دواء من دون مرض!

حازم صاغيّة

الاثنين 23 حزيران 2008

      

أتيح لنا أن نشهد حلقة جديدة في مسلسل مزارع شبعا الشهيرة. فوضعها، كما ذُكر مؤخّرًا، تحت وصاية دوليّة، واحتمال أن يتحوّل الأمر الى مرحلة انتقاليّة تُعاد بعدها المزارع إلى لبنان، لم يرضيا "حزب الله". وما دامت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كوندوليزا رايس من المهتمّين بإيجاد حلّ لمسألة مزارع شبعا (30 كلم2)، اكتملت عناصر المؤامرة الهادفة إلى نزع سلاح المقاومة بحجّة إعادة الأرض.

 

لقد سبق أن شاهدنا، أواخر التسعينات، حين أعلن إيهود باراك، وكان قد انتُخب رئيسًا لحكومة إسرائيل، عن نيّة حكومته الانسحاب من لبنان من طرف واحد، كيف اعتُبر ذلك مؤامرة. ذاك أن انسحابًا كالذي تمّ لاحقًا يحرم دمشق حججها لإبقاء قوّاتها العسكريّة في لبنان وعدم تطبيق اتّفاق الطائف، كما يحرم "حزب الله" زعمه المقاومةَ لتحرير الأرض.

 

وأمام تحدّ كهذا، وعلى ما بات معروفًا جيّدًا، تُرك لرجل الأمن يومذاك، جميل السيّد، أن يخرج على الملأ بمزارع شبعا. وهو بالضبط ما حصل مع تحقّق "مؤامرة الإنسحاب" (وهي التسمية التي استخدمها وزراء سوريّون وأنصار لهم في لبنان)، بحيث وُضعت المزارع المسكينة في صدارة الضوء والتركيز. ولئن أفضت تطوّرات أخرى، أهمّها اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الى خروج القوّات السوريّة، بقي موضوع سلاح المقاومة عالقًا، فيما تمنّعت دمشق، وتتمنّع، عن القيام بما هو مطلوب منها لجلاء لبنانيّة المزارع وتسهيل استعادتها سياسيًّا.

 

لقد غدت مزارع شبعا عنوانًا لإبقاء الوضع اللبنانيّ على ما هو عليه: دولة منقوصة السيادة وجيش موازٍ، هو بلا قياس أقوى من الجيش الرسميّ، يجسّده "حزب الله".

وهنا تلتقي روافد عدّة في عدادها، طبعًا، قلّة اكتراث بالأرض واستعادتها تجد غطاءها في ضجيج مبالغ فيه عن تحرير الأرض. وهذا جزء من ثقافة تتعدّى لبنان، كان أبرز تجلّياتها في حبّ جمال عبد الناصر الذي خسر الأرض وكره أنور السادات الذي استعادها. كما أن من روافد ذاك الموقف الاستعداد الدائم، عند البعض، لتغليب المصالح السوريّة والإيرانيّة على مصالح اللبنانيّين في السلام والاستقرار. وغنيّ عن القول إن المصالح الأخيرة تنطوي على إبقاء الصراع معلّقًا بهدف الإبقاء على لبنان ساحة.

 

لكن الرافد الأشدّ حضورًا في حياتنا، العامّة والخاصّة على السواء، أن المقاومة لا تقول بالضبط ما الذي ينبغي أن يحصل كي تكفّ عن كونها مقاومة. فاستعادة الجنوب والبقاع الغربيّ لم تفعل ذلك، واستعادة مزارع شبعا المحتملة لن تفعله.

 

وحتى لو اعتقدنا أن المقاومة دواء لمرض الاحتلال، فما نحن مطالبون به هو المضيّ في تجرّع الدواء بعد الشفاء من المرض، أو في معزل عن وجود المرض. ولا نضيف جديدًا حين نقول إن الأدوية من دون أمراض تتسبّب، بدورها، بأمراض قابلة للتفادي. فكيف إذا جاز الشكّ أصلاً بأن ذاك الدواء دواء؟!