وداعًا عون؟

حازم صاغيّة

 الاحد 18 أيار 2008

 

في سلوك الجنرال ميشال عون وفي تصرّفاته الثابتة رغبة حادّة في تقليد الله. ولأن "الله وحده" حسب قول شائع، فإن الجنرال يغدو اليوم وحده.

 

هذا، على الأقلّ، ما تشير إليه وقائع كثيرة أهمّها عدم توافر الصنّارة المسيحيّة التي تصطاد الفتنة وتستحضرها الى ما كان يُعرف بالمناطق الشرقيّة. فقد انعدمت قوّة كهذه فاستطاعت المناطق المذكورة أن تجنّب نفسها غزوة "حزب الله" وحلفائه القوميّين السوريّين. لا بل تحوّلت البقعة تلك مكاناً للجوء كثيرين من الكتّاب والصحافيّين والمهنيّين الأحرار الذين فرّوا من تمدّد العتم في المناطق الغربيّة. أبعد من هذا، يُعدّ العجز عن جرّ المناطق الشرقيّة الى دائرة الخراب المعمّم أحد الأسباب التي أوقفت هجمة "حزب الله" وحلفائه عند حدّها.

 

بيد أن عجز الآخرين انقلب، في رواية الجنرال، الى فضيلة. ذاك أن الرواية تلك تذهب الى ان "تفاهم" تيّاره مع "حزب الله"، والمعروف بـ"تفاهم مار مخايل"، هو الذي جنّب المناطق الشرقيّة الويل! وهي معادلة تبقى، على رغم زيفها، إشارة بليغة على تحكّم العقليّة الذمّيّة بقائد الجيش السابق.

 

كائناً ما كان الأمر، تلوح مرحلة جديدة قد لا يكون فيها جنرال أو "تيّار". فالذاهبون الى الدوحة متّفقون على شيء واحد وحيد هو الإتيان بقائد الجيش ميشال سليمان رئيسًا للجمهوريّة. وبغضّ النظر عن مدى إسهام هذا الاتّفاق في توفير حلول جدّيّة، يبقى أن عون باشر، في أغلب الظنّ، خروجه من الحلبة. لهذا حاول الدفع باتّجاه ترئيس سليمان حكومة انتقاليّة، وإلاّ فانتخابه رئيسًا لولاية رئاسيّة قصيرة أو مقصّرة. فهو يعرف أنّ رئيسًا لمدّة ستّ سنوات يعني النهاية المؤكّدة لطموحاته المتضخّمة، ليس فقط بسبب السنّ، بل أيضًا بسبب خروج الرئيس الجديد من الجيش الذي صوّره عون قاعدة ضمنيّة لصعوده السياسيّ.

 

والحال أنّ تخلّي "حزب الله" عن ميله السابق الى ترئيس عون لم يأت فحسب من اضطرار "الحزب" الى سلوك طريق التسويات مع خصومه. فهو صدر، كذلك، عن استشعاره ضعف الحليف الصغير الذي ظهّرته أيّام المحنة الأخيرة على نحو ساطع. فالبحصة التي تسند الخابية، على ما تقول الصورة الشعبيّة، أصابها الحفّ والمحو حتّى الاضمحلال. هكذا انتقلت ورقة اللوتو التي كسبها "الحزب" في مار مخايل الى عبء عليه.

 

مع ذلك، وتحت وطأة الإحباط الذي لا بدّ للتجربة الأخيرة أن تضاعفه، يُخشى ركوب الجنرال موجة تصعيد طائفيّ جديدة عنوانها، كما قبلاً، حقوق المسيحيّين. وهو ما ينبغي على الأخيرين التنبّه منه وعدم الوقوع في حبائله بحيث يحرقهم من جديد بنار طموحاته الجهيضة.

فهو قائد يقود الى الكارثة سواء انتصر أو انهزم. والعقل يقضي بأن يُترك الرجل يتخبّط وحده في كارثته، لا يشاركه فيها أحد ولا يكون أحد ضحيّتها وضحيّته.