لرغبته، لم يترك مناسبة للالتفاف على هذا الموقف والتأكيد بأنه لا يزال مرشحاً «جاهزاً» وانه اذا زال التوافق على العماد سليمان فسيعيد طرح نفسه رسمياً بدلا منه. وجاءته المناسبة غير البريئة الاحد الماضي فحاول ان يستغلها بقدر استطاعته وبكل «سلاح» متاح. ومن ظن ان اتهام عون لحزب «القوات اللبنانية» بالقنص على المتظاهرين فيه تبرئة للجيش يخطئ، فالذي قصده ان هناك «تواطؤاً» بين «القوات» والجيش وان هذا الاخير ليس محايداً بل طرفاً، ولذا لا بد من استبعاد قائده عن «المنصب - الحلم».

 

لم يتورع عون عن استغلال المأساة التي طاولت جمهور حليفه الشيعي للتشويش على المرشح الذي يجمع عليه اللبنانيون والعرب، ولو ان بعضهم يسانده ظاهريا فقط، ولم يتردد في التضحية بأمن مدنيين مسالمين لا يرغبون بالتأكيد في العودة ثلاثين سنة الى الوراء عندما كانت الحرب الاهلية مستعرة، طالما ان الثمن ازاحة منافس من طريق قصر بعبدا.

 

وهو حتماً لم يوفر في همروجته المتواصلة الجيش نفسه الذي يتغنى دوما بانتمائه اليه (وربما كان يقصد ان الجيش ينتمي اليه).

اما وقد تعهد الجيش بإجراء تحقيق شفاف وسريع في احداث الاحد ومحاسبة كل من تثبت مسؤوليته، فإن عون لم يتوان عن اصدار بيان يدعو فيه المواطنين الى «عدم الأخذ بالاشاعات التي يعمد البعض الى ترويجها عبر بعض وسائل الاعلام (...) بهدف إثارة الغرائز والنعرات». فهل يبدأ الجنرال المتقاعد بمحاسبة نفسه واعلامه؟