قبل ان يهبط بشار في قصر بعبدا

بقلم/حسن صبرا

 

الشراع/20 حزيران 2008

قبل ان يهبط بشار الأسد على قصر بعبدا كالقضاء المستعجل، ضيفاً يكره وجوده اكثر من نصف البلد الذي يزوره من الشباك بعد ان طرده أهل هذا البلد من الباب، لا بد ان يستعد اللبنانيون جميعاً لتقديم حقوقهم عنده في مطالب يؤيدها العالم كله، عدا هذا الزائر غير المرغوب فيه.

 

أول تلك المطالب هو تكريس لبنان وطناً مستقلاً ذا سيادة ينتمي الى أمة عربية كبيرة ممتدة من المحيط الى الخليج، عضو مؤسس في جامعة الدول العربية مثل سوريا، عضو مؤسس في الأمم المتحدة قبل سوريا، عضو مؤسس في المؤتمر الاسلامي، عضو مؤسس في منظمة الفرانكوفونية دون سوريا.

 

فبشار الاسد لم يعد يزور محافظة سورية، وليس رئيسها محافظاً ضمن محافظي سوريا، وليس رئيس حكومتها عبداً مأموراً لعبد مأمور، وقواها الاستقلالية وتحديداً قوى 14 آذار/مارس هي منتج لبناني قُـدَّ من صخور جبال لبنان وخرج الى النور مع ينابيع سهوله وعذوبة مياهها، وهي ليست منتجاً اسرائيلياً كذاك الذي يصافح موسى قصاب رئيس دولة اسرائيل الذي سقط بفضيحة جنسية او الذي يفاوض اسرائيل ويريد من لبنان ان يقلده.. فسوريا ستسبق لبنان في الصلح مع اسرائيل اما لبنان فكان وما زال اول من ضحى ويضحي من اجل فلسطين.. في حين ان هذا النظام السوري هو اول من يغنم وآخر من يغرم من اجل فلسطين.

 

ثاني تلك المطالب وأعلانها يتم قبل الآن والآن وبعد الآن هي ان يأتي بشار الاسد وهو يحمل خرائط ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، تلك التي يعلن فيها نظامه ما لا يضمر، يشوه فيها الحقائق، وما من احد في هذا العالم إلا ويعرف الحقيقة، فمزارع شبعا ارض لبنانية احتلها نظام سوري في الخمسينيات، احتلتها اسرائيل في عام 67 مع الجولان، وبشار يريد بقاء اسرائيل في مزارع شبعا ويرفض انسحاب اسرائيل منها الى ان تنسحب من الجولان، اذا انسحبت فتبقى مزارع شبعا رهينة، كما كل الحدود اللبنانية مع سوريا.. وقد آن الأوان لأن يعلن بشار من دمشق او من بعبدا تسليم بلاده الخرائط والوثائق التي تثبت ان مزارع شبعا لبنانية، وانها يجب ان تعود الى الوطن الأم لبنان.

 

يجب ان تنشر وسائل الاعلام اللبنانية كلها حقوق لبنان في هذه المزارع عبر الخرائط والوثائق والشهادات الحية لأهاليها وملاكها.

 

ثالث تلك المطالب ان يسحب بشار الاسد عصابات نظامه سواء منها التي تحمل اسماء فلسطينية كفتح الاسلام واحمد جبريل وأبو موسى، او تلك التي تجاهر علناً بوجودها من استخبارات بلاده المختلفة والتي تصول وتجول ومعظمها بات يحمل الجنسية اللبنانية بعد ان منحت لها في ليل بهيم وباتت هذه الجنسية جواز مرور لهؤلاء الضباط الامنيين الذين يخططون للقتل والاغتيال والتفجير والارهاب والفتنة. وعلى الدولة اللبنانية ان تحدد مواقع هذه العصابات سواء تلك التي تحتل انفاقاً في الناعمة على بعد كلمترات قليلة من مطار بيروت الدولي، او في منطقتي قوسايا والحلوة داخل الاراضي اللبنانية، او في المواقع التي يلتقي فيها ضباط أمن بشار الأسد يتامى الاستخبارات السورية في البقاع والجبل وبيروت والشمال.

 

رابع تلك المطالب  هي ان تجهز امهات واخوات وبنات المعتقلين والأسرى والمفقودين في السجون السورية لوائح باسماء الشباب والرجال آباءً وأخوة وأبناء وأشقاء مع صورهم والشهادات التي تثبت ان هؤلاء ما زالوا على قيد الحياة، وفي سجون بشار الأسد، رغم نكران نظامه لهذه الحقيقة التي سرعان ما تنكشف عندما يموت احد المعتقلين او المفقودين الذين تنكر استخبارات الاسد وجودهم.. ثم تسلم جثث الموتى تحت التعذيب او نتيجة القهر وسوء التغذية.. فتظهر الحقيقة المرة وتفضح الكذبة البلهاء.

 

ويجب ان يحمل بشار الى قصر بعبدا قراراً موقعاً من كل اجهزة استخبارات نظامه بشطب والغاء كل لوائح البحث والتحري والاعتقال بحق آلاف اللبنانيين الذين وضعتهم اجهزته على لوائحها نتيجة وشاية او ابتـزاز او خصومة سياسية، بما يجعل آلاف الشباب اللبناني والعرب مطلوباً على لوائح اجهزة هذا النظام.

 

خامس تلك المطالب  ان يجهر بشار الاسد بطلب اقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان وسوريا، كما هي بين أي بلدين جارين شقيقين جار الزمان على احدهما اذ أخضعه لنظام ارهابي دموي لا يرحم شعبه، ولا يرحم شقيقه المكلوم بهذه الجيرة، وشقه لا يختلف في الاسلوب والارهاب عن عدو لئيم على حدوده الاخرى.

 

ولا نبالغ اذا قلنا ان نموذج لبنان الديموقراطي الذي سعى هذا النظام السوري الى تقويضه، هو التحدي الاكبر لهذين الجارين الشقيق والعدو أي لنظام الاسد الأب والإبن وللكيان الصهيوني.

 

لبنان نموذج الديموقراطية وتداول السلطة هو تحد حقيقي لنظام ديكتاتوري شمولي يخضع دولة مثل سوريا كانت قلب العالم ونبضه، فجعلها أسيرة حكم طائفي أسري متوارث دون أي حق او اهلية او كفاءة او ارادة مستقلة مما جعلها في حاله عزلة وضعف وفي حاجة يومية لاثبات اهليتها دولة تستحق الاهتمام ولبنان بلد العيش المشترك هو التحدي الحقيقي للكيان الصهيوني العنصري.

 

ولن نبالغ اذا قلنا ان تقاطع المصالح بين اسرائيل والنظام السوري تكالب على لبنان النموذج الفريد لوأده ومنع اشعاعه من التأثير داخل سوريا التي كانت ديموقراطية قبل ان تسقط تحت أسر الديكتاتورية الحزبية _ الطائفية _ العائلية، وكذلك داخل الكيان الصهيوني الذي لم يعد يملك الهروب من واجب الاعتراف بالحق الفلسطيني صاحب الارض والحق في العودة اليها والوجود كدولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة.

 

سادس تلك المطالب هي ان يكف هذا النظام عن ادعاء الامتداد السياسي  والامني داخل لبنان، لأن هذا الامتداد لم يجلب سوى الخراب والدمار والارهاب للبنان وشعبه بكل طوائفه ومذاهبه ومناطقه، والأفضل له ان يبحث عن سبل المحافظة على حقوق شعبه في ارضه المحتلة، وفي حياة حرة كريمة على ارضه المحررة، وان يسعى للحاق بركب العصر الذي يسقط النظم الديكتاتورية الارهابية، او على الأقل يشذب سلوكها.

 

سابع هذه المطالب هي ان يعترف بشار الاسد بأن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوم 14/2/2005 تمت حين كانت اجهزته الامنية تسيطر  سيطرة تامة على كل شأن في لبنان، وان هذه الجريمة تمت بإرادة هذه الاجهزة ومعرفتها، اياً كان الرجل الذي قاد الحافلة المحملة بـ 1800 كلغ من المتفجرات.

 

سيكون من المستحيل على بشار الاسد الذي يدين بوجوده في السلطة لرضى هذه الاجهزة ان يسلم رقبتها الى المحكمة الدولية اذا اعترف بمسؤوليتها عن ارتكاب هذه الجريمة، لأن معنى هذا ان رقبته ستطير قبل ان يسلم أياً من قادة هذه الأجهزة للعدالة.

 

في هذه الحالة ان بشار الأسد مطالب بأن يتعاون مع التحقيق الدولي الذي اجراه ويجريه محترفون في التحقيق، نـزهاء شريفون وحياديون، ولا يعنيهم اسم الضحية او اسماء المجرمين، بقدر ما يعنيهم بعد ان عرفوا الضحية ان يقدموا اسماء المجرمين.. ولعل بشار الاسد يقدم خدمة لنظامه اذا هو ساعد العدالة على التخلص من الذين نفذوا هذه الجريمة التي كان من اولى نتائجها طرده من لبنان بالطريقة التي يعرفها.

 

كما ان بشار الاسد مطالب بأن يقدم الى لبنان مساعدته الجدية ومن موقع الشقيق والجار في الكشف عن كل الجرائم الذي ارتكبها نظامه الموروث من والده بدءاً من اغتيال القائد الشهيد الناصري معروف سعد في 26/2/1975 (استشهد في 6/3/1975)، فكانت الشرارة الاولى التي اشعلت الحرب الاهلية قبل 13 نيسان/ابريل من هذا العام وحادثة حافلة عين الرمانة الشهيرة، وعن ملابسات مرور هذه الحافلة التي كانت تقل مقاتلين فلسطينيين من جماعة احمد جبريل كانوا يحتفلون بذكرى اقتحام مستعمرة تل شيحا (معالوت) في شمال فلسطين.. في عين الرمانة ومن الذي اطلق النار على كنيستها وقتل شباناً على بابها قبل مرور الحافلة الفلسطينية.

 

وكذلك على بشار الاسد، ان يقدم رداً على المعلومات التي تتهم اللواء ابراهيم الحويجي بتدبير جريمة القائد الوطني كمال جنبلاط يوم 16/3/1977، وان يقدم معلومات حقيقية متوافرة في ارشيف الاجهزة التي تحكم في دمشق عن جرائم اغتيال المفتي الشهيد حسن خالد يوم 16/5/1989 وقبل ذلك وبعده عن اغتيال الشهداء سليم اللوزي، رياض طه ومحمد شقير والشيخ صبحي الصالح والنائب ناظم القادري.

 

وكذلك معلومات نظامه عن اغتيال رئيسين للجمهورية في لبنان هما الشيخ بشير الجميل يوم 14/9/1982 والرئيس رينيه معوض يوم 22/11/1989 ومعلوماته عن اغتيال رئيس الوزراء الشهيد رشيد كرامي يوم 1/6/1987.

 

وإذا كان بشار الاسد سينسب كل هذه الجرائم الى رجال والده حافظ الاسد الذي توفي يوم 11/6/2000 وتولى هو السلطة بعده فإن بشار لا يستطيع ان يهرب من مسؤوليته عن الجرائم التي ارتكبتها اجهزته الامنية اعتباراً من يوم 1/10/2004 أي محاولة اغتيال النائب والوزير والصحافي مروان حماده، ولا أي من الجرائم ومحاولات الاغتيال التي ذهب ضحيتها الشهداء المفكرون والاعلاميون سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني والنواب (الوزير) بيار الجميل ووليد عيدو وانطوان غانم ومحاولات اغتيال الوزير الياس المر والاعلامية مي شدياق والمقدم سمير شحاده، ثم اغتيال الشهيد اللواء الركن فرانسوا الحاج والمقدم الشهيد وسام عيد.

 

وبشار الاسد مطالب بأن يقدم تقارير اجهزته عن دورها في حمل عصابة فتح الاجرام بقيادة عميل الاجهزة السورية شاكر العبسي الى لبنان لارتكاب جرائمه ضد الجيش اللبناني الذي سقط من رجاله 175 شهيداً بين ضابط وجندي وأكثر من 500 جريح فضلاً عن مشروع الارهاب الذي كان يهدف الى إقامة إمارة اسلامية طالبانية في شمالي لبنان عاصمتها طرابلس للانقضاض على الدولة اللبنانية كلها بدءاً بتدمير جيشها الوطني وجزّ رؤوس 21 جندياً وضابطاً وهم نيام في مهاجعهم.

 

أما جرائم التفجيرات المتنقلة لبث الرعب والارهاب في نفوس الناس الآمنين في بيوتهم والمؤمّنين على مصالحهم ومحلاتهم ومؤسساتهم، فهي من اعمال يتامى استخبارات الاسد الأب والإبن وهو أدرى كيف ولماذا استهدفتهم وسيقدم خدمة مهمة للبنان الذي يزوره لو قدم اسماء المسؤولين عنها الى العدالة اللبنانية للبت في مصيرهم وجرائمهم.

 

واللبنانيون مدعوون في استقبال بشار الاسد الى رفع الاعلام اللبنانية في كل شرفة وكل شارع وعمود كهرباء ولوحة اعلانات وزجاج كل سيارة وحافلة.

 

اما أهالي الشهداء فمطالبون برفع صور الشهداء تحت عنوان واحد هو نريد معرفة من قتل الشهيد من كمال جنبلاط الى رفيق الحريري ومن بشير الجميل الى رينيه معوض، ومن الشيخ حسن خالد الى الشيخ صبحي الصالح ومن النقيب رياض طه الى الاعلامي جبران تويني ومن المفكر سمير قصير الى المناضل جورج حاوي.

 

وأهالي المخطوفين مطالبون برفع صور اولادهم او رجالهم او آبائهم او اخواتهم او اخوانهم تحت عنوان نريد معرفة مصير هؤلاء الرجال في سجون نظام الاسد.

 

اما قوى المجتمع المدني الاهلية في لبنان من جمعيات وهيئات ومنظمات وحركات وروابط ومؤسسات فهي مطالبة بأن تقدم لوائح او نماذج من الاعمال اللاانسانية التي قامت بها أجهزة نظام الاسد الأب والإبن في  لبنان، طيلة فترة وصايتها عليه خلال 30 سنة، كي يدرك العالم طبيعة هذه السلطة الغاشمة التي سيطرت على لبنان لثلاثة عقود، وما ألحقته من دمار وإهانات وإهدار للكرامات بحق شعب آمن سقط فريسة اجهزة نظام لا يرحم.

 

وعلى اصحاب المؤسسات التجارية والمصانع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة الجماعية والفردية وأصحاب عربات الخضار والفاكهة والكعك والبائعين الجوالين الذين كانوا يبيعون أي شيء في موسمه وخارجه ان يقدموا كشفاً بالخسائر التي لحقت بهم نتيجة المنافسة غير المشروعة من مثيلاتهم في سوريا، وارقام الخوات التي كانوا يدفعونها للضباط والجنود والمخبرين السوريين الذين عاثوا فساداً في هذا الوطن طيلة 30 سنة، وان يرووا حكايات الاهانات التي كانت تلحق بهم من هؤلاء، وكم من سنوات زهقت من عمرهم في أقبية الاستخبارات في مقرات ضباط الامن في لبنان او في سوريا.

 

أما الذين خطفوا لوشاية كاذبة، او تلفيقاً لتهمة او تهكماً او انتقاماً او هواية سادية من شباب وفتيات،  بعضهم مات في أقبية استخبارات الأسد الأب والإبن، وبعضهم فقد عقله او شخصيته ودمرت احلامه وانتهكت اسراره.. فإن هؤلاء وأهاليهم مطالبون بأن يرووا شهادات حية عما فعلته اجهزة استخبارات الاسد الأب والإبن بحق شباب لبنان ومعظمه للأسف هاجر هرباً وقرفاً وبحثاً عن امل خارج وطنه مغترباً خائفاً من العودة تحت أي ظرف او حالة ويائساً من امكانية التغيير، ونظام الأسد ينوع في الاجهزة التي تلاحق لبنان شباباً ووطناً.

 

نحن نعرف ان هذه المطالب وغيرها ليست في وارد التفكير الحالي لنظام بشار الاسد.. وهو موعود في لبنان بزحف حزب الفرس وأتباعه لاستقباله لتعويضه الخروج غير المشرف يوم 26/4/2005.. لكن هذه المطالب وغيرها ستظل تقض مضاجعه، وتلاحقه أينما توجه حتى لو تصور ان اتفاق الدوحة بعد غزوة حزب الله الارهابية لبيروت ستعني له العودة من الشباك بعد ان طرد من الباب.

 

رئيس التحرير