ميشال عون ما بين الإنتحار والأعدام

هيبت بافي حلبجة

 

أن ينفذ حزب الله وزعبمه السيد حسن نصر الله الإرادة الإيرانية ثم السورية في لبنان فهذه مسألة في غاية الوضوح والبساطة، ليس مرده إلى قوة العلاقة ما بين الجهات الثلاثة، إنما إلى أن حزب الله وحسن نصر الله، مثل ميليشيات مقتدى الصدر وجيش المهدي، هما تابعان حسابيان للجهة الثانية، ومتورطان عملياً مع الجهتين الثانية والثالثة في مجمل العمليات الآثمة.

 

لكن أن يتورط ميشيل عون في هذه المؤامرة الخطيرة، فهذا أمر فيه الكثير من الأستغراب والأشمئزاز. لذلك أتوجه إليه فوراً بالحديث: أنك إن حكمت لبنان فسيكون قد مات وأنتهى وتحول إلى جالية لدى طهران، وغدوت أنت حاكماً لا تملك سوى الركوع !.

 

في السابع من أيار قام حزب الله بأسم المعارضة اللبنانية وبقرار إيراني - سوري مشترك بأجتياح العاصمة اللبنانية، بيروت، كأنقلاب على الشرعية الدستورية وعلى المشروعية السياسية، وعلى الأكثرية الأنتخابية، واستباح الحرمات، وأزهق العديد من الأرواح، وأرهق الدماء التي طالما زعم أفتراءً أنه يذود عنها. وفضح أحابيله السياسية وكشر عن ملامحه الأصلية، لأن ما كان يتذرع به بحجة مقاومة المحتل الأسرائيلي وسيناريوهات خطابه القذفي الخداعي لم يكن إلا، ولازال، تمويهاً لتجيير لبنان والمنطقة للإرادة الإيرانية ومعادلتها السياسية أولاً ثم ثانياً تغطية ودفاعاً مشيناً وباطلاً عن موبقات ومنكرات النظام السوري.

 

في السابع من أيار، حسمت إيران ومحورها الموقف نهائياً وحزمت أمرها بصورة باتة قاطعة وأزمت الإشكالية في منطقة الشرق الأوسط دون رجعة، دون رجفة، دون لبس، دون أكتراث بالعواقب الوخيمة التي سوف تتماطر على سهوب وسهول ونجود المنطقة. في هذا اليوم توقف التاريخ للحظات لأنه أنتقال مابين مرحلتين، ما بين عهدين، مابين بينيين.

 

ولنتساءل الآن ماذا بعد وماذا يمكن أن نستقرئ من هذه الواقعة التي على مايبدو لم تكن نتيجة أو رد فعل على المرسومين اللذين أصدرهما الحكومة الشرعية القائمة برئاسة السيد فؤاد السينورة ؟ لأن التصميم والتخطيط والأعداد في القرار السياسي، وفي العمليات العسكرية كانت بادية للعيان لايشك فيها إلا كل معتوه مأفون. ولأن الأحتراس والتدابيرالوقائية الأحترازية عند كل نقطة لاتترك مجالاً للريب.

 

علاوة على ذلك، إن المراكز المستهدفة (مكاتب ومراكز تلفزيون المستقبل) كانت قد أخذ (بضم الهمزة) القرار بتدميرها. لذا، ولأجل أن نعي الأبعاد الفعلية لهذه الواقعة، لامناص من طرح الآتي:

 

الأطروحة الأولى. أن المشاريع والخطط الإيرانية السورية المشؤومة بحكم أنها عدائية ومعادية لإرادة المنطقة ولأجواء الحوار والديمقراطية والتعامل الأنساني الأخوي ولمبادئ البشرية الخالدة، لاتعشعش إلا في الظلام الدامس المكفهر وبأساليب الأنقلابات والمؤامرات والأغتيالات، وبالطرق اللاشرعية المترعة بالغدر والخيانة.

 

الأطروحة الثانية. إن هاتين الدولتين، أيران وسورية، تدركان أن قضاياهما مرهونة سلبياً وعكسياً بالحالة الصحية السليمة لدول التالية العراق، لبنان، فلسطين. فكلما تدهورت الأوضاع وتأزمت وعمت حالة الفوضى والجريمة في هذه البلدان الثلاثة، كلما خبا وهمد الضغط الخارجي عليهما يشأن المحكمة ذات الطابع الدولي والسلاح النووي من جهة، ومن جهة ثانية استطاعت هي، أي أيران وسورية، أرسال المزيد من السيارات المفخخة وتنظيم العمليات الأنتحارية وتدريب عناصرها، والأستفادة من الجماعات التكفيرية السلفية، وكذلك أستطاعت أن تفرض إرادتهما على تلك الدول، من خلال حركة الحماس في غزة، وحزب الله في لبنان، ومليشيات مقتدى الصدر والجيش المهدي في العراق. وكلما إزدادت وتيرة هذه المعادلة، أنكمشت إمكانبات أي تدخل عسكري أجنبي أرضي في شؤونهما.

 

الأطروحة الثالثة: إن الصراع الدائر في لبنان بالذات ليس مفاده التناقض ما بين مشروعين كما تزعم أيران وسورية وحزب الله، مشروع الشرق الأوسط الكبير بقبادة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة العظمى، ومشروع المقاومة المفترضة والوطنية المزعومة بقيادة أيران وسورية وحزب الله وحركة حماس وجيش المهدي ومليشيات مقتدى الصدر.

 

 كما أنه ليس صراعاً بالمفهوم المعرفي الأنطولوجي له، لأنه أصلاً أحتراب من قبل طرف يرمي إلى السيطرة التامة على مقدرات المنطقة، هو تدمير سلبي فظ لكل الملامح الإيجابية المحمودة في الشرق الأوسط. هذا المحور يدعي صراعاً وهمياً مابين المحورين ليثبت مخالبه في أفئدتنا وليستغل العداء المشحون بالضغينة اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وأسرائيل. وفي الحقيقة إن الذي يجري في لبنان هو التقويض المطلق للديمقراطية اللبنانية، للكيان اللبناني، للمشروع الوطني اللبناني الذي يترأسه الآن السادة فؤاد السينورة ، سعد الحريري، أمين الجميل، وليد جنبلاط ، سمير جعجع. لذا فإن (الصراع) هو موجه ضد لبنان وقواه الوطنية الجادة المخلصة.

 

الأطروحة الرابعة : ينبغي أن ننتبه إلى المفارقة ما بين أيران كدولة شيعية وأيران كدولة سياسية من زاوية أن المعادلة الإيرانية في المنطقة هي مشروع سياسي قبل أن يكون مشروعاً عقائدياً. لأنها تعتمد على الرؤيا الفارسية الممزوجة بالبعد الشيعي. وهذا هو الجانب الخطير للغاية، لذا أحذر دول المنطقة قبل غيرها أن تجد مخرجاً ضد هذا الخطر الداهم الجسيم الذي إن ترك (بضم التاء) له العنان سوف يغير الخارطة الجغرافية، وهو قد شرع فعلاً في هذا التغيير، ومن لايرى ذلك فالمصيبة أعظم.

 

الأطروحة الخامسة: في السابع من أيار أنمزق التاريخ، بالنسبة إلى لبنان والمنطقة قاطبة، وأنفطر إلى فلقتتين لا أنتماء ولاتواصل بينهما، إنما شرخ وقطع من الوريد إلى الوريد. في المرحلة الأولى كان لبنان يحتضر، يرعف.

 

أما في المرحلة الحالية فقد مات لبنان القديم، ولم يعد قادراً على العيش المشترك، ولم يعد قادراً على متابعة الحوار، ولن يستطيع أن يتنفس كالسابق ، وكل من يعول على القيمة الفعلية للمقولتين السابقتين، العيش المشترك والحوار، فأنه يسعى إلى حتفه المحتوم ويحفر رمسه بيده.

 

الأطروحة السادسة: لم ينته لبنان القديم وحده بل أنتهى معه، وإلى الأبد، مضمون المقاومة وشخصية السيد حسن نصر الله ومشروعية حزب الله. لأن المصداقية الوهمية السرابية لهذه القضايا الثلاثة دُحضت وذهقت وتلاشت كما تتلاشى قوة البصر في العين العمياء.

 

فالسيد حسن نصر الله (مثل مقتدى الصدر) أنغطس في ورطة تاريخية، في مأزق مزق وشطر كل الأقنعة عن وجهه وبات شريداً أمام عظمة لبنان، وهو في النهاية ليس إلا موظفاً في الخطاب الإيراني ثم السوري، دوره الآن هو الإطاحة ببيروت الباسقة الشامخة وتأجيج أوار الجمل المسعورة في خطابات مستوردة.

أما مضمون (المقاومة) فقد أخذ حجمه ودوره الحقيقيين في ضرب ألتئام الجرح اللبناني والطعن في صدور اللبنانيين. وأما ( مشروعية ) حزب الله فقد جفت وأضمحلت لأن هذا الأخير لم يكن إلا ميليشيات ضد كرامة لبنان ومقولة أمنه القومي ومصالحه العليا.

 

الأطروحة السابعة: أن يغزو حزب الله بيروت ويحدث أنقلاباً عسكرياً بائساً ويقتل ويدمر ويصول ويجول، ثم يدعي ميشال عون أن هذه العمليات كانت ضرورية لإعادة القاطرة إلى السكة الصحيحة فلامناص أنه قد باع لبنان، وأقترف الخطيئة الكبرى، تلك الخطيئة التي لن يصحو بعدها. ولن تغفر له لاالطائفة المارونية الكريمة ولا لبنان يرمته هذه الزلة التاريخية.

 

وفي مطلق الأحوال لقد أنتهى ميشال عون سياسياً وأضحى في عرف المنطق وفي منطق العرف فاقداً لكل أعتبار جماعي ماعدا الجهة التي تستخدمه خنجراً في خاصرة اللبنانيين والطائفة المسيحية الكريمة. ولقد أتضح أنه لايكترث إلا أن يمسي رئيساً ولاهم له إلا هذا المأرب الشخصي.

 

الأطروحة الثامنة: بعد هذا الغزو والأنقلاب، أنتفت حرمة سلاح حزب الله الموهومة، وبان أن هذا السلاح هو للبطش والتسلط وفاقد بالتالي كافة مسوغات وجوده . وطالما أن هذا السلاح موجود فأن مصير لبنان سيكون قاتماً حالكاً.

 

لذا ينبغي على الحكومة اللبنانية القائمة مع قوى الأغلبية النيابية، الموالاة، أن تسعى قبل كل شيء ومهما كانت النتائج إلى نزع هذا السلاح كضرورة تاريخية أمنية مطلقة. رغم أقتناعي الأكيد انه لايمكن نزعه إلا بقوة خارقة.

 

الأطروحة التاسعة: الحل. إذا كان الصبر والجلد والثبات على المواقف الجوهرية هي أولويات الحل، فأن جوهر هذا الأخير يكمن أولاً في وحدة الطوائف المسيحية ومناصرتها للحكومة الحالية، لذلك فأن موقف دولة الرئيس أمين الجميل يرقى إلى المستوى التاريخي المطلوب، وثانياً في الأستعجال بالمحكمة ذات الطابع الدولي كي يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وتتدحرج رؤوس المجرمين على مزبلة التاريخ، ويولد لبنان جديد.